وهل تطيق وداعاً…؟ Posted: 28 Nov 2018 01:30 PM PST قالها شاعر عربي ورحل بعد أن ودّع: وهل تطيق وداعاً أيها الرجلُ؟ وإذ تساءل الأعشى عن مدى قدرته على الرحيل، فلأنه مفردة غائرة المعاني والدلالات في الوجدان العربي قديماً وحديثاً، وهي ذات تداعيات نفسية – عاطفية، وفكرية- فلسفية، ومعيشية- سياسية صاغت شخصية العربي بغير قليل من القلق وعدم الاستقرار، أثناء رحيله الدائم إلى الماء والحلم، حيث تجسد الرحيل في تشكل حضارات بلاد الرافدين والشام المتكونة مع تراكم قرون من رحيل العرب إلى ضفاف الأنهار، أو رحيلهم من «بيت الشَّعْر» إلى «بيت المَدَر»، أو من الرمل إلى الماء، أو من طور «البداوة الأعرابية» إلى طور «الحضارة العربية»، التي انطلقت لاحقاً في مراكز حضارة العصر الوسيط في بغداد ودمشق والقاهرة والقيروان وغيرها. لكن الرحيل، رغم تجسيده لصيرورات الإنسان الحضارية الكبرى، موجع على المستوى العاطفي والوجداني، حيث حفلت أدبيات العرب بالكثير مما قيل في الرحيل وآثاره المدمرة على الراحلين إلى المصائر الغائمة. وتحدثنا السِّيَر أن نبي الإسلام عندما قرر الرحيل عن مكة إلى المدينة، التفت التفاتة أخيرة إلى بلدته، وقال «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت». وسجل ديوان الشعر العربي آلاف القصائد عن الرحيل، والوقوف على الأطلال، ووصف الرحلة، والحنين إلى الأوطان والخلان، حين كان وطن الإنسان العربي في الصحراء مصنوعاً من خيوط مفتولة من شعر ماشيته، يحملها معه لتتبع مساقط الماء في الفيافي المهلكة، لكنه وهو ينقل «وطنه» معه إلى ماء جديد يظل يهفو إلى «الديار»، وتحوم على مخيلته الذكريات، ويحلم بالعودة إلى أن يموت. وبحكم طبيعة بوادي بلاد العرب، فإنها كانت تفرض على سكانها من البدو الترحل الدائم، ومن الرحيل المستمر ولد البكاء على الطلول، والحنين إلى الأحبه، ومن هنا جاء الشعر منسجماً في أوزانه مع حركة أعضاء الناقة الراحلة، ومتقداً كشمس الصحارى اللاهبة، ومن هنا كان الرحيل باباً واسعاً من أبواب الشعر العربي القديم. وقديماً وقف أمير شعراء العرب امرؤ القيس بن حجر الكندي على «سَمُرات الحي» وأرسل عينه وقلبه وهواجسه، ودخل في حالة من بكاء طويل، عندما مرَّ بطلول أحبته الراحلين. رحل امرؤ القيس، ورحلت فاطمة ورحل المكان والزمان، وبقي العرب يرددون: قِفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل. أما الشريف الرضي، فوقف على «ديارهم»، حتى تعب جمله، ولامه مرافقوه، وعندما اضطر للرحيل ظل يتلفَّت بعينيه، ولما غابت الديار/الوطن «تلفت القلبُ»، كما قال في رائعاته الثلاثة: ولقد مرَرْتُ على ديارهُمُ وطُلولها بِيَدِ البلى نَهْبُ فوقفتُ حتى ضَجَّ من لَغَبٍ نِضْويْ ولجَّ بعذليَ الرَّكْبُ وتلفَّتتْ عينيْ فمُذْ خَفيِتْ عني الطُّلول تلفّضت القلبُ لم يكن الرَّضي يعبر عن حالة من الحنين للديار وحسب، ولكنه كان يجسد القلق الوجودي لدى رجل ممزق بين الحب والسياسة والأصدقاء والطموحات. أما شاعر العربية الأكبر أبو الطيب المتنبي، فقد صرخ: إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون هُمُ حيث مزج الرحيل بأدمع المكابرة، بالتوق للمستقبل، بالحنين للماضي، بالانشداد لمصر، بالارتداد لحلب، وجاء الرحيل لديه بنكهة الحب والسياسية، وخولة وسيف الدولة، حتى جاء شعره في الرحيل قصيدة غزل في امرأة لم يحظَ بها، ومقال نقد في سياسة رحل من حلب غضباً عليها، وبحثاً عن حريته التي أوقعته بين يدي كافور مصر: «فلا هو في العليق ولا اللجامِ»، كما قال. وإذ ارتبط الرحيل بحياة الإنسان عموماً، والإنسان العربي على وجه الخصوص، فإن هذا الرحيل يجسد البحث عن الماء، عن الحياة، عن التجديد، إنه يمثل السأم من متلازمات الزمان والضجر من حدود المكان، والبحث عن المجهول، ومحاولة الالتحام بالدروب، حين تكون الرحلة هي الهدف الذي يصبو إليه الراحلون، وحينها يكون الرحيل أجمل من الوصول، لأنه يحدث أن تكون المتعة موجودة في الطريق إلى المدينة لا في المدينة ذاتها، وذلك عندما يصاب الراحلون- وهذا غالباً ما يحدث- بخيبة أمل عند الوصول، ليفيقوا على طريق رجعة متعثر بأحلامهم المبعثرة على الشطآن وسكك الحديد وشبابيك بيع تذاكر السفر. إنه- إذن- العربي المشرد بين البوادي والحبيبات والسياسات والأوطان والأنظمة والسجون. العربي الذي يقضي أكثر من نصف عمره معلقاً بذيول الطائرات والقطارات والأمنيات، باحثاً عن وطنه، عن ذاته، عن ماضيه، عن مستقبله، وعن أشياء كثيرة ضيعها في دهاليز القصور الرئاسية والملكية، وردهات السياسات العابثة. وتتمثل المفارقة والمأساة كذلك، في أن هذا العربي يفارق الأحبة بحثاً عنهم، ويذهب للمنافي ليسألها عن وطنه الذي تفلت من بين أصابعه، ويترك الأصدقاء ليلتقيهم في مطار صاخب أو محطة قطار مجهولة. ربما كان يبحث عن ذاته الضائعة، ربما عن تاريخ غرب مع شمس ذهبت وراء الجبال البعيدة ولم تعد، ربما أراد أن يجد نفسه في العدم، أو أراد أن يعيش في قلب الموت، أو أن يجد ضالته في متاهة حياته، التي يكتنفها الكثير من الغموض والبؤس والسياط والسجون والنياشين والرصاص والطوائف والمليشيات. واليوم ترحل آلاف القصائد، وطيور الكناري والأدمغة والشعراء والكتاب والصحافيون والعلماء والمخترعون العرب إلى الضفاف البعيدة، حيث يغامر المهاجرون في عبور البحار العالية، علَّهم يجدون أحلامهم على الشاطئ الآخر، إذا نجوا من قراصنة البحار وأمواجها القاتلة، في رحلة البحث عن مدن لا تنام وأوطان لا تموت. إنهم يرددون مع محمود درويش: «كن من أنت حيث تكون، واحمل عبْ قلبك وحده، وارجع إذا اتسعت بلادك للبلاد، وغيرت أحوالها». *كاتب يمني من أسرة «القدس العربي» |
قمة الأرجنتين: الصاعدون والهابطون… والعالقون! Posted: 28 Nov 2018 01:15 PM PST رغم أن قمة الأرجنتين هي اجتماع للعشرين دولة الأقوى اقتصاديا لكنّها تلخّص أيضاً الوضع السياسيّ للعالم كما أنها مؤشّر مفيد لقراءة حيثيات الصعود والهبوط في بورصة القوّة والمكانة والنفوذ والغنى في العالم. لا يمكن، في هذه القمّة، إخفاء حقيقة ما تعنيه المصاعب الكبيرة التي تتعرّض لها النظم الديمقراطية حاليّا، كما أن النظم المستبدة التي تتغنى بالاستقرار في بلادها لا تستطيع إخفاء وجود أزمات بنيوية كبيرة مقبلة. على رأس «القمّة» سيكون لدينا دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي يمثّل البلد الأغنى والأقوى، والذي حُشر خلال الاجتماع في موقع لا يرغب فيه، فقد اضطرّه تصاعد الأزمة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا إلى إعلان عدم رغبته في مقابلة نظيره الروسيّ فلاديمير بوتين المحبّب إلى قلبه (لكن روسيا قالت إن المقابلة ستتم)، كما أنه، تحت وطأة أزمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، أعلن ايضاً أنه لن يقابل وليّ العهد حليفه السعودي المدلّل محمد بن سلمان، ويبدو أن إقامة الأخير ستكون محفوفة بالإهانات وربما المخاطر مع إعلان النيابة العامة الأرجنتينية طلب معلومات من تركيا واليمن للبت في ملف دعوى حول اعتقاله! في المقام الثاني سيكون الرئيس الصيني شي جيبينغ حاضراً، وسيحضر معه طبعاً حال التوتّر مع واشنطن وإجراءاتها الاقتصادية القاسية التي تحاول بكين مواجهتها بطرق تجمع بين الاقتصاد والسياسة وبعض المماحكات العسكرية، وعبر علاقاتها مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران وتركيا مؤخرا، وستحضر في الخلفيّة مشاريع بكين التي تجمع بين التجارة والسياسة والتي ستحدّد إلى حدّ كبير سياقات الجغرافيا السياسية في العالم خلال العقود المقبلة. كما تحضر اليابان، التي أخلت طريق الصعود للصين خلال العقد الأخير، فهبطت في مؤشر القوة الاقتصادية للمرتبة الثالثة، وليس من المتوقع أن تعاود الصعود قريبا لكنّها، مع حليفتها أمريكا، قادرة على لعب دور كبير في كبح طموحات الصين وروسيا. في المقام الرابع ستأتي أنغيلا ميركل، التي ما زال اقتصادها يتمتّع بالعافية ويحتاج مئات آلاف المهاجرين، ولكنّها، ستغادر الحلبة قريباً لأنها اتخذت ذلك القرار الاستراتيجي نفسه باستقدام مئات آلاف المهاجرين! وبعدها ستأتي الهند، التي سجّلت نموا عاليا يقدّر حجمه بـ2.87 تريليون دولار، ولكنّها كنظيراتها تعاني من ارتفاع المدّ اليميني المتطرّف، وإذا قاد البلاد بعيداً عن الديمقراطية ونحو أزمات سياسية فهي سائرة بالضرورة نحو الهبوط. ستأتي رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي المثقلة باحتمالات الاتفاق (أو عدم الاتفاق) على الخروج من الاتحاد الأوروبي في وقت كشف فيه وزير الخزانة فيليب هاموند عن سيناريوهات قاتمة للاقتصاد ستطارد البريطانيين لعشرات السنين، وسيأتي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تطارده الإضرابات في بلاده، وإيطاليا التي تعاني أزمة بنيوية عميقة، كما ستأتي دول أوروبية وغير أوروبية منها البرازيل، ولو من دون رئيسها الجديد جاير بولسونارو الذي يمثّل شكلا جديدا من العنصرية المتطرفة التي تعبّر عن أزمة سياسية واقتصادية عميقة. من منطقتنا سيحضر الرئيس رجب طيب إردوغان وقد سجّل نقاطا سياسية واقتصادية تحتسب لبلاده، فخرج من أزمة العقوبات الاقتصادية الأمريكية وهبوط سعر الليرة، كما أنّه ثبت تحالفه مع الحركة القومية، وأدى تقاربه مع روسيا إلى إنجاز مرحلة كبيرة من مشروع السيل لنقل الغاز إلى أوروبا، وافتتح واحدا من أكبر المطارات في العالم. كما سيحضر بن سلمان والذي يجرجر عجزا كبيرا في الميزانية وحربا في اليمن تستنزف قرابة 7 مليارات دولار في الشهر و35٪ نسبة بطالة وفشلا في مشاريع اقتصادية كبيع حصة من أرامكو وفوق ذلك كلّه يحمل جثّة خاشقجي الثقيلة ومطاردة العالم له. في قمّة الأرجنتين يحضر عالم جديد غامض ومخيف سيعيد، خلال حقبة تاريخية قصيرة، ترتيب القوائم ومقامات الصاعدين والهابطين والعالقين. |
الديمقراطية والصحافة الحرة Posted: 28 Nov 2018 01:14 PM PST تختلف نماذج النظام السياسي في العالم عن بعضها البعض، فمنها الديكتاتوري ومنها الديمقراطي. وفي كل دولة ديمقراطية نواقص عديدة، كما وفي كل ديكتاتورية قد يتوفر بعض من المناخ الذي يسمح ببعض المساحة. لكن هذه المساحة قلما تستمر مع أدنى تغير في رؤية النظام. كيفما قيمنا الأنظمة السياسية سنكتشف بأن غياب الديمقراطية يقترن دائما مع غياب الصحافة الحرة وعدم مساءلة صناع القرار مهما بالغوا في أخطائهم. بل ويقترن غياب الديمقراطية بنفس الوقت مع ضعف القدرة على تحدي الظلم وتحييده. بل ليس غريبا، من جهة أخرى، انه مع الديكتاتورية تنمو مدرسة تأليه الحاكم (عبادة الفرد) وجمود السياسة وسيطرة فئة صغيرة من النخبة على مجريات الحياة العامة والاقتصاد والثقافة والأمن. في الديكتاتورية تهمش كل السلطات، وتبقى السلطة غير المساءلة في ظل توغل الأجهزة الامنية. ورغم الهجوم على الديمقراطية في الكثير من دول العالم في السنوات القليلة الماضية بما فيها عدد من الدول الديمقراطية، تكتشف الناس والمجتمعات الحاجة لاستعادتها والتمسك بقيمها. فالديمقراطية تنطلق بالأساس من ان السلطة المطلقة بطبيعتها آيلة للفساد و للظلم، وانه يجب بناء آلية لوضع قيود على السلطة المطلقة. لقد تطورت الديمقراطية على مدى القرون بهدف أنسنة الحكومة والدولة وجعلها أقل قدرة على ممارسة الظلم بحق الناس والمجتمع. ففي الديمقراطية توازن بين صلاحيات سلطة الحكومة من جهة وسلطة البرلمان في جانب آخر، ثم سلطة القضاء في جانب ثالث وسلطة الاعلام في البعد الرابع. لتنجح هذه السلطات في ازدهار الديمقراطية لا بد لها من أن توازن بعضها البعض. لكن الديمقراطية لا تتطور إلا في ظل ضمانات واضحة لحرية التعبير وإستقلال الإعلام. في الديمقراطية لا بديل عن انتخابات تقرر من هو الرئيس ومن هو رئيس الوزراء، بل يتضح بأنه (خاصة في الأنظمة الملكية) ضرورة أن يكون رئيس الوزراء قائدا فعليا يستمد قوته وبرنامجه وصلاحياته من برلمان منتخب وفق قانون يسمح لكل القوى السياسية والشعبية بالمشاركة والتنافس. ويكتشف الناس بالممارسة بأن التداول على السلطة أفضل بمرات ومرات من تهميش الشعب والنخب المتعلمة والطبقة الوسطى ثم رهن الدولة والمجتمع لفرد وأقلية سياسية وبالنهاية لقوى خارجية. مع الديكتاتورية تنمو مدرسة تأليه الحاكم (عبادة الفرد) وجمود السياسة وسيطرة فئة صغيرة من النخبة على مجريات الحياة العامة والاقتصاد والثقافة والأمن الديمقراطية كنظام أقدر على خلق الثروة والنمو الاقتصادي على المدى البعيد. إن سبب هذا النجاح مرتبط بإيمانها بحرية المعرفة وحرية انتقال المعلومات وحرية النقد والشفافية في الحكم. بل ان الديمقراطية أقدر على النمو الاقتصادي بسبب قدرتها على تبسيط وأنسنة الاقتصاد وإيقاف الاحتكار مما يدعم قدرة الاجيال الشابة على المشاركة في الاقتصاد النامي. وفي الديمقراطية تزدهر صناعة الكتاب و المسرح والأدب والرواية والشعر والموسيقى وكل ما يرمز للقوة الناعمة وذلك بفضل مساحة الحرية والتعبير وعدم وجود قوانين مكبلة كتلك التي تفرضها الديكتاتورية. الديمقراطية معرضة للانتكاسة، لكن بقاء الياتها الأساسية يجعل إصلاح حالها أمرا ممكنا. الديمقراطية الأمريكية نموذج لما أقصد. فقد انحرفت عن مسارها بانتخاب الرئيس ترامب في 2016، وذلك لأنه من أقل الرؤساء الأمريكيين ديمقراطية وأقلهم التزاما بدولة القانون. لكن وفي المقابل، عندما أعاد الأمريكيون تقيم خياراتهم الانتخابية انتخبوا مجلسا للنواب في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2018 هدفه إعادة التوازن للنظام الأمريكي. كما وقد يشعر الناس في ظل الديمقراطية بالحرمان الاقتصادي والظلم، ومن الطبيعي أن ينتشر الفساد في ظل الديمقراطية، لكن هذا لن يمنع المجتمع من السعي للتغير ضمن آليات للاحتجاج يجيزها بل يشجع عليها القانون الديمقراطي، وان لم تنجح آليات المؤسسات الانتخابية كالبرلمان والقضاء والإعلام في إنصاف الناس والمهمشين، تتحرك الناس نحو الشارع كما يقع اليوم في فرنسا. وقد تخرج الأمور عن السيطرة، لكن بنفس الوقت نجد في كل الحالات بأن آليات النظام السياسي الديمقراطي الاكثر انفتاحا ورسوخا قادرة على استيعاب الشارع وذلك من خلال التعامل مع المطالب والعمل على التغير. كلما تطورت المؤسسات الديمقراطية نجدها لا تدخل بصراع مفتوح وطويل مع الشعب كما يقع في النظام الديكتاتوري الفاقد للرؤية والتسامح. في الديمقراطية لا يستطيع الحاكم حل المؤسسات ولا يستطيع جعل الجيش يقتل المئات في ظل زج الألوف في السجون. وعندما تهتز الدولة الديمقراطية بسبب أخطاء صاحب السلطة مهما كان موقعه تقع الاستقالة. إن قادة الديمقراطيات لديهم ضمانات (غير متوفرة في الديكتاتورية) تسمح لهم بالاستقالة مقابل العفو و الخضوع لقضاء نزيه. وتقع الاستقالة عندما يصبح وجود الرئيس وصاحب السلطة عبئا على المواطن والدولة والشعب. في المجتمعات العربية تنمو في مخيلة الناس كما وفي قناعاتهم السياسية الحاجة للديمقراطية بكل أبعادها. واهم من يعتقد بأن الحلم العربي بحياة ديمقراطية سيخبو و يختفي في المدى المنظور. حق الناس بإختيار من يقرر شؤونها كما وحق الناس في حياة كريمة خالية من الإرهاب النظامي يزداد عمقا في الوعي العربي. إن ماضي العرب قلما احتوى على الديمقراطية، لكن مستقبلهم لن يخرج عن السياق الديمقراطي بصفته تطورا طبيعيا لواقعهم المأزوم و لحياتهم السياسية وحقوقهم. لازال الطموح بنيل الحرية والعدالة والخبز والحياة الكريمة هدف للعرب، هذا الهدف لن يتحقق بلا ديمقراطيات عربية تحمي حقوق المواطن وتمثل الشعوب وتستوعب تنوعها. استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت |
لا بديل… وطنيا… عن القائمة المشتركة Posted: 28 Nov 2018 01:13 PM PST هناك شبه اجماع بين الفلسطينيين، على الأهمية البالغة والاساسية، لدور الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، على مجمل ومستقبل العمل الوطني الفلسطيني. هذه القناعة الراسخة، تجعل من الطبيعي ان يتابع الفلسطينيون في مناطق الاحتلال 1967، كما في دول اللجوء والشتات، التطورات في اوضاع هذه الأقلية الفلسطينية الأصيلة، ما مرت به من معاناة جراء القمع والتمييز العنصري لجميع الحكومات الإسرائيلية، منذ عام النكبة وحتى الحكومة الحالية، التي فاقت كل سابقاتها يمينية وعنصرية، الى جانب ما تعرضت له هذه الأقلية، وخاصة في العقدين الأولَين من عقود النكبة السبعة المتواصلة حتى الآن، من ظلم الأهل و«ذي القربى»، التي وصلت في يوم من الايام، حد طرد الكاتب الفلسطيني المعروف، فيصل حوراني، من حزب البعث العربي الاشتراكي، والغاء عضويته فيه، لأنه «تجرّأ» وصافح شاعر فلسطين الراحل، محمود درويش، ايام كان يحمل بطاقة الهوية الإسرائيلية. يمكن ان نعدد بين المحطات الرئيسية التي مرت بها هذه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، على النحو التالي: 1ـ محطة بداية النكبة، حيث نام ابناء هذه الأقلية وهم اغلبية في وطنهم، ليستيقظوا كاقلية تحت حكم إسرائيلي، وحيث كانت لهم قيادات وطنية شبه رسمية ومعترف بها، تبخّرت وتوزّعت على مناطق ودول اللجوء والشتات، مع استثناء واحد، هو بقاء قيادات الحزب الشيوعي الفلسطيني، وابرزهم توفيق طوبي واميل حبيبي. ولم يبق لهذه الأقلية، (التي كان تعدادها 150 الف نسمة)، أي اتصال مع ابناء شعبهم الفلسطيني خارج حدود «الخط الأخضر» الذي رسمته اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل وكل من «دول الطوق»: مصر والاردن وسوريا ولبنان. كما لم يبق لهم من وسائل الإعلام، التي كانت مقصورة على الصحف والاذاعات، الا صحيفة واحدة، هي جريدة «الاتحاد» الحيفاوية، والتي اصدرتها «عصبة التحرر الوطني» سنة 1944، وكان من ابرز مؤسسيها الفلسطينيون الشيوعيون: اميل توما وفؤاد نصار واميل حبيبي، واوقفتها سلطات الإنتداب البريطاني عن الصدور في مطلع العام 1948، ثم عادت للصدور في اكتوبر/تشرين الاول من نفس السنة. 2ـ محطة هدم القرى التي طرد سكانها منها ولجأوا الى الضفة الغربية وقطاع غزة، والى الدول العربية المحيطة. ولحق بذلك اخراج اهالي عشرات القرى داخل «الخط الاخضر» من قراهم، مع وعود بالسماح لهم بالعودة اليها، ومن أبرزها قريتا اقرث وكفر برعم، لكن لم ينفذ حتى يومنا هذا أي من تلك الوعود، وما زال جميع هؤلاء لاجئين (غير معترف بانهم لاجئين) في القرى العربية وبعض المدن المختلطة. وفي هذه المحطة يندرج سنّ وتطبيق «قانون الحاضر الغائب» الذين وضعت كل املاكهم تحت سيطرة «القيِّم على املاك الغائبين». ورافق ذلك الهجمة البالغة الشراسة لمصادرة اراضي الفلسطينيين والتضييق عليهم، واخضاعهم لـ«الحكم العسكري» الذي استمر لغاية سنة 1966. 3ـ مجزرة كفر قاسم يوم 29 تشرين الأول/اكتوبر 1956، عشية العدوان الثلاثي على مصر، بغية ترهيب الفلسطينيين في إسرائيل، واجبارهم على الهرب واللجوء. 4ـ حرب حزيران/يونيو 1967، التي وضعت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حكم الاستعمار الإسرائيلي، ولكنها فتحت متنفّساً للأقلية الفلسطينية في إسرائيل، ومكنت ابناء هذه الأقلية من الاحتكاك بابناء شعبهم في المنطقتين، بل والتواصل المباشر وبالواسطة، مع اللاجئين الفلسطينيين ومع العرب في بعض دول الجوار. 5ـ محطة يوم الارض في 30 آذار/مارس 1976، التي كشفت امام الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، منافع وفوائد التوافق والتوحد والتكتل حول هدف محدد. وما اثمره هذا من وقف مسلسل مصادرة اراضيهم، او تخفيضه الى درجة كبيرة جدا على الاقل، وتحوّل هذا اليوم الى يوم وطني فلسطيني شامل يحتفلون به سنويا ويخلدونه، بل ويوما عربيا وعالميا ايضا. وكان آخر تخليد وتكريم له هذا العام، عندما اعتمدته جماهير قطاع غزة، يوما رمزيا لاطلاق «انتفاضة» مسيرات العودة وكسر الحصار عن قطاع غزة المنكوب من إسرائيل وبعض العرب وبعض الفلسطينيين ومن حكّام القطاع ايضا. «القائمة المشتركة» انجاز وطني، يصب في مصلحة الأقلية في إسرائيل، وفي مصلحة مجموع الفلسطينيين. وليس من الوطنية في شيء، وضع العراقيل في طريقها، والتآمر بين عضو فيها وأعضاء آخرين 6ـ محطة تشكيل «لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل». وجاء تشكيل هذه اللجنة تتويجا لانجازات كبيرة للجماهير الفلسطينية في إسرائيل، ترتبت على «يوم الارض»، واعادة الثقة لتلك الجماهير بنفسها، وبقدرتها على تحقيق مكاسب ملموسة، والتصدي الجدي لسياسات التمييز العنصري للحكومات الإسرائيلية. ولم يكن من الصدفة ان كثيرا من الإسرائيليين، ومن وسائل الاعلام فيها، لقبت الرئيس الاول للجنة المتابعة الراحل، ابراهيم نمر حسين (ابو حاتم)، «رئيس حكومة الفلسطينيين في إسرائيل». توالى على رئاسة هذه اللجنة حتى الآن: شوقي خطيب، (رئيس مجلس محلي يافة الناصرة)، ومحمد زيدان، (رئيس مجلس محلي كفر مندا)، ويرأسها حاليا، ومنذ ثلاث سنوات، محمد بركة، (عضو الكنيست السابق، ورئيس كتلة جبهة السلام والمساواة سابقا). ويمكن ان نقول، بألم، ان دور لجنة المتابعة العليا، يزداد هامشية، ويفقد من دوره ومن اهميته يوما بعد يوم. 7ـ محطة تشكيل «القائمة المشتركة». وجاء تشكيل هذه القائمة، في كانون الثاني/يناير سنة 2015، لخوض الانتخابات للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) العشرين، في ربيع تلك السنة، تحت ضغط قانون سنّه الكنيست بمبادرة من رئيس حزب «يسرائيل بيتينو ـ إسرائيل بيتنا» اليميني العنصري، افيغدور ليبرمان، وتم بموجبه رفع «نسبة الحسم» لتمكن قائمة أي حزب يتنافس في الانتخابات البرلمانية هناك، من 2٪ الى 3.25٪، الامر الذي يعني ان أي حزب لا يحصل على 3.25٪ من مجموع الاصوات في الانتخابات، لا يتم تمثيله في الكنيست، وتتوزع الاصوات التي حصل عليها على الاحزاب المنافسة الاكبر. هذا كان سيعني عدم احراز عدد من الاحزاب الفلسطينية العربية في إسرائيل حق التمثيل وعضوية الكنيست، وكان الطريق من هذه النقطة الى تشكيل «القائمة المشتركة»، لضمان تمثيل احزاب ميكروسكوبية عربية في إسرائيل في الكنيست قصيرا. نجحت تجربة القائمة المشتركة في الشوط الاول، واحرزت 13 مقعدا في الكنيست، لتصبح ثالث اكبر حزب فيه. هذه جردة سريعة مختزلة، وليست مختصرة فقط، لمعاناة الفلسطينيين في إسرائيل. اذ ان هناك غير هذه المحطات محطات هامة عديدة اخرى: تشكيل الجبهة الشعبية، انطلاق حركة الارض، تشكيل مجلس يضم رؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل، وغير ذلك كثير. تمُرّ حكومة إسرائيل هذه الايام باوضاع تشير الى قلق وعدم استقرار: ـ بعد الفشل المدوّي لعمليتها العسكرية في محيط خان يونس في قطاع غزة، وما ترتب عليه من اهتزاز في الإتلاف الحاكم، باستقالة وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، من الحكومة، وخروج حزبه الى المعارضة، اصبح ائتلاف حكومة نتنياهو مستندا الى 61 عضوا من اصل 120 عضوا. انها حكومة ضعيفة آيلة الى السقوط في أي لحظة. لكن، حتى وان استمرت متماسكة، وذلك احتمال ضعيف للغاية، فإن موعد الانتخابات المقبلة اصلا، سيكون بعد اقل من عام واحد. هذا يعني ان إسرائيل على عتبة انتخابات. ان لم تكن في الشهر الثالث من العام المقبل، فستكون في الشهر السادس، وهي في كل الحالات، (وبموجب القانون الإسرائيلي)، ستتم في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. لا ادافع عن اخطاء «القائمة المشتركة» التي يرأسها ايمن عودة بجدارة. فللقائمة اخطاؤها.. فشلت في اول خطوة تكتيكية انتخابية لها، وهي خطوة التعاقد مع حزب «ميرتس» اليساري المساند والداعم للحقوق الفلسطينية المشروعة، حول فائض الاصوات. ثم تلا ذلك سقوط غير مبرر في موضوع المشاركة في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيرس. ثم تتالت انجازات (تأمين اكثر من عشرة مليارات شيكل للسلطات المحلية العربية في إسرائيل)، وغيره من الانجازات وكذلك والاخفاقات. «القائمة المشتركة» انجاز وطني، يصب في مصلحة الأقلية في إسرائيل، وفي مصلحة مجموع الفلسطينيين. وليس من الوطنية في شيء، وضع العراقيل في طريقها، والتآمر بين عضو فيها واعضاء آخرين، والاستقواء عليها بلجنة المتابعة ومن يرأسها، وتحريض كفاءات وطنية مشهود لها بالمنافسة على ترؤّسها. للشرعية الفلسطينية دور يجب ان تلعبه: التدخل لوقف التلاعب والتخريب.. وان لم تنجح فبإعلان موقف واضح وصريح. كاتب فلسطيني |
التحريك الروسي للركود السياسي حول سوريا Posted: 28 Nov 2018 01:11 PM PST هجوم بغاز الكلور على مناطق سيطرة النظام في غرب مدينة حلب، يرد عليه الطيران الروسي بغارات على المنطقة العازلة وفق اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا. كان الاتهام جاهزاً من روسيا والنظام للفصائل المعارضة بأنها وراء هذا الهجوم الكيماوي، وكأن الميزانسين الذي سبق لروسيا اتهام الغرب والمعارضة بتحضيره، قبل اتفاق سوتشي بشأن إدلب، وضعته موسكو موضع التطبيق لإيجاد ذريعة للتخلص من الاتفاق المذكور. لن أدخل في نقاش غير مجدٍ بشأن مصدر القذائف المحملة بغاز الكلور، فلا أحد يملك، حالياً، أدلة كافية على هوية الجهة المنفذة، وإن كانت تحليلات قائمة على الملاحظة الأولية للمشاهد التي بثها تلفزيون النظام، تشير إلى تلاعب ما في هذه القصة. لكن الرد الروسي السريع يكفي وحده لتحديد صاحب المصلحة في الهجوم الكيماوي المزعوم. في حين أن روسيا نفسها أطلقت تصريحات نارية ضد الولايات المتحدة حين ردت الأخيرة على هجمات كيماوية للنظام، مرة في 2017، وثانية في 2018، بذريعة وجوب «انتظار نتائج تحقيقات» لن تحدث أبداً لأن روسيا بالذات عطلت الآلية الدولية المعنية بتحديد المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي. واضح إذن أن روسيا، ومن ورائها إيران وتابعهما الكيماوي، يريدان إنهاء اتفاق سوتشي والعودة إلى العمل العسكري لاستعادة محافظة إدلب ومناطق ملاصقة غربي حلب وشمال حماة، لتكتمل استعادة السيطرة على جيوب المعارضة المتبقية. وعلى أي حال، بوجود جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً) في المحافظة، يصعب على تركيا أن تفي بالتزاماتها في إطار الثلاثي الضامن لمناطق خفض التصعيد (روسيا وإيران وتركيا). أضف إلى ذلك أن الخلاف بين تركيا وروسيا (وإيران) حول تشكيل اللجنة الدستورية، باقٍ على ما كان عليه، وسينصرف مهندس «العملية السياسية» المندوب الأممي ديمستورا في نهاية الشهر الحالي بدون تحقيق هذا «الإنجاز» الهزيل. ومع عودة واشنطن إلى النشاط في الصراع السوري، تبدو روسيا بحاجة إلى حركة تستعيد بها زمام المبادرة. وبما أنها لا تجيد غير القصف، أمكننا افتراض ترتيب مسرحية ضرب غرب حلب بغاز الكلور، لتشكل ذريعة للعودة إلى مهاراتها المألوفة. فلا شيء يمكن عمله غير فتح معركة جديدة، لا بد أن تكون شديدة التدمير، وتؤدي إلى موجة نزوح كبيرة تثير فزع الأوروبيين الذين رفضوا العرض الروسي بالمساهمة في إعادة إعمار ما دمره النظام وروسيا في ظل بقاء الأول. فمعركة إدلب المؤجلة هي، في جانب منها، مادة لابتزاز الدول الأوروبية. روسيا لا تملك أدوات الانتهاء من الحرب وفرض التسوية وفقاً لشروطها، في حين أن النظام الكيماوي لا يمكنه أن يحكم بلا حرب. وهو ما يعني استمرار الصراع إلى أجل غير معروف ومن المحتمل أن روسيا تراهن على تخلٍ تركي محتمل عن محافظة إدلب وجوارها، على غرار ما فعلت في شرقي حلب عام 2016، مقابل تعزيز نفوذها في كل من عفرين ومنطقة درع الفرات، إضافة إلى تهديداتها اليومية بشن هجوم على وحدات حماية الشعب في مناطق شرقي الفرات المحمية أمريكياً. عملت الولايات المتحدة على امتصاص تلك التهديدات من خلال إنشاء خمس نقاط مراقبة على طول الحدود، لتجعل أي هجوم عسكري تركي هناك بمثابة هجوم على القوات الأمريكية. هذا التوتر الأمريكي ـ التركي الذي لا يحتمل أن يتراجع قبل الانتخابات البلدية في تركيا، في 31 آذار/مارس 2019، يمنح روسيا وحليفتيها الوقت الكافي لتحقيق انتصار عسكري في إدلب، أو هذا ما تأمله موسكو وطهران والنظام الكيماوي. وهو ما من شأنه أن يرحّل المفاوضات حول اللجنة الدستورية إلى أجل غير معلوم. ولكن أي نصر مفترض للروس وحليفيه في إدلب سيعني مواجهة استحقاقات جديدة هي الأكثر صعوبة من كل ما سبقها. فهناك منطقتا نفوذ أمريكية وتركية خارج سيطرة التحالف المذكور، وسيكون عليه أن يختار بين مواجهة عسكرية غير مرغوبة مع الأمريكيين، أو الرضوخ للشروط الأمريكية المؤلمة: انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات متعددة الجنسية المرتبطة بها من سوريا، والدخول في عملية سياسية حقيقية. لا شك أنه ليس من مصلحة الروس الوصول إلى تلك اللحظة حيث كل الخيارات سيئة بالنسبة لها. ولكن، بالمقابل، إبقاء الوضع الميداني في إدلب على ما هو عليه، يعني الاضطرار إلى الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية، وهو ما يبدو أنه غير ممكن الآن بالطريقة التي يريدها النظام وروسيا. من المحتمل، في هذه الحالة، أنهم يراهنون على تنازلات من الأتراك والأمريكيين، في موضوع اللجنة الدستورية، على وقع انتصار مفترض يأملون بتحقيقه في إدلب. ولكن ماذا عن «الاستراتيجية الأمريكية الجديدة» بشأن سوريا؟ إذا اعتبرنا تصريحات المبعوث الأمريكي جيمس جيفري الذي تم تعيينه للتعامل مع الصراع في سوريا، سنرى أن الأفكار التي يطرحها قائمة على سذاجة غريبة، وكأن الأمريكيين على جهل مطبق بكل تفاصيل المشهد السوري. فقد ربط الأمريكيون انسحابهم من منطقتي شرق الفرات وحول معبر تنف في الجنوب بثلاثة شروط هي: القضاء التام على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وطرد القوات الإيرانية من سوريا، وإنجاز حل سياسي للصراع الداخلي السوري. وعلى الصعيد العملي، شاعت أخبار عن مباحثات روسية ـ أمريكية فحواها مقايضة انسحاب إيراني من سوريا مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية على إيران. مباحثات يبدو أنها متعسرة إلى الآن. بالمقابل يقوم الأمريكيون بتدريب مزيد من المقاتلين لـ«قوات سوريا الديمقراطية» من أجل زجها في صراع محتمل مع الميليشيات المرتبطة بإيران، بعد الانتهاء من الجيوب القليلة التي ما زالت داعش تحتفظ بها. أما بشأن «الحل السياسي» المفترض، فيرى جيفري أنه يتمثل في إقرار دستور جديد وإجراء انتخابات تحسم موضوع «الانتقال السياسي» وفقاً لقرار مجلس الأمن ذي الصلة. مع العلم أن التحالف الروسي ـ الإيراني ـ الأسدي قد بدأ العرقلة منذ موضوع تشكيل اللجنة الدستورية. وفي حال تم تشكيلها أخيراً، بعد ضغوط، سيبدأ الحلف المذكور بعرقلة صياغة الدستور، وهكذا… في غضون ذلك تكون واشنطن قد دخلت أجواء حملة انتخابية جديدة، وابتعد سراب «الحل السياسي» أكثر وأكثر. الخلاصة أن روسيا لا تملك أدوات الانتهاء من الحرب وفرض التسوية وفقاً لشروطها، في حين أن النظام الكيماوي لا يمكنه أن يحكم بلا حرب. وهو ما يعني استمرار الصراع إلى أجل غير معروف، وربما بأطوار جديدة لا يمكن التنبؤ بها. كاتب سوري |
دور السلفية الغائب لمواجهة الفكر التكفيري Posted: 28 Nov 2018 01:03 PM PST في مقالة الأسبوع الماضي شدّدنا على أن المواجهة الشاملة لظاهرة الجهاد التكفيري العنفي تحتاج، إضافة إلى المواجهة الأمنية، مواجهات أخرى من خلال ثلاث خطوات إضافية: مراجعات نقدية وإصلاحات جذرية للثقافة الإسلامية، خصوصا في مكونيها الفقهي وعلوم الحديث، مناهج دراسية عربية مشتركة ترسخ الاستنارة بالمقاصد الكبرى للرسالة الاسلامية والتسامح، وأخيرا معالجة أسباب الغضب واليأس عند الشباب والشابات العرب، الناتجين عن القهر السياسي والاجتماعي، وغياب العدالة الاجتماعية والفرص المتساوية، والحرية المعقولة في أرض العرب. وبينّا ضرورة أن تكون المواجهة مشتركة من قبل سلطات الحكم ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالأمر. بالطبع فإننا ندرك أن المواجهات الثلاث ستحتاج إلى عقود من السنين لإنضاجها، خصوصا في أجواء الخلافات والمنازعات والصراعات العبثية في ما بين الأنظمة السياسية العربية من جهة، وفي حالة الضعف الشديد للمجتمعات المدنية العربية من جهة أخرى، لكن يبقى سؤال ملح يحتاج إلى إجابة وهو: إليس من المفروض أن يكون هناك دور مؤثر لمختلف المؤسسات والجماعات التي تنضوي تحت شعار السلفية الإسلامية، لمواجهة ظاهرة الجهاد التكفيري العنفي المليئة بالأخطار على سمعة ومكانة ومستقبل الدين الإسلامي من جهة، والمتناقضة كليا مع عدل وسماحة ورحمة الرسالة السماوية الإسلامية من جهة ثانية؟ ما يبرر طرح هذا السؤال هو ان منظرى وتابعي وممارسي تعاليم تلك الظاهرة وشعاراتها المفجعة، يعتبرون أنفسهم من السلفيين، ويسمون شتى حركاتهم بالتنظيمات السلفية الجهادية، وهي محاولة لخلط الأوراق والحصول على الدعم العاطفي من قبل الملايين من السلفيين العاديين البسطاء الذين ليسوا في وارد التدقيق والتمحيص. ولكن لن يكفي أن تميز مختلف الحركات والمدارس السلفية الأخرى نفسها، وتنأى بنفسها عن بشاعات السلفية الجهادية تلك، من خلال تبنيها لأسماء مثل السلفية العلمية، أو السلفية الإصلاحية، أو السلفية المحافظة الدعوية، أو السلفية المعارضة وغير ذلك من الأسماء والصفات المتنوعة. المطلوب أكثر من ذلك بكثير، المطلوب هو تفكيك ونقد ورفض كل ما هو خاطئ أو ضعيف أو ملتبس أو غير عادل أو متناقض مع روح الإسلام، أو مختلق كاذب في نظريات وأسس ومنهجيات وتطبيقات وأهداف كل الحركات التي انضوت تحت راية السلفية الجهادية، وسمت نفسها بأسماء مثل «القاعدة» و»داعش» و»النصرة» وتفريعاتها. على أن تكون عملية التفكيك والنقد والرفض تلك مقدمة لإعلان واضح وصريح يقول بأن كل التراث السلفي، بغالبية مدارسه، وبأغلبية فقهائه، لا يقر بأي صورة من الصور، بل يتعارض إلى أقصى الحدود، شعارات وممارسات ما يسمي بـ «السلفية الجهادية». نحن نتكلم هنا عن قطيعة تامة وبراء ديني واضح مع كل ما تقوله وتفعله حركات «السلفية الجهادية» من جنون عنفي سادي وتلصقه بهذا الفقيه، أو بتلك المدرسة الفقهية، أو بذلك الحديث النبوي الضعيف أو المدسوس، أو بفهم متخلف متزمت مجنون لهذه الآية القرآنية الكريمة أو تلك، أو برفض لتاريخية بعض مواقف السيرة النبوية المرتبطة بإملاءات واقع تلك الأزمنة. نحن نتكلم عن مجهود واحد مشترك، لا غمغمة فيه، تقوم به كل السلفيات الإسلامية، الرسمية وغير الرسمية، لإبعاد نفسها وإبعاد تراثها عن القراءات الفقهية المجنونة لتلك « السلفية الجهادية « التي غررت بأتباعها لحرق الأخضر واليابس في كل أرض العرب، بل وفي كثير من أجزاء العالم. ذاك الخطاب السلفي من قبل عموم مكوناته بشأن الخطاب السلفي الجهادي وممارساته، أصبح وجوده من الضرورات لإقناع الملايين من الشباب المتدين بوجود فروق كبيرة بين ما تنادي به السلفيات الأخرى بكل تلاوينها الروحية، وما تنادي به منفردة شتى تنظيمات السلفية الجهادية. ذلك أن هؤلاء الشباب لن يستمعوا لما تقوله المؤسسات الرسمية الدينية وغير الدينية لوجود فجوة بينهم وبين الكثير من حكوماتهم، ولن يقبلوا بما تقوله مختلف الأحزاب والمؤسسات المدنية وما يكتبه الكثير من الكتاب والمثقفين، لاعتقادهم بأن هؤلاء من المعادين للدين باسم العلمانية، بل لديهم شكوك حتى في ما تقوله الأحزاب الإسلامية المنخرطة في العمل السياسي العام، لاعتقادهم بأنها في تنافس مع السلفية الجهادية على السلطة والجاه، وبالتالي فهي منحازة ضدهم. لكنهم سيستمعون لمن يعتقدون أنه لن تنطبق عليهم تلك التحفظات والمآخذ. التنظيرات التي تفنن في وضعها وتسويقها العديد من قادة التنظيمات السلفية الجهادية المعروفين هي موضوع لكتاب، بل مجلدات، لكن هناك منطلقات وشعارات كبرى يمكن ذكرها كأمثلة تحتاج لنقدها والرد عليها من أجل خلق وعي ديني مستنير متسامح متعايش مع الديانات والثقافات الأخرى. هناك الربط التعسفي بين مفهوم التوحيد الذي يمثل المنطلق الأساسي الإيماني في الدين الإسلامي ومفهوم الحاكمية التي نادى بها أمثال سيد قطب والمودودي. المفهوم الأخير أدى إلى تكفير البلاد الإسلامية المحكومة بالدساتير والقوانين الوضعية، حتى إن طبقت الشريعة، وبالتالي إلى واجب الخروج على الحكام، واعتبارهم أعداء للدين. وكنتيجة منطقية هناك رفض للنظام الديمقراطي برمته. هناك المناداة بحتمية الصراع بين أصحاب الإيمان وأصحاب الكفر، أي بالنتيجة بين الإسلام وسائر الديانات والثقافات الروحية الأخرى. ومن أجل حسم ذلك الصراع ينبغي أن يكون الجهاد العنفي هو الأسلوب الأوحد للتعامل مع غير المسلمين، أي إبقاء ديار العرب والمسلمين في حرب أبدية مع بقية العالم. وحتى في طرح شعار الحاكمية، أي الحكم بما أنزل الله، هناك نقاط غموض في الفهم وتعسف في التطبيق. وهذا موضوع بالغ التعقيد ومليء بالتفاصيل المختلف من حولها. وأخيرا هناك إشكالية أهم مصدر فقهي يعتمد عليه الجهاديون التكفيريون لتبرير أفعالهم، وهو تراث ابن تيمية الفقهي، فهناك ما يثبت أن كثيرا مما نادى به الفقيه المجتهد ابن تيمية قد أسيء فهمه، أو حرف، أو ابتسر من منطقه العام، أو فصل عن ملابساته وظروفه التاريخية وطبق بتعسف على واقعنا العربي والإسلامي الحاضر، المختلف كليا وجذريا عن الواقع التاريخي لزمن ابن تيمية. هذه أربع إشكاليات، من بين عشرات، ستحتاج إلى نقد وإعادة فهم من أجل إقناع الشباب بالتخلي عن فهمهم السابق الخاطئ، ومن أجل أن يدركوا أن الإسلام ما عاد يحتاج لأناس يموتون من أجله، وإنما أكثر ما يحتاجه هو وجود أناس يحيون من أجله. *كاتب بحريني |
خطر «لا هوية الدولة» على هوية الوطن ونسق تطور المجتمع Posted: 28 Nov 2018 01:02 PM PST إذا كنا قد ألفنا رؤية أن تقوم نخب الفقه الديني المحافظة منتفضة عند كل تعد على أي عنصر نصي مرجعي مؤسس للخطاب الديني، باعتباره كفرا يتوجب التصدي له حفاظا على نسق المعنى المسطور، كثابت للدين، أو كما يتبدى لها هي، فإن الأمر لدى نخبنا السياسية وفقهاء التاريخ، لا يرقى إلى ذلك المستوى من الحس والتوجس بالمرة، فالتاريخ بلا فرز ولا تخصيص في ما يبدو لديها جزءا من العملية السياسية ذات البعد التكتيكي، قابلا للاستعمال على طاولة المساومات والحسابات الآنية، ولا أبدا يرقى إلى حد الثوابت التي يعد المس بها مسا بأساس قيام الوجود الوطني، الذي قد يعرض المجتمع والدولة معا إلى التحلل الذي قد يسبب الانهيار، مثلما حدث في أكثر من تجربة وطنية تسببت فيها إصلاحات، وفوقية مع جذور التاريخ ونبض المجتمع المتمسك بتلك الأصول، بوصفها حبله السري في التاريخ. ليست دعوة أحمد أويحيى بفتح المجال للاستثمار الاقتصادي في الجزائر، أمام “الحركي” والأقدام السوداء، ممن خانوا الوطن والوطنية وساروا عكس تيار الإجماع الوطني وحركة التاريخ، بتأييدهم المعنوي والعملي لمقول الجزائر الفرنسية وقتالهم الجزائريين من أجل تلكم القناعة الكفرية بالمفهوم الوطني للحالة، بل سبقتها دعوات أكبر وأخطر، منها ما جاء في مذكرة نزار الأولى بنهاية المقولة البومدينية نحن مع “الثورة الفلسطينية ظالمة أو مظلومة” ثم الثناء الرئاسي في خطاب بوتفليقة في بداية حكمه بقسنطينة على اليهودية بوصفها رافدا حضاريا من جملة الروافد الأخرى، مع أن التاريخ الوطني والمنطقة عموما يفند ذلك جملة وتفصيلا بالموضوعية التاريخية ذاتها! كل ذلك لم يستأثر بحراك النخب التي يُفترض أن لها قدرا كبير من الوعي بأسس القيام الوطني وخطورة أن يحصل ذلك، بمعزل عن حركة التطور والتغير داخل المجتمع، ساكتة بالتالي عن الوصايا الفوقية على الوعي وجريمة توظيفها اقتصادا واجتماعا وسياسة لصالح نخب انتهازية مالية، سواء أكانت داخلية أو خارجية، أو ذات الارتباط بالغول العولمي الذي يتجلى في الشركات متعددة الجنسيات العابرات للقارات والهادمة على النطاق الفعلي لأسس الدولة الحديثة، لكونها استباحتها واستحوذت على سيادتها. وليس أعظم دلالة على هذا التحول المنحرف في هوية الدولة، حتى تغدو بلا هوية هو الإشارة إلى مواقف سبق أن سجلت أيام كانت الدولة تدار بعقول سياسية حقيقية، مهما قيل عن بعض فصول ومراحل ممارستها، إلا أنها أثبتت أنها كانت تتمتع حقا بثقافة الدولة، منها موقف للراحل عبد الحميد مهري، صبيحة التحول إلى التعددية سنة 1989، في اعتماد حزب الشعب حين أقدم أحد أحفاد مصالي الحاج على طلبه من وزارة الداخلية، حيث رفض ذلك مهري على الطول الخط، معتبرا أن المضي في هذا السبيل الخطير يعد مسا بالتاريخ، وطعنا في حقيقة الذات التأسيسية للوطن والوطنية الجديدة التي على قاعدتها انبثق النداء النوفمبري، الذي قاد المجتمع إلى التحرر وبناء الدولة، وهذه الأخيرة التزمت بوعي ونضال المجتمع وعليه بنت هويتها العملية! لسنا هنا بصدد الحديث عن صواب موقف مهري من عدمه، بخصوص مسألة أحقية أحفاد وأنصار “حزب الشعب” في العودة للمسار النضالي الوطني الملوث في خطاب تاريخي رسمي، ثبت أنه هو بدوره ملوث بالتزييف والتحريف، وإنما الشاهد في الأمر هو أن أي تمرد فوق القناعات المؤسسة دونما وعي ابتدائي قاعدي جماهيري، يظل وخيم العواقب وينذر بحالة ضياع المعالم الكلية، وهو ما نعانيه اليوم في الجزائر. موقف مهري السياسي المبدئي من حالة نقضية تناقضية في التاريخ الوطني، وفق ما بنيت عليه سرديات الخطاب التاريخي الرسمي، يعكس وعي الدولة ورجالاتها، الذي يأخذ بعين اعتبار حالات قرائية متشابهة في تجارب الدول الأخرى، منها فرنسا بالتحديد. فبعد انتصار الحلفاء وتحرير باريس من النازية، عُد نظام فيشي وقائد الماريشال بيتان، أعداء للوطنية بفرنسا وخائنين لضمير الأمة، وعلى هذا الأساس تم تكفيرهم بالإجماع من خلال الارتسام الهوياتي للأمة الفرنسية في جمهوريتها الرابعة، ولا يزال الأمر كذلك بعد أن رُسخ في الوجدان الوطني كثابت غير قابل للتحويل أو التغيير، بحسبانه خطيئة يجب عدم معاودة ارتكابها، رغم بعض الكتابات التي حاولت تبييض بادرة الماريشال بيتان، والهدنة التي عقدها مع الحكومة النازية الغازية بقيادة هتلر، مثلما أورده الرائد السابق في الجيش ريموند ماتيي في كتيبه الصغير الشهير “أزمة الوعي في الجيش الفرنسي من 1939- 1962” حيث دافع عن إيجابية تلك الهدنة المطعون تاريخيا فيها في الجانب التاريخي الفرنسي، مستندا في ذلك إلى ما أورده رئيس وزراء انكلترا وقتها ونستون تشرشل في مذكراته الخاصة، حين أشار إلى أن تلكم الهدنة سمحت للحلفاء بدك حصون الألمان، لكن لم تكن مبادرات كهذه معزولة لمعاودة قراءة التاريخ الفرنسي، كافية وكفيلة بالمس بأسس هوية الدولة التي تشكلت وفق معطيات تاريخية خاصة، ارتبطت بوجدان وتضحيات ووعي مجتمعي وظلت بالتالي حكومة فيشي خائنة. من هنا يبرز السؤال الحري بالطرح؛ من خلف هذه الردة؟ هل ضاع المجتمع من الدولة؟ أم أن هذه الأخيرة هي التي ضاعت منه؟ المس بأسس البناء الوطني الأولى التي رسمت هوية الدولة، دونما اعتبار لوعي المجتمع الذي تمت تنشئته على تلكم الأسس بوصفها ثوابت غير قابلة للتحييد أو التشكيك، يعني أن مبدأ التغير والتحول، ولو وفق أسلوب النقائض، يظل حكرا على الدولة ونخبها الحاكمة، دون النخب العارفة والمعارضة، ودونما حساب لصوت الشعب والمجتمع ككل، وهذا اعتراف في حد ذاته بالممارسة المقيتة للوصايا على الشعب التي مارسها النظام السياسي في الجزائر، مذ انقلبت جماعة وجدة على الشرعية، واستحوذت على وعي المجتمع الثوري، واقتادته إلى حيث غياهب التاريخ، أين تختفي حقيقة الدولة الحديثة في جوهرها وشاكلة ممارستها لوظيفتها الطبيعة من خلال فلسفة المؤسسات، ولتظهر بواجهتها الزجاجية الباهرة ليس إلا. كل هذا يبطل ما رُفع زعما، من أن الجزائر بصدد التحول إلى الجمهورية الثانية، لأن التحول العددي في النطاق الجمهوري، يتصاعد نتيجة لنشاط وتطور في الوعي القاعدي الجماهيري بأفراده وجماعته ومنظماته، ليفرض نفسه على الدولة الحاكمة وليس العكس، فكل تجارب التحول من جمهورية إلى أخرى عكست الحالة إلى التغيير، لكن وفق المبادئ المؤسسة لبنية وهوية الجمهورية الأولى، وكل الإملاءات التغيرية النازلة من فوق إلى الأسفل ثبت بطلانها، بل ضررها على المجتمعات والأوطان، كونها زجت بها أو فاقمت من إشكالاتها الكبرى، كما هو الحال معنا في مسألة هوية الوطن داخل النسق الاجتماعي والمجتمعي. وإلا فما معنى الارتباط التسلسلي العددي في العملية، إذا كان المتحول منه منشقا ومنفصلا كلية عن المتحول إليه؟ إن التصحيح الجمهوري تقتضيه شرطية التاريخ وحركة التجديد والتجدد التي تطبع مسيرته على كامل الصعد؛ الاقتصادية السياسية والاجتماعية، لكن العبقرية الوطنية إنما تتجلى في تلك القدرة على التصحيح الجمهوري وتجديده داخل دائرة الثوابت الكبرى المؤسسة للكيان الجمهوري الأول، الذي شكل ورسم هوية الدولة وحاضنتها الكبرى، المجتمع ذائب في التغيير والتطور على نطاقي الوعي والممارسة، في حين الأمر عندنا هو على العكس تماما، فالدولة تتغير وفق نزوات من يسيطرون عليها، مع الحرص على استعمال كل أدوات وقوى الدولة القامعة منها والناعمة، على أن يظل المجتمع بعيدا عن أي إرادة للتغيير والتغير، حتى لا تتصاعد إليها حدة وقوة تلكم الإرادة التغييرية، فينهار ملكها وامتلاكها غير الحق للحقيقة أو حقيقتها المزيفة، التي تحول دونما انتقال المجتمع إلى فضاء السيادة الذي تتيحه له أبجديات الكيان القُطري الحديث، الذي جعل بفلسفته المؤسسية الدولة ناظرة سامعة تابعة لحركية المجتمع ومساق تطوره الشامل وليس العكس، أي مقيدة ومقتادة له، وهو ما يؤجل انطلاقة المجتمع في تسوية الكثير من إشكالاته التاريخية حتى يشرع في الانخراط بكامل قواه الحرة والمتحررة في معركة التاريخ. *كاتب وصحافي جزائري |
الصراع «وليس النزاع» يعود إلى مربعه الأول Posted: 28 Nov 2018 01:01 PM PST بعد توقيع اتفاقيات ما يسمى بـ«السلام» بين الدول العربية والعدو الصهيوني، كما المعاهدات التجارية والبروتوكولات والملاحق التجارية، كما الزيارات التطبيعية، دأب الإعلام الرسمي العربي، في مسخ «الصراع» مع العدو، بتحويله إلى نزاع فلسطيني ـ إسرائيلي، بعيدا عن المضامين الرئيسية للعملية الصراعية. الدبلوماسية العربية لا تنطق عن الهوى، وتدرك الفرق بين المصطلحين في فلسفة اللغة ولغة الفلسفة. إن مصطلح الصراع هو تعبير يقتصر على وصف العلاقة التصادمية بين متناقضين يستحيل التعايش بينهما، ومحكومين بقوانين وتناقضات جذرية تناحرية، خاصة أن العدو الصهيوني ارتكب ويرتكب حملة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، بينما مصطلح النزاع هو تعبير عن وصف علاقة بين متناقضين يمكنهما المساومة دون حاجة أي منهما للقضاء على الآخر، باختصار إن مصطلح الصراع ينتمي إلى عالم الفلسفة وقوانين الحياة العامة، التي تحكم هذا الكون في ظواهره الطبيعية، كما في سلوك الإنسان الذي يحيا فيه، بينما مصطلح النزاع يخضع لعالم السياسة ومناوراتها. وبعيداً عن السياسة والمفاوضات والتطبيع مع العدو، وكل ما يصدر من تصريحات سلامية، فإن منطق التاريخ يؤكد أنه ليس باستطاعة أي مرجع مهما كانت صفته وقوته، إنهاء أي صراع، ولو صدر عنه ألف اتفاق وألف معاهدة، ووقع عليها من وقع. باستطاعة هذه المراجع أن تمنع الحروب أو أن تؤجلها، وأن تقمع الثورات أو أن تحجمها، وأن تفرض الهدنات وتجهض الانتفاضات، ولكن مع ذلك تبقى عاجزة عن إنهاء عملية الصراع، طالما أن الأسباب التي أدت إلى اندلاعه لا تزال قائمة من دون حلول حقيقية لها، فأي مرجع يمكنه إنهاء هذا الصراع الذي يسمونه نزاعاً؟ وهناك وطن مسلوب بأكمله باعتراف الدنيا بأسرها؟ إضافة إلى شعب عريق تحول بفعل القهر إلى لاجئ مشرد في أصقاع الأرض، بما في ذلك وطنه ذاته الذي لم يعرف له وطناً غيره لآلاف السنين؟ من يستطيع فرض التعايش بين الضحية والجلاد، وإقناع الفلسطيني بتشريع الجريمة التي ارتكبت بحقه، وأن يعفو عمن قتله وشرده ولا يزال؟ من يستطيع أن يشطب ذاكرة شعب ويمحو تاريخه وتراثه بقرار سياسي، حتى لو صدر مثل هذا القرار عن قمة عربية او غير عربية؟ ونطرح هذه الأسئلة ونستمدها من واقع التجارب المادية الحقيقية. نستمدها من تجربتنا في الجزائر ومن فيتنام ومن جنوب إفريقيا ومن كوبا ومن كوريا وغيرها من تجارب الآخرين، أوليس دونالد ترامب الساعي مسعوراً لفرض حل مجرم بحق شعب فلسطين ومقدساته، من خلال تصفية قضيته من خلال تمرير ما يسمى بـ»صفقة القرن»؟ وها هو بعد قراره الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، ومثلما تقول مصادر أمريكية وإسرائيلية، يتهيأ لإصدار قرار بالموافقة على قرار إسرائيل بضم هضبة الجولان العربية السورية، واعتبارها أرضا إسرائيلية، القرار الأمريكي مخالف لقرارات الشرعية الدولية، فلم تمض ثلاثة أيام على ضم إسرائيل للجولان في 14/12 /1981 حتى أصدر مجلس الأمن الدولي في17/12/1981 القرار رقم 497 الذي يرفض الإجراء الإسرائيلي جملة وتفصيلا ويعتبره ملغى وباطلا. من منطلقات هذا الوضع، فإنه لا يجوز التعامل مع مرحلة ما بعد قرار ترامب وسن القوانين العنصرية الصهيونية: قانون القومية، قانون الولاء الثقافي، قانون إعدام الفلسطينيين، كافة القوانين المؤكدة على أن كل أرض فلسطين التاريخية، هي الحق التاريخي لليهود، وهي المكان الطبيعي لإقامة إسرائيل وغيرها، كما الرفض الإسرائيلي المطلق لكافة الحلول مع الفلسطينيين: حل الدولتين، حل الدولة الواحدة، حل الدولة الثنائية «القومية»، لا يجوز التعامل الآن فلسطينيا وعربيا وعلى المستويين الرسمي والشعبي، بالنسبة للنظرة إلى الصراع الفلسطيني العربي ـ الصهيوني، بالأساليب ذاتها في مرحلة ما قبل ما ذكرناه. ذلك، أن تلك السياسات التي انبثقت عن اتفاقيات «السلام»، والتي راهنت على حل الدولتين، ونهج المفاوضات مع العدو، أثبتت عقمها ولم تنتج سوى الفشل، وأثبتت عدم معرفة هذه الأطراف بحقيقة هذا العدو التوسعية والعدوانية. وهي لم تزد عدونا الصهيوني إلا إنكارا لحقوق شعبنا الوطنية، وإصرارا على تهويد القدس، وبمباركة أمريكية هذه المرّة، واستيطانا ينزع كل الأسس المادية، لأي احتمال ولو ضئيل لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، لذلك أصبحنا أمام مرحلة جديدة من الصراع. إن تجذير النضال الوطني الفلسطيني بالعودة إلى منطلقات الثورة، حول تحرير الأرض الفلسطينية، سيستقطب من حوله، جميع قوى وطاقات أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج، لتعزيز هذا الهدف، وسيخلق واقعا جديداً في المنطقة العربية، قادرا على التأسيس لمخاطبة أصدقاء القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي بواقعية وعدالة هذا الهدف، بعد أن ثبت بالملموس أن العدو الصهيوني، الذي لم يرسّم حدود دولته حتى اللحظة، يخطط للاستيلاء على المزيد من الأرض العربية، سعياً وراء حلمه بتحقيق دولته الكبرى. وواهم كل عربي يعتقد أن دولته بمنأى عن العدوان الصهيوني، الذي على مدار سبعة عقود، امتد ليشمل 12 دولة عربية، إن لم يكن العدوان على بعضها تم بصورة مباشرة، فباغتيالات قادة فلسطينيين وعربا فيها، أو ضرب أهداف في بنيتها التحتية أو العلمية. لقد تطاول ليبرمان على التهديد بقصف السد العالي، وعلى ذلك قس. بالنسبة لعرّابي إسرائيل في المنطقة من النظام الرسمي العربي، فقد بلغت بهم الوقاحة، إلى حدّ توجيه الأوامر لصنائعهم من الكتبة، بالترويج لحقيقة الأساطير التضليلية الصهيونية وصحتها، من نمط «الحق التاريخي لليهود في فلسطين» و»أن دولة فلسطين لم تقم لها قائمة في يوم من الأيام»، وغيرها من الشعارات، التي يأنف يهود كثيرون من تريدها! ولكن نسمعها على ألسنة صهاينة عرب. بالطبع، ليس بغريب على مسؤول عربي مجرم وقاتل، وهو أشبه بقطّاع الطرق منه إلى رجل سياسة، أن يقوم بزيارة بعض الدول العربية، رغم رفض قطاعات واسعة من جماهيرها وأحزابها ومؤسساتها المدنية ونقاباتها لزيارته، لكن، وبكل صلف وعنجهية يقوم بزيارتها، في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن أن صانع وحامي هذا المسؤول ربما يتعرض للإقالة بسبب من التستر على جرائم هذا المسؤول، الذي لا يناقش في طبيعة الأوامر التي توجه إليه من سيده بالنسبة لطبيعة العلاقة التي عليه تنفيذها مع دولة الكيان الصهيوني، وبالنسبة لحجم الأموال التي يتوجب توريدها (كجزية حماية لبقاء نظامه واستمراره) لواشنطن. هذا النموذج الفاقع قي الوضع الرسمي العربي، الذي اقترح على قمة بيروت عام 2002 ما سمي حينها بـ»مبادرة السلام العربية»، ولم تمض سنوات على هذه المبادرة، التي قال عنها شارون «بأنها لا تستأهل الحبر الذي كتبت به، ويتوجب أن ترمى في سلة المهملات»، حتى لحستها الدولة التي قدّمتها لتسير في النهج الصهيوني بشكل كامل. يأتي القرار الأمريكي سيئ الصيت والسمعة، بعد اعتراف أمريكا بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، رغم إرادة الشرعية الدولية والمجتمع الدولي، ما يؤكد أن شعار العدالة التي ترفعه واشنطن منذ تشكيل أمريكا كدولة، ما هو إلا ديماغوجيا واضحة، كما أن قواتها الاحتلالية تتواجد في الشمال الشرقي السوري، وهي التي دعمت وتدعم كافة منظمات الإرهاب في مخططها التآمري لتمزيق وحدة الأراضي السورية وتفتيتها إلى دويلات متناحرة. الهدف الأمريكي من تسويغ الاحتلال والضم الصهيوني لهضبة الجولان العربية السورية، هو خدمة لأمن الدولة الصهيونية أولا، ومحاولة لإضفاء الشرعية للاحتلال الأمريكي ـ التركي لأراض سوريا كجزء من تصور أمريكي للبقاء في المنطقة العربية. من جهته، وفي مقابلة مع رويترز وصف وزير المخابرات الصهيونية إسرائيل كاتس، الإقرار الأمريكي بسيطرة إسرائيل على الجولان، القائمة منذ 51 عاما، باعتباره الاقتراح الذي «يتصدر جدول الأعمال» حاليا في المحادثات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وسينظر إلى أي خطوة من هذا القبيل على أنها متابعة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وفتح سفارة أمريكية جديدة في المدينة هذا الشهر. وأشادت إسرائيل بتلك الإجراءات، بينما سببت قلقا شديدا بين كبار حلفاء واشنطن الأوروبيين. ووصف كاتس، عضو مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر الخطوة الأمريكية، بأنها جزء مهم من نهج لإدارة ترامب يقوم على مواجهة ما ينظر إليه على أنه توسع إقليمي وعدوان من جانب إيران، باعتبارها العدو اللدود لإسرائيل. مجمل القول: إن الصراع العربي ـ الصهيوني يعود إلى مربعه الأول، شئنا أم أبينا، ليس بإرادة الفلسطينيين والعرب، بقدر ما هو بفعل عدوانية وأطماع العدو الصهيوني. الحقيقة الثانية، واهم كل عربي أن ظن أنه بمنأى عن العدوان الصهيوني، حتى لو مسخ الصراع إلى يسمى بالخلاف الفلسطيني ـ الإسرائيلي. *كاتب فلسطيني |
البزات الصفراء Posted: 28 Nov 2018 01:00 PM PST |
عن الرجولة والفحولة Posted: 28 Nov 2018 11:54 AM PST احتفل العالم في يوم مناهضة العنف ضد النساء، في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني. ينظر مجتمعنا العربي عموما، والفلسطيني بشكل خاص إلى الرجل الذي يمنح زوجته حقها في حرية التعبير عن نفسها بأنه إمّعة وفاقد للسيطرة عليها، وهذا يظهر في مواقف كثيرة أذكر بعضها. لباس المرأة يجب أن يكون ملائما لذوق رجلها، قد يكون الرجل متسامحا جدا مع ما ترتديه زوجته وربما يشجعها ويقتني لها الملابس لمدة قد تستمر سنوات، ولكنه فجأة قد ينتقل إلى قناعات فكرية أخرى تشمل اللباس، وإذا به يلح عليها بأن تستبدل ثيابها وتهمل ما سلف منها، وأن تنتقل إلى ما هو أكثر احتشاما، ويقف لها بالمرصاد في كل قطعة ترتديها، وإلى أين يجب أن تصل وماذا تخفي، وقد يصل الأمر إلى مضايقتها، ثم رفضها الظهور بصورة غريبة عما اعتاده الناس منها، وهذا سبب منتشر للمشاكل، خصوصا بين الأزواج الشباب، إذا ما حاول إرغامها، وهناك الكثير من هذه الحالات، عادة ما يحدث هذا نتيجة ضغط نفسي من المحيطين بالرجل، ولكن إذا انقلب الرجل، وعاد ليبراليا بعد مدة، خصوصا أثناء سفرهما في إجازة بعيدا عن البلدة إلى أوروبا مثلا، فهو يبادر ويطلب منها أن تتخفف وأن تعود إلى ملابسها الأوروبية، وهنا أيضا قد ترفض بعدما اقتنعت واعتادها الناس في الملابس المحتشمة، وهذا أيضا قد يكون سببا للمشاكل، وفي الحالتين، إذا لم تطعه سوف يفسّر الأمر لدى الناس بأنه فاقد للسيطرة عليها، لأن شخصيته ضعيفة، وعلى الأرجح أنه ضعيف في العلاقة الحميمة ولهذا فهي لا تطيعه، ومن هنا يصبح الطريق إلى العنف الجسدي قصيرا جدا، خصوصا في الحالة الأولى. أما إذا عارضت المرأة موقفه السياسي، فيقال إنه لا يمون حتى على زوجته، ولهذا يشعر الرجل العربي بالحرج إذا كانت زوجته مخالفة لموقفه، خصوصا في الانتخابات المحلية والموقف منها، فالمرأة تجد صعوبة كبيرة في الاعتراض على موقف الزوج، وإذا لم تقتنع برأيه، فمن مصلحتها أن تسكت، لأن خلافها معه يعني أنه ضعيف، ليس في موقفه السياسي فقط، بل يعني أنه ضعيف في النواحي الأخرى المطلوبة من الزوج تجاه زوجته، ويفسّر موقفها على أنه استهتار بزوجها، ولو كان رجلا لما تجرّأت على موقف مخالف لموقفه، هذا ينسحب على جميع مناحي الحياة بينهما، فهي تفعل ما يريد ومثل الخاتم بأصبعه كلما كان أكثر فحولة. قد تغامر الزوجة بالعلاقة كلها إذا ما أعلنت موقفها المعارض لموقف زوجها السياسي على الملأ، حتى لو كان زوجها مؤيّدا للصٍ معروف، وإذا ما قررت أن تصوّت ضد رغبته من وراء الستار، فيجب أن يكون هذا في غاية السرية والحذر من فضيحة. الرجل الذي يؤيّد توجّه زوجته السياسي يعتبر إمّعة، وبأنه «خاروف»، وأنها متحكّمة به، وهي التي جرّته، والتحليل هو بأنه لولا ضعفه في الأداء الرجولي في الأمور الأخرى وخصوصا الحميمة منها لما سحبته إلى موقفها. أما الرجل الفذ أو المتفوّق في علمه أو عمله أو رياضته وحتى في السياسة فيوصف بأنه فحل، وقد يقترن معنى الرجولة لدى الكثيرين بحجم الخصيتين، فكلما كانت مواقفه أكثر حزما، أكدوا على أنه ذو (… كبيرتين)، ومصطلح (رجل مع….)، يعني أنه حازم ومتشدد في مواقفه، وعلى هذا القياس، فإن وزن (…) المهاتما غاندي محرر الهند قد يصل إلى نصف طن. كثير من النساء يشعرن بقلق خفي على مستقبلهن مع الزوج، إذا كان الرجل أنشأ بيته قبل الزواج أو ورثه عن والده، هذا يعني بالنسبة لها بأنها لا تملك البيت الذي تعيش فيه، وقد تجد نفسها في يوم ما بلا مأوى إذا ما تطلقت مثلا، ولهذا فهي مستعدة لتحمّل الكثير من الأذى على أن تتطلق، لأن طلاقها يعني العودة إلى بيت ذويها، وستكون عالة عليهم، خصوصا إذا لم تكن صاحبة مهنة أو شهادة علمية تعتاش منها، ولهذا فالصبر على الزوج العنيف»بقدر معقول»، أفضل من مصير مجهول بالنسبة للكثيرات، ولكن هذا العنف قد يتفاقم مع الوقت. تحتمي المرأة بأولادها وخصوصا الذكور منهم، فتقوم على خدمتهم بكل جوارحها من منطلق الأمومة والمشاعر أولا، ولكنها بهذا تضمن أمنا لمستقبلها حتى ولو لم تذكر ذلك صراحة، حتى أنها قد تمنع الرجل من القيام بمهام تتعلق بالأولاد أو بالمطبخ وقد تعرقلها، وتقول له»هذا مش شغلك»، وذلك خشية أن تفقد أهم قلاعها، وهي المطبخ والأطفال، لهذا، فهي تشعر بأمان أكثر على مستقبلها كلما أنجبت أكثر، وتُفضل أن يبقى زوجها جاهلا بأمور المطبخ. قد يملك الرجل متجرا يبيع فيه الغسالات والنشافات والجلايات والمكانس الكهربائية ويعلّم النساء اللاتي يقتنينها على استعمالها، ولكنه في بيته، يأنف من جمع الثياب ووضعها في الغسالة وتشغيلها، أو أن ينشّفها بالنشافة، أو أن يُدخل الأطباق القذرة إلى الجلاية، أو أن يَكنُس البيت، فهو اعتاد على أن هذا عمل الزوجة، وعندما تقصّر يوجّه لها أصبع الاتهام، الذي قد يصل إلى العنف الكلامي ثم الجسدي. أخيرا، ما زلنا نسمع بأن فلانا رجلٌ حقيقي، وعندما نتقصى الأمر، يتبين بأنه كاتم لصوت زوجته وبناته وشقيقاته ويسيطر عليهن بالقوة والترهيب وليس بالقناعة والتفاهم، هذه الرجولة التي يسميها البعض حقيقية، هي التي تنفجر بين حين وآخر على شكل مأساة وجريمة قتل بحق أنثى هنا وأخرى هناك. كاتب فلسطيني |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق