بين الإبداع والابتداع Posted: 21 Nov 2018 01:30 PM PST دلالات ألفاظ اللغة كانت في الأصل مادية محسوسة، ثم انتقلت إلى المعاني المجردة، مع تطور البشرية من مرحلة تحسُّس الأشياء بالجسد، إلى مرحلة أرقى من تمَعُّن الأفكار بالعقل، أو مع الانتقال من مرحلة «التحسُّس الجسدي» إلى مرحلة «التمعُّن العقلي». مصطلح «ثقافة»، مثلاً ينفتح على التعامل مع الرماح من أجل تقويمها وتعديلها، لتصبح قادرة على أداء ما صُنعت لأجله، وهي أصلاً وصف للرماح، ولذا يقال «رمح مثقف»، لكن الوصف انتقل ليكون من خصائص اللسان، إذا قوّمه صاحبه في الكلام، ثم عُمِّم الوصف ليكون للإنسان المُلمّ بصنوف من المعارف والأفكار، حيث تطورت الدلالة من «الرمح المثقف» إلى «الإنسان المثقف». وفِي القرآن الكريم جاء الفعل المضارع من وصف «الهداية»، كما في الآية، «وعلامات وبالنجم هم يهتدون»، لينفتح الفعل على دلالاته الحسية، حيث ترى حاسة البصر لمعان النجم في السماء، وسط ليل البادية أو موج البحر، فيستدل المسافرون على وجهتهم الصحيحة وسط الظلام الدامس وأمواج البحر ومتاهات البوادي. ومع الزمن تطور الاستعمال الحقيقي المحسوس للهداية إلى المعنى المجازي المجرد، لتصبح الهداية وصفاً لحالة من الرؤية النفسية والتجلي الروحي، والاستقامة على «جادة الحق»، في متاهات بادية الحياة، وأمواج بحرها المتلاطم، كما في الآية «وهديناه النجدين». وهناك لفظ آخر هو «القدوة» التي تشير في أصل وضعها المادي إلى تحسُّس جوانب الطريق للسير في «سواء السبيل»، أو وسط الطريق. و»الرجل يتقدَّى»، إذا «تلمس أيسر الطرق». وهذا كما نرى، معنى حسي ملموس، غير أن «القدوة» انتقلت من الحسي الملموس إلى المجازي المجرد، كلفظ «الأسوة»، وغيرها من ألفاظ العربية الواردة في القرآن الكريم، باعتباره واحدا من أقدم الوثائق النصية للغة العربية. وفي القرآن كذلك، جاء الفعل «اقتده»، بالمعنى المجازي، كما في الآية: «أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده»، أي تلمس طريقك متمثلاً بهم، وجاءت الهاء في نهاية الفعل للتأكيد، وليست زائدة كما ذكر بعض القدماء، لأن الحرف إذا كانت له دلالة، فإن وصف الزيادة لا يليق به. ومن خلال تأمل دلالات ألفاظ «الاهتداء» و»الاقتداء»، في القرآن- على اعتبار أنه وثيقة لغوية قريبة إلى روح مقاصد الشريعة في الإسلام، من خلال ذلك يبدو أن العقل المسلم اليوم مطالب بأن يفهم مدلولات «الاهتداء» و»الاقتداء»، وفق تطور الدلالة التي بموجبها لا تعني هذه المصطلحات بأي حال من الأحوال معاني استنساخ تجربة المسلمين في العصور الأولى للإسلام، ولكن استلهام هذه التجربة، ليتمكن المسلمون اليوم من خوض تجربتهم الخاصة بهم، بدون أن تُستلب الشخصية المسلمة المعاصرة لصالح شخصيات تاريخية، لا يمكن أن تتكرر، نظراً لاختلاف السياقات التي وجدت فيها، ولأن التاريخ لا يتكرر- بالفعل- إلا عند أولئك الذين لا يقرؤونه. ولكي نقرب الصورة، يمكن القول إن البدوي الذي يسافر ليلاً و»يهتدي بالنجم» في ليل البوادي لا يحتاج أن يكون نسخة من النجم، ولكنه يستلهم ضوء النجم ليستدل به على طريقه، وعلى الوجهة التي يريدها. كذلك، فإن المسلم المعاصر الذي يقتدي بالنبي أو بصحابة النبي، أو برجال القرون الأولى ليس مطلوباً منه أن يكون نسخة مكررة من شخصيات تلك القرون، ولكن له أن يتخذها نجوماً يستلهم ضوءها، وهو يسير في بوادي الحياة وأمواجها العالية. وللتوضيح بشكل أكثر نعود للآية «أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده»، إذ لا يعقل أن نفهم من الآية أنها طلبت من النبي محمد (ص) أن يكون نسخة مكررة من الأنبياء السابقين، لسبب بسيط وهو أن الإٍسلام لم يكن مجرد تكرار لليهودية أو المسيحية، في ما عدا الأصول المجمع عليها في كافة الأديان، والمتعلقة بالعقيدة، وبعض التشريعات التي لم تتغير بين الإٍسلام وشرائع الأنبياء السابقين، أو بلفظ آخر، فإن نبي الإٍسلام تطابق مع أسلافه من الأنبياء في الأصول، واختلف معهم في الفروع، وهذا أمر طبيعي وفطري، ومنسجم مع العقل والمنطق، ومع طبيعة التطور البشري، ولا يتعارض مع مطالبة القرآن للنبي بالاقتداء بسابقيه. وكما كان محمد (ص) مختلفاً في وسائله وأدواته مع سابقيه من الأنبياء، ومتفقاً في أهدافه وغاياته معهم، فإن طبيعة التطور البشري، واختلاف الظروف الزمانية والمكانية، تحتم على الشخصية المسلمة اليوم أن تقتدي بنبيها- بالمعنى الواسع للاقتداء- في الحفاظ على الأصول، وتكييف الفروع، لمقتضيات «المصلحة العامة»، التي سماها الأصوليون المسلمون قديماً: «المصالح المرسلة». ليست القضية بالأمر السهل الذي يمكن أن يناقش في مقالة صحافية، ولكنها تحتاج إلى مزيد من الجهد لتحقيق الكيفيات التي يتم بها الاستفادة من ضوء النجم، بدون أن تصاب الشخصية المسلمة بلوثة الاستغراق والتوحد مع النجم، لأن النجوم خلقت لتكون قدوة وهداية، لا أن يتم التماهي معها، نظراً لاستحالة التماهي بالنجوم على وجه الحقيقة. إن هذه الدلالات حول مفاهيم «الاقتداء والاهتداء» تسهم إلى حد كبير في إخراج الشخصية المسلمة من جدل ثنائيات: الأصالة والمعاصرة، والقديم والجديد، والأصول والفروع والإلهي والبشري، حيث أُهدر الكثير من الوقت والجهد في معارك وهمية بين ثنائيات غير متعارضة أصلاً، إذا ما فُهمت على أساس أن إحداها تُعضِّد الأخرى، بشكل تؤسس فيه الأصالة لبنيان المعاصرة، وتتفرع المعاصرة من أساساتها الأصيلة، وبطريقة تشكل إبداعاً ناتجاً عن تراكم خبرات ومعارف اجتهادية ضمن المتغيرات، لا ابتداعاً ناتجاً عن محاولات تقليدية للخروج على الثوابت. *كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»  |
قضية ماثيو هيدجيز: العلم ممنوع في الإمارات وليس السياسة فحسب! Posted: 21 Nov 2018 01:15 PM PST ماثيو هيدجيز (31 عاما)، طالب دكتوراه في جامعة درهام البريطانية المرموقة، اختار دراسة موضوع «تأثير موجة الربيع العربي على دولة الإمارات وسياساتها الداخلية والخارجية». اختيار هيدجز للموضوع جاء من صلب اختصاصه البحث في شؤون الشرق الأوسط ولكونه عاش في الإمارات خلال طفولته (والده يقيم هناك)، وكما هو طبيعي في دراسات من هذا النوع فقد قرّر الطالب زيارة البلد الذي يقوم بدراسته وقدّم كل الأوراق المطلوبة منه وسافر قبل قرابة ستّة أشهر إلى دبي. بعد أسبوعين من البحث في موضوع رسالته ومقابلة بعض الأشخاص ذوي العلاقة بالموضوع وخلال إجراءات خروجه من مطار دبيّ قُبض على هيدجيز في 5 أيار/مايو الماضي وتم توجيه تهمة التجسس إليه. رغم كونه مواطنا بريطانيا، ورغم العلاقات الوثيقة بين بلاده والإمارات، تم سوق هيدجيز إلى جلستين لمحاكمته في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في محكمة أمنيّة في أبو ظبي ولم يُسمح له بمحام حتى الجلسة الثالثة من المحاكمة التي جرت أول أمس واستمرّت 5 دقائق حُكم فيها عليه بالسجن المؤبد. تقول سلطات الإمارات ووسائل الإعلام التابعة لها إن هيدجيز «اعترف» بالتجسس على الإمارات لحساب دولة أجنبية، والإضرار بالأمن العسكري والسياسي والاقتصادي للإمارات. هيدجيز أنكر طبعا كل التهم، فالاعتراف، حسب ما يؤكد معارفه وأقاربه، كان فعلا أجبرته عليه سلطات أبو ظبي من خلال التوقيع على ورقة مكتوبة بالعربية (التي لا يتقنها) يقرّ فيها بالتهم المذكورة وهذا هو «الاعتراف» الذي استندت إليه المحكمة الأمنية في حكمها الفظيع. لا ضرورة للتمحيص كثيراً كي نتأكد من أن هيدجيز ليس أحد زملاء جيمس بوند، وأنه لم يستخدم خلال بحثه أدوات تجسس ومسدسات وأحبارا سرّية، والأغلب أن ما اكتشفه في أبحاثه أقل خطورة بكثير مما تكشفه وسائل الإعلام العالمية بين حين وآخر عن تورّط أبو ظبي نفسها في قضايا التجسّس والتآمر على «دول أجنبيّة» واستئجار المرتزقة الأجانب لتنفيذ عمليّات اغتيال والتعاون مع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية في مراقبة شعبها والتنصّت على هواتف خصومها (وحلفائها!). يأتي هذا كلّه من سلطات تطنطن بإنجازاتها الحداثية الكبرى بدءاً من كونها مركزا كبيرا للاقتصاد والتجارة والسياحة وصولاً إلى بنائها مدنا صديقة للبيئة وتأسيسها حكومة إلكترونية وامتلائها بالمؤتمرات والمتاحف والجامعات ذات الألقاب الكبيرة الخ… فما الداعي إذن لهذه الفضيحة القانونية والسياسية والعلمية المجلجلة لحكومة أبو ظبي وما هي مبرراتها؟ الجواب البسيط على هذا السؤال هو أن كل هذه المظاهر الخلابة للحداثة في الإمارات ليست غير أقنعة لنظام مستبد تتحكم فيه الأجهزة الأمنية التي تقنع نفسها بأهميتها من خلال إقناع الحكام بأن تحت كل حجر يقبع خطر مهول. بهذه النظارات العربية السوداء التي يلبسها ضباط الأمن يتحوّل طالب دكتوراه ما كان بحثه ليغيّر شيئا كبيرا في واقع الحال (غير حيازته على لقب الدكتوراه ربما) إلى مجرم خطير يتجسس لدولة أجنبية ويهدد أمن البلاد. جدير، في هذه المناسبة، أن نعرف ما هو رأي «وزارة السعادة» الإماراتية في الموضوع؟  |
مواجهة غزة وميزان القوى الجديد Posted: 21 Nov 2018 01:14 PM PST أكدت مواجهات غزة بعد عملية التوغل الإسرائيلية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي والتي نتج عنها اشتباك مباشر مع القوة الإسرائيلية بالإضافة لتبادل الصواريخ والقصف بين غزة وإسرائيل بأنه تمت اقامة ميزان في هذا الجانب من المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية. فإن ضربت إسرائيل وقع الرد عليها، وإن هاجمت تم التصدي لهجومها، وان سعت للاقتحام دفعت ثمنا، وإن تمادت تم قصف المزيد من المدن والمواقع الإسرائيلية. لا يمكن الاستنتاج بأنه تم تحييد كل الحلول العسكرية الإسرائيلية، لكن يمكن القول بنفس الوقت بأن إسرائيل لن تستطيع تقديم حل عسكري جذري للصراع العربي الإسرائيلي، فهي لا تملك، رغم تفوقها التكنولوجي، القدرة على فرض إرادتها على الفلسطينيين. في الذاكرة التاريخية عشرات العمليات السرية الإسرائيلية، من أشهرها على غزة العملية المعروفة باسم «غارة غزة» والواقعة في العام 1955. تلك الغارة، التي أمر بها بن غوريون رئيس الوزراء الاسرائيلي، استهدفت البوليس المصري في غزة بهدف إرسال رسالة للرئيس عبد الناصر. وقتها كانت غزة تحت الحكم المصري منذ نكبة 1948. وقد انتهت غارة غزة بمقتل أكثر من 38 عنصرا من الشرطة المصرية ممن لم يكونوا في وضع يسمح لهم بممارسة مهام قتالية. أن سعي إسرائيل للتوغل في غزة هذا الشهر فشل في تحقيق أهدافه، بل نتج عن عملية غزة الأخيرة أزمة سياسية دفعت بوزير دفاع اسرائيل للاستقالة. إن ما صنعته اسرائيل من تدمير لبنى الفلسطينيين القتالية في الثمانينيات ثم في العام 2002 بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية في ظل إعادة احتلال الضفة الغربية لم يغير من بنية الصراع. في كل حرب تعتقد إسرائيل بأنها انتصرت لتكتشف بأنه لا يوجد نصر حقيقي على العرب. فبعد كل هزيمة تبرز قوى عربية وفلسطينية قادرة على إعادة بعض التوازن مما يمهد للحرب التي تليها. و تخشى إسرائيل من قدرة غزة على تهديد المراكز المدنية الاسرائيلية وذلك بالرغم الحصار الخانق الذي تفرضه على غزة منذ 11 عاما. كما وتخشى إسرائيل من إيران وحزب الله بعد أن قاموا بنشر منظومة صواريخ قادرة على تدمير الكثير من المراكز الإسرائيلية. قد برز ميزان رعب بين غزة المحاصرة وإسرائيل النووية بما يجعل إسرائيل تشعر بأن أداتها العسكرية لم تعد بنفس القدرة على هزم العرب كما وقع في حرب 1967. لقد اختفى الجيل المؤسس لدولة إسرائيل وحلت مكانه أجيال لا تريد أن تستهلك وتموت في معارك وحروب لا نهاية لها لكن لابد من رصد تغير هام آخر وقع في اسرائيل. فالجيش الاسرائيلي المعروف بعقيدته القتالية لم يعد بنفس الحالة التي كان عليها في حرب 1967. ففي تلك الحرب كان المجتمع الإسرائيلي أقرب للمجتمع العصامي، كانت ظروفه الاقتصادية تتميز بالقساوة، بينما معظم الاحتياجات الاستهلاكية غير متوفرة للمواطن الإسرائيلي. لقد تغير هذا الجانب من خلال تحول المجتمع الإسرائيلي لمجتمع استهلاكي. بل نتج ذلك من جراء نشوء طبقة وسطى استهلاكية كبيرة تريد أن تحيا في ظل حالة رفاه. هذا التحول أثر على الحدة القتالية للجيش الإسرائيلي وعلى مفهوم الموت لدى إسرائيل، لقد اختفى الجيل المؤسس لدولة إسرائيل وحلت مكانه أجيال لا تريد أن تستهلك وتموت في معارك وحروب لا نهاية لها. لكن مشكلة الجيش الإسرائيلي الأخرى انه مستنزف منذ عقود عدة بملاحقة شبان فلسطينيين في أزقة مدن وقرى الضفة الغربية، وهو نفس الجيش الذي يطلق النار كل يوم على المتظاهرين السلميين في غزة كما والضفة الغربية المحتلة. هذا النمط من الاستنزاف يضعف ويشتت قدرات الجيش الإسرائيلي كما ويدمر روحه القتالية وجاهزيته للحروب الأوسع. فلسطينيو اليوم أكثر عددا على الأرض التاريخية من الذين كانوا فيها عشية النكبة وحرب 1948، لهذا فحتى الصراع الديموغرافي الذي تقتات الصهيونية على تغيراته يصعب حسمه، فلا جميع الخمسة عشر مليون يهودي في العالم هاجروا للدولة اليهودية ولا الفلسطينيين استسلموا وتركوا الارض التي احتضنتهم عبر مئات والوف السنين. والملاحظ انه وقع تحول، في هذه المعركة، في الموقف المصري. هذا التحول ساهم في إيقاف المعارك ووضع حدود على استخدامات القوة الإسرائيلية في غزة. التحول المصري مرتبط بعودة السياسة المصرية، على الاقل جزئيا، للاقتناع بأهمية غزة لأمنها القومي، وبنفس الوقت اقتنعت مصر وأجهزتها الأمنية بأن غزة لا تمثل تهديدا لمصر في القضايا الداخلية والسياسية، تلك القضايا المصرية لن تحسم الا في ظل حل مصري مصري. من جهة أخرى وجد اليمين الإسرائيلي نفسه في موقف صعب بسبب تراجع ترامب وكوشنر وفريق البيت الابيض بعد الانتخابات النصفية الاخيرة في الخامس من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018. كما أن تصفية واغتيال الشهيد جمال خاشقجي في القنصلية السعودية أربك السياسات الإقليمية كما وأربك خارطة التحالفات التي برزت في ظل الحديث عن صفقة القرن. الانتخابات الأمريكية النصفية تربك اسرائيل بسبب حجم التداخل بين اليمين الإسرائيلي وحكومة نتنياهو من جهة وبين البيت الأبيض وفريق الرئيس من جهة أخرى. وبينما يقع هذا يزداد عدد الشبان والشابات اليهود من الجيل الصاعد ممن لديهم اسئلة كثيرة عن الدولة اليهودية والصهيونية والفلسطينيين والمستقبل. هناك مزيد من الوعي بين الجيل الصاعد والجديد من سكان العالم بأن اسرائيل لا تعاني من خطر الفناء، بل إنها من تمارس الاحتلال والتدمير والنفي بحق الشعب العربي الفلسطيني. إن قدرة غزة على الرد الصاروخي والمسلح في ظل حصار من البر والبحر والجو هو بحد ذاته تحول هام في مجرى الصراع. لقد نجحت الارادة الفلسطينية في غزة في بناء ميزان للقوى مع الكيان الاسرائيلي، وهذا ساهم في تهيئة الاجواء لوقف اطلاق النار سريع نتج عنه استقالة وزير الدفاع الاسرائيلي. استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت  |
