الاستبداد العربي: الأسيد التقدّمي والمنشار الإصلاحي! Posted: 28 Oct 2018 02:15 PM PDT يعيد الاهتزاز السياسي الكبير الذي صنعه اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي إلى الذاكرة موضوع حوادث الاغتيال الشهيرة التي نفذتها الأنظمة العربية لمعارضيها، ويحضر في هذا المجال حادثا اغتيال شكلا جرحين غائرين في التاريخ السياسي العربي ويحملان تشابهات عديدة مع حادثة اغتيال خاشقجي، فقد حصلا في مكان خارج بلدي الضحيتين، واكتنف الغموض تفاصيلهما، وتعددت روايات القتل والتعذيب وطرق التخلّص من الجثة حولهما، واتهمت أطراف سياسية وأمنية عديدة بالمشاركة فيهما. أول هاتين الواقعتين تتعلّق بالزعيم الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو الذي ألهبت رواية تعذيبه وقتله وتذويبه بالأسيد خيال الساسة والناشطين العرب واعتبرت نقطة حالكة في تاريخ السياسة العربية. يوصلنا التمعّن في التفاصيل إلى تشابهات كبيرة للحلو مع خاشقجي، رغم اختلاف سياقيهما السياسيين، وانتماءاتهما الأيديولوجية، فبعد عقود من مرور الحادثة التي جرت عام 1959، استعيدت معلومات مهمّة عن الحلو، منها على سبيل المثال، موقفه المتميز المنتقد لموقف الاتحاد السوفييتي من الاعتراف بدولة إسرائيل، وهو ما أدى إلى تخفيض رتبته الحزبية ونيله عداء موسكو والقيادة الستالينية للحزب الشيوعي السوري ممثلة بخالد بكداش، الأمر الذي لعب دوراً، حسب تحليل كثيرين في طلب القيادة منه الذهاب إلى دمشق (في الوقت الذي كان فيه بكداش هاربا في براغ) حيث اعتقل وتم اغتياله من قبل رجال عبد الحميد السرّاج، ضابط الأمن السوري الشهير، محلّ ثقة الرئيس المصري جمال عبد الناصر أثناء فترة الوحدة السورية ـ المصرية. تتعلق الحادثة الثانية بخطف واغتيال الزعيم المغربي الشهير المهدي بن بركة، وهي واقعة هزّت أركان الحياة السياسية في المغرب وتركت أثرها التراجيدي على اليسار المغربي والعالمي لما كان لشخصية بن بركة من تأثير عابر لبلاده واعتبرت ذروة كبيرة في العلاقة الشائكة بين الأحزاب السياسية والأجهزة الأمنية في المغرب. وكما كان للحلو أعداء كثيرون، فقد تشارك في اتهام خطف وقتل بن بركة (في الشهر نفسه الذي خطف وقتل فيه خاشقجي ولكن قبل 53 عاما) أطراف محلّيون وأجانب كثر، فاتهم الجنرال محمد أوفقير وزير الداخلية آنذاك (والذي سيقوم بانقلاب لاحقا على الملك الحسن الثاني عام 1972)، وأحمد الدليمي، مدير المخابرات، بالتخطيط لقتله، الذي شارك فيه، كما تؤكد روايات متطابقة، الأمن الفرنسي، وعناصر من الموساد الإسرائيلي (وأيضا المخابرات الأمريكية)، ولأن الجثّة لم تكتشف أبدا، فقد ذكرت روايات عن رميها في نهر السين وكذلك عن إذابتها بحامض الأسيد. أظهرت صحف إسرائيلية عديدة انزعاجها من إمكان تأثير اغتيال خاشقجي على وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وخصوصاً على دوره فيما يسمى تمرير «صفقة القرن» (وهذا الانشغال السعودي بتداعيات الاغتيال قد يفسّر ربما انتقال النشاط الإسرائيلي إلى عُمان حاليّا)، وهذا يوضّح تشابهاً غريباً في الاغتيالات الثلاثة حيث نجد فيها اجتماع مصالح محلّية للتخلّص من شخصيّة سياسية مؤثرة مع دخول إسرائيل على الخطّ. عامل آخر جدير بالانتباه إليه وخصوصاً في حالة الحلو وهي أن دولة الوحدة السورية ـ المصرية كانت ترفع شعارات الاشتراكية والوحدة والحرية، وقد استخدمت تلك الشعارات، والجماهيرية التي تمتّع بها الحكم الناصريّ، للقضاء على كافّة أشكال المعارضة في مصر وسوريا، الشيوعية منها والإسلامية، وكان ذلك أحد مقاتل النظام الناصريّ (ونظائره العربية الأخرى) الذي تلقى هزيمة مذلة عام 1967 ساهمت في تفككه ومآله إلى ما صار إليه اليوم. أمر مشابه يحصل في السعودية التي يرفع وليّ عهدها شعارات الإصلاح والحداثة في الوقت الذي يصفّي فيه كل خصومه السياسيين أو من يختلفون معه بالرأي من كافة أصناف الطيف السياسي، وهو أمر يتنافى بشكل جذري مع أي فكرة إصلاح أو حداثة أو تقدّم، وهو الآن، يعيد تكرار ما فعلته مصر الناصرية ولكن بشعارات براقة أكثر لكنها تخفي تحتها معدن الاستبداد الصلب. لقد استبدل الأسيد التقدمي بالمنشار الإصلاحي ولكن النتيجة واحدة. |
مارك ليلا من «هشاشة العالم» إلى «يسار الهوية» Posted: 28 Oct 2018 02:13 PM PDT ثماني سنوات كانت لي فاصلة بين قراءة كتابين لمؤرخ الأفكار الأمريكي مارك ليلا. التجربة الأولى كانت مع كتابه «الإله المولود ميتاً. الدين والسياسة والغرب الحديث». ينطلق فيه من أن البشر يحتاجون دائماً لمن يطمئنهم. لا تنفع المكابرة على هشاشة العالم التي نتأوّلها بطرائق مختلفة. لقد استهلكت الحداثة مقولات مثل «انفكاك سحر العالم» و«التاريخ هو تاريخ الحرية» لإمتداح نفسها، والتهوين من وطأة ما يضادها، لكنها مقولات منسوجة على منوال الحكايات الخيالية الموجهة للأطفال، وتحاكي بالتالي هذا الطفل الراكز فينا. في كتابه «الإله المولود ميتاً»، أو إذا استعنّا بتعبير معجمي عربي آخر، «الإله المليص»، يسبر مارك ليلا استمرارية اتجاهين متناقضين في تاريخ المسيحية، أحدهما «استحساني للخلق» والآخر «متوجس من الخلق»، جاعلاً من الحداثة الفكرية والسياسية مساراً يتأسس على المنحى الأوّل. في الوقت نفسه، يحاجج دفاعاً عن الإنفصال النهائي الكبير بين اللاهوت السياسي وبين الفلسفة السياسية، مستخدماً إستعارة النهر الفاصل: النهر الضيّق من ناحية العرض والعمق من ناحية المجرى، بحيث أن المغامرين بالتنقل بين ضفتي اللاهوت السياسي والفلسفة السياسية محكومون حتماً بأن تجرفهم تيارات روحية ليس بمستطاعهم التحكّم بها. عنده أنّ خير سبيل لإعطاء هذا الإنفصال الكبير بين اللاهوت السياسي وبين الفلسفة السياسية حقه، هو الإقرار بأنّه إنفصال مبني على حساب فيه رهان وفيه مجازفة، الرهان بأنّه من الأجدى التفلت من عباءة الوعود الخلاصية الكتابية، بدلاً من محاولة التحكّم بها وتوظيفها أو استثمارها لصالح الخير العام. مختلف تماماً كتابه الأخير، عن «اليسار الهوياتي» في الولايات المتحدة. فهذا أقرب إلى المانيفستو السياسي ـ السجالي. الصعوبة فيه ليست فكرية كما الأول، بل هي صعوبة أن تسلّم نفسك للتقسيمات التي يقترحها عليك المؤلّف. ليس سهلاً، بعد كل شيء القبول معه بأنّ «الحزب الديمقراطي» الأمريكي كان حزب «الطبقة العاملة» حتى أواخر الستينيات، وتحوّل اليوم إلى الحزب الباحث عن تكتيل «الأقليات الهوياتية» قبل أي شيء آخر. وحتى لو استدخلت المسافة الذهنية عن الدلالات الأمريكية للأشياء، سيظل صعباً عليك رؤية جون كينيدي أو ليندون جونسون قادة ميامين لكفاح الطبقة العاملة، أو المبالغة في تقدير أثر «سياسة الهوية» في حملة هيلاري كلينتون، بدلاً من تحديد الشرائح الأوليغارشية والبرجوازية المواظبة على الهيمنة على الديمقراطيين، بصرف النظر عن مدى توظيفها لـ«الهامش الهوياتي»، من دون أن يتحوّل هذا، جديّاً، إلى «المتن». ثمّة شعور بالمبالغة، بالتلاعب بالأوزان والأبعاد وأنت تعبر صفحات هذه المساجلة، المليئة بالجمل الخطابية، عن «استقالة اليسار من دوره» في الولايات المتحدة، وعن افتقاده إلى الخيال، ثم يطلع عليك هذا الخيال حكاية عودة إلى مفهوم المواطنية المتساوية للجميع، وإعادة صياغة «النحن» الوطنية لما فيه خير الولايات المتحدة، وهكذا. خير سبيل لإعطاء هذا الإنفصال الكبير بين اللاهوت السياسي وبين الفلسفة السياسية حقه، هو الإقرار بأنّه إنفصال مبني على حساب فيه رهان وفيه مجازفة مع هذا، يلتقط مارك ليلا شيئاً ما، منحى ما، جوهرياً، بخاصة حين يميز بين نموذج حركة الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين في ستينيات القرن الماضي، وبين الجماعات التي تحرّكت لنيل حقوقها بعد ذلك. فالنموذج الأول، اختار أن يأخذ بجدية مفهوم المواطنية المتساوية والكونية، الذي كانت تتنباه أمريكا البيضاء وتحجبهم عن الأفارقة الأمريكيين في آن. وبهذا المعنى، تنسّبت هذه الحركة للنموذج المصدري للآباء المؤسسين للولايات المتحدة. بالتوازي مع التطاحن الأوروبي في غمرة الحروب الدينية ثم أزمة النظام القديم، تطورت التجربة الأمريكية لتعطي المسيحيين أسباباً للتماهي مع الدولة، وهو أن الدولة تعطيهم الحق في التماهي مع ديانتهم. بالتالي تحول رابط المواطنية إلى إطار يحمي رابط الإنتماء الديني ويصونه. ثم تعاقبت الموجات المختلفة للمهاجرين من أقاليم أوروبا المختلفة، وهؤلاء أيضاً، رغم النزعات الكزينوفوفية الأنكلو ـ بروتستانتية بإزائهم، فقد انتصر فيهم الشعور بالتماهي القوي مع البلد والفخر بالمواطنة فيه، تحديداً لأن هذا الإنتماء لا يستدعي منهم اندماجاً ثقافياً كاملاً. تمكّنت أمريكا من تطوير تصوّر رحب للمواطنية يستوعب الإنتماء الإثني بدلاً من أن يقصيه أو يقمعه. حركة الحقوق المدنية في الستينيات ناضلت من أجل حقها في الإستفادة من هذا النموذج، والإنضواء في إطاره. ما يبيّنه ليلا أنّه، خلال السبعينيات، وخصوصاً منذ الثمانينيات، توارت المواطنية عن المشهد، وبدل سؤال كينيدي «ما الذي يمكن أن أقوم به من أجل بلدي» (الذي يقفز منه ليلا أكثر من مرة إلى ذهنية التفاني الماركسي وعدم طرح سؤال «من أنا» عند المناضل، بكل مفارقات ذلك)، استبدّ في اليسار وعند النسويات وحركة حقوق المثليين وحقوق الأقليات الهوياتية المختلفة سؤال «ما الذي يتوجّب على بلدي أن يفعله بالنسبة إلى هويتي». يتتبع هنا ليلا هذه الطريقة في التعليل، التي تبدأ من اعتبار أن كل شيء مترابط، لتستنج بأنّه في كل مكان المجتمع يتآمر ضد الطبيعة البشرية لكل عضو فيه، وليجري الإنتقال من أنّ كل ما يبدو شأنا خاصاً هو واقع سياسي، وأن ما من مضمار إلا وهو داخل في الصراع من أجل السلطة، إلى اعتبار كل ما هو سياسي شخصي، فتتم بذلك نرجسة الوعي، والإستقالة من ثم من السياسة. صحيح أنّه من الإختزال بمكان تفسير مآلات «الحزب الديمقراطي» الأمريكي بمثالب «يسار الهوية» هذا، لكن، بالنسبة للحالة التي يرصدها مارك ليلا، فهو يحاصرها بشكل سجالي فطن وممتع. فـ»يسار الهوية» هذا، هو اليسار الذي «أخذ علماً» بأن الطبقة العاملة تقاعدت ثورياً، وأخذ يمني النفس بأن حرم الجامعة كفيل بتشكيل جيل أخلاقي بيئي نسوي جذري، يعمّم من بعد ذلك تجربته في كل مكان خارج أسوارها. يوفّق مارك ليلا في تتبع هذا الركب الذي استظلّ بالأكاديميا كخشبة للسياسات الزائفة والوهمية والميلودراما، وفي أنّ «سياسة الهوية» هذه ليست سوى «ريغانية اليسارويين»، كونها ظهرت مع وصول رونالد ريغن إلى السلطة، ومناداته بالفردانية الإقتصادية وتدخل الحد الأدنى للدولة، فكان أن سابقه هؤلاء في الأنطواء على الذات ونرجسة الوعي. مع فارق أن اليمين، من ريغن إلى ترامب، سيظل يتوجه إلى العدد الأكبر من الناس، إلى «الديموس»، في مقابل ادارة هؤلاء «اليساريين الهوياتيين» الظهر له، إما بحجة أن الإنتخابات لا تقدّم ولا تؤخر، وإما من خلال تحويل الإنتخابات إلى جلسات تعويذ وشهادات مناقبية شخصية. مشكلة هذا الكتاب كلما حاول إلباس الحزب الديمقراطي الأمريكي ثوباً عمالياً في السابق، خلعه لاحقاً بإتجاه الثوب الهوياتي، وفائدته في أنّه يعيّن بالفعل منحى هوياتيا يساريا، يكابر على عناصر تماثله أو محاكاته للهوياتية اليمينية. كان الحزب الديموقراطي «عماليا»ً بشكل جزئي فقط، وهو اليوم «هوياتي» بشكل جزئي فقط، لكن اليسار العالمي كان «عمالياً» إلى حد كبير قبل خمسين عاماً، وهو «هوياتي» أكثر فأكثر اليوم. هل تكفي «المواطنة» الجمهورية بديلاً تطويقياً لهذا النزوع الهوياتي؟ قد تكون للكتاب الأخير لفرنسيس فوكوياما «الهوية. مسعى الكرامة وسياسات الحنق» مشكلات عديدة، لكنه على الأقل يلتقط معطى يكابر عليه ليلا، هو «الثيموس»، أو هذا الجزء من الروح الذي يرغب دائماً في نيل الإعتراف بمكانته وقدرته من قبل الغير، والذي يتراوح بين «الإيزوثيميا» أي السعي للإعتراف بك مساوياً في الكرامة مع الآخرين، وبين «الميغالوثيميا» أو السعي كي يعترف بك الآخرون كمتفوق عليهم. رغم هذه المكابرة على ما لـ«الثيموس» يقدّم لنا مارك ليلا مدخلاً أساسياً لمقاربته، هو عندما يظهر أن المشكلة ليست في مفهوم الهوية بحد ذاته ولكن في الحساسية الزائدة أو المغالية: ليست فقط الحساسية المتطرفة، بل بالأحرى «الإرهاف» المقحم في كل شيء. نزعة «الإرهافوية» التي تزين لنفسه أن راديكالية بمعيار إشباع صورها عن ذاتها، وإعادة إنتاجها هذه الصورة لإعادة الإشباع. لكن، هل من سبيل لمناقضة الإرهافوية هذه، بالإرهافوية المضادة، بالتحسس الزائد من الهوياتية؟ هنا «ثيموس» فوكوياما تقترح علينا منفذاً آخر، هذا إن أمكن تفادي أشياء أخرى يقترحها فوكوياما… كاتب لبناني |
الغرب أمام تحدي صراع المبادئ والمصالح Posted: 28 Oct 2018 02:12 PM PDT في الاسبوع الماضي (18 تشرين الأول/اكتوبر) انتقل الى ربه المشير عبد الرحمن سوار الذهب، الرئيس السوداني الذي حظي بتقدير كبير عندما سلم السلطة الى حكومة منتخبة في السودان برغم بريق المنصب. وبذلك التزم بوعد قطعه على نفسه لشعب ذلك البلد. ففي 6 نيسان/ابريل 1985 تقلد رئاسة المجلس الانتقالي بعد انقلاب عسكري في إثر انتفاضة ضد حكم الرئيس الاسبق، جعفر النميري، وبعد الانتخابات سلم السلطة في 6 أيار/مايو 1986 للصادق المهدي كرئيس للوزراء واحمد الميرغني كرئيس لمجلس السيادة. قليل من السياسيين التزم بموقف اخلاقي على حساب الاغراءات المادية التي تمنعهم من ذلك. صحيح ان الزعماء الغربيين يسلمون السلطة لمن تفوق عليهم في الانتخابات البرلمانية، ولكن ذلك امر يفرضه القانون ولا يستطيع السياسيون تجاوزه. وفي غياب القانون الملزم قلما يرجح السياسي مبادئه على مصالحه الشخصية. فها هو الرئيس السوداني الحالي بعد حوالي 30 عاما يتشبث بمنصبه الذي حصل عليه بانقلاب عسكري على حكومة منتخبة في العام 1989. ايا كان الامر فان تغليب المبادئ سلعة نادرة لا يلتزم بها الا ذوو القيم العالية، ومنهم نيلسون مانديلا الذي اكتفى بدورة رئاسية واحدة بعد ان قاد ثورة شعبه الى النصر على نظام الفصل العنصري. ويمكن القول ان الرغبة في توسيع النفوذ السياسي تنطلق في بعض جوانبها بدوافع اقتصادية ومصالح مادية. ويندر ان تبرز المبادئ كمرجح لصنع السياسات والمواقف. وما الحماس الغربي للدفاع عن الكيان الاسرائيلي برغم انتهاكه للمواثيق الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الامن بعد حرب 1967 الا بدوافع سياسية تستبطن نزعات اقتصادية مؤسسة على التركة الاستعمارية. اما التهافت الغربي على حماية نظام الحكم السعودي حتى بعد الجريمة الاخيرة غير المسبوقة في التاريخ الدبلوماسي الحديث فناجم، هو الآخر، عن جشع اقتصادي تتسابق الدول الغربية لضمان الحصول على شطر كبير منه. وطوال العقود الاخيرة رفض الغربيون مراجعة سياساتهم ازاء ما يجري في الجزيرة العربية. وهناك فصل واضح بين قطاعين ناشطين في الغرب: الحكومات ومنظمات المجتمع المدني. ففيما تقوم المؤسسات والمنظمات بترويج حقوق الانسان والحرية والديمقراطية واقامة حكم القانون والشفافية، فان الحكومات لها اولويات مختلفة. وهناك فصل تام بين القطاعين، ضمن تفاهم يقول بان على كل من الطرفين احترام الطرف الآخر وعدم التدخل في شؤونه. فالمنظمات لها الحق الكامل في التعبير عن مواقفها واصدار تقاريرها وبياناتها (بدون ان تكون لها مخالب او انياب لتنفيذ قراراتها) ولا تسعى الحكومات للتأثير على عملها، وفي الوقت نفسه فللحكومات مساحتها الكاملة في تنفيذ سياساتها وعلاقاتها مع الدول، ولا يحق للمنظمات السعي لتعطيل شيء من ذلك. ان تغليب المبادئ سلعة نادرة لا يلتزم بها الا ذوو القيم العالية، ومنهم نيلسون مانديلا الذي اكتفى بدورة رئاسية واحدة بعد ان قاد ثورة شعبه الى النصر لم يشجع السعودية على ارتكاب ابشع جريمة شهدها العالم الدبلوماسي في العقود الاخيرة الا الوفرة المالية التي تسيل لعاب الغربيين خصوصا مع تفاقم مشاكلهم الاقتصادية. واذا كانت قضية قتل الاعلامي جمال خاشقجي قد فتحت ابواب النقاش في الدوائر الغربية بحثا عن صيغ للمواءمة بين الموقف السياسي والرغبة في المال السعودي، فانها سلطت الاضواء مجددا على الصراع التاريخي بين المبادئ والمصالح. المبادئ كانت وما تزال همّا شغل البشر منذ بداية الخلق، وكان من اهتمام المفكرين والفلاسفة منذ ارسطو وافلاطون، وتطور خلال القرون ولكنه لم يؤثر كثيرا في السلوك الانساني. ومصالح الشعوب واحتياجاتها هي الهم الاول للحكومات التي ما فتئت تسعى لتحقيقها، وتتحايل على المبادئ كلما استطاعت الى ذلك سبيلا. ويندر ان يضحي سياسي بالمصلحة من اجل المبدأ، بل ان النظام السياسي المعاصر يقدم ابشع امثلة للنفاق السياسي والاخلاقي. فلا يتردد السياسي عن مصافحة ايد ملطخة بدماء الابرياء. بل ان بعض الحكومات الغربية يضلل الرأي العام بان اصراره على العلاقة مع تلك الانظمة «يتيح لها فرصة التأثير على سياسات تلك الدول»، بينما تؤكد التجارب بشكل قاطع ان الحقيقة مختلفة تماما. فماذا تعني مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في الحرب على اليمن برغم ثبوت ارتكاب جرائم حرب واسعة النطاق؟ حتى بعد مقتل خاشقجي لم تعلن واشنطن او لندن اية خطوة عملية تعبر عمليا عن غضب حقيقي ازاء الجريمة الشنيعة التي ارتكبت. ولم يشر اي منهما لاحتمال وقف تزويد السعودية او الامارات بالسلاح سواء للاستخدام ضد الشعب اليمني ام لقمع شعوبهما ام لتمكين النظامين من اضفاء الهيبة على الحكم وادخال الرعب في نفس من ينوي معارضتهما. مع ذلك برزت مواقف تحيد قليلا عن ذلك المنحى الذي يتجاهل المبادئ والاخلاق ويصر على تحقيق المصلحة المادية البحتة حتى لو كان ثمن ذلك استمرار شقاء الآخرين أو جوعهم او مرضهم. وفي العامين الماضيين برزت مواقف بين الحكومات الأوروبية تدعو لوقف السلاح الذي يستخدم في الحرب على اليمن، ولكن اغلبها تعرض لضغوط انكلو ـ أمريكية او تهديدات مالية سعودية جمدت تلك المواقف. ربما كانت وزيرة خارجية السويد من اول من انتقد السعودية في اساليب تعاملها مع منتقديها. ففي التاسع من آذار/مارس 1915 قالت وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم أنه تم إبلاغها بأنها لن تتمكن من إلقاء خطابها في ذلك اليوم أمام جامعة الدول العربية بمصر لأن المندوبين السعوديين لا يرغبون في ذلك. وفي أيار/مايو 2015 انتقدت السعودية واصفة إياها باستخدام أساليب القرون الوسطى إثر تأكيد حكم السجن والجلد بحق المدون السعودي رائف بدوي. وحذت كل من سويسرا والاتحاد الأوروبي حذو السويد بالمطالبة بفرض حظر بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، وذلك احتجاجًا على الضربات الجوية التي تقودها السعودية، بالإضافة إلى الحصار البحري المفروض على اليمن منذ بداية العدوان. وفي الاسبوع الاول من سبتمبر الماضي أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية عن إلغاء صفقة بقيمة 9.2 مليون يورو لبيع السعودية 400 قنبلة مسيرة بالليزر. وبعد اسبوع غيرت مدريد موقفها واعلنت استعدادها للافراج عن تلك الشحنة. وكانت كندا والمانيا من بين الدول التي تحدث زعماؤها عن رغبتهم في وقف صادرات السلاح عن السعودية. ولكن اغلب تلك التصريحات لم يجد طريقه للتنفيذ. ولكن يبدو ان الموقف تغير بعد قتل جمال خاشقجي قبل اربعة اسابيع. فقد تصاعدت الدعوات لوقف الصادرات العسكرية عن السعودية. وفي يوم الخميس 25 من الشهر الجاري اعتمد البرلمان الأوروبي قرارا يدعو الدول الأعضاء لفرض حظر أسلحة على السعودية على مستوى الاتحاد. وقبل يومين قالت وزيرة خارجية المانيا كارين كنايسل إن على الاتحاد الأوروبي وقف مبيعات الأسلحة للسعودية بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي مضيفة أن هذه الخطوة ستساعد أيضا في إنهاء «الحرب البشعة في اليمن»..وقالت كنايسل لصحيفة دي فيلت في إشارة إلى الاتحاد الأوروبي «ان وقف تسليم الأسلحة الذي اقترحته المستشارة ميركل سيكون إشارة سليمة». وكانت النمسا قد أوقفت بالفعل إرسال عتاد عسكري إلى المملكة في آذار/مارس 2015. اما فرنسا فقد تجاهل رئيس وزرائها إيمانويل ماكرون إلى حد بعيد الاحتجاجات ضد مبيعات الأسلحة التي يعتبرها ضرورية لتوفير الوظائف ولعلاقات فرنسا الاستراتيجية بالمنطقة. وبلغ إجمالي صفقات السلاح الفرنسية مع الرياض العام الماضي 1.5 مليار يورو (1.7 مليار دولار). وبموازاة الاتحاد الاوروبي قال رئيس وزراء كندا جاستن ترودو يوم الخميس الماضي إن حكومته تراجع تصاريح التصدير للسعودية ومنها اتفاق مع المملكة لتصدير السلاح بقيمة 13 مليار دولار بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي. وأبلغ ترودو مؤتمرا صحافيا في أوتاوا «سنواصل العمل مع حلفائنا في أنحاء العالم من أجل الحصول على ردود أفضل عن هذا الحادث ونتحدث عن تبعاته… حكومتنا تراجع الآن تصاريح التصدير القائمة بالفعل للسعودية». وقال ترودو إن العقوبات قد تكون «بمليارات الدولارات». كاتب بحريني |
علم الجهل وهندسة التجهيل Posted: 28 Oct 2018 02:11 PM PDT أصبح مألوفا أن تقرأ خبرا في الوسائط الإسفيرية، كالفيسبوك والواتساب، جيدا في صياغته ومتماسكا في محتواه وقويا في تأثيراته، لتكتشف لاحقا أنه خبر «مفبرك» ومدسوس، ولكن بعد أن يثير عندك البلبلة والحيرة والشكوك، بل ولربما تتخذ موقفا أو رأيا مبنيا على هذا الخبر «المفبرك»، ليأتي موقفك أو رأيك ممعنا في الخطأ. وعندما لا تجد إجابة شافية لسؤالك عن مصدر الخبر، تنسبه، مثل ما يفعل الآخرون، لأجهزة الأمن والإستخبارات، خاصة إذا كان للخبر علاقة بالسياسة أو بالأوضاع المتأزمة في البلد. وأصبح مألوفا أن يعمل الحكام، وخاصة في منطقتنا، على تجهيل الناس وتضليلهم عبر إخفاء الحقيقة عنهم، وضخ مجموعة من الأكاذيب حول ما يدور في البلد وحول إدارتهم لشؤونه، وكذلك عبر إلهاء الناس بفرقعات وزوبعات في مسائل غير جوهرية، مثل ما يحدث في السودان، كرفع القضايا أمام المحاكم ضد النساء بتهمة الزي الفاضح، أو تصيد أحاديث وأفكار البعض ومواجهتها بأنها مخالفة للدين أو تنشر تعاليم الإلحاد، ويساق أصحابها إلى المحاكم، فتتسيد هذه الزوبعات صفحات وسائل التواصل الإجتماعي وأحاديث الناس، فيتركون التفكير في فساد الحكم وفي الأسباب الحقيقية للأزمات السياسية والإقتصادية والأمنية في البلد، وفي كيفية التغيير لدرء هذه الأزمات. ومؤخرا، تفشت عندنا في السودان ظواهر غريبة وعجيبة، من نوع مخاطبة الحكام للشعب بلغة مستهجنة، تصل حد شتمه ومعايرته بأنه كان من زمرة «الشحادين» قبل أن يتولوا هم الحكم وينقذوه، وأن من حسنات حكمهم أن الشعب صار يأكل «البتزا»!!، وهو خطاب لا حقيقة فيه إلا السفه ورَدَاءةَ الخُلُقِ، ويعكس درجة الإبتزال التي وصل إليها الخطاب السياسي في البلد. وكذلك تفشت ظاهرة «الفشخرة» والتباهي بإكتناز الثروات، حتى ولو كانت مسروقة من المال العام، وظاهرة إحتقار القانون من قبل المسؤولين وخلصائهم…، إلى غير ذلك من الظواهر التي تعبر فعلا، وبالملموس، عن عشعشة الجهل والجهالة في البلد. أما أنظمة الطغيان والإستبداد في منطقتنا العربية، وبهدف بقائها في السلطة لأطول مدة ممكنة، أصبح مألوفا أن يعمل الحكام، وخاصة في منطقتنا، على تجهيل الناس وتضليلهم عبر إخفاء الحقيقة عنهم، وضخ مجموعة من الأكاذيب حول ما يدور في البلد وحول إدارتهم لشؤونه وبدون معارضة فعّالة، فتمارس التجهيل الممنهج لشعوبها عبر بث المعلومات المتضاربة، ونشر التقارير والأخبار المفبركة، والتي تخلق أعداء وهميين وتحذر، ليل نهار، من الطابور الخامس والمندسين، وعبر شراء أقلام وأصوات وذمم من يقبل من الكتاب والصحافيين ورجال الدين والفنانين، لينشر ما يُطلب منه، مغلفا بأساليب ناعمة وبتحليلات خادعة، والهدف النهائي من كل ذلك هو بث الخوف من المستقبل عند المواطن حتى يتمسك بالوضع الراهن. ومن هنا، يأتي تعريف عدد من الكتاب للجهل بأنه لا يعني عدم المعرفة وفقط، وإنما هو مُنتَج يُصنع ويُوزع ليخدم أهدافا سياسية أو تجارية…الخ. وحتى يتم توزيع الجهل وبثه بين أطياف المجتمع، أسست الإدارة الأمريكية، كما يقول المفكر تشوميسكي، مجال «العلاقات العامة» لتنفيذ ذلك وفق أسس ممنهجة واستراتيجية تقوم على بث الخوف وإثارة الشكوك وزراعة الحيرة من كثرة المعلومات المتضاربة، والتي تصعّب من اتخاذ القرار المناسب، فيبدو الفرد تائها وجاهلا حول ما يجري، ويزداد العبء النفسي والذهني عليه، فيلوذ بقبول ما لا ينبغي القبول به، طمعا في النجاة من هذه الدوامة. والفئات المستهدفة بالتجهيل وتوزيع الجهل، تضم، في المجتمع الأمريكي، المعلمين والجنود والاقليات الاجتماعية ورجال الدين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تجهيل أكبر عدد من المؤمنين…، وغيرهم من فئات الشعب والرأي العام الأمريكي. هولاء، يتم تضليلهم حتى يقبلوا بسياسات القيادة الأمريكية والتحمس لها، مثل قرار غزو العراق، وقبلها حرب فيتنام…الخ. أما في البدان النامية والفقيرة، فالمستهدفون هم التكنوقراط والمعنيون بالشأن السياسي والاقتصادي، إضافة إلى المثقفين وقيادات المجتمع. ومهمة هؤلاء، تتلخص في بث روح اليأس من التغيير وترسيخ الأكاذيب في أذهان العامة على أنها حقائق تستوجب الدفاع عنها. وفي ذات السياق، تخترق أجهزة الإستخبارات، المحلية والأجنبية، الأحزاب والنخب السياسية في بلداننا، بأساليب ناعمة، عبر عملاء يمارسون تجهيل قياداتها ومدها بمعلومات كاذبة ومضللة، حتى تأتي مواقفها وتكتيكاتها مضطربة وتخدم مصالح هذه الأجهزة. في بدايات القرن العشرين، برز ما يعرف بغسيل الدماغ، أي إدخال المعلومات إليه على نحو غير محسوس في الوعي الجماعي، من خلال أجهزة الثقافة والأعلام بقصد التضليل. ولأجل الاستئثار بالمعرفة، بإعتبارها تضاهي القوة العسكرية وقوة المال، تأسس، في الأوساط الأكاديمية والسياسية، مجال «إدارة الإدراك»، والذي تُعرّفه وزارة الدفاع الأمريكية بأنه نشر أو حذف أي معلومة بغرض التأثير على تفكير الجمهور والحصول على نتائج لصالح أصحاب المصالح. ولأن النشر والحذف يتطلّبان أساليب دقيقة ومعرفة تامة بعلم النفس والسلوك والإدراك، قام الباحث روبرت بروكتور من جامعة ستانفورد الأمريكية، في تسعينيات القرن الماضي بصياغة ما يُعرف بعلم الجهل (اجنوتولوجي Agnotology)، وهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة، ووفق إستراتيجيات تهدف في النهاية إلى التحكم في الشعوب!! البعض يقول أن الإنترنت يساعد على نشر الجهل، لأنه يوفر للجميع فرصة ليكونوا خبراءً، كما يقول ديفيد دانينغ من جامعة كورنيل، مما يجعلهم فريسة لمصالح قوية ترغب في النشر المتعمد للجهل. وأن ما تقدمه وسائط التواصل الاجتماعي من معلومات وفيرة، لا تنتج دائما مواطنين ذوي معرفة، بل هي، وعبر التكرار وإعادة النشر على سبيل الترفيه، قد تلهي الآخرين عن معرفة الحقائق. وكما كتب عبد اللطيف مشرف في موقع نون بوست، 19 آذار/مارس 2018، «نحن نحتاج للبحث في ديناميكيات علم الجهل وهندسة التجهيل، أولاً لنكشف لأنفسنا ما مورس علينا من كذب ووتضليل وتجهيل، وثانيًا لنكشف وظيفة هذا التجهيل ونتصدى له، حتى نمكن شعوبنا من بناء علاقة سوية مع العالم، باعتبارها شرطًا ضروريًا من شروط متابعة مشروع النهضة والتقدم»، وحتى لا نصير أمة تضحك من جهلها الأمم. ٭ كاتب سوداني |
لن يأتي … Posted: 28 Oct 2018 02:11 PM PDT لم تأتِ، وعلِمَ شاعرنا محمود درويش في قصيدته أنها وبعد طول انتظار لن تأتي، ومن ثَمّ فهو يعيد ترتيب المساء بما يليق بخيْبتِه وغيابها، يُطفئ نار شموعها، ويُشعل نور الكهرباء، يشرب كأس نبيذها فيكسره، يُبدّل موسيقى الكمنجات السريعة بالأغاني الفارسية، يرتدى بيجامة زرقاء، ويجلس بارتخاء القرفصاء على أريكتها فينساها وينسى كل أشياء الغياب. منذ كم عقدٍ من السنين ونحن ندرك أن السلام مع الكيان المُحتل لن يأتي، ورغم ذلك لم نُعِدْ ترتيب أوراقنا بما يليق بخيبتنا وانسداد الآفاق. السلام المُمكن مع الكيان الإسرائيلي هو المرادف للاستسلام، ومفتاحه هو التنازل عن القدس، الذي يعني التنازل عن القضية الفلسطينية بأسرِها، وبغيرِ إهدائهم (الإسرائيليين) القدس محور الملف الفلسطيني فلن يكون هناك سلام. ولأهمية القدس سياسيًا ودينيًا كان على الصهاينة إنكار التاريخ، لأنه كما يقول عبد الوهاب المسيري، ضرورة وجودية بالنسبة إليهم، فينفون أن يكون للعرب تاريخ، حتى لا يترتب عليه مطالبة بالحقوق، وينكرون كل الحقائق التاريخية والدينية والأثرية للقدس، بل كان عليهم نفي تاريخ اليهود في المنفى، لأنه لو كان لهم تاريخ في بلاد العالم التي عاشوا فيها لفقدت الصهيونية مبرر وجودها. القدس والاستيلاء الكامل عليها هو مرتكز الانطلاقة الكبرى لدولة الأحلام الإسرائيلية المنشودة، بربِّكم أخبرونا ما سر اتفاق اليمين واليسار الإسرائيلي وكافة طوائفهم على اختلاف معتقداتهم وتوجهاتهم على أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل؟ لماذا عزل الاحتلال القدس عن المفاوضات، ولماذا تجنبت حكوماته المتتابعة الدخول في مفاوضات ينتج عنها أي التزامات بشأن القدس؟ وبعد ذلك نأمل في المفاوضات لإحلال السلام؟ قلنا إنه لن يأتي… المفاوضات التي سئِمت مِنّا بعد عقود طويلة، تخللتها إجراءات إسرائيلية تحرق أغصان الزيتون، وتقتل آمال السلام، بناء المستوطنات، مصادرة ونزع الملكيات العربية، هدم المنازل والمدارس والمنشآت، تهجير الفلسطينيين بإشاعة الفزع عن طريق المجازر والمحارق، إبعاد الشخصيات المُؤثرة من القدس، منع حق العودة للفلسطينيين، الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، نقل ملكية الكهرباء إلى بلدية الاحتلال، تغيير أسماء شوارع المدينة وطمس الأسماء العربية والإسلامية، بناء أحياء يهودية بين الأحياء العربية للمدينة وحفز الإسرائيليين للعيش فيها. كل ذلك من أجل تهويد القدس وإحداث تغيير ديموغرافي لصالح ادعاءاتهم بالحق التاريخي لهم في المدينة، ولا عزاء لمن ينتظرون سلاما لن يأتي… كيف يمكن التعويل على المفاوضات مع طرف لا يؤمن بالسلام العادل من المنظور القانوني والدولي؟ لقد أثبتت تلك المفاوضات التي جرت عبر عقود إلى اليوم شيئًا واحدًا، أنه لا الطرف الفلسطيني ولا الإسرائيلي لديهما القدرة على حسمها، فيبقى الصراع حينئذ مفتوحا لا أُفق له. فقط هو تنازل الفلسطينيين عن حقهم السياسي والديني في القدس هو ما يدفع المفاوضات إلى الأمام، فالقدس لم تجد لها موطأ قدم في كامب ديفيد، ولا أوسلو، ولا وادي عربة، فكيف يأتي السلام؟ لن يأتي… مؤسسة راند إحدى المؤسسات البحثية المرتبطة بصناعة القرار في الولايات المتحدة، خلصتْ في تقرير لها إلى أنه في حال ارتباط قيام الدولة الفلسطينية بحل قضية القدس، فإن قيام هذه الدولة أمر مشكوكٌ فيه. إننا إذ نصر على التشبث بطريق المفاوضات العقيمة وننتظر من خلالها إحلال السلام، نشارك الكيان الإسرائيلي تنفيذ سياساته الرامية إلى استهلاك الوقت لتتمكن حكومة الاحتلال من استكمال بناء المستوطنات وتهويد القدس وطمس هويتها ومصادرة أكبر قدر من الأراضي العربية، حتى إذا جلس الطرف العربي الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات كالعادة لم يجد شيئًا يتفاوض عليه. دعوة إلى العودة إلى المفاوضات، ثم التسويف بالجلوس، ثم خلق العقبات، فإذا جلسوا تعهدوا، ثم لا يقومون بالوفاء، فينحصر الحديث العربي عن تلك التعهدات والإخلال بها، ويضيع الوقت في المُطالبة بتنفيذها، ثم تكون هناك دعوات جديدة على أرضية جديدة وعودة إلى المربع الأول، وهكذا دواليك، فهي سياسة تضييع الوقت واستهلاكه من الطرف الإسرائيلي لحين السيطرة الكاملة على المدينة ذات الرمزية الدينية والوطنية والقومية. هذه السياسات الإسرائيلية التي نجحت في ظل ضعف الإرادة العربية أو غيابها، قد أتت ثمارها وحققت مكاسب كبيرة، أعطت دونالد ترامب مساحة كافية وأرضية صلبة، لكي يعلن أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وينقل السفارة الأمريكية لدى دولة الاحتلال من تل أبيب إلى القدس، وفي كل عقد يمرّ سننتظر مزيدًا من السيطرة الإسرائيلية على القدس، تتبعها قرارات أمريكية داعمة للكيان المحتل ومهمشة للطرف العربي الفلسطيني. لقد كان هنري كسينجر صريحًا حين قال إن الفلسطينيين والعرب يجب أن يدركوا أنه لا يكفي الاعتراف بوجود إسرائيل لكي يوافق الإسرائيليون على تأمين كل حقوقهم ومطالبهم، بل يجب أن يعتادوا على تقديم التنازلات والتضحيات لطمأنة الإسرائيليين، وأن أي تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي لن تقوم على أساس الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة خلال حرب يونيو/حزيران 1967. القدس والاستيلاء الكامل عليها هو مرتكز الانطلاقة الكبرى لدولة الأحلام الإسرائيلية المنشودة فأي سلام ننتظره من خلال المفاوضات التي لم تعدْ سوى وسيلة لحفظ ماء الوجوه أمام الشعوب، لن يأتي… ما يجري الآن هو مشاركة عربية واضحة في سياسة استهلاك الوقت الإسرائيلية، بالتوازي مع التطبيع الذي أوشك بناؤه على الاكتمال، من أجل الوصول إلى التنفيذ الحرْفي لصفقة القرن، اعتمادًا على تكبيل الشعوب العربية وقتْل الروح الثورية عن طريق الأنظمة الاستبدادية الحليفة للكيان الصهيوني وراعِيه الرسمي (أمريكا). التعويل على أبناء الشعب الفلسطيني لا غيرهم، فكما قال الشافعي: “ما حكّ جلدَك مثلُ ظُفرك”، انتظار الشعب الفلسطيني لحلول عربية لن يُقدم شيئًا للقضية، وانتظار مصالحة الفصائل في إطار مشروع وطني جامع ربما يكون في الوقت الحالي أضغاث أحلام، فليس لها إلا أن يظلَّ الوعي حيًا وجمرة المقاومة والنضال مُتّقدة. نضال الفلسطينيين وحدهم – خاصة في الحفاظ على هوية القدس – هو العائق الأكبر لدى الكيان الصهيوني، ويقيني أن ثقافة المقاومة والتحرير تأصلت في ذلك الشعب ينالها مع حليب الأم، وسيكون على القيادة السياسية استغلال الحراك الشعبي أو الموت سياسيا بعرق الخجل أمام الجماهير، وبدون ذلك لن يأتي السلام، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية |
الجزائر: «الدوفيز تحرق» كذلك Posted: 28 Oct 2018 02:10 PM PDT «الدوفيز» بالدارجة الجزائرية، هي العملة الصعبة أو الأجنبية، التي يكثر الحديث عنها ويحلم بامتلاكها الجزائريون، حدً الهوس، بالحلال أو الحرام أن اقتضى الأمر، بعد أن تحول الدولار الأمريكي والأورو وحتى الباوند (الجنيه الإسترليني) إلى عملة أمر واقع داخل سوق مالية موازية، تمكنت من فرض نفسها على السوق الرسمية للعملات، التي تحدد أسعارها البنوك العمومية الرسمية، لتحددها على أرض الواقع الاقتصادي، هذه العملات الأجنبية. عملات يتم التغني بها في الأعراس والتفاخر بامتلاكها و»التبراح» بها في المناسبات. تملك أسواق عامرة في كل مدينة صغيرة وكبيرة، كسوق العاصمة بالقرب من مقر البرلمان الموقر (سكوار بورسعيد) عملات يتم التعامل معها بالبيع والشراء بشكل شبه روتيني في كل أحياء الجزائر، بدون أدنى حرج أو خوف، ضمن سوق مالية موازية تدير ظهرها للسوق الرسمية. فعلا لا يمر أسبوع واحد، من دون أن تُلقي مصالح الجمارك القبض على مهربين للعملة الصعبة في مطارات وموانئ الجزائر البرية، البحرية والجوية. الذين خلقوا لأنفسهم شبكات شبه آمنة للتهريب، إذا قدرنا أن نسبة المحجوز عادة ما تكون ضعيفة جدا، كما هو معروف دوليا في كل عمليات التهريب. شبكات تهريب تتكلم الشائعات عن أسعارها وكيفية ضمان المرور على طريقها بالساعة والدقيقة، وعن تنظيمها الداخلي بين «الكباش» الذين يتكفلون بالنقل وأصحاب المال، كجزء من الفساد الذي ينخر مؤسسات البلد. «حرقة الدوفيز» التي استفحلت في السنوات القليلة الأخيرة بشكل لافت، إذا اخذنا كمؤشر، حجم المحجوزات المهربة من أموال باليورو والدولار، المتوجهة إلى تونس، دبي وإسطنبول، التي تعد الوجهات المفضلة للمهربين، زيادة على بعض البلدان الأوروبية كإسبانيا، التي عرفت عمليات شراء واسعة للعقار من قبل العديد من المواطنين الجزائريين في السنوات الأخيرة. قد تفسر جزئيا على الأقل التوجه نحو هذا البلد القريب، علما بأن سوق العقار يبقى أكبر سوق مستفيد من هذه الحرقة للدوفيز، واقتصاد الفساد عموما داخل البلد وفي الخارج. كما بينت فضيحة شحنة الكوكايين الأخيرة التي ألقي القبض عليها بميناء وهران، بعد مرورها بإسبانيا. النشاط التجاري القائم بين دبي وتركيا والجزائر، قد يفسر من جهة أخرى عمليات التهريب هذه، ولماذا تتوجه نحو هذه البلدان المعروفة «بتسامح» نظامها المصرفي في استقبال أموال لا يتم النظر كثيرا في مصدرها، تستعمل كغطاء لتهريبها، الرحلات الجوية الكثيرة بين هذه البلدان والجزائر، بما تعكسه من تدفق بشري يومي، يحتل فيه التجار ورجال الأعمال المرتبطون بالسوق الموازية، الحيز الأكبر زيادة على نوع من «سياحة الشنطة». ما يهمنا في الموضوع ليس هذه السوق المالية الموازية التي تكيف معها الاقتصاد الرسمي ونظامه المصرفي المترهل منذ سنوات. ما يهمنا هنا هو هذا الارتفاع في حجم المحجوز من عملة صعبة في المدة الأخيرة، التي تتكلم عنها الصحافة الوطنية يوميا وحتى طرق إخراجها البسيطة، في السيارات وحقائب السفر، بكميات كبيرة، بمناسبة رحلات جوية تجارية عادية، وماذا يعكس من خلفيات اقتصادية وسياسية خاصة وكيف يمكن تفسيره بالآني من الأسباب، وليس بالأسباب طويلة المدى المعروفة، المرتبطة بالاقتصاد غير الرسمي. علما بأن التفسير الاقتصادي لهذه الظاهرة ميسور وبسيط، فالاقتصاد البيروقراطي المسير إداريا اعتمادا على الريعي النفطي، الذي تبنته الجزائر بعد الاستقلال، هو السبب الرئيسي المفسر لهذا الوضع، الذي يفرض على رجل الأعمال الجزائري التعامل يوميا مع هذه السوق الموازية للعملات، كما يتعامل معها الطالب الذي يريد الدراسة في الخارج، والمريض الذي يتوجه إلى المستشفى الأجنبي، والحاج المغادر للأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة والحج. مناسبات أصبحت تحدد ارتفاع أسعار العملات وحدًة الطلب عليها وطنيا. «حرقة» العملة الصعبة مؤشر للأوضاع السياسية في البلد وكيف يقيمها المواطنون الذين يغادرونها أفرادا وعائلات وأموالا فالوضع له علاقة اكيدة بعدم الثقة في الأوضاع القائمة في البلد وهي تتخبط في مشاكل من كل نوع، ولا تعرف كيف تخرج منها، كما خرجت بلدان أخرى من أزماتها. وضع يجعل الفقير يهاجر، والغني كذلك يهاجر، الشاب الصغير يهاجر والكبير في السن يهاجر، فلماذا لا تهاجر «الدوفيز « كذلك هي المعروف عنها الذعر من الأوضاع غير المستقرة والمضطربة، أو تلك المقبلة على الاضطراب. كما يحس بذلك رجل الأعمال والمواطن الميسور، الذي أصبح من عادته هذه السنوات، كما تؤشر على ذلك سوق العملات في الجزائر، أن يحول كل مدخراته إلى العملة الصعبة ويعمل المستحيل على تهريبها إلى الخارج في أول فرصة، وهو مؤشر عن انعدام الثقة في حالة البلد ليس الاقتصادية فقط، كما يظهر من خلال تدهور قيمة العملة الوطنية، بل السياسية كذلك. «حرقة» العملة الصعبة بشكل كثيف يمكن أخذها كمؤشر إذن لقياس الأوضاع السياسية في البلد وكيف يقيمها المواطنون الذين يغادرونها كأفراد وعائلات وأموال، وكأن البلد تحول إلى منصة لتحويل الأموال والكفاءات نحو الخارج، لا أحد يريد أن يربط مصيره الشخصي ومصير عائلته وامواله به، بلد مازال طاردا للاستثمارات الخارجية، كما تؤكد ذلك التقارير الدولية، رغم ما يتوفر لديه من إمكانيات اقتصادية كسوق متوسطة الحجم، بمؤهلات بشرية عالية، وموقع استراتيجي أكثر من مهم، يربط عبر المتوسط بين أوروبا وإفريقيا. بالطبع هذا الاستنزاف لقدرات البلد المالية عن طريق تهريب العملة ليس الشكل الوحيد للاستنزاف، فقد تعود رجل الأعمال على الطريقة الجزائرية، القيام بعدة حيل، أضحت معروفة لتهريب العملة، تتم هذه المرة عن طريق البنك العمومي بمناسبة معاملات اقتصادية رسمية، كالتضخيم في الفواتير، وعدم التصريح بالقيمة الحقيقة للصفقات، والتلاعب بسعر العملة، وغيرها من الأساليب التي زادت أهميتها مع البحبوحة المالية التي ميزت الوضع الاقتصادي في الجزائر، خلال العقدين الماضيين على الأقل. حالة استنزاف ارتبطت بشكل بنيوي بالاقتصاد السياسي للفساد الذي تعيشه الجزائر. من الصعب الإفلات منه بدون قرارات سياسية واقتصادية جذرية، تعيد الثقة للمواطن الجزائري في بلده واقتصاده وعملته التي تدهورت قيمتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة. فهل النظام السياسي الحالي قادر على ذلك؟ وهل موازين القوى بين العصب الحاكمة تسمح بذلك؟ أخاف أن تكون الإجابة عن هذه الأسئلة بالنفي وليس بالإيجاب كما يتمنى الكثير من الجزائريين المتفائلين الذين ربطوا مصيرهم بالبلد. كاتب جزائري |
ثبوت «النية المسبقة» لقتل خاشقجي لا يعطّل النيّة المسبقة لصفقة مرابحةٍ ثلاثية Posted: 28 Oct 2018 02:09 PM PDT للمرة الثالثة تبدّل السعودية روايتها لملابسات تصفية جمال خاشقجي. فمن رواية القتل أثناء «شجار واشتباك بالأيدي» داخل قنصليتها في إسطنبول، إلى رواية القتل بـ»كتم النَفَس»، إلى إقرارٍ من النيابة العامة في الرياض بأن المشتبه فيهم « أقدموا على فعلتهم بنية مسبقة». ثبوت النية المسبقة للقتل لدى المشتبه فيهم السعوديين، لم يعطّل نية دونالد ترامب المسبقـة لتفادي إدانة محمد بن سلمان بل لتبرئته. إدانة ولي العهد ــ وهو الحاكم الفعلي للبلاد ــ تعني إدانة السعودية دولةً ومسؤولين. لوحظ منذ بداية تواتر الظنون والاتهامات، أن ليس في نية الرئيس الامريكي التسليم بإدانة محمد بن سلمان، لأنها تستتبع بالضرورة إنزال عقوبات شديدة بالسعودية، ليس أقلها صرف النظر عن صفقة تزويدها أسلحةً بقيمة 110 مليارات دولار. ليس ترامب وحده من يستهول خسارة الصفقة المليارية. لوبي صنّاع السلاح وتجّاره في الولايات المتحدة يشاطر شاغل البيت الأبيض موقفه الحريص على مصلحة «أمريكا اولاً». «رابطةُ الصناعات الجوية» التي تضم كبريات شركات الصناعات العسكرية كـ»لوكهيد مارتن» و»نورتروب جورمان» و»بوينغ» و»ريثون» و»جنرال داينمكس» بعثت برسالة إلى إدارة ترامب تتضمن «نقاطاً طارئة» هي بمثابة برنامج عمل لصنّاع السلاح، لاعتماده في الضغط على صنّاع القرار في الولايات المتحدة. تتمحور نقاط الرسالة على حجة رئيسة مفادها «أننا، ببيعنا المنتجات الامريكية للحلفاء والشركاء، نستطيع أن نضمن ألاّ يتمكّن اعداؤناً من أن يحلّوا محلنا في علاقاتنا السياسية والعسكرية والاقتصادية». إلى ترامب ولوبي السلاح الامريكي، تحظى السعودية بدعم ضمني من «اسرائيل» واللوبـي اليهودي الصهيونـي «أيباك» في واشنطن، ذلك لأن لـِ»إسرائيل»، بحسب دان شابيرو، سفير الولايات المتحدة السابق في تل أبيب، «مصلحة قوية في أن تبقى السعودية حليفة للولايات المتحدة، من أجل القيام بأفضل الاستعدادات لمواجهة إيران» (راجع مقالته في صحيفة «هآرتس» بتاريخ 2018/10/19). ما يهمّ الرياض إبعاد أصابع الاتهام عن ولي العهد لتبقى السلطة في عهدته ومعها تبرئة سمعة المملكة التي لاكتها ألوف الألسنة في إطار التحسّب لموقف إدارة ترامب وانعكاسه المحتمل على العلاقة الضمنية المتنامية بين «إسرائيل» والسعودية في مواجهة إيران، نشر زلمان شوفال، سفير تل أبيب السابق في واشنطن، مقالة في صحيفة «معاريف» (2018/10/22) كشف فيها أن زيارة وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو الأخيرة إلى الرياض، واجتماعه إلى الملك سلمان وولي عهده، انتهت إلى التفاهم على «صيغة أساسُها اعتراف السعودية بما حدث من دون تفاصيل، أو من دون الإشارة إلى مسألة مَن اعطى الاوامر، وأن هذا السيناريو يفترض أن يؤدي إلى محاكمة استعراضية تجري للذين نفذوا الجريمة في القنصلية السعودية بإسطنبول». ما موقف تركيا مما جرى على أراضيها وما دورها المرتقب في سيناريو «اللفلفة» الجاري على قدم وساق؟ قيل أن «لا أحد في الشرق الأوسط يقدّم خدمات مجانية». أورد هذا القول السفير شابيرو في مقالته آنفة الذكر. من هنا فإن همّ أنقرة الرئيس سوف يتركّز، بطبيعة الحال، على الثمن الممكن استخلاصه من السعودية (وأمريكا ) مقابل « لفلفة» هذه الجريمة ـ الحدث التي ارتكبت فوق الأرض التركية. في هذا السياق، تابَع ويتابع رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش اوغلو الكشف بالتدريج عن الوقائع والحقائق التي تتوصل اليها التحقيقات في القنصلية السعودية ومحيطها ومع موظفيها، مقرونةً بحرصهما على طرح المزيد من الأسئلة المحرجة حول هوية الآمر الفعلي بارتكاب الجريمة، وعن مصير جثة خاشقجي. غير أنهما في كل ما يقولانه يحرصان أيضاً على إبقاء باب المفاوضة والمساومة والمقايضة مفتوحاً مع الرياض (ومع واشنطن) بدليل استبعاد جاويش أوغلو إحالة القضية على المحكمة الجنائية الدولية. ما هي الخطوط العريضة المحتملة لصفقة القرن الجديدة بين العواصم الثلاث؟ ما يهمّ الرياض، بالدرجة الأولى، إبعاد اصابع الاتهام عن ولي العهد محمد بن سلمان لتبقى السلطة في عهدته ومعها تبرئة سمعة المملكة التي لاكتها ألوف الألسنة بالذم والتأثيم والتجريم احتجاجاً وإدانةً لحربها الظالمة على اليمن، ولنصرتها الحرب الإرهابية في سوريا وعليها بالتعاون مع الولايات المتحدة وتركيا، وانخراطها في «الحرب الناعمة» التي يشنّها التحالف الصهيوامريكي على إيران والتزام تصنيفها العدو الأول للعرب في الحاضر والمستقبل بدلاً من الكيان الصهيوني العنصري التوسعي المغتصب. ما يهمّ انقرة، بالدرجة الاولى، الحصول من السعودية على تعويضٍ مالي وازن مقابل امتناعها عن إدانة محمد بن سلمان، والضغط على واشنطن لحملها على التسليم بهيمنة تركيا على شمال سوريا، ولاسيما على مناطق شرق الفرات، بدعوى تحصين الأمن القومي التركي في وجه الأكراد السوريين الانفصاليين المتعاونين مع الإرهابيين من أنصار حزب العمال الكردستاني التركي، وقد تقوم أنقرة بالضغط على واشنطن لمساعدتها في حمل السعودية على رفع حصارها عن قطر، بذلك كله يظنّ اردوغان وجماعته انهم يكرّسون دوراً لتركيا كقوة إقليمية كبرى. ما يهمّ واشنطن، بالدرجة الاولى، المحافظة على السعودية كحليف مقبول ومرغوب داخل الولايات المتحدة ولدى حلفائها الأطلسيين كي تستمر معها في عقد صفقات اسلحة بمليارات الدولارات، وفي محاصرة إيران سياسياً واقتصادياً وامنياً، وفي توظيف الجهود لتعطيل سياستها المعادية لـِ»اسرائيل» والداعمة لسوريا وقوى المقاومة العربية، ولا سيما تلك المنخرطة في صراعٍ مرير ضد الهيمنة الأمريكية والعدوان الصهيوني. الخلاصة؟ توحي التطورات والواقعات وبعض المعلومات المتسربة من الحوار الضمني الجاري بين العواصم الثلاث، بأنه بإمكان التوصّل، عاجلاً أو آجلاً، إلى تسويةٍ مرنة لصفقة مرابحةٍ ثلاثية فيها من المقايضات ما يتيح لكلٍّ من أطرافها رعاية همومه وتحقيق اغراضه الرئيسة بتكلفة مقبولة. كاتب لبناني |
إيران… خاشقجي والعقوبات وأشياء أخرى Posted: 28 Oct 2018 02:08 PM PDT موقفان كانا لافتين على صعيد دول منطقة الشرق الأوسط من أزمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده على الأراضي التركية، هما: *الموقف الإسرائيلي الذي أصيب بالذهول من جراء تداعيات عملية الاغتيال وتأثيراتها السلبية على موقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإمكانية خروجه من دائرة القرار في السعودية والمنطقة. لعل المؤشر الأبرز على هذا الذهول، ما عبرت عنه الإدارة الإسرائيلية على لسان الكاتبة في صحيفة «هآرتس» تسفيا غرينفيلد، تدعو فيه لضرورة التساهل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتقول: إنه «الزعيم الذي كانت تنتظره إسرائيل منذ 50 عاماً»، معتبرة أن «عزله سيكون مدمّراً بالنسبة إلى إسرائيل». *الموقف الإيراني: الذي التزم الصمت شبه المطبق منذ الكشف عن اختفاء خاشقجي في الثاني من اكتوبر/ تشرين اول الجاري، وما صدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين الرسميين لم يتعد الموقف الشكلي بانتظار جلاء المواقف وتداعيات الأزمة. إلا أن ما صدر عن الرئيس الايراني حسن روحاني يوم 25 اكتوبر يعتبر تطورا محسوبا في موقف طهران، وإن كان الأقسى ضد السعودية، إلا انه لم يخرج عن محاولة وضع الحادث في إطار الصراع الإيراني الأمريكي، إذ اعتبر روحاني «أن مقتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، لا يمكن وقوعه من دون دعم من الولايات المتحدة الأمريكية». مضيفا في انتقاد شديد اللجهة للرياض «إن مقتل خاشقجي يكشف طبيعة سلطات المملكة، وكأن هناك قبيلة تحكم دولة في السعودية، وتتمتع بدعم أمني، وترتكب مثل هذه الجريمة مستندة إلى قوة كبرى توفر لها الحماية ولا تسمح لأحد بالوقوف ضدها في المحاكم الدولية التي تقاضي مرتكبي الجرائم الإنسانية في العالم»، حسب وكالة الاأباء الايرانية الرسمية «IRNA». وإذا ما كان الموقف الإسرائيلي أقل تعقيدا على فهم منطلقاته وأسبابه، فإن الموقف الايراني يبدو أكثر تعقيدا وتشعبا، إذ يتداخل فيه الكثير من العوامل والمخاوف من تداعيات هذا الحادث على الموقف الإيراني والمواقف المرتبطة بالوضع الايراني دوليا وإقليميا. فإيران لا يمكن أن تطمئن إلى الإشارات الإيجابية، إذا جاز التعبير، الصادرة عن وزير النفط السعودي بالتزام التنسيق عبر «أوبك» مع روسيا في ما يتعلق بسوق النفط واستقرار أسعاره دوليا، وإن كان يحمل مؤشرا على إمكانية صعوبة تلبية الرغبة الأمريكية في سد الفراغ الذي سيتركه قرار العقوبات النفطية ضد إيران على السوق الدولية، وبالتالي عدم نجاح الرئيس الأمريكي بفرض إرادته على السعودية برفع إنتاجها من النفط لتعويض الحصة الإيرانية في هذا السوق، التي تتجاوز المليوني برميل في اليوم. وإيران تراقب بحذر إمكانية أن تتوصل الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان إلى صيغة تسوية لأزمة جمال خاشقجي مع القيادة السعودية، بما يخرج هذه القيادة من عنق الزجاجة، أمام سيل الاتهامات التي تستهدف ولي العهد محمد بن سلمان كمسؤول مباشر عن عملية القتل. وأن هذه التسوية التي لن تكون بعيدة عن العين والرضا الأمريكي، وبالتالي فإن هذه الصيغة أيا تكن تفاصيلها وأبعادها، فإنها ستسهم في كسر الجليد الذي طفا في المرحلة الاخيرة على سطح العلاقات التركية الأمريكية، خصوصا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان، الذي استغلته إيران لكسر الحصار السياسي عليها إقليميا. وطهران لا تستبعد أن يكون أردوغان قد فضّل الذهاب إلى تسوية مع القيادة السعودية، مقابل الحصول على وعود سعودية بتعزيز العلاقات بين البلدين، وايضا وعودا بتخفيف الضغوط على حلفاء تركيا في المنطقة، خصوصا موضوع الحصار ضد قطر والملاحقة السعودية- المصرية ضد جماعة الإخوان المسلمين. ولعل الخشية الاكبر لدى القيادة الايرانية، التي تدفعها إلى التزام الصمت وانتظار النتائج النهائية والصياغات الأخيرة للتسويات بين الدول المعنية في قضية خاشقجي، أن تنتهي الامور إلى تشكيل محور جديد في المنطقة يضم السعودية وتركيا، الدولتان الساعيتان إلى تولي قيادة العالم الاسلامي «السني». وهذا يعني أن إيران «الشيعية» ستكون في مواجهة تياري الإسلام السياسي السني «السعودية وتركيا». ولعل مواقف ولي العهد السعودي في مؤتمر «دافوس في الصحراء» حول تركيا وقطر تشكل مؤشرا على هذا المسار. لعل الرهان الإيراني الأقل خشية في هذه الدوامة من التداعيات قد يكون في الموقفين الروسي والاوروبي، فهذه الازمة على الاقل ستسهم في إحداث تقارب بين موسكو والرياض، وهي تعتقد بصعوبة أن تحل السعودية مكان إيران في العلاقة مع روسيا، لسببين، الأول أن موسكو تدرك جيدا صعوبة التخلي السعودي عن أمريكا والتحول إلى روسيا، والثاني العلاقة العميقة والمصالحية بين طهران وموسكو في الكثير من الملفات الاقليمية والدولية، خصوصا ما يتعلق في الموضوعين السوري والاسرائيلي وموازين القوى في الشرق الاوسط. أما فيما يتعلق بالجانب الاوروبي، فطهران تراهن على استمرار الضغط الاوروبي على السعودية في قضية خاشقجي، ليس لأنها تريد النيل من النظام السعودي، الذي تعتقد أن بقاءه يشكل حاجة ضرورية، وقد تكون استراتيجية لها، بل من باب اللعب على المصالح الاوروبية في الانتقام من الرئيس الامريكي دونالد ترامب وإدارته التي تسببت للدول الاوروبية بكثير من الأزمات، ووضعتها أمام الكثير من التحديات الاقتصادية وعملت على محاصرة الدور الاوروبي على الصعيد الدولي. يبقى أن الانتظار الايراني الاهم، يتعلق بموضوع العقوبات، فطهران تعتقد أن استمرار الجدل حول أزمة اغتيال خاشقجي سيسهم في إضعاف المساعي الأمريكية في تضييق دائرة العقوبات على ايران، وبالتالي فأن ما يطفو على سطح العلاقات بين الاقطاب المعنية في هذه الازمة سيسمح لايران بالتفلت من العقوبات، أو في تسهيل عملية الالتفاف عليها. الغرب وأمريكا لن يسمحا لأزمة قتل خاشقجي أن تؤدي إلى إضعاف الدور السعودي في مقابل إيران في لعبة التناقضات هذه، يبدو أن إيران لا تريد أن تذهب بالتفاؤل بعيدا بناء على تداعيات الأزمة التي وجد ولي العهد السعودي نفسه في وسطها، جراء قتل جمال خاشقجي، على الرغم من أنه من المفترض أن تكون هذه الأزمة مؤشرا جيدا لإيران، لما سببته من إرباك وتهديد لأهم خصومها الإقليميين، والحليف المفضل لترامب. القيادة الإيرانية لديها شبه يقين بأن موقع ودور السعودية سيتراجع تحت ضغط المواقف الدولية عليها والتي ستستمر، وأن موقفها سيكون أكثر إحراجا بعد هذه الأزمة، خاصة في تأثيره على دور وموقع ولي العهد محمد بن سلمان، في حال استمر في السلطة واستطاع العبور من نفق الضغوط والمطالب الداعية إلى تنحيه، إلا أنها تعتقد بأن السعودية ستبقى تلعب دورا محوريا في سياسة الإدارة الأمريكية في تشديد الحصار على إيران، خصوصا أن أمريكا لا ترغب في أن تؤدي الازمة إلى خروج السعودية من الحلقة الامريكية ضد ايران، في ظل موقف دولي يبدو عاجزا عن ملء الفراغ السعودي في حرب العقوبات الأمريكية ضد إيران، وهو عجز لا يقتصر على اوروبا وروسيا والصين وبعض الدول العربية والاقليمية، بل يشمل دولة الامارات العربية المتحدة. وبالتالي ستكون ادارة ترامب مترددة في الذهاب إلى تصعيد مفرط ضد ايران، بما يعنيه ذلك من امكانية عمل عسكري محدود، وبالتالي فإن ما فعلته عملية الاغتيال السعودية لجمال خاشقجي، في أحد ابعادها، انها اربكت الموقف الامريكي في سياسة العقوبات ضد الخصم الايراني. ولا تنكر إيران أن السعودية هي من الدول ذات الثقل في المنطقة، وان الغرب يحتاجها للحفاظ على توازن القوى في مقابل ايران، وعليه فإن الغرب وأمريكا لن يسمحا لأزمة قتل خاشقجي أن تؤدي إلى إضعاف الدور السعودي في مقابل ايران. ولا تستبعد بعض الاوساط الايرانية ايضا أن يكون مقتل خاشقجي عملا من عناصر «مارقة»، أو ايحاء من أجهزة امنية غربية للسعوديين، وقد تكون كما يرى البعض مؤامرة قد تستهدف إيران ايضا. وان تتحول عملية القتل إلى سيناريو يراد تعميمه على الدول الاخرى وذريعة كما الربيع العربي للبدء بعملية تغيير في المنطقة لا تقف تداعياته على السعودية، بل تطال الدول الاخرى في المنطقة، وعليه فإن على إيران أن تكون قلقة من عواقب هذه الحادثة، ومدى تأثيراتها والسيناريوهات المحتملة التي قد تنتج عنها. كاتب لبناني |
زيارة نتنياهو إلى مسقط والوساطة العُمانية بين الوهم والحقيقة Posted: 28 Oct 2018 02:02 PM PDT في يوم 26 من الشهر الجاري زار نتنياهو مسقط بناء أو تلبية لدعوة السلطان قابوس وقد أعلن أن الهدف منها هو بحث قضية السلام في الشرق الأوسط والمقصود السلام في فلسطين. لم يقل: كيف أو ما هو السبيل وطريق الوصول إليه. لا نريد أن نعرج على اتفاقات كامب ديفيد وما أفضت إليه من إخراج مصر العروبة من الصراع العربي الإسرائيلي والذي يروق للبعض بحصره، حصرا سببيا وهادفا، بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو واقعيا وموضوعيا، صراع بين العرب والصهاينة. ولا اتفاقيات أوسلو سيئة النتائج ولا إتفاقية وادي عربة، فهما معروفتان.. بين الزيارتين زيارة نتنياهو إلى عُمان سبقتها قبل سنوات وتحديدا في عام1994، زيارة اسحاق رابين مسقط. بين الزيارتين أكثر من عقدين انقضيا وإسرائيل ابتلعت ما ابتلعت من أراضي الضفة والقدس. إن هذه التخريجات ما هي إلا لخداع الشعب العربي. إن العلاقة بين الدول العربية وهنا نقصد الشعوب العربية وبين الفلسطينيين هي علاقة مصيرية. إن حكام الدول العربية يلعبون لعبة خطيرة على شعوبهم. إن هذا اللعب الخطير سوف يأتي مستقبلا على كراسيهم المهتزة أصلا بفعل رفض الشعب العربي لهذا التوجه. إن هذا اللف والدوران السري الكثير والعلني القليل، ماهو إلا مقدمات لتخليق الأرضية الملائمة كما يتصورون لتمرير صفقة القرن التجارية. الكيان الإسرائيلي يلعب على وتر الزمن، لعبا متقنا للاستفادة من هذا الخنوع للقسم الأكبر من النظام الرسمي العربي بجني الكثير من المكاسب من غير أن يقدم ولا تنازلا واحدا على طريق إقامة دولة فلسطين على العكس من ذلك فقد قضم الكثير من أراضي الضفة الغربية بإقامة المستوطنات عليها. وزير خارجية سلطنة عُمان قال إن إسرائيل دولة موجودة في الشرق الأوسط وهذا هو ما تسعى إليه إسرائيل كي تكون دولة طبيعية في المنطقة من غير أن يترتب على هذا الاستحقاق القانوني حسب قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بهذا الاستحقاق وهو الانسحاب من أراضي الضفة والقدس وقطاع غزة، أي ما احتلته في الخامس من حزيران/يونيو وإقـامة دولـة فلسـطين عليه. إن دول الخليج العربي وبعض الدول العربية الأخرى تهيئ الأوضاع نفسيا وسياسيا لصفقة القرن وبوصف حقيقي آخر لها، تصفية القرن. إن هذه العلاقات التى أصبحت واضحة ومكشوفة بين حكومات هذه الدول العربية وإسرائيل لا تشكل إلا النزر اليسير بالقياس إلى الموجود وراء الباب المغلق الذي يفتحه المسؤولون الإسرائيليون بين حين وحين ومنها العلاقات التجارية بين هذه الدول وإسرائيل. إسرائيل تريد وهذا هو ما تطمح وترنو إليه في المقبل من الأيام؛ أن تكون ليست دولة طبيعية فقط بل مركز اقتصادي وتكنولوجي متقدم في المنطقة العربية للسيطرة على الأسواق العربية. دول الخليج العربي ومعها بقية البعض من الدول العربية تعتقد أن هذه العلاقة ترسخ وجودها على كراسي الحكم وتوفر الضمانة لعلاقات جيدة مع أمريكا والغرب وداعمة لها، وهذا خطأ تاريخي جسيم، سوف تدفع ثمنه باهظا هذه الحكومات بسبب رفض الشعب العربي لهذا التطبيع المجاني مع كيان عنصري ومجرم بحق شعب فلسطين ولو بعد حين. وتصفية القرن مهما روجوا لها وطبلوا فإن مصيرها لامحال هو الفشل والفشل الواضح والذريع لسبب بسيط ولكنه الأهم من حيث حقيقته وواقعيته، هو أن اغلب المنظمات الفلسطينية إن نقل جميعها وتلك هي الحقيقة، بما فيها حركة فتح، ترفض رفضا تاما وهي رافضة أصلا لصفقة القرن التجارية لتصفية القضية الفلسطينية.. هنا لا يمكن أن تمر بموافقة شخص أو مجموعة أشخاص مهما كان موقعهم في درجة المسؤولية الفلسطينية.. زيارة نتنياهو جاءت بعد أسبوع من زيارة محمود عباس إلى مسقط، السلطنة كما أعلن عن ذلك تقوم بدور الوسيط بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وفي السياق ذاته سوف يقوم ممثل الرئيس الأمريكي جيسون غرينبلات إلى أراضي السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي لعرض خطة السلام الأمريكية وما صار يعرف بصفقة القرن أو بعبارة أخرى أكثر واقعية تصفية القرن التجارية. جينا هلسيل رئيسة الاستخبارات الإسرائيلية، زارت رام الله قبل أسبوع. إذن هذه الزيارات هي تهيئة الجميع لاستقبال العرض الأمريكي لخطة السلام وهي في حقيقتها خطة إسرائيلية بقلم أمريكي في استثمار هذه اللحظة التاريخية المشؤومة من الزمن العربي الرديء لتصفية القضية الفلسطينية. على ما يبدو قد تم تهيئة جميع الظروف كما يتوهمون في تمرير هذه التصفية من المال اللازم لها وخنوع حكام بعض الدول العربية ومن أهمها دول الخليج العربي وقبولهم لحرفة المشغلين لماكينة الإجهاز الأمريكي الإسرائيلي على حق الفلسطينيين في الحياة الحرة في دولة ذات سيادة. تقديم الشهداء الفلسطينيون يوميا وبلا ملل ولا كلل ولا خوف ولا وجل يدفعون الشهداء على مذبح الحرية والانعتاق من طغيان وإجرام الصهاينة ومن أجل الأرض يبللون ترابها بالدم الطهور. هنا نقول أو نسأل هل يقبل شعب كما هو شعب فلسطين وهو على ما هو عليه من صلابة في الموقف من قضيته، بربع الحل أو بربع الحق وهذا الربع إن حصلوا عليه فهو غير واضح وغيرمحدد وغامض أشد ما يكون عليه الغموض. إسرائيل أبرمت عدة اتفاقيات ولم تلتزم بأي بند مما تضمنته هذه الاتفاقيات، اتفاقيات اوسلو مثلا التي مضى عليها أكثر من عقدين ولم تنفذ إسرائيل أي بند منها على طريق إقامة دولة فلسطين كما نصت عليها تلك الاتفاقيات. إسرائيل تلعب على الوقت في استمرار اقامة المستوطنات وإتمام عملية تهويد القدس. كاتب عراقي |
سيول الموت… وسيولة العطاءات والمشاريع Posted: 28 Oct 2018 02:00 PM PDT |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق