«التنظيم السرّي» يضرب في تونس! Posted: 29 Nov 2018 01:15 PM PST تزامن هبوط طائرة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تونس مع حدثين لافتين: الأول هو المظاهرات الشعبيّة التي خرجت للاحتجاج على الزيارة، والثاني هو قيام الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بتصعيد كبير ضد حركة «النهضة» التونسيّة. تنبع أهمية الحدث الأول من كونه تعبيراً عن قدرة الشعب التونسي على التظاهر ضد زعيم دولة عربية من دون أن تقوم السلطات بقنص المتظاهرين وقتلهم أو اعتقالهم على الأقلّ (وهو أمر سيحدث بالتأكيد في أغلب البلدان العربية الأخرى)، وهو إثبات أن تونس تسير في طريق الديمقراطية وشعبها قادر على ممارسة حقوقه في الاحتجاج والتعبير. أما الحدث الثاني المتمثل بتصعيد الرئاسة التونسية ضد «النهضة»، فقد تم حشره ضمن سياق الخلافات السياسية الداخلية عبر استقبال السبسي لـ«هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي» (التي تتهم «النهضة» عمليّا باغتيالهما عبر «التنظيم السرّي» المزعوم للحركة)، والتي أضافت على الطنبور وتراً جديدا وهو أن ذلك «التنظيم السرّي» الخطير كان يخطّط لاغتيال السبسي نفسه وفوق ذلك اغتيال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند! جاءت زيارة بن سلمان والرئيس السبسي في وضع سياسيّ لا يُحسد عليه بعد فشل المعركة التي قادها ابنه ووريثه في «نداء تونس» حافظ قائد السبسي ضد رئيس الوزراء يوسف الشاهد وانتهت باضطرار الرئيس للموافقة على تعديل الوزارة الجديد الذي قال إنه لم يُعرض عليه قبل إقراره. لإقناع التونسيين بفوائد زيارة بن سلمان أعلن مستشار للرئيس التونسي إن اتفاقيات اقتصادية مع المملكة العربية السعودية سيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة، ومن بينها اتفاق قرض بفائدة تفاضلية، الأمر الذي اعتبره المنصف المرزوقي، الرئيس السابق للجمهورية التونسية، «مجرد أرقام زائفة»، متهما الرئاسة بتفضيل «مصالح شخصية خسيسة» على الاستماع لكلمة شعبها. وسواء كانت حكاية القرض جزءاً من الوعود المعسولة الكثيرة التي تجرّ ذيولها وراء وليّ العهد السعودي أم لا فقد أعطت مفعولها التحريضيّ السريع على المشهد السياسي التونسيّ. لقد تم تركيب هذه الرشوة المغمّسة بدماء جمال خاشقجي واليمنيين بدهاء على قضية المطالبة بالعدالة لدماء القائدين السياسيين التونسيين الراحلين محمد براهمي وشكري بلعيد. يماثل هذا الفعل ما فعله بعض اليساريين التونسيين، الذين يحملون قميصي بلعيد وبراهمي المدميين، والذين قابلوا زيارة بن سلمان بالتنديد والاحتجاج، ثم قام بعضهم، مثل نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري (في وقت متزامن) بزيارة دمشق ومقابلة رئيس النظام السوري بشار الأسد، في مفارقة فظيعة دفعت نشطاء تونسيين للتساؤل كيف تكون نقابة الصحافيين التي يرأسها البغوري ضد زيارة ولي العهد «أبو منشار» لتونس ثم تدافع عن لقاء البغوري نفسه برئيس «البراميل المتفجرة» في دمشق. وليّ العهد السعودي الذي قال خلال الزيارة إنه يعتبر السبسي «بمثابة والد له»، ترك على ما يبدو «تنظيما سرّيا» يرعى مصالحه بعد غيابه، ولكن المفارقة أن هذا «التنظيم السرّي» يشترك في تحريكه اليساريّ المتصلّب الذي يهاجم السعودية لأسباب «ثقافية» وأيديولوجية (باعتبارها مركزا لظهور الإسلام) ولكنّه يهلّل لبلد «ممانع» تتحكم في مفاصله «الجمهورية الإسلامية الإيرانية»؛ ويستثمر فيه «العلماني» الشرس الذي يطالب بـ«فصل الدين عن الدولة» لكنّه يعمل حثيثاً على توريث السلطات ومنع «فصل الدولة عن العائلة». يقود هذا «التنظيم السرّي» الذي تحرك فيه الخيوط الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، كما هو معلوم، جبهة عربية مضادة للثورات ومتعاطفة مع إسرائيل، ولكن لليسار «العلماني» قطعة «كاتو» محسوبة فيه، تجعله يتحرّك باتجاهين، في العلن ضد بن سلمان وفي السرّ معه، وضد الطغيان في السعودية، ومع الهمجية في سوريا! |
مجموعة العشرين: توطيد «جَبْر الطغيان» المالي Posted: 29 Nov 2018 01:14 PM PST إنها أقرب إلى محفل منعزل في حصن منيع، منها إلى قمة كونية تأتلف لمناقشة اقتصاد العالم ومستقبل المال والأعمال والاستثمارات (وهذه هي الأجندة الفعلية)؛ أو أمن العمل والغذاء والبنى التحتية والتعاون الدولي (وهي الأجندة المعلنة). ذلك لأنّ الإجراءات الأمنية التي أعلنتها وزارة الداخلية الأرجنتينية، في مناسبة انعقاد قمة «مجموعة العشرين» في العاصمة بيونس آيريس، توحي بمناخ قلعة موصدة الأبواب: عطلة وطنية إجبارية، وإغلاق لعشرات الطرق والجادات، وتعطيل للمواصلات العامة كافة، وتحويل لحركة الطيران، و25 ألف شرطي في الشوارع، فضلاً عن نصيحة من وزيرة الداخلية باتريسيا بولريتش شخصياً: خير لكم أن تذهبوا في إجازة طويلة خارج العاصمة! كلّ هذا عدا عن إجراءات التأمين الخاصة التي فرضتها سلطات الأمن الأمريكية لحماية سيد البيت الأبيض، القادم صحبة عشر طائرات، تحمل عربات أرضية وحوامات مسلحة؛ فضلاً عن بارجة بحرية، وثلاث طائرات استطلاع من طراز E ـ 3 AWACS، وثلاث طائرات للتزويد بالوقود، ونظام متحرك للطوارئ، و«دعم استخباراتي للإنترنت»… ولعلّ من الخير للمرء، قبل أن يستعرض الأجندات الرسمية لهذا المحفل الحصين، أن يقرأ ما تقوله «قمّة الشعوب» الموازية، التي تُعقد عادة قبيل افتتاح القمة الرسمية، في المكان ذاته، وتهدف إلى توعية الشعوب حول المضامين الحقيقية لاجتماع 19 زعيماً + الاتحاد الأوروبي، ومؤسسات الرأسمال العالمي الكبرى مثل «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» و«بنك التنمية للبلدان الأمريكية»: مقادير الأذى الكوني التي سوف تلحق بالعمل والغذاء والضمان الاجتماعي والبيئة، مقابل مقادير النفع التي سوف تجنيها الشركات العابرة للقارات والمراكز الإمبريالية الكبرى. «لوغاريتم الاستغلال» هو المبدأ الناظم الخلفي الذي تعتمده قمم مجموعة العشرين في تكريس الطغيان المالي والاقتصادي، وتفضيل شركات الاتصال ومشاريع الاستثمار العملاقة على شروط العيش في الحدود الدنيا، وأمن الغذاء والصحة والتعليم. كذلك تساجل منظمات المجتمع المدني العالمية، المشاركة في «قمة الشعوب» الموازية، بأنّ صفة العشرين ليست سوى أكذوبة مفضوحة تخفي حقيقة هيمنة الرباعي، أمريكا وروسيا والصين وألمانيا، على مقدّرات الكون. دول «مجموعة العشرين» هي الولايات المتحدة، روسيا، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا، أستراليا، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، الهند، أندونيسيا، تركيا، السعودية، وجنوب أفريقيا؛ وتمثّل، كما هو معروف، قرابة ثلثَيْ سكان العالم، وما يزيد عن 75٪ من التجارة الدولية، و85٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وأمّا أعلى طموحاتها، كما أعلنته محافل سابقة في هامبورغ (ألمانيا) وهانغتشو (الصين) وأنطاليا (تركيا) وبريسبان (أستراليا) وسانت بطرسبورغ (روسيا)… فإنه بلوغ معدّل نموّ لا يتجاوز 2٪. ومنذ سنة 1999، حين انطلقت الفكرة من اجتماعات لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، للدول ذات «الاقتصادات المتقدمة والناشئة» كما يقول التوصيف؛ عقدت مجموعة العشرين 12 قمة، كانت الأولى فيها بمثابة ردّ فعل، لتوجيه نداء استغاثة ربما، في أعقاب الأزمة العالمية التي عصفت بالأسواق والبورصات والمصارف. أمّا الإنجاز، في المقابل، فإنه لم يكن مخيباً للآمال، حتى المتواضعة المتدنية منها، فحسب؛ بل كان أشبه بمناسبة سنوية لتطوير المزيد من جَبْر الطغيان الاقتصادي والمالي. «لوغاريتم الاستغلال» هو المبدأ الناظم الخلفي الذي تعتمده قمم مجموعة العشرين في تكريس الطغيان المالي والاقتصادي، وتفضيل شركات الاتصال ومشاريع الاستثمار العملاقة على شروط العيش في الحدود الدنيا، وأمن الغذاء والصحة والتعليم وإذا كانت الولايات المتحدة قد اضُطرت إلى التراجع عن سياسات الحماية المتغطرسة التي سعت إلى فرضها على قمّة مجموعة العشرين في واشنطن، تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، ثمّ قمّة لندن، في نيسان (أبريل) 2009؛ فإنّ الأسباب العديدة تصدرها تناقض المصالح بين النخب الحاكمة في الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك تعزّز مواقع الدول ذات الاقتصادات الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية، والصين بصفة خاصة. وفي هذا، فإنّ بعض أبرز المفارقات تمثلت في أن تكون الصين، ذات النظام السياسي الشيوعي، رسمياً على الأقلّ، والاقتصاد القائم على مركزية حكومية؛ هي الأشدّ حرصاً على انتشال الاقتصاد الأمريكي من مآزقه، لا لشيء إلا لأنّ الدولار هو العملة التي تغطّي صادرات صينية بالمليارات! لكنّ قمة هامبورغ، السنة الماضية، ستعيد أمريكا إلى المربع الأول، جراء سياسات ترامب في الذهاب أبعد نحو الحماية، وفرض الرسوم الجمركية، وانتهاك تعاقدات واشنطن السابقة بموجب اتفاقيات التجارة الدولية. والأرجح، في هذا المقام، أنّ المصادفة لم تكن وراء قرار البيت الأبيض اختيار مدينة بتسبورغ، عاصمة صناعة الفولاذ الأمريكية، لاحتضان قمّة مجموعة العشرين، سنة 2009؛ بل توفرت قيمة رمزية مفادها تذكير الضيوف المشاركين بأنّ اليد العليا ما تزال منعقدة للصناعات الأمريكية، الثقيلة الكونية، والعملاقة العابرة للقارّات والأمم. وفي المقابل، لم تكن مفارقة جديدة تماماً أنّ السحر انقلب على الساحر نفسه في ذلك الترميز، حين اتضح سريعاً أنّ اضمحلال موقع بتسبورغ ضمن خريطة الاستثمارات الداخلية ليس سوى التعبير الجلي عن صورة أخرى أعرض واخطر؛ هي اضمحلال الصناعات الأمريكية ذاتها في الخريطة الدولية! تتمة المفارقة أنّ «إطار» العمل، الذي تبنّاه قادة مجموعة العشرين في اجتماع بتسبورغ ذاك، نصّ على إدخال إصلاحات دراماتيكية، اعتبرها البعض «تاريخية»، تخصّ الحياة الداخلية لصندوق النقد الدولي، وليس تعديل سياساته الكونية والوظائف التي قام لأدائها في خدمة التنمية ومساعدة الاقتصادات النامية. ومنذ 43 سنة، حين دعا الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان إلى أوّل قمّة تجمع الدول المصنّعة الأغنى، كان الهدف أقلّ طموحاً بكثير من سلسلة البنود المتشعبة التي باتت تُوضع على جدول أعمال زعماء العالم المصنّع؛ الآن وقد أراحوا أنفسهم من نخبوية قمم الثماني، فوسّعوا نطاقها العددي والجغرافي إلى العشرين. وفي واقع الأمر بات التشعّب ذاته هو الذي يحوّل هذه القمم إلى جعجعة بلا طحن، وإلى حوار بلا طائل داخل قلاع محصّنة، حيث الآذان صمّاء تماماً عمّا يدور في الشارع من صخب وعنف وتظاهرات واحتجاجات. أخلاقيات هذه القمم لم تتغيّر جوهرياً، أو هي لم تتغيّر إلا بما يناسب واقع الحال في الدول الصناعية ذاتها، وبين بعضها البعض؛ وليس بما يناسب مستجدات العالم الشاسع الواسع، الفقير والمدين والمتخلّف والمريض والجائع. ولعلّ الجديد الوحيد الجدير بالتخفيف من صفة الرتابة على قمة بيونس آيريس، هو إصرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الحضور، معتمداً من جهة أولى على دعم سيده، الرئيس الأمريكي ترامب؛ ومتأكداً، من جهة ثانية، أنّ الإجراءات الأمنية التي اعتمدتها السلطات الأرجنتينية سوف تجنّبه الكثير من عواقب الاحتكاك مع جماهير غاضبة على القمة أصلاً، فكيف بمشارك فيها متهم بإصدار الأوامر لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول. لا حظوظ، بالطبع، للدعوى القضائية التي رفعتها منظمة «هيومان رايتس وتش» أمام القضاء الأرجنتيني، لمحاكمة بن سلمان كمجرم حرب في اليمن (500 ألف قتيل، بينهم 58 ألفاً من الأطفال)؛ فثمة الحصانة الدبلوماسية، كما يقول المسؤولون الأرجنتينيون، وثمة ما هو أهمّ منها بالطبع: حصانة المليارات التي يغدقها وليّ العهد ذات اليمين وذات الشمال! الخلاصة، إذن، وكما يجزم نطاسيو تشخيص المراحل الراهنة من اعتلال النظام الرأسمالي قبل سواهم؛ تنعقد قمم الاقتصادات الكبرى تحت راية إدارة أزمات العالم الاقتصادية وإيجاد حلول تجميلية لها، أو إنقاذية، ولكنها لا تدير سوى بعض أزمات هذه الاقتصادات ذاتها، وبين بعضهم البعض. أو لعلها، أيضاً، تشرع الأبواب أمام اندلاع المزيد من الأزمات، على هذه الجبهة أو تلك، أو على كلّ الجبهات دفعة واحدة؛ بحيث يبدو العالم، في ناظر أولئك العمالقة أوّلاً، بحاجة ماسة إلى مزيد من… توطيد «جَبْر الطغيان»! كاتب وباحث سوري يقيم في باريس |
العراق: مناهج التعليم وغواية الأيديولوجيا Posted: 29 Nov 2018 01:13 PM PST يتركز الحوار، وربما الجدل، عادة في العراق فيما يتعلق بوزارة التربية على المسائل المادية البحت: عدم توفر المدارس والحاجة إلى ما بين 6 ـ 8 ألف مدرسة، والمستوى المتدهور للكادر التدريسي، وندرة المختبرات والساحات الرياضية، وعدم توفر الكتب المنهجية أو تدني نوعية الطباعة. ونادرا ما تمت مناقشة فلسفة التعليم، او بالأحرى غياب هذه الفلسفة في ذهن القائمين على التعليم، وما ترتب على ذلك من إشكاليات حقيقية تتعلق بطبيعة ومستوى المناهج/ المقررات الدراسية، لاسيما مع التسييس الذي حكم هذه المناهج عبر تاريخ الدولة العراقية الحديثة. ففي المجتمعات التعددية اثنيا، ودينيا، ومذهبيا، كما هو في حالة العراق، ومع غياب سردية متفق عليها قادرة على إنتاج هوية «وطنية» جامعة، تشكل مسألة المناهج التربوية في المدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، قضية مركزية في عملية صياغة هذه الهوية الجامعه، هوية قادرة، بالحد الأدنى، على الوصول إلى مدونة مشتركة من الرموز والسرديات المؤسسة. لقد كان التعليم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام ،1921 يقوم على فكرة مركزية تتمثل في ضرورة أن يكون التعليم عاملا لتوحيد العراقيين ثقافيا، وكانت استراتيجية الملك فيصل الأول (1921 ـ 1933) في بناء الأمة/الدولة في العراق تقوم على ركنين أساسيين هما التعليم والجيش. وكتب في مذكراته أنه يريد، بسبب من عدم وجود أي فكرة وطنية، أن يشكل «شعبا نهذبه، وندربه، ونعلمه». لكن طبيعة الدولة الناشئة حينها؛ من حيث انتماءات النخب السياسية فيها، والتوجهات الإيديولوجية للقائمين على استراتيجيات التعليم، أنتجت محاولات لفرض تأويل أحادي فيما يتعلق بأكثر الموضوعات حساسية، ألا وهي مناهج التعليم الديني. والى اعتماد مدونة محددة فيما يخص موضوع مناهج التأريخ الإسلامي والحديث، فضلا عما يرتبط بهذين الموضوعين ضمن مناهج التعليم الأخرى. كما ظلت صورة الآخر في مناهج التعليمة ملتبسة الى حد بعيد، مع كل ما يرتبط بذلك من قيم أساسية مثل التسامح وقبول الآخر بما هو عليه، أو رفض شرعنة العنف. وهكذا، وبدلا عن سياسات التعليم المعلنة رسميا، ظهرت مناهج التعليم تكرس الاختلاف، وتعزز الانقسام، وتغرس الإحساس بالتهميش بإزاء خطاب الدولة/السلطة ذي التوجهات الإيديولوجية. لقد بنيت المناهج على أساس هوية الدولة السنية، مع محاولات تجاوز الخلافات ذات الطبيعة الإثنية والمذهبية ما أمكن ذلك. ولكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح، وقد شهد تاريخ التعليم الحديث الكثير من المواجهات بسبب هذه الخلافات. ولعل واقعة المواجهة بين مدير المعارف ساطع الحصري من جهة، ومحمد مهدي الجواهري، ثم وزير المعارف عبد المهدي المنتفجي بشأن كتاب أنيس النصولي حول تاريخ الدولة الأموية من جهة أخرى، قد تكون الأشهر في هذه المواجهات. وعلى الرغم من الاتهامات والاشاعات الكثيرة التي ترتبط باسم ساطع الحصري في هذا المجال، والتي تبدو في معظمها قراءات إيديولوجية غير موضوعية. وعلى الرغم أيضا من حقيقة استئثار الوزراء الشيعة بحقيبة التربية منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة، إلا أن الأمر كان يبدو أكبر من دور الجهتين في هذه المسألة. ونادرا ما تمت مناقشة فلسفة التعليم، وما ترتب على ذلك من إشكاليات حقيقية تتعلق بطبيعة ومستوى المناهج، لاسيما مع التسييس الذي حكم هذه المناهج عبر تاريخ الدولة العراقية الحديثة لقد كانت لحظة 8 نيسان/ابريل 2003، لحظة تحول دراماتيكي في تاريخ العراق الحديث، وكانت مناهج التعليم في صلب الخطاب السياسي لدعاة التغيير، بمن فيهم الأمريكيون. لكن السؤال الذي ظل مسكوتا عنه هو هل ثمة تحول إبستيمولوجي/معرفي حقيقي في مناهج التعليم المختلفة عن تلك المؤدلجة والمعيارية وذات الصوت الواحد؟ أم اننا انتهينا إلى تحول أيديولوجي/ سياسي محض، مع بقاء المناهج على النسق المعرفي نفسه؛ أي اعتماد خطاب طرف محدد تبعا لموازين القوى القائمة بعد نيسان 2003، لا سيما في ظل هيمنة القوى والأحزاب الإسلامية، ذات المرجعية المذهبية المحددة بالضرورة، على المشهد السياسي في العراق اليوم، بل وفي ظل إصرارها على تولي حقيبة وزارة التربية. إن الذاكرة العراقية لا تزال غير قادرة على إنتاج تاريخ مشترك، فهي ذاكرة متشظية بين مدونات التأريخ الرسمي منذ أربعة عشر قرنا، ومدونات التاريخ الموازي له والذي يراد له أن يكون رسميا بأثر رجعي. من دون أن يصار إلى إعادة التفكير بماهية هذا التاريخ وتجاوز الميثولوجيا التي أنتجته، وعدم النظر إليه بوصفه نصا يصف واقعا حقيقيا، وإنما بوصفه خطابا يجب موضعته في الإطار السياسي والاجتماعي والثقافي المنتج له. وهي الذاكرة/التاريخ التي أعيد إنتاجها بعد نيسان/ابريل 2003 بشدة. ومناهج تعليم لا تزال تقدم معلومات متناقضة للطالب من دون مرجعية فلسفية محددة بين تربية دينية تنتج مفاهيم مختلفة تماما عن تلك التي تنتجها دروس التاريخ والتربية الوطنية ومبادئ التوعية بحقوق الإنسان. وأقصى ما يمكن التفكير به الجمع التلفيقي بين النسقين. هكذا تتداخل مصطلحات مثل «الأمة الإسلامية»، والجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد في كتب التربية الدينية، مقابل نصوص حول «الأمة العربية المجيدة»، والاحتلال البويهي او السلجوقي أو العثماني او الفارسي للوطن العربي في كتب التاريخ! وهكذا نجد في منهج التربية الإسلامية للصف الرابع الابتدائي نصا عن «سلمان المحمدي»، الذي لا يحضر في المدونة الإسلامية إلا باسم «سلمان الفارسي»! وهذا التغيير يرتبط طبعا بطبيعة الصراع الطائفي القائم اليوم في العراق! أو نصا في كتاب الإسلامية للصف السادس الابتدائي عن «الضلال العقائدي» الذي يجمع بين «عبادة الأصنام»، و«عبادة الأحبار (علماء اليهود) والرهبان (علماء النصارى)»! في ظل هذا كله لا يمكن التفكير إلا بأحد الحلين، الأول ان نؤسس لمناهج تؤمن بالاختلاف، وباحترام هذا الاختلاف. وتؤمن بالنسبية، وبفكرة ان ليس ثمة حقيقة واحدة، أو تأويل واحد، أو تاريخ واحد، أو مدونة واحدة، أو خطاب واحد فيما يتعلق بمدونتي التربية الإسلامية والتاريخ. بدلا من صياغة مناهج تلفيقية، كما هو الحال اليوم، ولا شك في صعوبة مثل هكذا لمحاولة. والحل الثاني هو إلغاء مناهج التربية الدينية ودرس التاريخ الإسلامي، وربما بعض من مواد التاريخ الحديث من المناهج الدراسية بصيغتها الحالية، لأنها تعيد إنتاج الخلافات، بل وتكرسها. كاتب عراقي |
لماذا تأخر الرد الجزائري على دعوة المغرب للحوار؟ Posted: 29 Nov 2018 01:12 PM PST في أقل من أسبوعين عن الدعوة المباشرة التي أطلقها الملك محمد السادس للجزائر من أجل الجلوس على طاولة الحوار بين البلدين، أصدرت وزارة الخارجية المغربية بيانا، تنتقد فيه على الجزائر عدم ردها على الدعوة المغربية، وتدعوها بشكل صريح إلى إبداء موقفها من هذه الدعوة بعد مسار من المبادرات التي قام بها المغرب، بشكل رسمي وغير رسمي، لإقناع الجزائر بالانخراط في هذه المبادرة. الجزائر، لم يصدر منها لحد الآن أي موقف رسمي بهذا الخصوص، سوى ما كان من تسريبات إعلامية تتهم نوايا المغرب وعدم جديته، وأنه يتناقض في موقفه بتأكيده على أن السقف لحل قضية النزاع حول الصحراء هو الحكم الذاتي. المغرب على الأقل من خلال مضمون دعوته الملكية، أزال كل التحفظات، وفتح الفرصة لمناقشة كل الاشتراطات الجزائرية ضمن آلية سياسية للحوار الثنائي بين البلدين. موقف واحد صدر عن الجزائر ضمن المدة الزمنية الفاصلة بين دعوة الملك محمد السادس وبين بيان وزارة الخارجية المغربية، أي في الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، هو دعوة الجزائر إلى عقد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد المغاربي متزامنة مع دعوة تونس أيضا، وهو موقف يفهم منه ضمنا رفض الجزائر لمطلب الحوار الثنائي في هذا التوقيت، وربما تفضيلها إجراء هذا الحوار في سياق مغاربي (إقليمي)، لكن الموقف المغربي، يرى أن هذه الدعوة لا علاقة لها بالدعوة الملكية، إذ الفرق واضح بين الحوار الثنائي بين البلدين ضمن آلية سياسية تضع كل القضايا الثنائية على طاولة الحوار، وبين الإطار الإقليمي المغاربي الشامل، الذي يشكك المغرب في أن تكون مخرجات الدورة 35 للمجلس الوزاري المغاربي مختلفة عن الدورات السالفة. توقيت إعلان وزارة الخارجية المغربية لهذا البيان يحمل رسالتين سياسيتين متقابلتين، أولهما أن الدعوة للحوار ليست لها علاقة بحوار جنيف حول الصحراء والذي ستحضره الجزائر كطرف، وأن المغرب لا يسعى من خلال هذه الدعوة لربح تكتيكي، يقوي به موقعه التفاوضي في هذا اللقاء، إذ لو كان ذلك هو القصد، لاكتفى المغرب باستثمار الصمت الجزائري، وتوظيفه لإبراز عدم جدية الجزائر في حل المشاكل الثنائية والإقليمية، غير أنه خلافا لذلك، أصر على تجديد طلب الحوار في صيغته الثنائية، مع الترحيب بدعوة كل من الجزائر وتونس لعقد دورة جديدة لوزراء خارجية الدول المغاربية. أما الرسالة الثانية، فتحصل تلقائيا، من جراء عدم تفاعل الجزائر مع الموقف الجديد المعلن عنه من قبل الخارجية المغربية، إذ يشكل استمرار الصمت أو المناورة، بعدم الرد على البيان المغربي، مؤشرا على عدم جدية الجزائر في اشتراطاتها السابقة، وأيضا في التجاوب مع دعوات للأمم المتحدة بالحوار بين البلدين وتعزيز التنسيق الإقليمي خاصة منه الأمني، لمنع تحول النزاع حول الصحراء إلى بؤرة لتفريخ الإرهاب وتوسيع التحديات الأمنية في المنطقة. عدم رد الجزائر على الدعوة المغربية لن يكون بالتأكيد في صالحها، وأي رهان على إنتاج ديناميات تزعج الموقف المغربي في قضية وحدته الترابية، سيظهر الجزائر في موقع الساعي للتوتر بيان وزارة الخارجية المغربية، بهذا الاعتبار، بتجديد الدعوة للحوار، ومطالبة الجزائر بالتعبير الواضح عن موقفها من الدعوة الملكية، يضع الجزائر في حرج آخر، بعد الحرج الذي وضعه فيه الخطاب الملكي، الذي ضيق على الجزائر خيارات عدم التفاعل الإيجابي مع الدعوة الملكية بعد نزع ورقة الاشتراطات من بين يديها، والثاني، بوضعها أمام مسؤوليتها تجاه الأمم المتحدة، واختبار جديتها وصدقيتها في الحوار السياسي، وأيضا في مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة. منذ دعوة الملك محمد السادس إلى اليوم، لم تحدث متغيرات كثيرة في المنطقة، سوى ما كان من حدثين دالين، الأول ويتعلق بتجدد استفزازات جبهة البوليساريو داخل الجدار العازل، والثاني، يخص مصادقة لجنة شؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي على الاتفاق الفلاحي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. وهما حدثان مترابطان، فتحركات جبهة البوليساريو تتزامن دائما مع مسارات تفاوض المغرب مع الاتحاد الأوربي، سواء تعلق الأمر بقضية الفلاحة أو الصيد البحري، لكن ترابطهما هذا لا يستبعد أن تكون له صلة مباشرة بموضوع الحوار مع الجزائر الذي تستغل وضع البوليساريو في مخيمات تندوف وتمويلها لها للدفع بها في أجندات تخص العلاقة مع المغرب، إذ لا يستبعد أن يكون تحرك البوليساريو داخل الجدار العازل، يستهدف اختبار قدرة المغرب على الصبر، ووضع دعوته للحوار مع الجزائر على المحك، فالمغرب، كما هي قراراته دائما، لا يغادر طريق الوضوح في توجيه الاتهام للجزائر كلما تعرض لاستفزازات من خصوم وحدته الترابية. إذا صح هذا التحليل، فإن محددات الموقف الجزائري من دعوة المغرب للحوار، ترتسم وفق ثلاثة محاور: الصمت وتسريب مواقف غير رسمية تتهم جدية المغرب في دعوته، ومحاولته إحراج الجزائر وكسب نقاط تكتيكية قبل جولة الحوار في جنيف حول الصحراء. محاولة الالتفاف على هذه الدعوة بتحريك ورقة الحوار ضمن إطار إقليمي وذلك بدعوة المجلس الوزاري المغاربي للانعقاد. محاولة افتعال واقع على الأرض يدفع المغرب للانقلاب على دعوته أو إنتاج لغة متوترة مع الجزائر يتم استثمارها جزائريا لإثبات عدم جدية هذه الدعوة للحوار. كما كان متوقعا، فشروط السياسة في الجزائر لم تشجع على التجاوب الكلي مع دعوة المغرب للحوار الثنائي، لأن المستفيد الأكبر منها ـ حسب التقدير الجزائري ـ سيكون هو المغرب، لكن عدم رد الجزائر على الدعوة المغربية لن يكون بالتأكيد في صالحها، وأي رهان على إنتاج ديناميات سياسية ودبلوماسية على الأرض تزعج الموقف المغربي في قضية وحدته الترابية، سيظهر الجزائر في موقع الساعي للتوتر في سياق تتداعى فيه الأطراف جميعها لحوار مباشر على طاولة جنيف. كاتب وباحث مغربي |
منافقة الشعوب لتبرير الاستبداد Posted: 29 Nov 2018 01:03 PM PST لا يُمكن المحافظة على الدول عن طريق الكلمات والشعارات الرنّانة، فهي عنوان التّيه والضياع وبداية انهيار الدولة، وما تُعانيه تونس من أزمات اقتصادية متلاحقة سببه اشتغال الحكومات المتتالية بالوعود الكاذبة واكتفاؤهم بترديد الكلام ذاته بدون خطوات ملموسة أو عملية، وهي مسارات عطّلت رهانات تفاعل الفرد مع الدولة – الأمة في محيط استنفد كل الأيديولوجيات الدينية والسياسية، والثورات قامت لتجاوز سلطة استبدادية، استنزفت كل الأيديولوجيات التبريرية الشمولية، ومن أجل ديمقراطية مواطنية تُهندس وعيا بديلا، وتبحث عن إصلاح حياة الإنسان العربي ماديا ومعنويا صونا لمعاني إنسانيته وحفظا لكرامته مثل باقي أمم الأرض. في الأثناء، كأنّنا بالفكر السياسي العربي مازال يُدير رعايا ضمن سلطة تتقصّد أن تكون أبوية بطرياركية تشبُّهًا بالبناء السياسي في الفكر الشرقي القديم في مصر والصين وغيرهما، وهو ما يفرض نوعا من الخضوع الأدبي والأخلاقي للحاكم، الذي يمارس سياسة لا تُنزع عنها القداسة، فهو»المعبود الطيب» كما سمّي قديما الملك الفرعوني تقديسا ومهادنة، باعتباره إلها أو ابن إله. ولكن من الواجب التأكيد على أنّه لا يستطيع أحد مهما طال الزمن أن ينتزع السلطة المطلقة ليحكم كما يُريد رغما عن إرادة المحكومين، فالحكومات الشرعية تستمدّ سلطاتها العادلة من رضى الجماهير، والحكومة التي تصبح هادمة لتلك الغايات من حقّ الشعب أن يُزيلها ويغيّرها. ومن ثمّة يُقيم حكومة جديدة تُنظّم سلطاتها بشكل يخدم أمن مواطنيها ويُحقّق رفاهيتهم ضمن أطر تعاقدية ومواطنية. وتبِعا لضخامة القصد في شأن ماهية الحياة الديمقراطية المدنية يغلبُ على القيادات السياسية كُرهها للديمقراطية واحتقارها لها، خاصّة أولئك الذين تكون لديهم حصة في السلطة والامتيازات، لأنّ النظام الديمقراطي سيحرمهم من ذلك بموجب القانون الحقيقي في دولة ديمقراطية . وعلى هذا الأساس انتهى الأمر بالحكومات المتعاقبة في تونس إلى تكريس منطق غير تشاركي في إدارة الشأن العام، عناوينه الكبرى إثقال كاهل الفئات الكادحة بالضرائب والزيادات المشطّة في الأسعار في مواد استهلاكية وخدماتية عديدة، ومطالبتها بالتقشّف عوض تفعيل الحلول للمشكلات المجتمعية، وتصويب السياسات الحكومية، وتقديم شحنة أمل للمهمّشين عبر اعتماد استراتيجية تنموية تحدّ من التفاوت الجهوي، ولا يتمّ فيها الاختصار على تدخّلات محدودة المدى تفتقد الفاعلية التنموية، وتهتمّ بأعراض الأزمة دون أسبابها العميقة. وعندما يصبح المشهد السياسي والحزبي أبعد ما يكون أن يمثّل عامل استقرار وطني أو إطارا فاعلا في بناء العملية الديمقراطية، يُصبح التخلّي عن حكومة مفلسة أفضل بكثير من إفلاس الدولة، خاصّة مع تمتين البنية الكلاسيكية للفساد والإفساد. ومن البديهي أن يُغيّر الوضع الاقتصادي الصعب والفشل الحكومي قواعد المسار الانتخابي مستقبلا، في الوقت الذي لم يغادر الوسط السياسي التونسي نوازع التناحر الأيديولوجي والصراعات الوهمية البعيدة عن مصالح الشعب. وأمام طبيعة النظام السياسي الغامض، وضعف المؤسسات السياسية الرسمية في استيعاب معطى الحكم، وفي التعامل مع القضايا الاجتماعية، يجد المواطن التونسي نفسه رقما ضريبيّا لا أكثر، ازداد بؤس حاله المعيشي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية. وهو يُتابع مشهد احتكار الدولة لمصلحة فئات معيّنة أثقلت كاهل المجموعة الوطنية بالنّهب والسّلب والصفقات غير المشروعة. ويرى عجز الدولة الواضح في رسم مخططات جدية لتفعيل الثروات الوطنية، وللحصول على ادّخار وطني من شأنه أن يساهم في رفع الاقتصاد والابتعاد عن الإغراق في التداين الخارجي، لما له من تبعات أفدحها مصادرة القرار الوطني لصالح البنوك والمؤسسات الدولية المانحة. وبالمحصّلة لم تستطع حكومة الشاهد المتمترسة في السلطة، مراجعة قيمة الواردات والحدّ من طابعها العشوائي، ولم تقدّم ما يمكن من استراتيجيات في سبيل استعادة ثقة المستثمر أو ضمان استقرار مالي يخفّض مستوى التخوّف لدى التّونسيين، ويستكين له من يراقب الوضع الاقتصادي والسياسي في تونس، بما في ذلك وكالات الترقيم السيادي والهيئات الدولية المقرضة، ومثل هذا الغياب التامّ للاستراتيجية التواصلية والأداء التنفيذي الفاعل، أخضع الدولة لإملاءات البنك الدولي، وجعلها في وضع تُوجّه مداخيلها لسداد مصاريف التسيير الإداري على حساب نفقات استثمارية ممكنة، أو خلاص ما تخلّد بذمّتها من التزامات مالية ضخمة. لينتهي المسار إلى تعميق الركود الاقتصادي في كلّ القطاعات المنتجة للقيمة المضافة، ومن الطبيعي أن يؤدّي كلّ ذلك إلى الاضرابات الاجتماعية ويزيد في غموض المشهد العام وقتامة تفاصيله. *كاتب تونسي |
متاهة الأردنيين بين المفكر والسياسي Posted: 29 Nov 2018 01:02 PM PST بعد أن تقدم بمشروع تخير له تسمية “النهضة” بدون أن يوضح مصادر تمويله أو ملامحه الأساسية، بدأ رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز يستدير تجاه الشعب الأردني، الذي استقبل بكثير من الفتور إعلانه التلفزيوني، الذي حمل مبالغة درامية كبيرة، وأعلن وجود فئة خطرة في المجتمع الأردني، تعتبر الأكبر، ووصفها بفاقدي الأمل محذراً بالطبع من إنتاج فكر عبثي عدمي يعطل مسيرته. المواطن الأردني، كأي مواطن عربي، يميل للتدين، ويعتبر أن للحياة بشكل عام، وكل تفاصيلها مهما بدت صغيرة، غاية وتدبيرا وحكمة، فالخوف من السقوط في العبثية والعدمية، لا يعتبر إلا استعراضاً بلاغياً لا يتقبله الأردنيون ولا يستسيغونه، وهو أحد منتجات جلسات الثقافة والتثاقف، التي عادة ما أنتجت مصطلحات لا تحظى بسمعة طيبة لدى الأردنيين، إلا أنها تشكل توجهاً جديداً، بعد أن استهلك الأردنيون قدراً كبيراً من مصطلحات الصالونات السياسية التي كانت من مخرجات حفلات العشاء في المزارع التي تجمع النخبة، وتعتبر ظاهرة في المشرق العربي، الذي يفتقد للبنى السياسية والحزبية التي يمكن أن تنتج ثقافتها السياسية. بالطبع لم يستقبل الأردنيون تصريحات الرزاز، التي أتت أيضاً بطريقة مختلفة، إذ اتخذ دور الحكيم المنظّر، بينما وزير الثقافة المكلف حديثاً محمد أبو رمان يحاوره بطريقة الندوات الثقافية الاعتيادية، وبين الغضب والسخرية توزعت ردود أفعال الأردنيين، ولم تخرج غزوة الرئيس الفكرية بأي نتائج، ولم يتحرك منسوب الأمل المتواضع جداً بمقدار حبة خردل. كغيره أيضاً من الشعوب العربية، وتحت تأثير الربيع العربي، أخذ الشعب الأردني يألف بعض المصطلحات السياسية والاقتصادية، نتيجة فيض التبريرات الذي أطلقه الإعلام، سواء وهو ينحاز للثورات من مبدأ اتقاء الموجة وحفظ خط الرجعة، أو وهو ينقض عليها من منطلق وأد الفتنة، ولذلك أتى مشروع النهضة ليستقبل بصورة تفتقد للجدية، نظراً لأن الإعلام الحكومي الأردني نفسه يروج لحتمية مشروع ضريبة جديد، يضحي بأي آمال لتحريك الاقتصاد من أجل معالجة المديونية المتضخمة، وكل ما أورده الرزاز يحتاج تمويلاً كبيراً لم يتطرق لشرح مصادره، خاصة أن الأردن يفتقد للموارد الكبيرة التي يمكن تسييلها لمصلحة تمويل طموحاته الكبيرة. يتضح، وبدون الحاجة لكثير من الذكاء والفطنة، أن مشروع الرزاز لا يعدو في جوهره إلا شراء للوقت، ووثيقة تضاف لكثيرات وجدت أماكنها في ركن قصي من الأرشيف بجانب الأجندة الوطنية، التي افتتحت عصراً من الوثائق الحكومية التي أسرفت في وعود لم تتحقق، ومن الصعب تحقيقها في ظل الأوضاع القائمة. تصنيف المجتمع في حد ذاته مسألة على قدر كبير من الخطورة، ففكرة التصنيف في حد ذاتها تفترض أن ينقسم المجتمع مع الوقت إلى معسكرات، وأن يتبنى كل معسكر مجموعة من التصورات التي تترجم نفسها في صورة مبادئ ومصالح، ويستغرب أن ينساق رئيس الوزراء، الذي ينسب لنفسه خلفية فكرية، وإن بدت مضطربة وغير واضحة، وراء التصنيف، وإذا كان يعرف كارثية العبثية والعدمية عندما تجد مكاناً لدى الشعوب، كما حدث بالنسبة للألمان في نهاية القرن التاسع عشر، فالأولى، أن يكون حذراً لدى استخدام التصنيفات، لأنه سيحرك أولاً المنتفعين ليستحوذوا على الموقع الأكثر اتساقاً وتجاوباً مع المشروع الحكومي، وثانياً، سيؤدي إلى استفزاز أصحاب الطروحات المعارضة، ليتخذوا لأنفسم وصفاً أتاحته الحكومة ببساطة أمامهم، بعد أن كانوا في مرحلة ما مجرد أطياف موزعة بين اليمين واليسار. توجد حالة من الاستمراء لدى المسؤولين العرب في استخدام التوصيفات التي تمس شعوبهم، ففي العادة لا يشعر المسؤول العربي بأنه مدين للمواطنين بأي شيء في مسيرته، التي تتخذ هويتها في العادة داخل شركات القطاع الخاص، أو من خلال المنظومة الحكومية، أو في المنظمات الدولية، كما هي الحال مع الرئيس الرزاز، وبالتالي، فحساباته السياسية تتحيز لسيرته الذاتية قبل أن تنصرف للتعامل مع بيئة سياسية يمكن أن تعاقب المسؤول بعزله واستبعاده في الامتحانات الانتخابية، وطالما أن الرئيس في تجربته لم يتمكن من خوض أي اختبار انتخابي حقيقي، فحساسيته تجاه استرضاء أو استثارة الجمهور السياسي تبقى ضعيفة وقليلة المرونة. حسناً، يمكن أن تدرس حالة عامة للمفكر أو الشخص الذي يصنف نفسه مفكراً، لأن هذه الصفة تحديداً عائمة ومموهة، في دخول السلطة في العالم العربي، ويمكن لدارسي العلوم السياسية أن يتقدموا بتجربة الرزاز، الذي تخير دائماً أن يدخل في نصه وخطابه مصطلحات فكرية وثقافية، بجانب تجربة الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، وإلى حد ما تجربتي برهان غليون وعبد الباسط سيدا وهيثم مناع من المعارضة السياسية، وجميعها تجارب غير مشجعة، وفق تعريف ما هي السياسة بوصفها فناً براغماتياً يتعلق بإدارة السلطة والحكم. بأكثر من ذلك، يجب عدم التوقف أمام تصريحات كثيرة للرئيس الرزاز الذي يحاول مراودة الأمل للأردنيين، بينما يدفعهم في كل مرة لاستنزاف جديد من زوادة آمالهم المتواضعة، كما يراه جزء كبير من الأردنيين الذين انتشوا بتجربة الدوار الرابع اللافتة في رمضان الفائت، تعبيراً عن خيبة الأمل في التغيير، والرئيس الذي كان يعتقد المقربون منه أنه محبوب وقريب من الشارع، لدماثة خلقه وأدبه في التعامل، وهذه أوصاف حقيقية، يفتقد لكاريزما السياسي صاحب الرؤية، الذي يجب أن يتحرك وأن يلتحم مع أفعاله بأكثر مما يزجي الوقت في الحديث، خاصة إذا كانت نوعية حديثه غير مفهومة من قبل الجمهور السياسي. الرئيس غير محظوظ، لعل شيئاً من هذا القبيل، يمكن أن يضاف إلى مشكلته في التواصل مع الأردنيين، فالأزمات التي شهدتها الأسابيع الأخيرة وضعت العديد من الملفات الساخنة دفعة واحدة أمامه، والإمكانيات المحدودة بحوزته جعلته يستعمل تعبيراً مجازياً غير موفق حول الطائرة الخربة التي يقودها، علماً بأن الطيار المسؤول عليه أن يرفض من حيث المبدأ أن يقلع بمثل هذه النوعية من الطائرات، ويستغرب الأردنيون، على الرغم من ذاكرة السمكة التي يشتركون فيها مع كثير من الشعوب العربية، أن تكون هذه الطائرة الخربة والمعطلة تقريباً قادرة على التحليق بارتفاع مشروع النهضة الذي طرحه الرئيس قبل فترة وجيزة، وإذ يبدي الأردنيون ويصرحون ويعلنون ويصرخون بأنهم بالفعل فقدوا الأمل، فإن الخطوة الأولى تكون بإقناعهم عملياً بوجود فسحة للأمل، وهذه مسألة تتطلب أدلة وبراهين، أما الكلمات، المكتوبة والملفوظة، فالأردنيون متخمون بما حصلوا عليه في السنوات الأخيرة، ويحتاجون خطوات على الأرض بشكل سريع وعاجل حتى لو كانت هذه الخطوات بسيطة وضئيلة الأثر. ٭ كاتب أردني |
قمة العشرين Posted: 29 Nov 2018 01:02 PM PST |
فتشوا عن «المشترك» وليس عن «المشتركة» Posted: 29 Nov 2018 01:01 PM PST تجاوز بنيامين نتنياهو أزمة ائتلافه الأخيرة وحافظ، مؤقتًا، على بقاء حكومته، وذلك بعد أن تراجع حزب “البيت اليهودي”، حزب الوزيرين بينت وشاكيد، عن تهديداته بالانسحاب منها. ومع ذلك يراهن معظم المحللين السياسيين على أن موعد الانتخابات العامة للكنيست بات وشيكًا؛ وهذا ما دفع بجميع الأحزاب والقوى السياسية في إسرائيل إلى الشروع في تجهيز بيادرهم لاستقبال مواسم الحصاد، وإعداد خوابيهم لملئها بالجنى أو بالخيبات. تداعت أزمة نتنياهو في أعقاب استقالة وزير الدفاع ليبرمان وانسحاب حزبه، “إسرائيل بيتنا”، من الائتلاف، بالتزامن، تقريبًا، مع انتهاء معارك الانتخابات المحلية التي جرت في البلاد، وظهور نتائجها التي حملت دلائل سياسية مهمة ولافتة، خاصة في بعض المدن والقرى العربية، وفي طليعتها مدينة الناصرة طبعًا. استفزّت، في هذه الأجواء، تحرّكاتُ النائب أحمد الطيبي رئيس”الحركة العربية للتغيير”، معظم شركائه في القائمة المشتركة، فانبرى بعضهم بالتهجّم عليه واتهامه بالقفز من “حضن الأم” وبإطلاقه حملة، قبل “الحج بمرحلة”، كما ادّعى زملاؤه، تستهدف “ابتزازهم” وتحسين مطالبه التفاوضية منهم؛ فقواعد الشراكة الحقة، حسب حلفائه، تستدعي الاتفاق أوّلًا على حماية “القائمة المشتركة” والاعتراف بأن استمرارها ضرورة سياسية تفوق كل مطلب شخصي أو مطمح حركي أو مطمع حزبي، وبعد ذلك سيصير التحاور من داخل “العائلة” على توزيع الريوع والمقاعد والحصص جائزًا وشرعيًا. أكد شركاء النائب الطيبي على أن قائمتهم المشتركة هي أداة تنظيمية، تحصّن قوة الجماهير النضالية في وقوفها ضد مستجدات المرحلة، وضد مخاطرها التي لا يختلف عليها عاقلان؛ وخرجوا، من أجل دعم موقفهم، بحملة واسعة ضد مناورات “الحركة العربية للتغيير” وضد رهانها على مستقبل القائمة، بينما أكدوا من جانبهم على أن “الإسلامية” و”الجبهة” و”التجمع” يرون بالمشتركة “خيارًا استراتيجيًا” يجب عدم التخلي عنه أو إضعافه أو منافسته. حافظت “القائمة المشتركة” منذ ولادتها، قبيل انتخابات الكنيست السابقة وحتى يومنا هذا، على “صيتها” كمخلوق إشكالي، أشغل بتصرّفاته العامة وبقضاياه الداخلية، مواقع الأخبار وصفحات التواصل الاجتماعي، وأثار، خلال مسيرته القصيرة التي تخللتها بعض الانجازات المهمة، معارك ونقاشات، كانت في بعض الأحيان قاسية وصدامية ومخيّبة. لم يتوقع أحد، أن تنجو هذه التجربة الرائدة من سهام الناقدين، أو أن تولد خالية من الشوائب ومن دون نواقص؛ ولكن كان رجاء من رأوا بها مجنّ المواطنين العرب الحامي وعقدوا عليها واسع الآمال، أن تخلّصها “قابلتها” من أمراضها أو من بعضها، وأن تحظى برعاية “أبوية” مسؤولة وناضجة، كيما تمضي نحو مستقبلها بقامة صلبة، لا كما ظهرت عرجاء غير مكسيّة. لقد ادّعى معظم المؤيّدين لتشكيل القائمة المشتركة، أنها استجابة صحيحة لرغبة الجماهير وخيارها الوحيد والواضح؛ وبقدر ما يحمله هذا التذرع من “شعبوية” وتسطيح، لم تكن فرص تفنيده واردة، ولا إمكانيات دحضه سهلة؛ فلا تستطيع أقلية تواجه سياسة قمع عنصرية، كما نواجه نحن المواطنين العرب في اسرائيل، استبعاد أدوات النضال الوحدوية ولا الاستغناء عن ضرورة انضوائها تحت مظلات تجمّع ولا تفرّق؛ فميلاد القائمة المشتركة، ورغم ما شابه من مثالب، أشاع بين الناس راحةً فطرية وهيّأ لهم فضاءات رحبة ستمكنهم من الوقوف ضد عنصرية أكثر الحكومات الاسرائيلية بطشًا وخطورة على استمرار وجودنا وبقائنا في وطننا. مع هذا فلقد نبّه الكثيرون، منذ البداية، إلى خطورة اكتفاء الشركاء بإنجاز وحدة شكلية وغير مسلحة ببرنامج سياسي واضح وموحّد، وغير مدعّمة بتفاهمات جوهرية أساسية تمكّن الفرقاء من مخاطبة الجماهير بلغة غير ملتبسة ومؤثرة، وتجيّشهم في معارك نضالية حقيقية ضد سياسات القمع والعنصرية المستوحشة في حقنا. كم قلنا لكم، يا قادة المشتركة، فتشوا، قبل الشراكة، عن “المشترك” الذي يفيد مصالح الجماهير ويلقّحها ويحصّنها، فبدونه لن تقوم لكم “قائمة” ولن تدوم لكم نعمة، فالشعب يمهل ولا يهمل خاصة اذا لم يجد للحياة في وعودكم سبيلا؛ والشعب يبحث عن “خبزه” في شباك غيركم اذا لم تتركوا له فسحة للأمل ولا فرصة للخلاص وللعمل. كانت كل النذائر معلّقة أمامكم وكانت السحب تمطرنا بغضبها الأسود، وأنتم تقامرون، بثقة حزبية عمياء، على إرادات البسطاء، وتعرضون، كالمدمنين على الهزائم، عن الخرائب وهي تتراكم في قرانا وفي داخل مواقعكم؛ لم يعنكم سوى مشيئة “أربابكم الأعلون” وكأنهم كانوا يعلّبون، من أجلكم، الغيب في حجراتهم ويقبضون على نواصي النصر والريح. كم مرة صرخنا في آذانكم: أن البحر جائع! ولم يسمعنا “شيخ المينا” ولم يحرّك حاجبيه قائد. ولكم نادينا في أحراجكم: سراب، سراب ويباب، فغصصنا بريقنا، وأنتم واقفون على “قافات” ضحكاتكم وكأنكم رماة القدر وسادة الطين وصنّاع القلائد. لا اكتب لأدافع عن أحمد الطيبي، فعندي ما يقال بحقه، ولكن من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر، ولا أناقشكم في ضرورة الوحدة، فلن يناقشكم عاقل، لأن اتحاد الضحايا هو قانون بقائها الخالد، وأما التيه فتعرفه الصحراء وتشهد عليه حناجر المزايدين وتجار العقائد. لقد كتبت مرة بأنني أخشى أننا نعيش في عصر نفدت فيه تواريخ صلاحيات أحزابه العربية، فلم يسمعني غير صبار شرفتي وبعض أكواز التين. سأعود قريبًا للكتابة حول دور “الحزب” ومكانته في حياتنا كأقلية عربية تعيش في زمن الرصاص والولاء والخناجر، وسأكتب عن أحزابنا التاريخية وعن حواضنها الفكرية ومصادر شرعياتها الأصلية في زمن صاحَبَ فيه إخوة “يوسف” ابنة صهيون، وشرّع الشرقُ واحاتِه مرابعَ لجيوش “يوشع” ولنزوات ترامب ولحكّام المقابر، ولكنني أتساءل، بعيدا عن هذا وعن ذاك، ماذا يجب أن يحصل أكثر مما هو حاصل عندنا كي نسمع دبيب النمل في شراييننا وكي نشم رائحة الذبائح؟ وهل سيكفي أن نطالب بالمحافظة على “بقرتنا” من أجل نضالاتنا العتيدة وأوهامنا المقدسة؟ لن ترضى “جماهيركم” هذه المرة بأقل من تأمين حلمها البسيط، ولن تسامحكم كرمى لعيون “وحدة” بقيت عذراء وخلاسية، ولن تراهن مرّة أخرى على “بيض صنائعنا، سود وقائعنا، خضر مرابعنا، حمر مواضينا”، فالدنيا، هكذا ثبت في شرقنا، للأزرق وللأبيض وللعربيد إن غلبا. إسمعوا ما تقوله لكم هذه الجماهير فهي، ليست مثلكم، بل ترقص على مقامات جديدة، وإن لم تصدقوني فزوروا الناصرة وعرّجوا على أخواتها فعند أهلها الخبر اليقين. نحن، العرب في إسرائيل، نواجه مصيرنا من جديد، فمن لا يعرف قدراته لن ينتصر ابداً، ومن لا يعترف بهزائمه لن يقوَ على “فَلّ الحديد” وسيبقى معلقًا على أهداب التاريخ. أنا لا أكتب كي أدافع عن أحمد الطيبي، لكنني لن أحمّله، مثلكم، خطيئة تعرية “مومياء” لففتموها، قبل بضع سنين، بستائر من غبار لم تصمد أمام العاصفة وأمام “موجعات الدهر حين ولت”. *كاتب فلسطيني |
كلام في الهجرة والتهجير واللجوء والانطلاق من مراكش Posted: 29 Nov 2018 01:00 PM PST في العاشر والحادي عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول 2018 يجتمع ممثلو أكثر من 170 دولة في مراكش بالمغرب، للتوقيع على “الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة” الذي اعتمد بالإجماع في شهر يوليو/تموز 2018 في الجمعية العامة. وستغيب عن المؤتمر حفنة من الدول أولها الولايات المتحدة، التي كانت أول المنسحبين ثم لحقت بها إسرائيل، فبعض الدول التي يقودها اليمين العنصري مثل هنغاريا والنمسا وأستراليا والتشيك وسلوفاكيا. لكن لا خوف على المؤتمر ونجاحه، لأن مسألة تقنين الهجرة وتنظيمها أصبح ضرورة ملحة، بعد فوضى السنوات الأخيرة التي دفعت بمئات الألوف أن يهجروا أوطانهم بحثا عن مكان آمن يضمن لهم لقمة عيش ومساحة من الحرية، فانتهى مصير العديد منهم إلى الموت في قيعان البحار غرقا أو كثبان الصحارى عطشا أو أقفاص المهربين سجنا وتعذيبا. لا خوف على المؤتمر، لأن دولا عديدة معنية بنجاحه كي يتقاسم المجتمع الدولي معها عبء الهجرة والمهاجرين واللجوء واللاجئين مثل، ألمانيا وتركيا والمغرب والمكسيك ومعظم دول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا ودول أمريكا اللاتينية والدول العربية. وسيتم اعتماد الميثاق الجديد الذي ينظم عملية الهجرة ويجعلها آمنة وقانونية لمصلحة دول المصدر ودول الاستقبال ودول المرور. وفي البداية لا بد من التفريق بين فئات ثلاث هجَرت أو هُجّرت من موئلها الأصلي: اللاجئ الذي اجتاز الحدود قسرا، والمهجّر الذي بقي داخلها، والمهاجر الطوعي الذي غامر بترك بلاده بحثا عن عيش أفضل. وسيكون تركيز مؤتمر مراكش على الفئة الأخيرة من المهاجرين في محاولة لتنظيمها. وهنا أسلط بعض الأضواء على الفئات الثلاث التي تركت أوطانها بسبب الحروب والخوف والمجاعات والجفاف والفيضانات والأمراض والتطهير العرقي والأطماع والاقتلاع، فلا يوجد بلد في العالم خالٍ من المهاجرين، بل هناك بلاد مكونة أساسا من المهاجرين بعد أن تمت إبادة السكان الأصليين كليا أو جزئيا مثل، الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. *أولا- اللاجئون، وهم الفئات التي هجرت بلادها كرها لا طوعا، خوفا أو ابتعادا عن ميدان النزاعات المسلحة، واجتازوا حدود بلادهم إلى بلدان مجاورة. واللجوء يشمل الأشخاص الذين فروا من بلادهم الأصلية، بحثا عن الأمن بسبب هذا الخوف المبرر أو الاضطهاد القائم على العرق أو الدين أو القومية أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية بلده الأصلي، أو العودة إليه، خشية التعرض للاضطهاد. وهذه الهجرة القسرية تكون مؤقتة ومن المفروض أن تنتهي بزوال أسباب اللجوء على أن يكون الرجوع إلى الوطن الأصلي طوعا لا كرها، بشرط أن تكون العودة آمنة وتضمن حياة عادية. هذا الصنف من البشر المنضوين تحت مسمى اللاجئين تحكمهم اتفاقية دولية اعتمدت عام 1951 تحت مسمى “الاتفاقية الدولية حول اللجوء” وكانت هذه الاتفاقية مقصورة على توفير الحماية بصفة أساسية للاجئين الأوروبيين فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، غير أن بروتوكول عام 1967 وسع نطاق الولاية المنوطة بالمفوضية بعد أن انتشرت مشكلة النزوح فى مختلف أرجاء العالم. وتوفر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الوقت الحاضر المساعدة لما يزيد عن 25 مليون شخص. *ثانيا- المهجّرون أو النازحون أو المشردون داخليا، وهم الذين فروا من مساكنهم وقراهم ومدنهم أو أجبروا على الفرار خوفا من الاشتباكات المسلحة، أو تحسبا من استهدافهم بسبب العرق أو الدين أو الانتماء السياسي، لكنهم لم يستطيعوا أن يجتازوا حدود الوطن وظلوا فيه، فهم لاجئون في وطنهم بدون حقوق اللجوء. وهذه الفئة من الناس ما زالت غير منضوية تحت اتفاقية دولية أو قانون دولي، ولا يتم التعامل معهم إلا على أساس أنهم بحاجة لمساعدات إنسانية لإبقائهم على قيد الحياة. ويتم أحيانا التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرضون لها مثل، القتل العمد أو التطهير العرقي أو الإخلاء أو الاغتصاب أو التجويع المتعمد، كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق ودارفور وجنوب السودان. ويصل عدد المهجرين حاليا نحو 30 مليون إنسان. وهذه الفئة أسوأ وضعا من اللاجئين والمهاجرين، حيث غالبا ما يقعون بين فكي كماشة المتحاربين، فالمعارضة قد تحتمي بهم وتجعل منهم ستائر بشرية وتجبرهم على دعمها، وتجند شبابهم في صفوفها، وتطبق عليهم أحكامها وقوانينها الغريبة، أما الأنظمة فتقوم بقصف المعارضة المختبئة بينهم فيقعون ضحايا دونما ذنب من لدنهم. *ثالثا- المهاجرون، المهاجر هو الذي يترك بلاده طواعية من أجل التماس حياة أفضل، ويحمل جنسية بلاده ويتمتع بحماية حكومته الوطنية، بعكس اللاجئ الذي ليس له خيار سوى الفرار من البلد بسبب ما يتعرض له من تهديد أو خوف أو اقتلاع. والهجرة نوعان – شرعية بحيث يدخل المهاجر بلد الاستقبال ضمن شروط ذلك البلد ويمنح إقامة مؤقتة أو دائمة. وهجرة غير شرعية تقوم على التسلل أو وصول الحدود بأي طريقة كانت، ويضع دولة الاستقبال أمام الأمر الواقع. ويصل عدد المهاجرين الشرعيين الذين استقروا بشكل دائم أو مؤقت في بلاد غير بلادهم إلى 250 مليونا، تقف الولايات المتحدة على رأس هذه الدول تليها ألمانيا فالاتحاد الروسي ثم السعودية فالإمارات العربية. وغالبا ما يكون هؤلاء المهاجرون مستقرين ومنتجين ومبدعين، بحيث يضيفون للبلد المضيف حركة اقتصادية نشيطة، وإبداعات علمية ومهارات فنية وهندسية وإنجازات طبية وغيرها، كما يفيدون بلادهم الأصلية بتحويلات نقدية وتبادل خبرة وثقافة ولغات. فمثلا تصل تحويلات الهنود في دول الخليج العربي إلى 65 مليار دولار سنويا. الهجرة التي سيبحثها مؤتمر مراكش إذن هي الهجرة التي يقوم بها أفراد وجماعات من دول فقيرة أو في حالة نزاع داخلي، في محاولة للدخول إلى دول أخرى مستقرة اقتصاديا وأمنيا بكافة الطرق الشرعية وغير الشرعية، بحثا عن عمل، أي عمل، فيقعون في مصيدة المهربين وجماعات الاتجار بالبشر والاستعباد والاستغلال الجنسي، والطرد وإيصاد الأبواب في وجوههم، والغرق أثناء محاولات اجتياز البحار. هذه الفئة التي غادرت أوطانها، على أبواب أن يحسم الجدل بشأنها ويعتمد المجتمع الدولي في مراكش “الميثاق العالمي حول الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة”. الأركان الأربعة لميثاق مراكش: يعبر الميثاق العالمي في مجمله عن الالتزام الجماعي بتحسين التعاون في مجال الهجرة الدولية، التي لا شك أنها جزء أساسي من التجربة الإنسانية عبر التاريخ. فالهجرة المنظمة ما فتئت تكون مصدرا للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة في عالم يتسم بالعولمة. وهذا الميثاق يعمل على تحسين هذه التأثيرات الإيجابية عن طريق تحسين الهجرة وتنظيمها. فغالبية المهاجرين حول العالم يسافرون ويعيشون ويعملون في أمان، وبعضهم يختار طوعا أن يعود إلى بلاده الأصلية، والبعض يفضل الاستثمار في البلدين ويحاول أن يعلم ثقافته الأصلية لأولاده في المهجر، وهو ما يعزز تبادل الثقافات والخبرات واللغات والعلوم. ومع ذلك، تؤثر الهجرة بلا شك على بلاد الاستقبال وعلى المهاجرين وعائلاتهم بطريقة مختلفة للغاية. ومع أن الميثاق الجديد غير ملزم إلا أن القضايا التي يطرحها والمتعلقة بالهجرة تقع في صلب المصالح الحيوية للدول الثلاث: المصدر والممر والاستقبال، فتوصيات الميثاق التي تزيد عن 22 توصية تسعى إلى وضع حلول لأربع مسائل متشابكة: – العمل على مساعدة الدول المصدرة للمهاجرين اقتصاديا وفتح مجالات للعمالة بحيث تستوعب العدد الأكبر محليا، بدل خروجها للبحث عن فرص أفضل. – تخفيف الضغط على البلدان المستضيفة، واحترام شروطها لقبول المهاجرين، وإعطاؤها الحق في أن تضع أولويات أمنها الداخلي أولا، وحقها في تحديد الفرق بين المهاجر الشرعي وغير الشرعي. – احترام كرامة المهاجرين وأبنائهم وتعزيز قدراتهم والاستفادة من خبراتهم وتحريم التمييز ضدهم وتهميشهم وطردهم بطريقة تعسفية، أو منع الخدمات الأساسية عنهم. – وأخيرا النظر إلى الهجرة بشكل إيجابي واعتبارها مزدوجة الفائدة لدول الاستقبال المستفيدة من خبراتهم ومهاراتهم، ودول المصدر المستفيدة من تحويلاتهم ومشاريعهم. ما نأمله انطلاقا من مراكش زيادة في حصاد فوائد الهجرة المنظمة، والحد من بعض جوانبها السلبية مثل الهجرة الفوضوية والخطرة التي ما فتئت تفتك بالآلاف. فالتنقل البشري سيظل ظاهرة قارة على مرّ العصور. لعل هذا الميثاق يحد من الجوانب الاستغلالية الخطيرة ويصبح تنفيذ الاتفاق مصدر خير وسلامة وتقدم اقتصادي لصالح الجميع. * محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي |
من تقسيم فلسطين إلى تقسيم الفلسطينيين Posted: 29 Nov 2018 11:51 AM PST نتذكر كل عام تقسيم فلسطين بقرار من الأمم المتحدة (29/11/1947)، بناءً على طلب من سلطات الانتداب البريطاني، قبل انسحابها وإعلان دولة إسرائيل، متخلية بذلك عن مسؤوليتها التاريخية بالمأساة التي أحدثتها بالشرق العربي ولعقود طويلة. وفي مقابل موافقة الطرف الصهيوني، رفض الفلسطينيون القرار، إذ لم يكونوا بوارد التخلي، عن جزء من وطنهم التاريخي، لمجموعة من المهاجرين القادمين من أوروبا، علماً أن عدد اليهود بفلسطين عام 1914 كان 60 ألفا، منهم 39 ألفا من أصول عربية عثمانية، مقابل 600 ألف عربي مسلم ومسيحي. بينما كان ذلك بالنسبة للطرف الآخر الصهيوني، أول «اعتراف شرعي» بوجوده وأحقيته بالبقاء في المنطقة، ولم يكن ممكناً لرجل مثل بن غوريون، ألا أن ينتهز هذه الفرصة الذهبية، بالتوافق بين الأمريكيين والروس، والذي كان توافقاً استثنائياً، بالنسبة للعلاقات المتوترة بين الدولتين الكبيرتين مع بداية الحرب الباردة. مرت السنون ولم يعد أحد يطالب بتطبيق قرار التقسيم، ولا حتى بشقه المتعلق بحق اللاجئين بالعودة لديارهم، والذي كان مرتبطاً بحل الدولتين حينذاك. هل تعلمنا شيئاً من مأساة التقسيم، وهل جمع الفلسطينيون والعرب قواهم منذ سبعين عاماً لاستعادة حقوقهم، الجواب طبعاً ليس فقط بالنفي، بل بزيادة الفُرقة داخل الصف الفلسطيني، وبدء التطبيع وحتى التحالف بين عدد من الدول العربية وإسرائيل على حساب الفلسطينيين، كما نرى مثلاً فيما يراد لنا أن نشهد مأساة جديدة عبر مشروع صفقة القرن الأمريكية، وتهافُت بعض الدول الإقليمية على طلب رضى الرئيس ترامب. انتقل الشعب الفلسطيني، لسوء طالعه، من شعب جُزء وطنه واحتُل، إلى شعب جرى تجزئته، فنحن الآن، وبفضل الحركات الوطنية الفلسطينية التقليدية، أصبحنا شعوباً وقبائل متناثرين ومتناتشين، بين غزة المُحاصرة والضفة المُقطعة ومخيمات اللجوء بلبنان ومناطق أخرى، هذا بالحقيقة هو استمرار للسياسات الفلسطينية والعربية منذ البدء، حيث استُبدل كون فلسطين مسؤولية الأمة العربية، إلى كونها فقط مسؤولية الشعب الفلسطيني. التجزئة العربية النابعة من السياسات البريطانية، بعد هزيمة الدولة العثمانية، أعطت وتُعطي لحد اليوم أكلها، وأثبتت نجاعة وعبقرية الفكر الإنكليزي، بتشتيت جهود الأمة العربية، وإدخالها منذ حوالي قرن من الزمن، في حروب داخلية وخارجية، ونهب ثرواتها من حكامها لصالح الدول الغربية فقط. الشعب الفلسطيني، حتى لو تمكن من توحيد صفوفه، فلن يكون بأحسن الأحوال قادراً على الحصول إلا على الفتات، من حكم ذاتي بالضفة أو شبه سلطة مستقلة بغزة، مع نسيان حق اللاجئين. لا يمكن التصدي للمشروع الصهيوني، والذي انتقل من تقسيم فلسطين عام 1947، إلى توحيد فلسطين تحت سيطرته واحتلاله الآن، مترجماً ذلك سياسياً، برفضه «حل الدولتين»، وتكثيف الاستيطان، ومحاولة الغاء وكالة الغوث للاجئين، «حل الدولتين» ذلك السراب الذي كنا نجري خلفه منذ اتفاقيات أوسلو. لا يمكن التصدي حقيقة لذلك المشروع، إلا بتوحيد جهود الأمة شاملة، والوعي أن فلسطين هي جزء لا يتجزأ منها، وأن إنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، لا يتم إلا عن طريق إنهاء مأساة الأمة العربية، القابعة تحت سلطات استبدادية قمعية، تشُل قدراتها وتشتت جهودها وتضيع ثرواتها. من هنا وجوب تصحيح ترتيب الأولويات، بالبدء ببناء الذات العربية والإنسان الحر، والتغلب على الأنظمة القمعية، لصالح بناء ديمقراطي حديث، وذلك هو الطريق الاضطراري لإنقاذ شعوب الأمة، بما فيها الشعب الفلسطيني وبلاد الأمة بما فيها فلسطين. كاتب ومحلل سياسي فلسطيني |
يوم جيد للجميع ... هل أنت رجل أعمال أو امرأة؟ هل أنت في تهمة المالية؟ أو هل كنت تسعى للحصول على المال لبدء عملك الخاص؟ هل لديك درجة ائتمان منخفضة وتجد صعوبة في الحصول على قروض من البنوك المحلية والمؤسسات المالية الأخرى؟ اتصل بنا اليوم عبر البريد الإلكتروني ruralbankregional@gmail.com ، الحل لمشكلتك المالية هو خدمة البنك الإقليمي الريفية
ردحذف