نتنياهو الثعلب… وإسرائيل ذئب جريح Posted: 21 Nov 2018 01:12 PM PST تسيطر على الإسرائيليين هذه الايام حالة من الشعور بالمهانة والاذلال. بدأ مسلسل الأحداث الذي قاد إلى هذه النتيجة بعملية عسكرية إسرائيلية فاشلة، تمثلت في محاولة خطف وأسر ضابط كبير في قوات الذراع العسكري لحركة حماس في غزة، هو نور الدين بركة. وذكرت بعض المصادر الإسرائيلية أن بركة هو المسؤول والمشرف على «سلاح الأنفاق» هناك. وكان في تقدير إسرائيل، ان تكون هذه «العملية السرية البالغة الأهمية»، (على حد وصف بعض المحللين العسكريين في الصحف الإسرائيلية لها)، ضربة قاصمة، تجعل من الممكن إضعاف، إن لم يكن إلغاء فاعلية «سلاح الأنفاق»، حيث تتمكّن إسرائيل، في حال نجاحها في خطف وأسر بركة، من كشف خرائط ورسومات تلك الأنفاق، وكل ما له علاقة بهذا «السلاح» الذي تصرف إسرائيل مليارات الدولارات للتصدي له، من تكليف خيرة العقول فيها لابتكار وتصنيع اجهزة تكنولوجية متطورة، قادرة على كشف أي عمليات حفر على اعماق كبيرة، بالإضافة إلى مبادرتها، منذ اكثر من سنتين، لحفر واقامة «جدار فصل» في عمق الارض، على طول عشرات الكيلومترات حول قطاع غزة المنكوب، ولجعل قطاع غزة محاصرا من الجهات الست: الشرق والغرب والشمال والجنوب والسماء وتحت الارض ايضا. أدّى انكشاف الدورية العسكرية الإسرائيلية إلى اشتباك بالنيران، قُتِل فيه قائد القوة العسكرية المتسللة، وأُصيب عدد من جنوده، واستشهد المطلوب الاول للعملية، نور الدين بركة، وستة آخرون من مقاتلي حماس، وتمت محاصرة القوة العسكرية الإسرائيلية المتسللة، واصبح من الممكن القضاء على كامل افرادها، وربما أسر بعضهم ايضا، الامر الذي دفع جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي إلى حشد وتحريك طائراته ودباباته ومدفعيته، لتشكيل حزام نيران حول دوريتها، لتأمين انسحاب جميع أفرادها، حاملين جثة قتيلهم وجرحاهم. انتهزت حركة حماس هذه الفرصة الذهبية المؤاتية، فاطلقت قذيفة مضادة للدروع، دمّرت بها سيارة باص عسكرية إسرائيلية، (بعد ان نزل منها عشرات الجنود الإسرائيليين)، وصوّرت وبثّت شريطاً يظهر تفاصيل ذلك، فضاعفت من شعور الإسرائيليين بالخيبة والاحراج. ادّت هذه التطورات الميدانية، إلى اندلاع موجة من القصف المتبادل، بين جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي وجميع التنظيمات العسكرية في قطاع غزة. وتميّزت هذه الجولة بأمرين: اولهما، انها كانت قصيرة للغاية، مقارنة مع جولات سابقة، إلى درجة انها ما كادت تندلع وإذ بها تخبو. وثانيهما: تميُّزها بوتيرة وكثافة عالية جدا من القصف، حيث ووجهت عمليات القصف الإسرائيلي على مواقع ومبان واهداف في القطاع، باطلاق المقاومين في القطاع لأكثر من 460 «صاروخا» وقذيفة على مستعمرات ومدن محيط غزة، خلال اقل من يوم واحد. وانتهت الجولة بالاستجابة للوساطة المصرية بوقف القصف المتبادل، رغم اعلان إسرائيل، قبل ساعات قليلة من ذلك، وقف كل حديث عن «التفاهمات» والتهدئة، وطلبها إلى مصر وقف توسطها لإنجاز ذلك، والإيحاء بتوجهها نحو جولة على غرار الجولات المدمرة الثلاث السابقة على قطاع غزة بين عامي 2008 و2014. جولة القصف الاخيرة، من قطاع غزة وعليه، هي المسبب الآني لمشاعر الاحباط والارتباك، في المجتمع الإسرائيلي، الذي يطالب جيشه بالمبادرة إلى استئناف العدوان، ليُشعِرَ الإسرائيليين بالاطمئنان والهدوء فور ذلك بدأت موجة التسريبات عما دار من نقاش في الاجتماع الطارئ للحكومة الإسرائيلية المصغّرة، «الكابينيت»، وتبادل الاتهامات بين المشاركين في الاجتماع الذي أقرّ الاستجابة للوساطة المصرية، وخاصة بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزيري الدفاع، افيغدور ليبرمان، ووزير التعليم، نفتالي بينيت، حيث كل واحد منهم يتهم الآخرين بالتخاذل والتراجع في مواجهة حماس. ولحق بذلك فورا، انطلاق مظاهرات من سكان المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، تدين قرار وقف العمليات العسكرية، في حين قابلها في القطاع مشاعر ومظاهرات فرح واعتزاز بما انتهت اليه جولة القصف الكثيفة والقصيرة. كان واضحا ان تطور الاحداث على هذا الشكل، لن يمر بهدوء، على المستوى والصعيد السياسي الداخلي والحزبي. وفعلا، بعد اقل من 24 ساعة على ايقاف جولة العنف، اعلن ليبرمان استقالته من وزارة الدفاع، وانسحاب حزبه العنصري، «يسرائيل بيتينو»، من الإئتلاف، ولحقه تهديد بينيت بالانسحاب من الحكومة والإتلاف اذا لم توكل اليه وزارة الدفاع. لكن ثعلب السياسة الإسرائيلية، نتنياهو، حشد كل قدراته على المكر والمناورة، وتحدث قبل ساعات فقط من اتخاذ رئيس حزب المستوطنين/المستعمرين العنصري، «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، لقراره الاخير باسقاط الحكومة، ما لم يستلم وزارة الدفاع، حيث عقد نتنياهو مؤتمرا صحافيا، تحدث فيه عن مخاطر امنية بالغة، وشيكة الوقوع، لا يستطيع الكشف عنها، حرصا على امن إسرائيل، وأوحى في حديثه بان اسقاط الحكومة في ظل هذه «الظروف شديدة الحساسية»، اشبه ما تكون بخيانة وطنية، ولم ينسَ ان يُذكّر كيف ان اسقاط حكومة اليمين برئاسة اسحق شامير سنة 1991، قاد إلى تشكيل حكومة اليسار، برئاسة اسحق رابين، التي ابرمت اتفاقية اوسلو «الكارثية»، من وجهة نظر نتنياهو واليمين العنصري الإسرائيلي، وكيف ان اسقاط حكومة اليمين برئاسته هو سنة 1999، أدّى إلى اندلاع الانتفاضة الدموية الثانية. حقق نتنياهو ما اراد، حيث تراجع بينيت وحزب المستوطنين العنصري عن مطالبته بتولي وزارة الدفاع، وعادت الحكومة لمتابعة مهامها، مستندة إلى ائتلاف من 61 مقعدا من اصل 120 مقعدا في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، كما كان عليه الحال قبل تولي ليبرمان وزارة الدفاع، وانضمام حزبه إلى الإئتلاف، الذي اصبح اكثر استقرارا ومكونا من 66 مقعدا. نجح الثعلب نتنياهو. لكن ماذا عن إسرائيل.. الذئب الجريح؟ وكل حيوان مفترس يصبح اكثر شراسة وعدوانية عندما يكون جريحا، وتزداد شراسته عندما تضاف إلى ذلك مشاعر الاهانة والإذلال. كثيرة هي الدلائل التي تشير إلى احتمال ان يكون نتنياهو كاذبا، او غير دقيق على الاقل، عندما تحدث مرحلة امنية حساسة تواجهها إسرائيل هذه الايام. لكن هذا الامر ليس قاطعا بالتأكيد. فالتحدي الروسي لإسرائيل بعد تسببها قبل اكثر من شهرين، باسقاط طائرة اليوشن روسية، ومقتل ضباط الاستخبارات الروس الخمسة عشر الذين كانوا على متنها، قاد إلى تكبيل ايدي إسرائيل العدوانية على الاراضي السورية، وتعزيز ذلك بتزويد الجيش السوري بمنظومات صواريخ إس إس 300 الروسية، تجعل إسرائيل في موقف حرج، لم تكن تواجهه من قبل. واذا اضفنا إلى ذلك ما تنشره وسائل الاعلام عن مضاعفة ترسانة صواريخ حزب الله في لبنان، ومضاعفة دقة توجيه واصابات هذه الترسانة، تتبدّى امامنا صورة مقلقة لإسرائيل، ستسعى إلى محاولة التعاطي معها باللغة الوحيدة التي تتقنها إسرائيل، وتفهمها ايضا. على ان جولة القصف الاخيرة، من قطاع غزة وعليه، هي المسبب الآني لمشاعر الاحباط والارتباك، في المجتمع الإسرائيلي، الذي يطالب جيشه بالمبادرة إلى استئناف العدوان، ليُشعِرَ الإسرائيليين بالاطمئنان والهدوء. وليس من المفاجئ ان نقرأ مقالا للكاتب الليبرالي الإسرائيلي، روغِل إلفَر، في «هآرتس» الإسرائيلية غداة انتهاء جولة القصف الاخيرة، تحت عنوان «شعب كامل (ومُغفّل) يطالب بالحرب» ويقول فيه: «الإسرائيليون هم شعب مُغفّل. إذ حسب استطلاعات الرأي، فان غالبيتهم العظمى غير راضية عن الطريقة التي يعالج نتنياهو بها التصعيد في غزة، أي انهم يريدون شن الحرب. ورغم ان «الرصاص المصبوب» و«عامود الدخان» و«الجرف الصامد» لم تحرز الا هدوءاً مؤقتا فقط، كان ثمنه مقتل عشرات الجنود الشباب، فانهم يطالبون بحرب اخرى مثل هذه». من تجربتنا نتعلم: عندما اهينت إسرائيل في صيف عام 1981، في مواجهات عسكرية عنيفة بين جيشها وقوات الثورة الفلسطينية، اضطرت، ولاول مرة، لطلب وقف اطلاق النار، وكان ذلك ليلة 23 تموز/يوليو 1981، بعد ان طال قصف قوات الثورة الفلسطينية مدينة نهاريا. وكان واضحا يومها انها ستحاول الانتقام لهذه الإهانة. بعد اقل من عام، وفي يوم 3 حزيران/يونيو 1982، بدأت حملتها التي اجتاحت بها جنوب لبنان وحاصرت العاصمة بيروت.. وكل ما عدا ذلك اصبح تاريخا، انتهى بإذلال اكبر لإسرائيل وجيشها، متمثلا بانسحابها المهين من جنوب لبنان في صيف العام 2000. هل نقف هذه الايام على عتبة عدوان إسرائيلي جديد؟ يبدو ان الجواب الصحيح هو: نعم. وان لم يكن على مستوى حرب اقليمية، فعلى مستوى انتقام جديد من قطاع غزة واهله. كاتب فلسطيني  |
العملية التركية لضبط الأمن في عفرين Posted: 21 Nov 2018 01:11 PM PST أثارت صور، نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، للناشط الإعلامي بلال سريول بعد تحريره من قبضة «فرقة السلطان مراد» الموالية لتركيا، استياءً واسعاً بسبب علامات التعذيب الواضحة على جسده. وسريول هو من النشطاء المدنيين المعارضين ممن تم تهجيرهم من الغوطة إلى عفرين التي تسيطر عليها فصائل تابعة لحملة «غصن الزيتون» التركية. وفي وقت لاحق دخل سريول الأراضي التركية، في وقت لا تسمح فيه تركيا بدخول أي نازحين سوريين. ليس سريول أول ضحايا تلك الفصائل المحسوبة على «الجيش الحر» الذي تحول، في مناطق سيطرة القوات التركية، مؤخراً، إلى «الجيش الوطني». بل تتواتر شكاوى كثيرة من منطقة عفرين حول انتهاكات تلك المجموعات المسلحة التي باتت، منذ وقت طويل، أقرب إلى عصابات مرتزقة تمارس السلب والنهب حيثما حلت. ولا يقتصر الأمر على مدينة عفرين والقرى التابعة لها إدارياً، بل تشمل أخبار الانتهاكات مناطق «درع الفرات» أيضاً الممتدة من جرابلس إلى إعزاز وصولاً، في العمق، إلى مدينة الباب قرب مدينة حلب. وتتراوح الانتهاكات بين الخطف بهدف طلب الفدية، والقتل لأتفه الأسباب. كما شهدت تلك المناطق عمليات اغتيال مجهولة الفاعل لنشطاء مدنيين أو لقادة عسكريين للمجموعات المسلحة، إما في إطار تصفية حسابات أو في إطار الصراع على مناطق النفوذ والسيطرة و«الغنائم». مختصر القول، إن المناطق التي دخلها الجيش التركي، سواء في عملية درع الفرات، منذ صيف العام 2016، أو في عملية «غصن الزيتون» في أواخر كانون الثاني للعام الحالي 2018، تشهد فوضى أمنية كبيرة، ضحاياها السكان المدنيون أولاً. نوع من قانون الغاب حيث كل من أمسك بالسلاح يفرض سلطته على السكان ويرتكب ما يشاء من انتهاكات. وكل ذلك في المنطقة التي تسيطر عليها القوات التركية التي لم تتدخل ولا حاولت فرض قواعد سلوك معينة على فصائل عسكرية محسوبة عليها. مع العلم أن جهاز الاستخبارات التركي متواجد في تلك المناطق، ولديه شبكة متعاونين محليين يزودونه بالمعلومات التي تهمه. وهو ما يعني أن صانع القرار التركي، بأعلى مستوياته، لا بد أن يكون على اطلاع على ما يحدث في مناطق يتحمل المسؤولية السياسية عنها. إن المناطق التي دخلها الجيش التركي، سواء في عملية درع الفرات، منذ صيف العام 2016، أو في عملية «غصن الزيتون» في أواخر كانون الثاني للعام الحالي 2018، تشهد فوضى أمنية كبيرة، ضحاياها السكان المدنيون أولاً لم يعرف أحد الجواب على سؤال: لماذا تمتنع تركيا عن ضبط الوضع الأمني في مناطق سيطرة جيشه وحلفائه من الفصائل؟ وتزداد أهمية السؤال بالنظر إلى أن المسلك التركي، في الميادين غير العسكرية ـ الأمنية، يتناقض تماماً معه في الميدان المذكور. العلم التركي يرفرف في كل مكان، وأقامت الحكومية التركية مستشفيات، كادرها الطبي خليط من سوريين وأتراك. وشبكات الهاتف المحمول التركية هي المسيطرة على سوق الاتصالات، وتعمل شركات بناء تركية على بناء مرافق عامة أو ترميم أبنية مهدمة بسبب الحرب. التجارة نشطة بين تركيا ومناطق سيطرة جيشها، بما في ذلك شراء معظم موسم الزيتون المنتج في منطقة عفرين. القصد أن الإجراءات التركية في تلك المناطق تشير إلى ديمومة البقاء، في حين تتصرف القوات التركية وكأن أمن تلك المناطق لا يعنيها من قريب أو بعيد. لذلك فاجأت العملية الأمنية التي قادتها قوات خاصة تركية وبمشاركة فصائل «الجيش الوطني»، في مدينة عفرين، يوم الأحد 18 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، السكان المحليين والمراقبين الخارجيين على حد سواء. ترى ما الذي تغير حتى تغيرت السياسة الأمنية التركية بطريقة مفاجئة؟ أم أنها عملية منفردة لهدف محدود ولا يتعلق الأمر بتغيير كبير؟ امتنعت المراجع السياسية التركية عن أي تعليق على العملية، واقتصر الأمر على تغطية هامشية في وسائل الإعلام، عبر تقديمها على أنها ملاحقة لمطلوبين بسبب انتهاكاتهم. والحال أن الانتهاكات لم تقتصر على فصيل «شهداء الشرقية» بل شاركت فيها جميع الفصائل. واللافت، بهذا الخصوص، أن حالة الإعلامي بلال سريول المذكورة في مقدمة هذا المقال، التي ربما كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، تشير إلى مسؤولية لواء السلطان مراد، وليس شهداء الشرقية. والأول من أكثر الفصائل رعاية من قبل تركيا، وقد شارك في الحملة ضد شهداء الشرقية التي انتهت بطرد عناصرها من مدينة عفرين بعد الاستيلاء على جميع مقراتها. ترى هل يتعلق الأمر باستحقاقات ملحة تواجهها تركيا إزاء شريكها الروسي في اتفاق سوتشي بشأن إدلب؟ أي هل هي رسالة تركية تريد طمأنة الروس إلى أن تركيا جادة في محاربة الفصائل «الناشزة»؟ (فقبل أشهر قليلة، افتعل «شهداء الشرقية» معركة محدودة مع قوات النظام في ريف حلب الغربي). أم، بالعكس، هي رسالة لروسيا بأن فصائل «المعارضة المسلحة» هي تحت السيطرة التركية، بما يمنح تركيا موقع المفاوض الذي يملك أوراق قوة يفاوض بها روسيا في الخلاف حول اللجنة الدستورية؟ أم أن الأمر يتعلق بإدراك متأخر لضرورة ضبط الأمن في مناطق محسوبة عليها، ولاستمالة السكان لمصلحتها؟ لقد سبق لحزب الشعوب الديمقراطي ـ الممثل السياسي لكرد تركيا في البرلمان ـ أن أثار موضوع انتهاكات الفصائل المحسوبة على تركيا في منطقة عفرين، لكن الحكومة التركية تعاملت معه بازدراء، وأنكرت وقوعها جملة وتفصيلاً. ترى هل يتعلق الأمر، بالنسبة لعفرين على الأقل، ببداية التحضير للانتخابات البلدية التي ستجرى في آذار/مارس 2019، لكن معركتها بدأت منذ الآن؟ والقصد هو محاولة الحكومة كسب قلب الناخب الكردي من أجل الفوز ببلديات مناطق جنوب شرق الأناضول ذات الكثافة السكانية الكردية. بل إن صوت الناخب الكردي مهم أيضاً في بعض المدن الكبرى غرب البلاد، كاسطنبول مثلاً. ومعروف أن التنافس على أصوات الكرد يكون أساساً بين حزب الشعوب وحزب العدالة والتنمية الحاكم. كل الاحتمالات المذكورة، أو بعضها، قد تكون وراء العملية الأمنية في عفرين، وقيل إنها ستمتد أيضاً إلى جرابلس والباب وغيرها من بلدات وقرى منطقة درع الفرات. ولكن لا بد، من باب الطرافة، من ذكر بعض «تحليلات» صحف موالية للحكومة التركية، بلغ بها «تسييس» العملية الأمنية حد اتهام «شهداء الشرقية» بتلقي أموال من «دول خليجية» لاختلاق ما يربك الحكومة التركية، على خلفية التوتر السعودي ـ التركي بشأن جريمة قتل جمال خاشقجي! كاتب سوري  |
منظومة متكاملة لمواجهة الجنون التكفيري Posted: 21 Nov 2018 01:03 PM PST عبر السنتين الماضيتين والتصريحات الرسمية في مختلف البلاد العربية تؤكد وتتفاخر بانتصارات قواها الأمنية على هذه الجماعة أو تلك من الجهاديين التكفيريين، وبعض هذه التصريحات بشّر بالاجتثاث الكامل للوجود الجهادي العنفي الإرهابي خلال فترة قصيرة مقبلة. لكن ما إن تمر أسابيع أو أشهر على تلك التصريحات المتفائلة المنتفخة بألاعيب السياسة، حتى نسمع عن ذلك التفجير الذي أودى بحياة العشرات من المواطنين في هذه المدينة أو تلك، أو نسمع عن هجوم عسكري معاكس جديد أدى إلى استعادة هذه القرية أو تلك، وتراجع واضح للوجود الحكومي الرسمي في تلك المناطق. وستمر، على ما يظهر، السنون وخلايا البربرية الجهادية العبثية المجنونة تنام وتستريح هنا لتستيقظ وتقتل وتدمر وتروع هناك. السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا وإلى متى سنظل ندور في هذه الحلقة التي تدور حول نفسها، بدون أن تكون هناك بوادر وصول إلى نهاية حاسمة لظاهرة تنهش في الجسد العربي وتضعفه لتوصله إلى حافة التمزق والانهيار؟ جواب السؤال هذا واضح لمن لديه ذرة معرفة بالتاريخ، وإلمام بالأسس التي تقوم عليها الحياة الاجتماعية. إن تلك المعرفة وذلك الإلمام يؤكدان أن مواجهة ظاهرة دينية معقدة، كظاهرة الجهاد التكفيري، تحتاج إلى أكثر بكثير من الحلول العسكرية والأمنية التي مارستها وتمارسها السلطات العربية بنجاحات نسبية. ذلك أن كل الدلائل تشير إلى فشل الأنظمة الرسمية العربية في دعم الحلول الأمنية التي تمارسها وتتغنى بنجاحاتها بتبني الحلول التالية: أولا، اتفاق الدول العربية على تنظيم جهد واحد مشترك لإجراء مراجعة نقدية موضوعية جذرية شجاعة للثقافة الدينية الإسلامية، التي تلوثت عبر القرون من جراء صراعات السياسة والحكم، والاجتهادات المتزمتة المنغلقة المتخلفة، وممارسة انتهازية التقديس لما هو غير مقدس. إن ذلك سيتطلب تكوين مركز بحوث أو أكثر، مستقلة عن نفوذ الحكومات أو مؤسسات الضغط المجتمعية المدنية، للقيام بمراجعة موضوع الفقه الإسلامي برمته من جهة، وموضوع علوم الأحاديث النبوية من جهة أخرى. الشباب المسلم الذي يلتحق بحركات الجهاد التكفيري ينهل من تلك الثقافة الدينية المليئة بالدس والكذب والأساطير والخرافات، التي تتعارض جذريا مع القرآن الكريم ومقاصده الكبرى السمحة المسالمة. وهو لا يجد ما يقابل تلك الثقافة ويبين نقاط ضعفها، إلا في شكل محاولات وكتابات فردية متناثرة. إنه يحتاج إلى أن يحاط بثقافة دينية تجديدية إسلامية صحيحة، في شكل جهد تجديدي شامل واسع الانتشار وعالي الصوت ومالك للسلطة المعنوية. ومثل هذا الجهد، مع الأسف، لا يوجد، بل ولا توجد دلائل على أنه سيحدث في القريب. *ثانيا، يسمع الإنسان بين الحين والآخر عن تعديلات وإصلاحات في تعليم مادة الدين في مدارس هذا البلد أو ذاك، وهي خطوات ناتجة في أغلبها عن ضغوط خارجية، ولذلك تبقى تلك الخطوات محدودة الأثر في المكان وفي الجانب المعرفي، وسطحية مظهرية في التفعيل. لا يوجد شك بالأهمية القصوى للمدرسة والجامعة في تقديم جرعة دينية ثقافية مستنيرة ورافضة للخزعبلات التي ألحقت عبر القرون بتلك الثقافة، لكن ذلك الجهد، لكي يكون مؤثرا في شباب وشابات الوطن العربي كله، يحتاج أن يكون جهدا عربيا مشتركا، وهذا يتطلب أن تكلف المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة للقيام بدراسات وبحوث ومناقشات، للاتفاق على منهج واحد لتدريس الثقافة الدينية في المدارس والجامعات. هذا موضوع معقد ولكنه ممكن التحقق بصور تدريجية تراكمية ضمن بضع سنين، وليس ضمن عقود، ذلك أن الوضع المأساوي في أرض العرب لا يحتمل السير البطيء السلحفاتي. *ثالثا، موضوع القدرة الهائلة للجهاد التكفيري لاستقطاب الألوف من شباب وشابات الأمة العربية في صفوفه، لا يعتمد فقط على الاستفادة من وجود ثقافة دينية متخلفة صالحة للاستغلال والتلاعب، ولا يعتمد على غياب تكوين مدرسي وجامعي يقاوم تلك الثقافة ويصحح أخطاءها ويطعمها بقدر كاف من العقلانية والتسامح والفهم المستنير، إنه يعتمد أيضا على استغلال الغضب والتذمر والثورة في عقول ونفوس الشباب والشابات، بسبب الأوضاع المعيشية السيئة التي يعيشونها، وبسبب غياب العدالة في مجتمعاتهم، وبسبب انتشار التسلط والفساد في مؤسسات الحكم في بلادهم، وبسبب هيمنة القوى الخارجية على مقدرات بلدانهم، وإشعارهم بالخجل والنقص والدونية، فإذا كانت الأنظمة السياسية العربية لا تقوم بخطوات تصحيح تلك الأوضاع، وكانت قوى المجتمعات المدنية تحت الحصار والبطش الأمني وغياب الحريات وسيادة القانون، فإن الشباب والشابات لن يروا في تجديد الثقافة الدينية وتغيير المناهج المدرسية إلا خطابا منافقا يراد به تخديرهم والضحك عليهم، بدون انتقال الحكومات والمجتمعات العربية، بجهود مشتركة، إلى مواجهة الجهاد التكفيري بمنظومة الحلول الأمنية، المدعومة بالخطوات الثلاث تلك، سنكون كمن يحرث في البحر، وسيبقى معنا هذا الجنون التكفيري عبر عقود مقبلة ، إن لم يكن قرونا. ٭ كاتب بحريني  |
تكرار المشهد العراقي وسلبياته Posted: 21 Nov 2018 01:02 PM PST تكشف العملية السياسية في العراق يوماً بعد يوم، عن فشل الأحزاب العراقية في أسلوب استخدامها لمعطيات الديمقراطية، للوصول للسلطة، حيث أن أقل ما يمكن أن توصف به، بأنها عملية فاشلة غير منتجة، وقائمة على التنافس الطائفي والعرقي واستخدام السلاح والتزوير في التصويت في الانتخابات، وانقطاع صلتها بالقاعدة الشعبية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار اتساع رقعة رفض العراقيين الواضح في المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت أخيراً. فعلى الرغم من التفاؤل المفرط الذي رافق وصول قيادة عراقية جديدة، للبدء في تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، والإرادة المُعلنة في البدء بتصحيح مسار الدولة الجديدة، من خلال القضاء على الفساد والطائفية، والتبعية للقوى الإقليمية النافذة، إلا أن النتائج المؤسفة المخيبة للآمال الناتجة من مباحثات رئيس الوزراء العراقي مع الأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة، والتساؤلات المشروعة عن طبيعة تدخل الأحزاب الحاكمة في اختياراته، وفرض مرشحين معينين لتسلّم حقائب وزارية، يجعل من احتمال حدوث تغيير نوعي في مسار العملية السياسية، عن طريق تشكيل حكومة من خارج الأحزاب السياسية، وعدم الرضوخ لضغوطها، والاعتماد على كفاءات من خارج المنظومة السياسية أمراً مستحيلاً، وهذا ما يعني استمرار أزمة بناء الدولة في غياب تركيبتها الاجتماعية العابرة للطوائف ووضعها الاقتصادي في محاربة الفساد. وهنا لا بد من الرجوع قليلاً إلى الوراء، والتذكير بأن فكرة بناء الدولة من خلال نخبة «التكنوقراط» التي تعود في بدايتها إلى رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، كانت نتيجة لضغط الشارع المنتفض ضد الفساد، وغياب مؤسسات الدولة المستقلة الراعية لجميع العراقيين، على الرغم من فشل تطبيقها، حيث لم تر هذه الفكرة النور، نتيجة لتشبث الأحزاب النافذة بالحقائب الوزارية الرئيسية، وتبعية العملية السياسية لأجندات الدول المؤثرة في العراق. وبمعزل عمّا إذا سينجح رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي أم لا، يبدو أن النظام السياسي العراقي عازم، من خلال تصريحات الطاقم الرئاسي، إلى تصحيح مسار المشهد السياسي والاجتماعي للمرحلة المقبلة، من خلال التأكيد على التزامه في القضاء على الفساد وإقامة علاقات مستقلة مع المحيط الإقليمي والدولي على المستويات السياسية والاقتصادية، وأن هذه الرؤى قد لا تتعدى في مضمونها حزمة من الأمنيات، إذا لم تتم معالجتها جذريا بموضوعية ووطنية، بعيدة عن التدخل الواضح للكتل الطائفية الرئيسية التي تسيطر على المشهد السياسي العراقي، الأمر الذي يجعل من الصعوبة تنفيذ هذه النوايا الرسمية المعلنة من أعلى قمة هرم السلطة التنفيذية، لإعادة العراق إلى حالته الطبيعية، وإبعاده بالتالي عن خطر التقسيم وإرهاب المليشيات وعودة «تنظيم الدولة» الإرهابي، الذي لم ينته بعد. حيث سهلت الطائفية والفساد وطريقة التمييز من خلال حكم العراقيين بمكيالين، وجوده وانتشاره في المناطق السنية. وما أشبه اليوم بالبارحة، حين طرح رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي رؤيته لعراق ما بعد «تنظيم الدولة»، عندما أبدى رغبته بتصحيح أخطاء النظام الطائفي، بالقضاء على الفساد والطائفية وإنهاء جريمة تقسيم العراقيين إثنياً، في ظل حوار جدي بين جميع المكونات لقيام مصالحة مجتمعية لعراق ما بعد تحرير الموصل، هدفها إعادة الاستقرار وتعويض النازحين المتضررين، من خلال عدم السماح بعودة المظاهر الشاذة التي كانت سائدة في العراق، في مرحلة ما قبل احتلال التنظيم المتطرف للمدن، لكن من المؤسف وعلى الرغم من هذه الرؤى الرسمية المبشرة بالخير، يبدو واضحا ان استمرار حضور الطائفية والقومية بقوة في صراع تشكيل الحكومات العراقية منذ 2003، هو العائق الرئيسي لإصلاح بناء الدولة، حيث ترجمت آليات تشكيل الحكومة الحالية وكسابقاتها، قدرة الائتلافات الرئيسية، العربية بشكلها الطائفي ـ السني الشيعي، والقومي الكردي في تقرير طبيعة الدولة، حيث كان للتكتلات الشيعية النصيب الأوفر في الحصول على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب، وبالتالي استمرار جعل العملية السياسية الوطنية والديمقراطية، رهينة لتشكيل الحكومة الجديدة، ومن ثم إكمال جريمة هدم الدولة الوطنية العراقية، توافقا مع ما يتمناه البعض من الأعداء والأشقاء لبقاء العراق في الخريطة الشرق أوسطية، حيث ترجمت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العلنية في رده عن سؤال يتعلق بمستقبل العراق، في ان «الدولة التي تهدم لن تعود مرة أخرى» عن حقيقة توافقه وانسجامه مع تصريحات «الأشقاء» والأعداء الأخرى غير المعلنة القابعة في الخفاء. من هنا لم يبق أمام العراقيين سوى البدء بإعادة بناء الدولة العراقية لرد اعتبار العراق المغلوب على أمره، من تأثير أعدائه وزيف تنبؤات بعض أشقائه. فالعراق باق بوجود إرادة شعبية تتيح إلى من له الثقافة الوطنية في شرف تمثيله، فثمة إرادة وطنية عراقية شعبية عابرة للطوائف لتعزيز أواصر التعايش السلمي، واحترام مقدساتهم وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم رهن إرادة العراقيين بالخارج في ما يخص القضايا والمصالح الوطنية، والعمل بإرادة وطنية وقرار عراقي مستقل، ومحاربة الفساد، وإبعاد مؤسسات ودوائر الدولة عن التدخلات السياسية والمحاصصة، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، والاعتماد على العناصر الكفوءة لإدارة العمل باستقلالية ومهنية. لا شك ان التحدي الأكبر الذي سيواجه رئيس الوزراء الجديد، هو بناء دولة المواطنة الحاضنة لكل العراقيين، وعودة النخبة السياسية إلى الانتماء الوطني، بغض النظر عن الولاءات المذهبية والقومية. من هنا تبدو عملية إعادة تصحيح مسار الدولة أكثر تعقيداً وغموضاً، نظرا لاستمرار تأثير الأجندات الخارجية وخطورة أطماعها القومية التاريخية، على الرغم من التطورات الإيجابية الأخيرة للعملية السياسية في العراق من طبيعة العلاقة الأمريكية ـ الإيرانية وقدرتها على التأثير على التدخل الإيراني في العراق والمنطقة، من خلال بدء الحزمة الثانية من العقوبات وأثرها في إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية المؤثرة على المشهد السياسي والاجتماعي العراقي من جهة أخرى. *كاتب عراقي  |
نتنياهو والخيارات الصعبة… والبعد الوجداني الفلسطيني Posted: 21 Nov 2018 01:01 PM PST حريّ التأكيد على أن المجابهة الباسلة لتنظيمات المقاومة الفلسطينية للعدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، استطاعت أن تخلخل أسس الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي القائم. هذا واحد من التداعيات الكثيرة لهذا الصمود على مختلف الأصعدة الفلسطينية والإسرائيلية، العربية والإقليمية أيضا إسرائيليا، سؤالان مهمان أثارتهما المجابهة الباسلة: هل تلجأ إسرائيل لعدوان واسع النطاق على القطاع، أم تكتفي بضربات عسكرية محدودة؟ السؤال الثاني، هل ستجري انتخابات مبكرة في إسرائيل؟ أم يلجأ نتنياهو لفعل المستحيل للإبقاء على حكومته؟ الخياران بالفعل بالنسبة لجوابي كل سؤال أحلاهما مرّ، فكسر قدرة الردع الإسرائيلية، وهو أحد المبادئ الأمنية الإسرائيلية منذ إنشاء دولة الكيان، سيجعل إسرائيل أمام أخطار مستقبلية عديدة، إضافة إلى أنه سيمرّغ الهيبة الصهيونية في التراب. أما الهجوم واسع النطاق على القطاع واحتلاله، فسيكلف إسرائيل غاليا، وليس مضمونا أن تأتي نتائج العدوان مطابقة لتوقعات ذوي الرؤوس الحامية في تل أبيب. بالنسبة لجواب السؤال الثاني، فلم تستطع مناورة ليبرمان واستقالته، ولا ركوبه موجة غالبية الشارع الإسرائيلي (60% منه تقريبا) بالدعوة إلى احتلال غزة، في عنجهية صهيونية واضحة، رافقت إنشاء الدولة الصهيونية على مدى سبعة عقود، لم تستطع إجبار نتنياهو على حلّ حكومته، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، فقد أنقذ تحالف أحزاب المستوطنين «البيت اليهودي» حكومته من الانهيار، بتراجعه عن شرطه البقاء في الحكومة، بتولي زعيمه نفتالي بينيت حقيبة وزارة الحرب خلفا لليبرمان. قرار كتلة «البيت اليهودي» كان مفاجئا للحلبة السياسية الإسرائيلية، بعد أن أبدت الكتلة إصرارا على تولي حقيبة الحرب، بهدف تغيير استراتيجيات جيش الاحتلال تجاه قطاع غزة، حسبما أعلنوه. وهناك الكثير من التفسيرات المفترضة لهذا القرار، من بين هذه التفسيرات النية بتمرير قوانين يسعى لها اليمين الاستيطاني، تتعلق بأنظمة الحكم، منها السماح للوزراء بتعيين المستشارين القضائيين للوزارات، وسن قانون آخر يسمح بسن قوانين نقضتها وتنقضها المحكمة العليا، قوانين كهذه في حالة سنّها ستجبر الحكومة على أن ترتكز على أكثر من 61 نائبا. نظريا، فإن نتنياهو قادر على قيادة حكومته بهذه الأغلبية الضئيلة. لقد سعى نتنياهو لانتخابات مبكرة منذ أشهر طويلة، في محاولة لتجاوز التحقيقات معه بقضايا الفساد، واستباقا لاحتمال تعميق تداعياتها، واتخاذ قرارات بتقديم لوائح اتهام ضده، إلا أنه لمس بشكل واضح أن الجمهور لا يلتفت إلى القضايا التي تلاحقه، بمعنى أنه لا يأخذها على محمل الجد، خلافا لحالات أخرى مع رؤساء حكومات سابقين، لعدة عوامل أهمها، أن القضايا المنسوبة إليه، حسبما ينشر، ليس فيها اتهام بتلقي مبالغ ضخمة، وإنما الحديث عن «هدايا» دسمة مقابل امتيازات ضريبية وتسهيل أعمال. وكما يبدو أن هذا مستوى يشكل فسادا «مقبولا» في الشارع الإسرائيلي. وأمام هذا، سعى نتنياهو إلى استثمار المكاسب السياسية التي حققها له البيت الأبيض، خاصة على صعيد القضية الفلسطينية، وفي القضايا الإقليمية، وأيضا ما يُظهر وكأن مكانة إسرائيل على الساحة الدولية والإقليمية، تتعزز. كل هذا يأتي في ظل ظروف اقتصادية جيدة بشكل خاص للشارع اليهودي، الذي لا يعاني من نسبة بطالة عالية، فيما نسب الفقر لديه مماثلة لنسبها في دول أوروبية كثيرة. مما لا شك فيه، أن إسرائيل شهدت أزمة سياسية بعد انسحاب ليبرمان من الحكومة، احتجاجا على وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات، لكن رئيس الوزراء دعا شركاءه في الائتلاف الحاكم إلى عدم إسقاط الحكومة، كما رفض الانتقادات الموجهة إليه في التعامل مع الفصائل الفلسطينية في غزة، موضحاً أنه «في مثل هذه الظروف لا يوجد مكان للسياسة، ولا مكان للاعتبارات الشخصية». كما أضاف أن «معظم مواطني إسرائيل يعلمون أنني عندما اتخذ قرارات بشأن الأوضاع الأمنية، فإنني أفعل ذلك بطريقة واقعية من أجل أمن وسلامة مواطنينا وجنودنا». أيضا، فإن نتنياهو يواجه الآن امتحان تعزيز الثقة بحكومته بعد أن اهتزت إسرائيل، بعد فشل حملتها الأخيرة على غزة، ما قد يدفعه لشن حرب جديدة على القطاع لتحقيق هذا الهدف. لكن غزة في الظروف الراهنة ليست كما كانت عليه عام 2014، حيث أن هناك واقعا سياسيا وعسكريا جديدا، يفرض معادلات جديدة، قد يقلب حسابات نتنياهو من جديد رأساً على عقب. في خضم المعركة التي يواجهها، تمكن نتنياهو من العثور على حليف موثوق، وهو رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي غادي ايزنكوت، ووفقا لـ»هآرتس»: «على ما يبدو أن الاثنين منسجمان تمامًا». لقد اقترح بعض الوزراء الإسرائيليين، وفقًا لـ»هآرتس» شنّ قتال بدون إرسال قوات برية إلى غزة، وهذا ما عارضه ايزنكوت، موضحًا أن هذا الأمر سيثير حفيظة الفلسطينيين ويدفعهم إلى إحداث أضرار في تل أبيب، ويستمر التصعيد ما سيضطر حكومة الاحتلال في نهاية الأمر إلى إرسال قوات إلى غزة. جملة القول، إن نتنياهو سيفكر مرارا قبل اقتراف جريمة العدوان الواسع على قطاع غزة، رغم كل تهديداته العنجهية مؤخرا، فهو يستطيع أن يبدأ الحرب، لكنه لن يستطيع وضع حدّ لنهايتها، وامتداد تداعياتها، التي ربما ستكون أكبر من كلّ تصوارته، خاصة أن المستويين الأمني والعسكري في إسرائيل يقفان ضد هذه الحماقة. على صعيد «الجانب الوجداني في الثورة الفلسطينية»، فقد كتبنا سابقا عن إهمال الحركة الصهيونية للعديد من الجوانب عند اختيارها فلسطين لبناء وطنها القومي فيها مثل: تاريخ وحقيقة النضال الفلسطيني في كسر كل الغزوات التي حاولت استعمار واحتلال الأرض الفلسطينية، وخروجها طريدة منكسرة. الفضل يعود في ذلك لنضال الشعب الفلسطيني العربي الكنعاني الأصيل أولا، وارتباطه اللامحدود بأرضه ثانيا. وقد ساهمت في هذا الارتباط، عوامل كثيرة، منها ما هو مرتبط بعوامل موضوعية وأخرى ذاتية، غير أن أحدا لم يكتب عن الجانب الروحي الوجداني في الثورات الفلسطينية على مدى تاريخ النضال الوطني، والذي يكمن في خلفية : الارتباط بالأرض، والتمسك بها، والاستعداد العالي للتضحية في سبيلها، كما كل المظاهرالإيجابية الأخرى التي نراها واضحة جلية في شعبنا. منذ أسبوعين، لفت انتباهي تصريح لنتنياهو يقول فيه، «بأنه لا تنفع مع العرب، غير لغة العصا والقوة، وأن الحديث عن احتلال إسرائيلي لما يسمى بأرض فلسطينية ليس أكثر من ترّهات». ويضيف رئيس الوزراء الصهيوني «مغرّدا»، على مدى التاريخ، احتلت دول كبيرة أراضي دولٍ أخرى، وأبدلت سكانها، ولم يتكلم أحد فلماذا ينعقون بأن إسرائيل تحتل أرضا أخرى، وهي في الحقيقة استعادت أرضها؟». نتنياهو كمغتصب مثل كل قادة حركته الصهيونية الرجعية الفاشية، لا يأخذ بعين الاعتبار الجانب الروحي في مقاومة الفلسطينيين لفعل الاحتلال الكولونيالي، الاغتصابي، الاستيطاني الاحتلالي للوطن الفلسطيني. الوجدان هو في مجموعه، أحاسيس وعواطف وانفعالات واتجاهات وميول معنوية، تفرض نفسها على الإنسان، في تفاعل سلوكي مع مظاهر مرئية حياتية، يحدده الفعل، الأمر الذي يولّد ردود فعل لدى الآخر، متماهية أو مناقضة في طبيعتها بالطبع، للفعل السلوكي للمعتدي، ما يؤدي إلى خطوات فعل قِيَميّة بعد إدراكها حسيّا وعقليا ومعرفيا، فتمر والحالة هذه، في مراحل تمحيصية حتى تتحول إلى قيمة عليا، وينبني عليها بعد ذلك، الرأي الحاسم المسلكي المتولد عن قناعة، بعد التقدير بالطبع. من هنا يمتلك الإنسان قدرة فائقة على تحمل العذابات والصعاب، كقيم سامية في سبيل تحقيق القيمة الأكبر، التي يسعى الإنسان من أجلها. لكل ذلك يتحمل الفلسطيني كلّ عذابات الشتات واللجوء في سبيل استرداد وطنه كقيمة كبرى (هدف) )في حياته. من هنا تسأل طفلا فلسطينيا في إحدى قرى روسيا، اليابان، أمريكا أو كندا وغيرها: من أين أنت؟ فيجيبك أنا من الطيرة، أو كفر قاسم، أو عيلبون من يافا، من جلجولية أو أم الفحم. بالتالي، فإن أساس هذه الظاهرة هو الجانب الوجداني الروحي لدى شعبنا الفلسطيني في ارتباطه بوطنه، بقريته التي لا يعرفها. هذا أيضا يكمن في خلفية حمل الفلسطيني لمفتاح بيته، الذي هجّر منه قسرا وعنوة، كما سرّ احتفاظ أحفاده به، وإجلاله لحد التقديس… فهو من رائحة الأرض التي نسعى لتحريرها. ليس هذا بنوستالجيا لذكريات عابرة، بل هو في الذهنية الفلسطينية حتى تحرير الأرض ونيل الحقوق كاملة غير منقوصة. هذا البعد الوجداني لا يمكن لمحتلين أن يشعروا به، لأن الأخيرين سيظلون يفتقدون الانتماء للأرض التي اغتصبها مشروعهم، حتى لو قوّلوا الله ما لم يقله من أضاليل وأساطير وخرافات يسوّغون بها كولونياليتهم الاحتلالية لها. *كاتب فلسطيني  |
ترامب يلمع محمد بن سلمان Posted: 21 Nov 2018 01:00 PM PST |
زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب والتذكير بما لا ينبغي نسيانه Posted: 21 Nov 2018 01:00 PM PST زيارة رئيس الحكومة الجديد الإشتراكي بيدرو سانشيس للمغرب يوم الإثنين 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 تشكّل حدثاً بارزاً في العلاقات الثنائية بين البلدين نظراً للتقليد الذي دأبت عليه إسبانيا في أن يقوم أيّ رئيس حكومة تسلّم مقالد الحكم بأوّل زيارة له للخارج نحو المغرب، هذه الزيارة الهامّة في حدّ ذاتها، فضلاً عن المستجدّات التي تعرفها إسبانيا تدفعنا إلى إلقاء إطلالة على بعض المشاكل، والقضايا التي لمّا تزلْ عالقة بين البلدين الجارين، فضلاً عن سبرالماضي المشترك بينهما بما فيه موروثاتهما الثقافية، والحضارية، والتاريخية المتنوّعة التي تقاسمها الشعبان المغربي والإسباني على جانبي الضفّتين الأوروبية الجنوبية، والإفريقية الشمالية، كنموذج متميّز للتعاون والتفاهم، والتقارب في المنطقة للتعايش،واحترام الجوار، والإندماج، وإستئثار الحوار، بدل التناوش والتشاكس، وامتطاء صهوة التفاهم والتصافي، بدل ركوب حدبة التـعنّت والتجـافي!. ينبغي التذكير في هذا القبيل أنه في الأول من حزيران/يونيو الفارط سحبَ البرلمان الإسباني الثقة عن رئيس الحكومة الإسبانية السابق «ماريانو راخوي» بعد إدانة حزبه بسلسلة من فضائح الفساد الإدارية المتوالية، وعمليات تبييض الأموال، وإختلاسها، وتهريبها خارج اسبانيا، والحصول عليها بطرقٍ غير مشروعة، فضلاً عن التلاعب بصفقات مالية سرية كبرى غير واضحة المصدر داخل الحزب،وقد طفح الكيل بفضيحة الفساد الشّهيرة التي أطلق عليها «غورتل» التي كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير حيث واجه حزب راخوي فضائح فساد لا حصر لها، أدين فيها على نطاق واسع العديد من الوزراء، وكبار المسؤولين الإسبان السابقين المنتمين للحزب الشعبي الحاكم حتى 31 مايو(أيار) 2018،كانت آخرهم وزيرة الدفاع السابقة، والسكرتيرة العامة للحزب الشعبي الإسباني والمرأة القوية في هذا الحزب Dolores de Cospedal Maria التي أُرْغِمت على الإستقالة من منصبها الرّفيع في الحزب وكنائبة في البرلمان الإسباني الذي كان قد تبنّى ملتمس سحب الثقة عن ماريانو راخوي بأغلبية 180 صوتاً من أصل 350 بعد أن أقنع الحزب الإشتراكي مجموعة من الأحزاب اليسارية الراديكالية في طليعتها حزب» «بوديموس» (نستطيع)، وأحزاب الإنفصاليين الجهويين في كاتالونيا، والباسكيين القومييّن، واليسار الموحّد،وآخرين، وقد أصبح راخوي أوّل رئيس حكومة يتمّ إسقاطه بملتمس حجب الثقة منذ عودة الديموقراطية إلى اسبانيا 1977. وطويت بذلك صفحة من تاريخ اسبانيا بعد أن صمد راخوي أمام أزماتٍ حادّة ممّا اضطرّه إلى فرض إجراءات تقشفية، فضلاً عن الشّلل السياسي الذي شهدته البلاد خلال عام 2016، وتصدّيه لمحاولات انفصال إقليم كاتـالونيا،كلّ ذلك أفضى إلى إسقاط الحكومة التي كان يرأسها،وتسلّم رئيس حكومة جديد لسدّة الحُكم مُمثلّا في الكاتب العام «للحزب الإشتراكي العمّالي الإسباني» بيدرو سـانشيس. ماض مشترك إنّ إسبانيا والمغرب بحكم موقعهما المتميّز، كبلدين جاريْن، يجمعهما «ماضٍ» حضاريّ تقاسماه، و«ثقافةٍ» رفيعةٍ نَسَجَا خيوطها معا، و«إشعاعٍ» متألق انصهرا في بوتقته، وبحكم «الحاضر» الواعد الذي يعيشانه، و«المستقبل» الذي يتطلّعان إليه، كلّ ذلك يجعل منهما طرفيْن واعييْن كلّ الوعي بالدّور الحيوي المنوط بهما لتحقيق المزيد من التقارب، والتعاون، والتفاهم، والتداني، ونَسْج عُرَى صداقة أوثق، وترسيخ أواصر مودّة أعمق بينهما. العناصرالصالحة المشتركة لمورثاتهما الحضارية، والتاريخية، والثقافية، تحفزهما لوضع قاطرة التعاون الثنائي بينهما على السكّة الصّحيحة، لتقريب المسافات، واستغلال كلّ العناصر الإيجابية بينهما، في عصرٍ أصبحت فيه التكتّلات الاقتصاديّة، والسياسيّة، والبشريّة، والاجتماعية، والإنسانيّة بين الدّول والشعوب تتبلور بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك لزيادة تقوية الأرضية الصّلبة لعلاقاتهما المتينة، وتعزيز أوجه التعاون بينهما في مختلف المجالات. كلّ ذلك ينبغي أن يواكبه تبادلٌ ثقافيٌّ متنوّع، وتعاون علمي مكثّف يزيدهما تعارفاً، وتقارباً، ويشكّلّ هذا الجانب المشترك الزّاخر بينهما أرضية صلبة، وحقلًا خصباً ممّا جعلهما ينفردان بخصوصّيات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى، الشيء ممّا أفضى إلى خلق نوع من الإستمرارية والتواصل الدائمين في علاقات البلدين منذ عدّة قرون، إذ يرجع التبادل الدبلوماسي بينهما منذ القرن السّابع عشر حيث بدأ بشكلٍ إنفرد به المغرب، وكان له قصب السّبق في هذا المضمار. أحكام نمطيّة خاطئة ما فتئ المثقفون الإسبان والمغاربة يؤكّدون على الدّور المحوري الذي تلعبه الثقافة على وجه الخصوص في توثيق العلاقات بين البلدين، حيث اضطلعوا في العقود الأخيرة بدور طلائعي في تطوير، وتفعيل وتقوية العلاقات الثنائية بينهما منذ تأسيس «مجموعة المثقفين الإسبان والمغاربة» التي ضمّت صفوةً من الكتّاب، والأدباء، المغاربة والإسبان، (40 مثقفاً من المغرب (منهم صاحب هذا المقال) و46 مثقفاً من إسبانيا) الذين طالبوا بضرورة تحريك العلاقات الإسبانية المغربية، وإعطائها نفساً جديداً، وإذكاء روح التفاهم والحوار بينهما، وتصحيح الصّورالنمطية الخاطئة لدى السّواد الأعظم من الإسبان حول المغرب والعالم العربي بشكل عام. لقد أصبح الإهتمام في الضفتين بثقافة البلدين يتنامى اليوم بشكلٍ مُرضٍ بينهما، خصوصاً في أوساط النّخب الثقافية، وكذا عند فئات واسعة من الجمهور، إنّ الاقبال المتزايد للإسبان على زيارة المغرب للسياحة أو العمل أو الاستثمار، وزيارة المغاربة لإسبانيا للسياحة أو للدراسة أو العمل من شأنه أن ينسج جسورَ الاهتمام لمعرفة واقع وثقافة وتاريخ البلد الآخر. وينبغي على الطرفيْن التصدّي للأحكام المسبّقة المغلوطة التي لا تقدّم صّورتهما الحقيقية، والتي تنتشر أساساً لدى الشرائح ذات الثقافة المحدودة،وبالتالي فالوسيلة الوحيدة لمحو هذه التصوّرات هي العمل سوياً على واجهات التربية، والثقافة، والفنون وتعبئة مختلف وسائل الاعلام قصد نشر الصّورة الحقيقية عن البلدين وصقلها، وتقديمها بالشكل الصّحيح. العلاقات الثنائية مع عودة «الحزب الإشتراكي العمالي الإسباني» للحكم في اسبانيا الذي تربط المغرب علاقات وطيدة مع العديد من زعمائه السّابقين الذين تعاقبوا على رئاسة حكومات اشتراكية أمثال غونساليس، وثاباتيرو، وروبالكابا (الذي تولّى منصب نائب رئيس حكومة ثاباتيرو)، وحالياً بيدرو سانشيس ممّا يستدعي ضرورة تحسين، وتقوية العلاقات الثنائية بين الطرفين، نظراً للظرفية الحالية التي يجتازها البلدان في مختلف المجالات السياسية، والأمنية، والإقتصادية، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظَّمة، والاتّجار في المخدرات، ومُعضلة الضغط المتزايد للهجرة غير الشرعية التي تفاقمت في المدّة الأخيرة من إفريقيا جنوب الصّحراء ومكافحتها، والقضاء على آفة البطالة، والتقريب بين الفوارق الإجتماعية، وضمان الحريّات العامّة، والضرورة المُلحّة لصَوْن حقوق الإنسان بشكلٍ جدّي وشفّاف، والدفاع عن المصالح العليا المشتركة بينهما. وبغضّ النظر عن اللون السياسي السّائد في إسبانيا، فإنّ البلدين مطالبان للعمل سويّاً من أجل إستشراف آفاق المستقبل، أخذاً بعين الإعتبار الموقع الجيو- إستراتيجي الممتاز للمغرب كبوّابة لإفريقيا والعالم العربي، وكذلك الموقع المتميّز لإسبانيا كبوّابة لأوروبا، وإعطاء دفعة قوية للعلاقات الثنائية بينهما في شتىّ المجالات، فالمكانة التي تحتلها إسبانيا لدى المغاربة كبلد تربطها بهم العديد من الأواصر التاريخية الوثقى، والثقافية، والإنسانية، والاقتصادية، والخصائص المشتركة بينهما تقدّم الدليل على أنّ عوائق المدّ والجزر، والأخذ والردّ، والفتق والرّتق التي قد تعرفهما العلاقات الثنائية في بعض الأحيان لا يمكن أن تؤثّر على الثوابت التي تقوم عليها روابط البلدين. ولا شكّ أنّ الرّغبة لديهما ملحّة لإضفاء دينامية جديدة على هذه العلاقات، وسبر آفاق التعاون، وتوطيد دعائم شراكة إستراتيجية للمستقبل في مختلف المـجالات. وليس من باب الصّدفة أن يصبح المغرب شريكاً إقتصادياً إستراتيجياً مرموقاً لإسبانيا على المستوى الإفريقي، كما أنه ليس اعتباطاً من جهةٍ أخرى، أن تصبح إسبانيا الشريك الأوّل للمغرب على المستوى الخارجي وواحدة من المستثمرين الرئيسييّن فيه، إلى جانب فرنسا، ولقد حققت إسبانيا هذه الغاية بفضل الفرص الهائلة التي يوفّرها المغرب، البلد المنفتح على العالم لفائدة المقاولين، والصنّاع، والمستثمرين الإسبان وغير الإسبان. هذا الزّخم في العلاقات القائمة في الوقت الراهن بين البلدين يعكسه كذلك تطوّر ملموس، وهائل في تعاونهما الثنائي في مختلف المجالات، وهما يستشرفان آفاقاً جديدة للتعاون لرفع التحدّيات العديدة للقرن الذي يعيشان في كنفه. وذلك نظراً لتقاسم البلدين لرؤىً سياسية متناغمة بشأن مختلف القضايا الإقليمية، والدولية، ومراعاة منهما لمصالحما المشتركة، ولا شك أنّ زيارة رئيس الحكومة الإسباني الجديد للمغرب من شأنها أن تعزّز أواصر هذا التعاون، وروابط الصداقة القائمة بين البلدين الجاريْن. كاتب وباحث من المغرب  |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق