Translate

التوقيت العالمي

احوال الطقس

تحيه

islammemo

سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ

الْوَصِيَّةُ الثَّامِنَةُ وَالأَرْبَعُونَ « سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ » عَنْ شدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِي لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِ مَا صَنَعْتُ ، أَبْوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ بَذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ » مَنْ قَالَهَا في النَّهَارِ مُوقِنَاً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَومِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . 1- أَصْـبَحْنا وَأَصْـبَحَ المُـلْكُ لله وَالحَمدُ لله ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ المُـلكُ ولهُ الحَمْـد، وهُوَ على كلّ شَيءٍ قدير ، رَبِّ أسْـأَلُـكَ خَـيرَ ما في هـذا اليوم وَخَـيرَ ما بَعْـدَه ، وَأَعـوذُ بِكَ مِنْ شَـرِّ هـذا اليوم وَشَرِّ ما بَعْـدَه، رَبِّ أَعـوذُبِكَ مِنَ الْكَسَـلِ وَسـوءِ الْكِـبَر ، رَبِّ أَعـوذُبِكَ مِنْ عَـذابٍ في النّـارِ وَعَـذابٍ في القَـبْر. 2- اللّهُـمَّ بِكَ أَصْـبَحْنا وَبِكَ أَمْسَـينا ، وَبِكَ نَحْـيا وَبِكَ نَمـوتُ وَإِلَـيْكَ النِّـشور . 3- اللّهـمَّ أَنْتَ رَبِّـي لا إلهَ إلاّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنـي وَأَنا عَبْـدُك ، وَأَنا عَلـى عَهْـدِكَ وَوَعْـدِكَ ما اسْتَـطَعْـت ، أَعـوذُبِكَ مِنْ شَـرِّ ما صَنَـعْت ، أَبـوءُ لَـكَ بِنِعْـمَتِـكَ عَلَـيَّ وَأَبـوءُ بِذَنْـبي فَاغْفـِرْ لي فَإِنَّـهُ لا يَغْـفِرُ الذُّنـوبَ إِلاّ أَنْتَ . 4- اللّهُـمَّ إِنِّـي أَصْبَـحْتُ أَُشْـهِدُك ، وَأُشْـهِدُ حَمَلَـةَ عَـرْشِـك ، وَمَلائِكَتِك ، وَجَمـيعَ خَلْـقِك ، أَنَّـكَ أَنْـتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ وَحْـدَكَ لا شَريكَ لَـك ، وَأَنَّ ُ مُحَمّـداً عَبْـدُكَ وَرَسـولُـك .(أربع مرات ) 5- اللّهُـمَّ ما أَصْبَـَحَ بي مِـنْ نِعْـمَةٍ أَو بِأَحَـدٍ مِـنْ خَلْـقِك ، فَمِـنْكَ وَحْـدَكَ لا شريكَ لَـك ، فَلَـكَ الْحَمْـدُ وَلَـكَ الشُّكْـر . 6- اللّهُـمَّ عافِـني في بَدَنـي ، اللّهُـمَّ عافِـني في سَمْـعي ، اللّهُـمَّ عافِـني في بَصَـري ، لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ . (ثلاثاً) اللّهُـمَّ إِنّـي أَعـوذُبِكَ مِنَ الْكُـفر ، وَالفَـقْر ، وَأَعـوذُبِكَ مِنْ عَذابِ القَـبْر ، لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ . (ثلاثاً) 7- حَسْبِـيَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ عَلَـيهِ تَوَكَّـلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظـيم . ( سبع مَرّات حينَ يصْبِح وَيمسي) 8- أَعـوذُبِكَلِمـاتِ اللّهِ التّـامّـاتِ مِنْ شَـرِّ ما خَلَـق . (ثلاثاً إِذا أمسى) 9- اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ العَـفْوَ وَالعـافِـيةَ في الدُّنْـيا وَالآخِـرَة ، اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ العَـفْوَ وَالعـافِـيةَ في ديني وَدُنْـيايَ وَأهْـلي وَمالـي ، اللّهُـمَّ اسْتُـرْ عـوْراتي وَآمِـنْ رَوْعاتـي ، اللّهُـمَّ احْفَظْـني مِن بَـينِ يَدَيَّ وَمِن خَلْفـي وَعَن يَمـيني وَعَن شِمـالي ، وَمِن فَوْقـي ، وَأَعـوذُ بِعَظَمَـتِكَ أَن أُغْـتالَ مِن تَحْتـي . 10- اللّهُـمَّ عالِـمَ الغَـيْبِ وَالشّـهادَةِ فاطِـرَ السّماواتِ وَالأرْضِ رَبَّ كـلِّ شَـيءٍ وَمَليـكَه ، أَشْهَـدُ أَنْ لا إِلـهَ إِلاّ أَنْت ، أَعـوذُ بِكَ مِن شَـرِّ نَفْسـي وَمِن شَـرِّ الشَّيْـطانِ وَشِـرْكِه ، وَأَنْ أَقْتَـرِفَ عَلـى نَفْسـي سوءاً أَوْ أَجُـرَّهُ إِلـى مُسْـلِم. 11- بِسـمِ اللهِ الذي لا يَضُـرُّ مَعَ اسمِـهِ شَيءٌ في الأرْضِ وَلا في السّمـاءِ وَهـوَ السّمـيعُ العَلـيم . (ثلاثاً) 12- رَضيـتُ بِاللهِ رَبَّـاً وَبِالإسْلامِ ديـناً وَبِمُحَـمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّـاً . (ثلاثاً) 13- سُبْحـانَ اللهِ وَبِحَمْـدِهِ عَدَدَ خَلْـقِه ، وَرِضـا نَفْسِـه ، وَزِنَـةَ عَـرْشِـه ، وَمِـدادَ كَلِمـاتِـه . (ثلاثاً) 14- سُبْحـانَ اللهِ وَبِحَمْـدِهِ . (مائة مرة) 15- يا حَـيُّ يا قَيّـومُ بِـرَحْمَـتِكِ أَسْتَـغـيث ، أَصْلِـحْ لي شَـأْنـي كُلَّـه ، وَلا تَكِلـني إِلى نَفْـسي طَـرْفَةَ عَـين . 16- لا إلهَ إلاّ اللّهُ وحْـدَهُ لا شَـريكَ لهُ، لهُ المُـلْكُ ولهُ الحَمْـد، وهُوَ على كُلّ شَيءٍ قَدير . (مائة مرة) 17- أَصْبَـحْـنا وَأَصْبَـحْ المُـلكُ للهِ رَبِّ العـالَمـين ، اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ خَـيْرَ هـذا الـيَوْم ، فَـتْحَهُ ، وَنَصْـرَهُ ، وَنـورَهُ وَبَـرَكَتَـهُ ، وَهُـداهُ ، وَأَعـوذُ بِـكَ مِـنْ شَـرِّ ما فـيهِ وَشَـرِّ ما بَعْـدَه . أخرجه البخاري

موقع قراء القران الكريم

قناه الرحمه

نصرة النبي صلى الله عليه وسلم

الجمعة، 23 نوفمبر 2018

Alquds Editorial

Alquds Editorial


«تجديد الفكر الديني» على الطريقة السيسيّة!

Posted: 22 Nov 2018 01:15 PM PST

دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علماء الأزهر لـ«تجديد الخطاب الديني» في خطاب كان أشبه بالتعنيف والزجر قال فيه: «ألا ترون كيف ينظر العالم إلى الإسلام والمسلمين؟ يا ترى سمعة المسلمين إيه في العالم؟». وكشف السيسي عن سبب سوء سمعة المسلمين ونظرة العالم السيئة للإسلام بتحديده المشكلة وهي «القراءة الخاطئة لأصول ديننا»، معقبا: «إحنا رايحين في اتجاه بعيد قوي».
اتخذت الدعوة لـ«تجديد الخطاب الديني» لدى السيسي مساراً متصاعداً بدأ في كانون الثاني/يناير 2015 خلال احتفال لوزارة الأوقاف والأزهر بالمولد النبوي، وتردد بعدها في مناسبات كثيرة منها كلمته في منتدى دافوس الاقتصادي في الشهر نفسه من ذاك العام (أي أن الرسالة هذه المرة كانت موجهة لذلك العالم «الذي ينظر إلينا نظرة سيئة») قال فيها إنه يريد «تنقية الخطاب الديني من الأفكار التي أدت إلى التطرّف والإرهاب»، وبعد ذلك في كلمة لطلبة الكلية الحربية يطالبهم فيها «بمواجهة الفكر المتطرف بكل قوة» منبها إلى «أن الفكر الخاطئ ليس له مكان على أرض مصر»، وفي لقاء مع دارسين في البرنامج الرئاسي المصري لتأهيل الشباب للقيادة عام 2016 يشير إلى أن مسؤولية التجديد «مشتركة بين الدولة والمجتمع»، ثم في مؤتمر للشباب بشرم الشيخ في العام نفسه وطالب فيه «بوضع أسس سليمة لتصويب الخطاب الديني في إطار الحفاظ على الهوية المصرية».
شيخ الأزهر محمد الطيب (ومؤسسة الأزهر من ورائه) وجد نفسه هدفاً لهجمات شرسة من قبل ساسة وبرلمانيين وإعلاميين مناصرين للسيسي، لتحقيق أحلام الرئيس «المجدّد»، أما ما هو هذا «التجديد» المنوط به، وكيف سيساهم في تصحيح «القراءة الخاطئة لأصول ديننا» ويبدّد السمعة السيئة للمسلمين والإسلام فهذا أمر غامض حقّاً إضافة إلى كونه ذهابا «في اتجاه بعيد قوي» عن أسباب الأزمات الحقيقية التي تعاني منها مصر ودول الإسلام والمسلمين.
بعض الهجمات الإعلامية والسياسية تحرّض باتجاه فصل القرآن عن السنّة النبوية، أما خطابات السيسي فتتحدث عن «تنقية الخطاب الديني» ما يفهم منه الطلب من الأزهر وقف اعتماده بعض كتب الأحاديث النبويّة (كصحيح البخاري مثلا)، أو «تنقيح» ما فيها من أحاديث قد تستخدم في فتاوى الجهاد أو محاربة الحاكم الظالم (مثلا)، فيما يوجّه خطابه لطلبة الكلية الحربية نحو «مواجهة الفكر المتطرّف بقوة»، وهو ما يُترجم ضمن سياسات النظام المصري الأمنية لاجتثاث «الإخوان المسلمين»، أما خطابه لمؤتمر الشباب فيفهم كتوجيه ضد العنف الطائفيّ.
«الفريضة الغائبة» في كل هذه الخطابات المتناقضة هي توجيه الأنظار بعيداً عن أسّ المعضلات الحقيقية في مصر وهي قضية الاستبداد وما يتفرّع عنه من انتهاكات عظمى تطال المسلمين وغير المسلمين في مصر، وقضية إرهاب الدولة الذي هو أب كل أشكال الإرهاب والتطرف.
بتركيزه الهجوم على الأزهر، الذي ليس مسؤولا عن الأمن والتعليم والصحة والتنمية، يزيح السيسي ومناصروه مسؤولية «الإساءة إلى سمعة الإسلام والمسلمين» عنهم ويضعونها على مؤسسة تعليمية وعلى كتب موجودة منذ 1200 عام، أو على تنظيمات كـ»الإخوان»، الذين ما زالوا يتعرّضون لحملات القمع والبطش منذ خمسينيات القرن الماضي، وبدلاً من العمل على احتوائهم ضمن النظام السياسي والسماح لهم بالعمل الديمقراطي والمدني، قامت الدولة العسكرية ـ الأمنية للسيسي بالزج بقياداتهم وأعضائهم في السجون، وهو ما أغلق الباب على الحراك المدني والسياسي وفتح الباب لتنظيمات الإرهاب المضاد لإرهاب الدولة كتنظيم «الدولة الإسلامية» ونظائره.
مفروغ منه أن أتباع «الطريقة السيسيّة» المتحمسين هم ضباط الجيش والأمن المستفيدون من النظام، والساسة الذين يعتاشون على «الميري» (رواتب الدولة ووظائفها)، والإعلاميون الكذبة الذين يعرفون الحقيقة ولكنّهم يحرصون على تجهيل الناس مدّعين «تنويرهم» بالدعوة إلى «تجديد الفكر الديني» بينما المشكلة هي كنس نظام الاستبداد وفتح الباب للديمقراطية وعندها سيتكفّل المسلمون أنفسهم بـ«تجديد» فكرهم الديني وليس بقرارات الرئيس.

«حكماء كالحيّات»: تكافل الثلاثي ترامب/ نتنياهو/ بن سلمان

Posted: 22 Nov 2018 01:14 PM PST

هل يحقّ للمعلق الأمريكي المعروف توماس فردمان التمتع بالحكمة الشهيرة، عمّن يأتي متأخراً فيكون خيراً من ألا يأتي البتة؛ وذلك في معرض نقده اللاذع لمسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تبرئة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من دم جمال خاشقجي؟ وهل يصحّ أن يكون مقاله الأخير في «نيويورك تايمز»، تحت العنوان الدراماتيكي «تنزيلات ترامب في يوم الجمعة السوداء: نفط، أسلحة، وأخلاق»، بمثابة غسيل لمقالات سابقة تلطخت بمدائح غنائية للأمير ــ القاتل، إياه، الذي يحاول ترامب غسل يديه من الجريمة ــ واستبشارات بما سيحمله للمملكة من «إصلاحات» و«رؤى»؟
وبالطبع، النفي هو الإجابة التلقائية إذا استند المرء إلى القواعد الأبسط في أية مدونة أخلاقية؛ ولكنه، في المقابل، سؤال نافل لأنّ سوابق فردمان في التقلّب والتبدّل والتسويغ والتسويف، لا تعدّ ولا تُحصى، من جانب أوّل. وأمّا الجانب الثاني في المعادلة فإنه، ببساطة، ذلك الاستطراد المرتبط عضوياً بالسؤال الأصلي: ولكن، من جانب ثانٍ، مَن الذي بينهم، رؤساء الولايات المتحدة وتسعة أعشار معلّقيها المشاهير، كان بلا خطيئة، كي يستحقّ فضيلة الشكّ، أو هامش السماح، أو حتى حقّ الوصول إلى المشهد متأخراً؟ وفي ما يخصّ المملكة العربية السعودية، ولائحة «التنزيلات» دون سواها، أيّ رئيس أمريكي خالف العرف الشائع، منذ هاري ترومان وحتى ترامب، بصدد المليارات في عقود المشتريات، والتواطؤ على عشرات الملفات ذات الصلة بـ«القيم» الأخلاقية الأمريكية، كما سرد تفاصيلها الكاتب الأمريكي روبرت باير في كتابه «الذهاب إلى الفراش مع الشيطان: كيف باعت واشنطن أرواحنا مقابل الخام السعودي».
وقد يجادل البعض، ليس دون قرائن وجيهة، أنّ «امتياز» ترامب عن سواه من رؤساء أمريكا السابقين، في ما يخصّ ملفّ المقايضات الأمريكية ــ السعودية، هو أنه يميل إلى الصراحة والوضوح وتسمية الأشياء بمسمياتها؛ وعندما يتصل الأمر بشعار «امريكا أوّلاً»، بصفة محددة. حول مقتل خاشقجي، ليس للمرء أن يطمع في تصريحات أكثر انطواء في السطح على ما هو دفين في الباطن: قد يكون بن سلمان على علم بالجريمة (وهذا تقدير وكالة المخابرات المركزية أيضاً)؛ وقد لا يكون (وهذه رغبة البيت الأبيض)؛ ولكن، في الحالتين، ما همّ شعار أولوية أمريكا؟ ومَن يكترث بمعاقبة أمير سوف يضخّ 450 مليار دولار في استثمارات شتى داخل الاقتصاد الأمريكي، بينها 110 مليارات على هيئة عقود سلاح؟ وأيّ «أهبل»، وفق قراءة ترامب، يمكن أن يضحي بهذه المليارات، أو يرسلها إلى روسيا والصين، مقابل صحافي يدعى جمال خاشقجي، لا يحمل حتى الجنسية الأمريكية؟

مَن يكترث بمعاقبة أمير سوف يضخّ 450 مليار دولار في استثمارات شتى داخل الاقتصاد الأمريكي، بينها 110 مليارات على هيئة عقود سلاح؟

وهكذا، للمرء أن يدع جانباً ماضي فردمان في التهليل لبرامج بن سلمان «الإصلاحية»، وليذهب في المقابل إلى ما كتبه أمس، في نيويورك تايمز» ذاتها، مايكل دوران الزميل في «معهد هدسون»، وتوني بدران الزميل الباحث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»؛ تحت عنوان «ترامب فظّ، ولكنه على حقّ بصدد السعودية». هنا زبدة الرأي وخاتمته أيضاً: «النصيحة التوراتية، أنْ 'كونوا حكماء كالحيّات، وبسطاء كالحمائم'، توفّر استشارة صائبة لكلّ مَنْ يريد أن يرى مبادئه تؤثر في العالم. ونصيحة ناقدي السيد ترامب طويلة في الأخلاق المجردة، وقاصرة في الحكمة الستراتيجية». والأرجح أنّ الكاتبين لم يكونا على جهل، بادئ ذي بدء، بأنّ الإشارة إلى التوراة (من العهد الجديد في الواقع، إنجيل متى 10:16: «ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام»)؛ تستكملها هذه، في الإصحاح ذاته: «فلا تخافوهم. لأنْ ليس مكتومٌ لن يُستعلن، ولا خفيٌّ لن يُعرف».
في عبارة أخرى، لن يطول الزمان حتى تتكشف كل الحقائق وأدقّ التفاصيل، حول مسؤولية بن سلمان المباشرة عن إصدار الأمر بتصفية خاشقجي جسدياً، وبالتالي سوف يُستعلن المكتوم ويُعرف الخفيّ؛ وسوف يصبح تصريح ترامب، التالي، مثالاً نادراً على خروجه عن عادة شخصية مأثورة، في تسمية الأشياء بمسمياتها: «الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان أنكرا بقوّة أي علم بالتخطيط لجريمة خاشقجي أو تنفيذها. وكالات استخباراتنا تواصل تقييم كلّ المعلومات، ولكن يمكن بالفعل أن يكون ولي العهد على معرفة بتلك الواقعة المأساوية، لعله عرف بها أو لعله لم يعرف».
دوران وبدران على حقّ، إلى هذا، في التذكير بأنّ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما اختارت انعطافة محورية نحو إيران، فأغمضت الأعين عن المذابح التي ارتكبتها في سوريا موسكو وطهران وأتباعها، كما أعادت إلى آلة الحرب الإيرانية مليارات لا حصر لها. اللائحة، مع ذلك، يتوجب أن تتسع لأمثال الفليبيني رودريغو دوتيرتي، والمصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، والسعودي محمد بن سلمان؛ وهذه لائحة تستعرضها سامنثا باور، السفيرة الأسبق للولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، ولا يلوح أنّ المستشهدَين بالعهد الجديد يساجلان ضدّها؛ ليس دون تمييز ذرائعي أقصى: «طيلة 75 سنة احتمت المملكة بمظلة أمنية أمريكية مريحة، وفّرتها الولايات المتحدة لأنّ السعوديين ونفطهم لعبوا دوراً محورياً ستراتيجيات أمريكا الاقتصادية».
وثمة جانب ثالث في المسألة، هو تلك الحال من التكافل والتضامن بين ترامب، في الرأس الأوّل للمثلث؛ ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في رأسه الثاني؛ والأمير بن سلمان، في الرأس الثالث… لجهة القاعدة السفلى أغلب الظنّ! وليس المتنبه لجوهر تلك الحال واحداً من «المشبوهين المعتادين»، كارهي سياسات رؤوس المثلث؛ بل نقرأه لدى معلق إسرائيلي مخضرم مثل تسفي برعيل، الذي كتب في «هآرتز» أنّ العلاقة بين نتنياهو وترامب «تشبه تلك التي تجمع بين لصوص الأحصنة»، كلّ يغطي على الآخر؛ وفي قضية خاشقجي تحولت دولة الاحتلال إلى مستشار لزعيم المافيا، ترامب، فتدخلت لديه كي يخفف الضغط على بن سلمان. ولم يتأخر ترامب بالطبع، إذْ أعلن ـ دون اللجوء إلى أية مداراة دبلوماسية ـ أنّ الامتناع عن إلحاق الأذى بالعلاقات الأمريكية ـ السعودية يهدف إلى «ضمان مصالح بلدنا، ومصالح إسرائيل، والشركاء الآخرين في المنطقة كافة».
من جانبه، فإنّ دانييل شابيرو، الزميل الزائر في «معهد دراسات الأمن القومي» في تل أبيب، لا يجد أي حرج يحول دون توقيع مقال بعنوان «لماذا تشكّل جريمة خاشقجي كارثة لإسرائيل»؛ يتضمن جملة من الأسئلة التي تلقي بظلال الشك على «كامل المفهوم الستراتيجي للولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط، بسبب من ربط الكثير من خيوط تلك الستراتيجية بشخص بن سلمان، وعهده الراهن والمقبل معاً. «بالنسبة إلى الإسرائيليين، قد تكون هذه هي اللطمة الأقوى في مفاعيل جريمة خاشقجي. ذلك لأنّ هوس م. ب. س. بإسكات ناقديه دمّر عملياً محاولة بناء إجماع دولي حوله»، سواء في ملفّ «صفقة القرن» أو في ممارسة الضغط على إيران، يكتب شابيرو؛ ويتابع: «الضرر عريض. قد يخرج ترامب عن الصفّ العام، ولكن أيّ عضو في الكونغرس، وأيّ زعيم أوروبي، سوف يكون مستعداً اليوم للجلوس مع م. ب. س.؟».
ليس تماماً، في الواقع، إذْ سوف تبدأ السبحة من محطة بن سلمان الأولى في مصر، بضيافة السيسي؛ ثمّ تكرّ، كما هو منتظَر، مع قمة الـ 20 G في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيريس؛ ومَنْ يدري إذا كانت النبوءات سوف تصدق حول هوية الزعماء الذين سيأنفون عن لقاء بن سلمان، أو ـ على العكس، كما يقول منطق المصالح والذرائع ـ سوف يأخذونه بالأحضان… كأنه، مثلهم، من صنف الحمائم، لا الحيّات!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

كلاكيت: داعش مرة ثانية

Posted: 22 Nov 2018 01:13 PM PST

على الرغم من التقارير المتواترة حول مؤشرات عودة تنظيم الدولة/ داعش مرة ثانية ليشكل خطرا أمنيا في الموصل، وفي غيرها. لكن الحكومة العراقية لا تزال تلتزم الصمت ازاء هذا الموضوع الخطير، في الوقت نفسه تردد القوات العسكرية والأمنية التطمينات نفسها التي كانت ترددها قبل أيام من سيطرة التنظيم نفسه على الموصل في حزيران/يونيو 2014.
وفي ذات السياق، لا تزال الدولة العراقية وعلى جميع مستوياتها ومؤسساتها المختلفة بعيدة تماما عن ان تكون قد تعلمت من درس داعش! حيث تستمر المعادلة التي حكمت إدارة السلطة/ الدولة في العراق على حالها، والواضح ايضا انه لا يوجد إرادة حقيقية للاتفاق على آليات محددة لمعالجة المقدمات التي أوصلتنا إلى داعش في المقام الاول. بل ثمة إصرار على إعادة «ترتيب» المعادلة المختلة القديمة نفسها نحو مزيد من الاختلال، خاصة أن وهم القوة الذي يعيشه البعض يمنعه من تعلم الدرس الحقيقي لما حدث، الأمر الذي قد يعيد إنتاجه بشكل أو بآخر.
لقد تحدثنا طويلا عن ضرورة التمييز بين تنظيم الدولة/ داعش والذي يمثل لحظة في مسار تطور الفكر السلفي الجهادي في سياقه العراقي، وبين ظاهرة داعش بوصفها ظاهرة سياسية/ اجتماعية كانت نتاجا مباشرا لتداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، وما أنتجه من اختلالات في بنية الدولة على المستوى الهوياتي. وأشرنا في كثير من المناسبات انه لا يمكن التعاطي مع ظاهرة داعش/ دولة الخلافة سوى على انها نتيجة للمشكلة السنية في العراق، وهذا يعني أننا بإزاء ازمة سياسية جوهرية، ولسنا امام ازمة أمنية تتعلق بتنظيم سلفي جهادي متطرف. ولا يمكن مع استمرار بقاء هذه الازمة في العراق القضاء على ظاهرة داعش أو القضاء على التطرف بشكل عام.
لقد ركزت المقاربة الدولية، والأمريكية بوجه خاص، في البداية، على ان سقوط الموصل كانت نتيجة مباشرة للسياسات الطائفية التي خلقت بيئة مواتية لداعش، ولكن الجميع تخلى عن هذه الحقيقة لينجرف في مواجهة عسكرية على مدى أكثر من ثلاث سنوات، دون الالتفات لمعالجة المقدمات التي خلقت هذه البيئة المواتية! بل على العكس من ذلك، إذ لم يعد لدى الجميع اعتراضات على استمرار، او تكريس هذه السياسات الطائفية، ما دامت قادرة على تحقيق الهدف الرئيسي وهو «هزيمة» داعش! وهذا أفضى بدوره إلى التخلي تماما عن أي نقاش جدي حول مرحلة ما بعد داعش، سواء فيما يتعلق بضمان الاستقرار المستدام، أو فيما يتعلق بإعادة الإعمار على جميع المستويات، ولم تعد مسألة تغيير السياسات، ومحاولة الوصول إلى شراكة حقيقية في إدارة السلطة والدولة، سوى اهداف ثانوية، تحضر في إطار الدعاية والعلاقات العامة حصرا.

تحولت السياسات الطائفية التي أعترف الجميع بكونها السبب الرئيسي خلف ظاهرة داعش، الى سياسات تعكس إرادة أحادية لفرض أمر واقع تكرسه علاقات القوة المختلة القائمة

عسكريا، اعتمدت الاستراتيجية العسكرية لمواجهة داعش على ما أسميناه بـ «نقلة الفرس»، أي التركيز على على طرد تنظيم داعش من المدن التي سيطر عليها، من دون ملاحقة عناصره التي تنسحب باتجاه محيط تلك المدن. هكذا وجدنا المعارك تنتقل من مدينة إلى أخرى، ومن محافظة إلى اخرى، دون تحقيق نصر حاسم يضمن هزيمة نهائية لداعش! في المقابل تكيف داعش مع هذه الاستراتيجية، عبر استراتيجيات بديلة؛ فباستثناء بيجي لأهميتها كعقدة مواصلات بالنسبة لداعش، وباستثناء الموصل لقيمتها الرمزية، انسحبت داعش من جميع المدن بعد معارك تكتيكية لتعطيل تقدم القوات العسكرية العراقية، و عمدت إلى اللجوء إلى معارك استنزاف معها في المقتربات الطويلة الفاصلة بين المدن. وبسبب التكتيك العسكري الذي اعتمدته القوات العراقية، والمبني على عناصر ثلاثة هي: قوات قتالية كبيرة، وكثافة نارية عالية، وغطاء جوي، لم تتمكن هذه القوات، بعد استعادتها الموصل، من ملاحقة عناصر داعش المنسحبين إلى مناطق تواجدهم الرئيسية، والتي سيطروا عليها قبل كانون الأول/ديسمبر 2013 عندما هاجم التنظيم مدينتي الرمادي والفلوجة، وقبل حزيران/يونيو 2014 عندما هاجم الموصل. فما زال هؤلاء ينتشرون في مساحات صحراوية شاسعة مليئة بالوديان، أو في مناطق جبلية وعرة كما هو الحال في جبال حمرين ومكحول.
مع كل ذلك تبدو القوات العراقية غير مؤهلة حتى اللحظة للقيام بعمليات خاصة تعتمد على قوات مرنة في الحركة وذات تدريب عال يمكنها ملاحقة تنظيم الدولة/ داعش في المناطق التي يتواجد فيها. وقد أشرنا في مقال سابق إلى ان تنظيم الدولة/ داعش ما زال يمتلك القدرة على خوض حرب استنزاف ضد القوات العسكرية والأمنية العراقية، فضلا عن قدرته على القيام بعمليات ارهابية نوعية كالتي كان يقوم بها من قبل، وهو ما تؤكده التقارير التي تصل حول نشاطاته مؤخرا.
وبالرجوع الى المشهد السياسي، فقد تحولت السياسات الطائفية التي أعترف الجميع بكونها السبب الرئيسي خلف ظاهرة داعش، الى سياسات تعكس إرادة أحادية لفرض أمر واقع تكرسه علاقات القوة المختلة القائمة، في ظل تواطؤ جماعي إقليمي ودولي بالتعاطي معها والقبول بها ضمنيا! فاقم ذلك غياب المبادرات التي تتعامل مع النتائج المادية لحرب داعش! فلم تعد ثلاثية: إعادة الإعمار، وعودة النازحين، وتوفير الأمن، تحظى بالأولية لدى الحكومة العراقية، او المجتمع الدولي على حد سواء! فالخطاب الحكومي لم يعط بدوره أية خصوصية لهذه المناطق، وهو يتحدث عن إعادة الإعمار بوصفها عبارة تعني جميع المحافظات العراقية، وهو ما انعكس في مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2019 حيث يبدو الاهمال الواضح للمحافظات التي تحملت وطأة الحرب على داعش! بل إن الأرقام تظهر أن هذه المحافظات لم تحصل على نسبتها المقررة دستوريا من هذه الموازنة فالدستور يقرر (ان الموازنة العامة يجب أن توزع وفقا للتوزيع السكاني لتأمين التنمية المتوازنة)!
وقد عكس المجتمع الدولي، من خلال مؤتمر الكويت للمانحين، لامبالاة غريبة ازاء إعادة الإعمار في المناطق المدمرة بفعل الحرب على داعش، وإغفالا متعمدا للسياق السياسي الذي يتطلبه مفهوم «إعادة الإعمار» (الإصلاح الهيكلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا)، حيث تواطأ المؤتمرون على التعاطي مع ملف الاعمار بوصفه عملية فنية معزولة عن المشهد السياسي، من خلال بإعادة إعمار البنية التحتية المادية حصرا! لذلك انتهى المؤتمر الى كارثة حقيقية فرضت على العراق مزيدا من الاقتراض الخارجي!
لقد قلنا سابقا أن درس الموصل لم يتعلمه أحد؛ فالمقدمات جميعها التي أنتجت فاجعة الموصل وما بعدها لا تزال قائمة. من السياسات الطائفية، إلى الفساد المستشري في الأجهزة العسكرية والامنية، إلى الشعور بالانفصال عن الدولة. وقد أضافت الحرب على داعش وتداعياتها عوامل أخرى: دمار هائل، وعجز كامل للحكومة المركزية والحكومة المحلية عن استعادة الحد الادنى من الخدمات (ما زالت جثث المدنيين الذين سقطوا بفعل الحرب في الموصل تنتظر من ينتشلها من تحت الأنقاض)، والاختلالات في علاقات القوة بين مكونات المجتمع الناتجة عن تدخل قوى مسلحة وحزبية مغطاة سياسيا، وتحول هذه المحافظات لإقطاعيات لأفراد او جماعات بغطاء سياسي أيضا. وعدم الاهتمام بكل ذلك مرة اخرى دوليا ومحليا كفيل بإعادة الوضع إلى لحظة الموصل ثانية، ولو بسيناريو مختلف.

كاتب عراقي

المغرب: في حراك طلاب المدارس ومعانيه

Posted: 22 Nov 2018 01:11 PM PST

بعد حراك الربيع المغربي الذي دام شهورا طويلة من سنة 2011 وحراك الريف الذي دام تقريبا نفس المدة والذي لم ينته بعد الوعود والتغييرات الدستورية كما حدث سنة 2011، ولكن باعتقال ومحاكمة الجزء الأكبر من النشطاء القائدين له، جاء حراك جرادة، وقبله حراك العطش بزاكورة وحملة مقاطعة المستهلكين لثلاثة منتجات لشركات يستفيد بعضها من اقتصاد الريع ومن فوائد القرب من السلطة وبعد حركات أخرى اقل زخما ببني ملال وأوطاط الحاج وغيرها، اقول بعد كل هذا، أبتهجت شوارع المغرب في الآونة الأخيرة وبكل مدنه، كبيرة وصغيرة، بحراك قادتُه من الأطفال واليافعين. ملأ هذا الحراك الذي نال على العموم إعجاب وتعاطف الساكنة، الساحات والمحاج بشكل مباغت. لم يتوقعه أحد. لم ينظمه أو يحضر له أحد. برهن الحراك على أن شبيبات الأحزاب في واد والشباب في واد آخر وأن تأطيرها ضعيف أكان تنظيميا أو خطابيا. فشعارات حراك الأطفال، فريدة وتمتح من الثقافة الشعبية ومن أناشيد جماعات الألتراس
ومن بعض ما يروج بشبكات الإعلام الاجتماعي ومنها بعض شعارات الربيع العربي. فشعار حراك الأطفال الاكثر شيوعا هو»الشعب يريد إسقاط الساعة». ولنذكر أن الشعار المركزي للربيع المغربي كان هو «الشعب يريد إسقاط الاستبداد والفساد». بل أن إحدى الطفلات الشاطرات قد ربطت، بوعي أو دون وعي منها، بين الشعارين وذلك بالقول إن قرار الاحتفاظ بالساعة الصيفية طيلة السنة قرار اتخذ بطريقة لاديمقراطية، واللاديمقراطية هي الاستبداد بالقرار. لقد صفق لها الأطفال مبتهجين لما صرحت «لقد هرمنا من هذه الاختيارات اللاديمقراطية».

ثقافة الاحتجاج والمعارضة قد ترسخت في أعماق المجتمع المغربي إذ أصبحت تمس كل الفئات العمرية وكل المناطق والطبقات. وهذا قد يكون فأل خير للمستقبل

وهنا لابد ان نذكر بأن السبب الأساسي للحراك موضوع هذا المقال هو القرار الرسمي المتسرع والقاضي بالاحتفاظ بالساعة الصيفية طيلة السنة وهذا قد ينتج عنه عدة سلبيات ومساوئ منها الاستيقاظ في الظلام بل والمشي إلى المدرسة وغير المدرسة تحت جنحه خلال اشهرالخريف والشتاء. ومضار هذا الأمر واضحة ومنها تهديد أمن الأطفال خصوصا بالبادية وبضواحي المدن المهمشة ونقص في ساعات النوم. وحتى بعض الحلول الترقيعية التي اقترحتها الحكومة ومن ذلك أن يكون فتح المدارس في الصباح متأخرا بساعة عن فتح الإدارات والمعامل والأبناك لم تكن مرضية، بل هي قد تزيد في بعض الحالات من الأثار السلبية لتغيير التوقيت، إذ ستربك لا محالة الأجندة الأسروية اليومية التي بنيت على أساس ولوج الجميع، أو على الأقل الأغلبية، إلى مقرات العمل أو التكوين مع الثامنة صباحا.
في بعض المدن كانت شعارات الأطفال مسيسة، ففي الرباط والدار البيضاء ردد الأطفال شعار الألتراس المعروف وهذه ترجمته للعربية الفصحى: «لا تريدون منا أن ندْرس! ولا أن نشتغل! ولا أن يكون لدينا وعي سياسي، حتى تبقوا أنتم الحاكمين!» كما رفع شعار « الحكومة الدمدومة» أي حكومة كراكيز لا حول ولا قوة لها.
أما في الحسيمة، عاصمة الريف الثقافية، فقد ردد الأطفال بعض شعارات الحراك الذي قاده ناصر الزفزافي منذ سنتين. ونظرا لحساسية الوضع السياسي بالمنطقة فإن المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، قد استجابت جزئيا لبعض مطالب التلاميذ كما تدخلت القوات العمومية لتفريق المتظاهرين دون عنف.
والآن لابد أن نسائل الواقع عن بعض معاني هذا الحراك الذي مس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سبعة ملايين من طلاب المدارس. فقد شارك بعضهم وتعاطف البعض الآخر،كما أن بعضهم الآخر لم يستطع الدراسة خلال أيام بسبب مقاطعة الدروس. وما يمس الأطفال يمس أسرهم أي أن المغاربة قاطبة شاركوا في النقاش وأغلبيتهم الساحقة تؤيد مطالبة التلاميذ بتخلي الحكومة عن تغيير التوقيت. هذا نوع من الاستفتاء يظهر بوضوح أن تعنت الحكومة له معنى واحد فهي لا تمثل الساكنة ولا تهتم برأيها أو مصلحتها ولو كانت هذه سهلة التحقيق، فهاهي لا تتراجع حتى عن القرارات الموغلة في اللاشعبية بل والمستهترة بحقوق الناس. إن الحكومة تستمع للشعب بأذن شاردة وقد حقُر الشعب في عينها، وتصغي بحقارة وذلة لأولي الأمر الحقيقيين أي للنخبة المتحكمة في الأمور لأن الاحتفاظ بالساعة الصيفية طيلة السنة سيجعل للمغرب نفس توقيت الاتحاد الأوروبي وهذا يخدم مصالح بعض الشركات الكبرى والأبناك.
معنى آخر لحراك أطفال المدارس وسياقه، يتجسد في أن ثقافة الاحتجاج والمعارضة قد ترسخت في أعماق المجتمع المغربي إذ أصبحت تمس كل الفئات العمرية وكل المناطق والطبقات. وهذا قد يكون فأل خير للمستقبل القريب. فالطريقة السلمية الوحيدة لتدبير ثقافة الاحتجاج هي إما إغراق الساكنة بالمال العام ـ وهذا غير ممكن في المغرب ـ أو إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يحكم فيه المنتخبون حسب مصالح الشعب، وهذا الأخير يعاقبهم بالتصويت ضدهم فيرتاح، أو يكون مرتاحا لسياساتهم فيصوت لهم فترتاح البلاد. والبلاد المستقرة برضى الشعب يزدهر اقتصادها فيعم الخير والعدل أوساط مجتمعها.

كاتب مغربي

المضمون الخاوي للسياسات النيوليبرالية وتصاعد الاحتجاج الجماهيري

Posted: 22 Nov 2018 01:03 PM PST

مع تفرّد الولايات المتحدة بقيادة العالم أواخر القرن العشرين، أصبحت الأيديولوجيا الليبرالية «نسقا ثقافيا ملزما» في الفضاء العربي وغير العربي، وبدت تسُود كلّ المجتمعات بشكل مُعولم، من دون اعتبار الخصوصيات الثقافية المختلفة.
واعتبر دعاة النيوليبرالية والمدافعين عن النسق النيوليبرالي، منذ ذلك الحين أنّ التدخل في السوق هو نفي لحرية الفعل الاقتصادي، وتحجيم له، ومساس بطبيعة العملية الاقتصادية ذاتها، وبالتالي يجب جعل العالم فضاء مفتوحا. وهو ما تمّ فعلا مع سياقات العولمة المادية والثقافية، التي حوّلت العالم إلى سوق مفتوحة شرّعت أبوابها أمام التوزيع المنحرف للثروة في البلدان، مع سيطرة رأسمالية التمويل على الاقتصاد العالمي. وقدّر فوكوياما وغيره أنّ على الجميع أن ينتظم وفق النمط الليبرالي الرأسمالي، واعتقد دعاة هذا المذهب أنّه رغم وجود تنويع كبير في المسارات التي يُمكن للمجتمعات أن تسلكها لبلوغ «نهاية التاريخ»، فإنّه لا وجود إلّا لعدد قليل للحداثة خارج الصيغة الديمقراطية الليبرالية للرأسمالية، فهذه الصيغة هي التي تكشف عن مظاهر النجاح الممكن. ومن منظور المزالق الفكرية اعتبر أحد كبار مؤسّسي التيار النيوليبرالي ميلتون فريدمان أنّ الذي يكمن خلف غالبية الحجج المقدّمة ضدّ اقتصاد السوق هو «نقص الإيمان بالحرية ذاتها» ومثل هذه الوثوقية التنظيرية تدعو للاستغراب، فهؤلاء يرغبون في أن يجعلوا الوضع المزعج يبدو منطقيا، وهذا النظام المتردّي الذي تعجز فيه الانسانية عن خلق عدالة اجتماعية وإنسانية يوفّرون له «الأوهام الضرورية» ليبدو النظام الرأسمالي الليبرالي هادفا إلى الخير العام، ضروريّا ومرغوبا فيه. ورغم مسوّغ الاعتراض فإنّ الناظم الأيديولوجي للمناخ الفكري والسياسي كان النهج الليبرالي الذي هيمن على أوروبا، باعتباره المشروع المجتمعي القابل للتجسيد في الواقع، دون الأنساق الفكرية والاقتصادية والثقافية الأخرى، التي لم تبلور ذاتها بديلا له فظلّت قابعة بوصفها «حاشية نقدية» على المتن الليبرالي.
المجتمعات في حالة اضطراب بالغ الشدّة نتيجة مساوئ الاستبداد المتخفّي خلف المنظور الليبرالي، والوضع يُنذر باضطرابات اجتماعية وانتفاضات شعبية واحتجاجات جماعات الرفض السياسي وغير السياسي. وجميع هذه المؤشّرات تفضح مثل هذا النسق المحكوم بالرؤية المادية الاختزالية، التي أفضت إلى تدمير المقوّمات الأخلاقية للفعل الانساني، وانتهت إلى تفتيت أنساق القيم وإفراغ حياة الإنسان من المعنى. والليبرالية التي قُدّمت كمذهب مخلّص للبشرية لم تُحقّق الرفاه، بل عمّقت بؤس الأكثرية في العالم، وظلّت مقاصدها وعناوينها الدعائيّة الكبرى «مثالية» أبعد عن الواقع المحكوم بجشع رأس المال، الذي حوّل المجتمعات إلى فضاءات استهلاكية مادّية، لا يُحتكم فيها لأيّ قيم إنسانية. وبالتّوازي أضعفت السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة أسس الديمقراطية الحقيقية، وأربكت الدولة التي لم تتغوّل كما نظّر توماس هوبس، بل سيطر عليها قانون السوق الحرّ والشركات النافذة عبر الحدود، وأصبح أصحاب المال والنفوذ المتحكّمين الرئيسيين في التدفّقات المالية والمضاربات الاحتكارية، والأمر بات مُوكلا بالشركات الضخمة التي تتحكّم في الاقتصاد العالمي بنسب كبيرة جدا، وهي تُمسك بالأذرع الاعلامية الكبرى، وتُطّوّع الفكر وتُدجّنه وتُهندس السياسات من خلال إمكانياتها الضخمة ونفوذها المالي العابر للقوميات. وإن كان الخطاب النيوليبرالي «خطاب قوي يصعب معارضته» لارتكازه على مجموعة هائلة من الآليات المؤسّساتية القوية على الصعيد العالمي، وهو المشحوذ سياسيا وأيديولوجيا من القوى الدولية الكبرى، دفعا لانتشاء الناس به وإبهارهم بنزعة لا بديل لها منذ بواكير تصديره دعائيّا من قبل المتحمّسين لنهاية التاريخ، وانتصار الليبرالية بشكل مطلق، يمكن مع ذلك إنقاذ العالم من هذا النموذج الليبرالي المتهافت تساوقا مع تساؤل السوسيولوجي بيير بورديو والكثير من الرؤى النقدية التي أبصرت مفارقات هذه الأيديولوجية ومكامن نقصها، على صعوبة إمكانية التخلّص من هذا النموذج المتوحّش، الذي أضعف الدولة الوطنية وألّه السّوق بتدفقاته المالية والتجارية، وسعّر الإنسان بالدولار وأفضى إلى تشييئه في سُلّم السّلع و»المادّة الاستعمالية» ضمن سياق النزعة الفردانية مطلقة المنفعة المادية في الفكر والذوق والسلوك. ويبقى التقدّم الحاسم نحو ولادة جديدة للبشرية محتملة في هذا القرن، دفعا نحو نظم الأمور وإعادة ترتيبها واختيار المسالك العادلة في أداء الفعل الخلقي الإنساني بما يوجبه الرأي والتمييز والتدرّب على الفضائل والارتياض بها.

*كاتب تونسي

الصلح مع اسرائيل بعد اليوم العاشر

Posted: 22 Nov 2018 01:02 PM PST

هل اقترب تحقيق الصلح مع إسرائيل؟ إذ توجد مؤشرات جدية لتحقيق ذلك، فإنه لا يعني أن السلام يمكن أن يتحقق، فالسلام أمر مختلف عن الصلح، بما يعنيه السلام من حالة شعبية تستطيع أن تستقبل إسرائيل في المنطقة، وهذه الحالة غير مقبولة من المكونات المختلفة الأساسية للهوية السياسية للمواطن العربي، فبالنسبة للإسلاميين فإن سلاماً يعني ببساطة تفكيك نظرية دينية تقوم بالكامل على عدم قبول إسرائيل بوصفها مشروعاً يهودياً في منطقة من العالم، لا يمكن أن تتقبل التزاحم بين مشروعي الدينين.
القوميون بدورهم ينظرون لإسرائيل بوصفها العائق الأساسي أمام وحدة عربية رومانسية متخيلة، فهي وجدت من وجهة نظرهم لفصل الوجود العربي إلى مشرق ومغرب، ومع أن هذه الفرضية ليست صحيحة بالكامل، حيث أن مشاريع الوحدة أصلاً متعثرة بين الدول المتجاورة، كما أن مشاريع التعاون والتكامل سقطت الواحدة تلو الأخرى، إلا أن ذريعة إسرائيل تكتسب وجاهة كبيرة من الناحية المنطقية بالنسبة للتيار القومي، الذي ما زال على الرغم من كمونه يكتسب قوة تظهر في مواقف عفوية، يمكن أن ترصد في ردود فعل شعبية، ومع أنه لا يفترض شخصنة الأمور في محاولة التدليل على افتراضات تتعلق بالسياسة، إلا أن طفلي الذي لم يبلغ الثامنة من العمر أدهشني بتشجيعه للاعب مغربي لأنه ببساطة من المغرب، وهم هناك يتحدثون اللغة العربية، والفكرة مصدرها مدرسته ورفاقه من الأطفال، إذ أن المنهج التربوي الذي نتبعه في المنزل، كان يسعى لتأجيل أسئلة الهوية الدينية والقومية لحين نضوج فكرة الإنسانية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في سياقات ثقافية طاغية في المجتمع المدرسي الأكثر تعبيراً عن المجتمع العام.
التيار اليساري أيضاً يرفض إسرائيل، ويرتدي العباءة القومية، وحتى الدينية أحياناً في تحمسه لتجارب المقاومة ذات الطابع الديني في حزب الله وحركة حماس، ويبرر ذلك بتصنيفه لإسرائيل، منتجاً إمبريالياً صرفاً لا ينفصل عن الرأسمالية في أقصى درجات استغلالها وانتهازيتها، ومع أن اليسار يتراجع في تأثيره السياسي وقدرته على إنتاج حلول للمعضلات العملية على أرض الواقع، إلا أن مواقفه المعلنة المناهضة لاسرائيل ما زالت تكسبه كثيراً من التعاطف.
تتبقى في المشهد طائفتان، الأولى وهي الواسعة تتمثل في المواطن العربي العادي الذي ينتمي إلى رغيف الخبز، ومع أنه يجهل الكثير حول السياسية، إلا أنه يعرف حقيقة بسيطة تتمثل في أن اسرائيل مشروع استثماري لن يستفيد منه بشيء، لأنه يخاف أولاً من الاستثمار، ولأنه أدمن الخسارة، وحتى فئة لقمة العيش فإنها تبقى الفئة الأكثر خطورة، لأن مشكلتها هشة في جوهرها، فالفلسطيني نفسه الذي كان يقف في طابور للحصول على فرصة عمل بالمياومة، ولو في بناء الجدار العازل، كان يتصدى بصدره العاري لسيارات جيش الاحتلال.
الطائفة الثانية، صغيرة تشبه نادياً مغلقاً يوصف باستخفاف بأنه ليبرالي، أو يحاول أحياناً أن يقدم نفسه بهذه الصفة، مستغلاً ميوعة المفهوم في السياق العربي، واتساعه لكثير من التناقضات، وهذه الفئة ترى أن السلام ضروري، ولكنها تبقى في النهاية فئة محدودة، استطاعت أن تحقق مكاسب من مواقفها المهادنة، وابدائها المستمر للعب دور الوسيط، وهذه الفئة ستتضرر من الصلح المزمع مع اسرائيل، ولن تستطيع أن تحمل مشروعاً لسلام لا تريده إسرائيل، ولا تسعى له حقيقة، ففي النهاية استطاعت إسرائيل أن تحصل على جميع المزايا بدون أن تقدم شيئاً في المقابل، وعزلة اسرائيل في محيطها العربي لم تعد موحشة أو مخيفة. الصلح الذي يجري تحضيره تحت ستار السلام، ليس في جوهره سوى عملية هدنة طويلة، ستؤدي إلى انكشافات خطرة وواسعة النطاق لفئة الوسطاء وسيؤدي انتفاء دورهم لخروجهم من الحلبة التي ستترك خاوية أمام جمهور سيحاول الحصول على فتات الاستقرار السياسي، وهذه تحديداً لعبة تتقنها الشعوب، ومارستها كثيراً على امتداد التاريخ. عندما قدم زكريا تامر قصته القصيرة المؤثرة «النمور في اليوم العاشر» وصل القراء إلى نتيجة بأنه يمكن تدجين الشعوب كما النمور في يومها العاشر من الاستغلال، حيث رضيت بأن تتحول إلى حيوانات نباتية، إلا أن القاص السوري أوضح لاحقاً بأن قصته فهمت بصورة خاطئة، وأن اختياره للنمر كان مرتبطاً بطبيعة الحيوان التي يمكن أن تنقلب في أي لحظة، فيذكر في واحد من حواراته بأن قناصاً ببندقية جاهزة ومصوبة وراء حركاته تترصد النمر، وهو يقدم العروض المذلة في السيرك، وبالطريقة نفسها، فإن المكونات الخاصة بالهوية ترفض السلام وتجعله فعلاً مستحيلاً سواء عن منظومة وعي (دينية وقومية ويسارية) أو منظومة لاوعي تراه غير ضروري وواحداً من الأدوات التي دفعت مجموعات المتسلقين إلى تعميق أزمة العقم الاقتصادي والاجتماعي، واستحوذت على عدد أكبر من الأرغفة، واسرائيل لا تزاحم فقط في لقمة العيش فأصابعها الاستحواذية تسعى بين النفط والماء، ولا شهية للتنازل أو التراجع عن الحصة الاسرائيلية التي تزيد فداحتها مع تفجرات سكانية عربية، تقود العرب إلى حصص بائسة من المكونات الضرورية للحياة الكريمة.
الاستقرار السياسي مع إسرائيل تحت مسمى السلام الذي لا يعدو صلحاً ليس في مصلحة أي نظام عربي في المدى البعيد، والاستفادة هي لفئات تحتاج دعماً مرحلياً من اسرائيل وحلفائها، على أساس ما تقدمه من صورة تميل للسلام والاندماج في مشروع عالمي أوسع، ولكن هذه الفئات غير ذات الخبرة السياسية لا تدرك عملياً أن الصلح مع اسرائيل يحمل في داخله جملة من التناقضات، التي تهدد وجود الأنظمة العربية بأكملها، وفي مقدمتها الإحباط الذي يرتبط بوعود السلام التي تأتي مرتفعة نظراً لوجود حملات تسويق ساذجة ومكثفة، بأن السلام سيؤدي إلى دعم اقتصادي مباشر وكبير على سبيل المكافأة والتقدير، وهو الزعم الذي تدحضه بكل وضوح وصراحة تجارب (اتفاقيات) السلام التي أنتجت أوضاعاً اقتصادية أسوأ على الدوام.
ما يمكن تسميته بصلح سيعمق التباين بين الأنظمة والشعوب، وسيزيد من حالتين متطرفتين، تتمثل الأولى في حالة مبالاة زائدة من أطراف الهوية السياسية تستعرض بصورة متواصلة مجانية التهافت تجاه اسرائيل، والثانية، في حالة لامبالاة عامة من غير الحاملين للوعي السياسي، لأن الخطر الذي اعتادت الدول العربية أن تسوقه متمثلاً في اسرائيل، وهو القريب والواضح والمختلف، لم يعد بمجرد مهادنته خطراً وبالتالي فإن المطالبة بالالتزام ضمن مفهومه الكلاسيكي لتوحيد الصفوف الاجتماعية لن يتحول سوى إلى قصة، يمكن أن تحول عنوان «النمور في اليوم الحادي عشر» وهي قصة لا يمكن التكهن بتفاصيلها أو مساراتها. الصلح مع اسرائيل يعني ضمنياً إعلاناً لحرب على الذات، حرب في الداخل، وفي الصميم.

*كاتب أردني

أتركونا نحن العرب في إسرائيل لنحيا

Posted: 22 Nov 2018 01:01 PM PST

لم أتوقع أن تدفعني دعوة عادية للمشاركة في يوم دراسي قام على إعداده “مركز مينيرفا لحقوق الإنسان” التابع لكلية الحقوق في الجامعة العبرية، والدائرة القانونية في بعثة الصليب الأحمر الدولي، إلى الكتابة مجددًا في قضية “التطبيع” وإسقاطاتها الملتبسة على حالتنا، نحن المواطنين العرب في إسرائيل، وخلطها، كذلك، مع نداءات المقاطعة التي تدعو إليها “الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل” ومن يعمل معها من “عرب الداخل”.
كنت عائدًا من جلسة طويلة في محكمة العدل العليا التي لم يختلف إيقاعها عن إيقاع سابقاتها؛ فقد حاولت للمرة الألف، إقناع القضاة، الذين لم يكونوا هذه المرة كلهم يهودًا، ألا يجيزوا هدم بيت عائلة فلسطينية يحاكم أحد أبنائها بتهمة قتل جندي بالقرب من رام الله؛ فهدم المنزل المكوّن من أربع طبقات، يعد عقابًا جماعيًا يدفع ثمنه الأبرياء بدون مبرر أو سبب.
بالمقابل، حاول ممثل النيابة، وهو ليس يهوديًا كذلك، أن يقنع المحكمة بموقف الدولة؛ فردع “عائلة المخرّب” وردع سائر الفلسطينيين هما هدفان يبرران ضرورة الهدم وفق حكم القوة الخرقاء والقهر. لم يتوصل القضاة إلى قرار. رفعوا الجلسة وافترقنا وكلّنا على قيد الدولة نفسها؛ قاضيها مواطن عربي، ومن يدافع عنها مواطن عربي؛ ومن يحامي عمّن يقاوم احتلالها هو مواطن عربي. إنها مفارقة فريدة، لكنها ليست يتيمة، فهي مجرد “ديليما” واحدة من إفرازات وجودنا، نحن العرب، الناجين من خيمة وتشريد، والقاعدين على صدر دولة لا تشبه سائر الدول. ترددت في فتح الرسالة التي كانت مرسلة إليّ من جهة غير معرّفة؛ قرأتها فوجدتها ودودة وصريحة ومباشرة، لكنها مع ذلك، ملأتني استهجانًا وأكثر.
تتوجه “الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل” إليّ وتحثني على عدم المشاركة في اللقاء السنوي المشترك بين “مركز منيرفا” والصليب الأحمر حول موضوع القانون الدولي الإنساني المزمع عقده في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني. عدّدت الرسالة موجبات الطلب بدقة علمية صحيحة، ومن بينها وجود بعض مباني الجامعة العبرية على أراض قد صودرت من أصحابها الفلسطينيين بعيد يونيو/حزيران 1967؛ علاوة على تخصيصها مساقات تعليمية معدّة لتدريس رجالات الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) ودعوتها مرارًا إلى دعم هذه الأجهزة. ثم تمضي الرسالة فتوجّه لومها نحو بعثة الصليب الأحمر، الذي يتحمل كامل المسؤولية جراء موافقته على هذه الشراكة داخل الحرم الجامعي.
لقد استغربت من كوني أنا المخاطب في الرسالة، لأنهم لو أرادوا مني موقفًا لطلبوا لقائي في رام الله التي أعمل وأتواجد فيها يوميًا بجانبهم، ولكانوا سعوا، فأسمعوني وسمعوني؛ ولكن، للغائب حجته، ويبقى للحاضر عقل هو مولاه. في الليل جاءني بعض الندماء لنشاهد معًا لعبة كرة من الدوري الإسباني؛ ولا أعرف كيف انتقلنا من حديث الملاعب حتى وصلنا إلى رسالة “الحملة لمقاطعة إسرائيل” ومنها قفزنا إلى سبعينيات القرن الماضي عندما كنا طلابًا معًا في الجامعة العبرية، وكان دخول العربي إلى كليات الطب أو الحقوق في الجامعة العبرية أصعب من “إدخال غني إلى الجنة”؛ وتذكرّنا كيف كانت مظاهراتنا الطلابية علامة فارقة ضد مصادرة تلك الأراضي في محيط الجامعة، وضد تواطؤ إدارتها ودعمها لطرد أصحاب البيوت العربية، وكنا نصرخ في سمائها عاليًا ونردد: لا للاحتلال والفاشية لن تمر. بعد انتهاء موجة الحنين السبعينية سألت أصدقائي عن سبب وجود حرب ضروس بين الأصدقاء الفسبوكيين تدور رحاها حول ما يعنيه لهم وجود ستة مواطنين عرب في تركيبة المنتخب الوطني الإسرائيلي، خاصة وقد رفض هؤلاء “النجوم والأبطال” إنشاد “هتكفا”. لم يتفق أصدقائي بينهم على موقف إزاء وجود اللاعبين في منتخب الدولة؛ فأفهمهم في فقه الكرة، سميح، وهو محاضر في الجامعة العبرية، أعلن أنه سيدعم منتخب اسكتلندا في لعبة الإياب لأنه لا يستطيع أن يتحمل “الفرح الإسرائيلي” على الإطلاق فوافقه، بدون تردد، رفيقنا الشيوعي عوني، وتمنى أن يسحق الاسكتلنديون المنتخب العربي- اليهودي زاعمًا أن هذه الشراكة، مع أنها مدنية، ليست إلا بدعة صهيونية. لم يوافقهم الجميع، فالمهندس علي وسليمان المحامي أعلنا انهما سيدعمان هذه المرة “منتخبنا”، لأنها فرصة سنثبت فيها نحن العرب لليهود أننا جديرون بالمسؤولية وأننا “قدها وقدود، وبلانا انتو ما بتسووا شي”. افترقنا وكانوا في منتهى السعادة لأن فريقهم “الملكي” قد سحق فريق “غرناطة” على أرضها.
كان هدف الندوة تسليط الضوء على قضية ممارسة الاحتلال لسياسة الاعتقال “الإداري” واعتقال “القاصرين” الفلسطينيين. طُلب إلى كل واحد من المشاركين أن يقارب بين النصوص القانونية، سواء الدولية أو العسكرية، وبين ممارسة القضاء الإسرائيلي ومدى تطبيقه لتلك النصوص على أرض الواقع. تحدث قبلي من كان نائب رئيس محكمة الاستئناف العسكرية، فحاول أن يقنع الحاضرين بأن “محاكمهم” تعتبر جنة للفلسطينيين ومصانع لإنتاج العدل والرأفة. واجهته بوجع أربعة عقود وزجرته بأنين آلاف الأمهات، فالاحتلال بشع ومعظم ممارساته تعد جرائم في عرف القانون، وما القضاة إلا جنود بعثوا لتأدية أخطر المهام وأشدها ظلما وظلامًا. ثم أوضحت لجميعهم أنني قد حضرت رغم استلامي رسالة من “لجنة المقاطعة” وأكدت، كيلا يفهمونني خطأً، أنني سأترك أمامهم نسخًا عن الرسالة عساهم يقرأونها، لأن ما ورد فيها بحقهم، كجامعة وبعثة دولية وضباط جيش احتلال، يستوجب الرد، إذا كان لديهم ما يقولون. لم يرُق كلامي للضابط المتحدث بعدي، ولكن سأترك ما جرى بيننا على المنصة لحديث في مقال آخر.
قصتنا، أيها العرب، طويلة وليلنا فاحم. صمدنا على أرضنا رغم سياسة الدولة العنصرية الاقتلاعية الشرسة ضدنا، ورغم قسوة “الأشقاء” العرب علينا حين خوّنونا وكان العيب فيهم، وعادونا وقاطعونا وحاصرونا بحصار كان أفظع وأوجع من حصار إسرائيل. لن استطرد، فالعقلاء يعرفون التاريخ ويعون الفوارق بين من عانوا وقاوموا وصمدوا، وبين من ذهبوا مع الريح أو خانوا. أتركونا نواجه تعقيدات واقعنا ومخططات حكومة تبيّت لنا كل الشرور، واتركونا نسعى وراء مصيرنا كما فعلنا طيلة سبعة عقود خلت؛ ولاحقوا أنتم جحافل المهرولين والمطبعين العرب وانشروا ما شئتم من تعاليم الثورة بين الأمم، فلقد كنا وحدنا حين قهرنا النكبة ولن نركض وراء قوارب النجاة ولا في أعقاب قوافل الوهم. نحن نعرف كيف نقاوم ونعرف كيف ومن نقاطع؛ آلاف الطالبات والطلاب يملأون الجامعة العبرية وغيرها، وفيها يعمل عشرات المحاضرين، ومنهم من صاروا عمداء لكليات ورؤساء أقسام عن جدارة وبحق، كعميد كلية الحقوق مثلًا وهو ليس وحيدًا؛ فأن تصبح، رغم كونك عربياً، عميدًا لكلية الحقوق في الجامعة العبرية فهذا هو الإعجاز، وأن تقف في عقر دارهم وتصرخ في وجوههم: كفى، فاحتلالكم عار على الإنسانية، لأفيد من ألف قصيدة تتلى من على منصات المقاومة الرخامية وتقتل فيها إسرائيل الوهمية.
لم ولن نكون يومًا عثرة في وجه من يقاوم الاحتلال؛ فنحن “هنا باقون كالصبار” نقاومه، ربما مثلكم أو أكثر، ونقاوم من أجل بقائنا أعزاء في الوطن، واعلموا أن فينا ما يكفي من “نواطير المقاثي” الأنقياء، ومن حراس الذاكرة النجباء، ومن المزايدين باسم ” شرطة الأخلاق” ومن الآمرين باسم السماء والناهين عن منكر “الانبطاح”. فاتركونا لنحيا.

*كاتب فلسطيني

خيارات تركيا بعد موقف ترامب الانتهازي

Posted: 22 Nov 2018 01:00 PM PST

«لقد كانوا (السعوديين) حليفا عظيما في حربنا المهمة جدا ضد إيران. إن الولايات المتحدة مصممة على أن تظل شريكا ثابتا للمملكة العربية السعودية لضمان مصالح بلدنا ومصالح إسرائيل وكل الشركاء الآخرين في المنطقة». هذا ما قاله ترامب بعد أن اطلع على تقرير وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي أيه) حول مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لم يعد خافيا على أحد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصمم على حماية صديقه وشريكه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من أي مساءلة أو إدانة في جريمة قتل خاشقجي، التي وصفت بجريمة العصر، والتي ما زالت تتفاعل عالميا على كل المستويات، وما زال فصلها الأخير لم يكتب بعد والستارة لم تنزل على خشبة المسرح معلنة النهاية. إن ما بين ترامب وإسرائيل من جهة وولي العهد شيء يفوق العلاقات التجارية بمليارات الدولارات وصفقات الأسلحة والحرب على اليمن والتصدي لمخططات إيران. إن التنازلات التي قدمها محمد بن سلمان أو تعهد بتقديمها في اللحظة المناسبة، في موضوع القضية الفلسطينية خاصة القدس، لا تقاس بالأموال ولا بلغة الأرقام. إنها فلسطين والقدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وثوابت القضية الفلسطينية الأخرى، التي لم ولن يجرؤ مسؤول عربي على تقديم مثل تلك التنازلات، إما قناعة أو خوفا، إلى أن جاء بن سلمان فسلم جميع أوراقه لترامب مقابل تأييده في أن يكون وليا للعهد.
هل ستبقى تركيا ثابتة على مواقفها؟
لقد أجادت تركيا التعامل مع قضية جريمة قتل خاشقجي. وضعت إستراتيجية مكونة من ثلاثة عناصر: إطلاق معلومات صحيحة بالتدريج، تفنيد الرواية السعودية دائما بالدليل القاطع، وتحشيد أكبر عدد من الدول لدعم الرواية التركية، والاصطفاف خلف مطالبتها بمعرفة الحقيقية حول من أصدر أوامر القتل وجهّز الفريق، ووضع تحت أيديهم كل الوسائل المطلوبة لتنفيذ الجريمة والعودة فورا إلى السعودية، بدون أن يتركوا أي أثر- هكذا ظنوا. لقد نجحت الاستراتيجية التركية إلى حد كبير، فأجبرت السعودية على تغيير روايتها عدة مرات، كي تستوعب الرواية التركية، وأن تقر بعد 18 يوما بالجريمة، وبأنها مخطط لها، وأن الجثة قطعت، لكن الرواية بقيت ثابتة في إبعاد الشبهة عن ولي العهد.
كان هناك تنافس بين السعودية وتركيا على من يكسب الموقف الأمريكي إلى جانبه. لقد نجحت تركيا بمساعدة من الإعلام الأمريكي، خاصة صحيفة «الواشنطن بوست»، أن تجعل قضية خاشقجي قضية رأي عام منحاز في غالبيته الساحقة لوجهة النظر التي تقول بأن ولي العهد وراء العملية. وبعد أن أصدرت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه) نتيجتها التي خلصت إليها يوم الجمعة الماضي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني بأن ولي العهد هو الذي أمر بقتل خاشقجي، اعتقد الجميع أن ترامب ومجموعته المصغرة المدافعه عن ولي العهد (كوشنر، بينس، بولتون) باتوا محاصرين من كل الجهات، وليس أمامهم إلا الإذعان. إلا أن الموقف الأخير لترامب بحماية ولي العهد وتبريره بأن ذلك من أجل حماية مصالح أمريكا وإسرائيل أمر منسجم تماما مع أسلوب ترامب في تغليب المصالح على المبادئ.
تركيا الآن في وضع أضعف قليلا، حيث كانت تأمل أن تقف معها إدارة ترامب في إدانة ولي العهد، كمقدمة لإسقاطه، لأن تركيا تحمله مسؤولية تخريب العلاقات بين بلده والسعودية، بسبب طموحاته المجنحة وبحثه الطائش عن زعامة العالمين العربي والإسلامي، يقوم على عزل إيران ومعاداة التيارات الإسلامية جميعها إلا الطبعة السعودية، واحتضان إسرائيل كجزء من منظومة الوقوف في وجه إيران ومخططاتها للهيمنة على المنطقة، وعزل قطر والعمل على الإطاحة بالأمير تميم واستبداله بشخص تختاره السعودية. أمام هذه التطورات نرى أن تركيا أمامها خياران:
الخيار الأول: أن تبدأ هي بمحاكمة كافة المتهمين وتطلب من السعودية التعاون معها انطلاقا من مسؤوليتها، لأن الجريمة ارتكبت على أرضها، ولا مجال للتأويل في الموضوع. فحسب نص المادة 41- بند «1» من الاتفاقية الدولية للعلاقات القنصلية لعام 1963 التي تقول: «لا يمكن إخضاع الموظفين القنصليين للاعتقال أو الاحتجاز الاحتياطي بانتظار المحاكمة، إلا في حالة الجرم الخطير، وعلى أثر قرار من السلطة القضائية المختصة». لا شك أن حجز صحافي ضد إرادته وتعذيبه وقتله في مقر القنصلية، على أيدي مجموعة قتلة أرسلوا خصيصا لهذا الشأن مزودين بكافة الوسائل المطلوبة لتنفيذ الجريمة، يعتبر جرما خطيرا تنتقل فيه مسؤولية المحاكمة من بلد القنصلية إلى البلد المضيف للقنصلية، ويصبح المتهم الرئيسي الدولة نفسها وليس الأفراد فقط. بينما لو قام موظف في القنصلية مثلا وتعرض للصحافي خارج القنصلية وحاول قتله أو قتله فعلا، فقد لا تصنف الجريمة على أنها «جرم خطير» ويمكن حصر المسؤولية في الشخص الفاعل فقط.
على المدعي العام التركي أن يعلن بداية المحاكمة ويطلب من الدولة تقديم كافة المعلومات والوثائق والتسجليات والصور والفيديوهات والتحليلات التقنية والعينات المجموعة من مسرح الجريمة، والشروع في إجراء محاكمة علنية. توجه التهم رسميا للأشخاص الـ15 أو الـ18 الذين ثبت تورطهم في الجريمة، وتتقدم السلطة القضائية التركية من السعودية بطلب رسمي لتحويل هؤلاء الأشخاص للمحاكمة. فإن رفضت السعودية تقوم تركيا بتحويل الطلب للبوليس الدولي (الإنتربول) للمساعدة. كما تقدم للمحاكمة أيضا كافة الأشخاص من حملة الجنسية التركية المتورطين في الجريمة بعلم أو بدون علم والقضاء هو الذي يبرئ وليس السياسيين. وبدون انتظار تحويل الأشخاص المتهمين تبدأ المحاكمة غيابيا وبحضور محامين يمثلون المتهمين. وبعد استيفاء كافة شروط المحاكمة العادلة والنزيهة، وبحضور محامي الدفاع من المتطوعين أو المكلفين بالدفاع عن المتهمين، يتم إصدار الأحكام النهائية بحق المتهمين جميعا، ومن شارك في التخطيط وسهل أو تستر عليها من السعوديين والأتراك وغيرهم، إذا ثبت تورطهم فقد تكشف مجريات المحكمة عن أشخاص آخرين تورطوا في العملية أو لعبوا دورا ما ولو ثانويا.
وللتوضيح نذكر سابقة من هذا النوع بدون أن ترقى لمستوى جريمة خاشقجي: محاولة السلطات الروسية اغتيال الجاسوس السابق سيرجي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبيرغ البريطانية يوم 4 مارس/آذار الماضي. لقد نجا الأب وابنته من الهجوم بمادة سامة، لكن المحاولة استدعت جلستين طارئتين لمجلس الأمن الدولي وأعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، سلسلة عقوبات استهدفت روسيا، بينها طرد 23 دبلوماسياً، وتجميد العلاقات الثنائية، معتبرةً موسكو مسؤولة عن تسميم الجاسوس الروسي السابق على أراضيها، كما حازت الخطوات البريطانية دعماً غربياً كبيراً، حيث اتخذت نحو 20 دولة أوروبية والولايات المتحدة خطوات تضامنية، وأعلنت طرد دبلوماسيين روس وفرض عزلة على موسكو، وهذا تم فورا بدون موت الضحايا وقبل المحاكمة.
الخيار الثاني: تقوم تركيا بتقديم طلب رسمي للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يتضمن طلبا بتشكيل لجنة تحقيق دولية مسؤوليتها كشف المسؤولين جميعهم عن هذه الجريمة، ووضع النتائج بين يدي الأمين العام ليحولها إلى تركيا، التي بدورها تقرر ما إذا ستطلب من الأمم المتحدة متابعة الموضوع وتشكيل محكمة جنائية خاصة بمحاكمة قتلة خاشقجي، على طريقة جريمة اغتيال رفيق الحريري. فقد بدأ التحقيق بطلب لبناني رسمي، موضحا أن منظومة العدالة في لبنان غير قادرة لوحدها على أن تقوم بالتحقيق والمتابعة والمحاكمة، بسبب ظروف لبنان الداخلية. كما قام مجلس الأمن لاحقا باعتماد قرار لإنشاء محكمة خاصة بمقتل الحريري. وقد مرت عمليات التحقيق في عدة مراحل، وحاولت بعض الدول تسييسها إلا أن المحققين في النهاية وضعوا نتائج تحرياتهم أمام المحكمة الجنائية الخاصة، وأصدرت أحكاما ضد أربعة متورطين.
وسابقة أخرى نود أن نشير إليها عندما اغتيلت بنظير بوتو في مدينة روالبندي في باكستان يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2007، طلبت باكستان من الأمين العام السابق، بان كي مون، أن يساعد في التحقيق في الجريمة، فانصاع الأمين العام بالفعل للطلب وبعث فريقا مكونا من ثلاثة محققين برئاسة السفير التشيلي هيرالدو منوز وعضوية خبيرين أندونيسي وأيرلندي، وقدموا نتائج التحقيق للأمين العام، الذي قام بدوره بتسليمها للحكومة الباكستانية لتتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات.
والسؤال الأخير هل ستختار تركيا الاستمرار والمواجهة؟ أم أنها ستعيد النظر في سياستها وتقبل بصفقة ما مع الولايات المتحدة تتضمن تسليم عبد الفتاح غولن، المتهم بتدبير انقلاب صيف 2016 وصفقة أخرى مع السعودية تتضمن رفع الحصار عن قطر ورزمة أخرى من المحفزات؟ نأمل أن نجد جوابا في الأيام المقبلة.

* محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

النفط مقابل دماء خاشقجي!

Posted: 22 Nov 2018 01:00 PM PST

حدود الدولة العربية والوهم القاتل

Posted: 22 Nov 2018 01:00 PM PST

تعيش الشعوب العربية منذ قُرابة القرن، فيما يُسمى حالياً الدول العربية، ولطول الزمن نسبة إلى عمر الإنسان، نعتقد أن هذه الدول هي كيانات طبيعية، أنتجها تاريخ قديم وحضارات ضاربة جذورها بالماضي، ذلك الذي يؤهل مجموعة ما، لحمل اسم شعب مُميز بهويته الخاصة الثقافية والتاريخية. لكن الحقيقة العربية هي عكس ذلك تماماً، وما نحمله بأذهاننا وأفكارنا، لا يتطابق مع المُعطيات التاريخية ولا الاجتماعية، هي كمن يعيش الوهم وكأنه الحقيقة.
سقوط وهزيمة الدولة العثمانية، والتي استمرت لقرون، تزامن مع نشأة هذه الأقطار، بناء على مصالح دول أوروبا العُظمى بزمنها، أي فرنسا وبريطانيا. فالحدود التي تُحيط بهذه الدول، لا تعكس حقيقة، أي بُعد أو خصوصية معينة، هذا ما رأيناه أيضاً بالقارة الإفريقية، مع نشأة دول قَسَمت بحدودها الموروث من الاستعمار، قبائل وشعوبا، تلك الدول التي صُنعت أصلاً بناء على ثرواتها، وتناقض أو توافق الدول المُستَعمِرة، ما خلف في كثير من الأحيان والأماكن، أوضاعاً إنسانية مأساوية.
هل نشأة الدولة القطرية العربية، والتي يُدافع عنها الجميع، هي هدف سامٍ بحد ذاته، يستحق الموت من أجله، أم أن هذا ليس إلا خدعة تاريخية لتشتيت جُهد الأمة وقواها، وإضاعتها بصراعات داخلية وخارجية وهويات قومية وطائفية، لا طائل منها؟.
من قبل، ولفترة أربعة قرون، كنا كلنا تقريباً عثمانيين، نُحكم من اسطنبول، عاصمة الخلافة العثمانية، ولم تكن هناك أقطار، وإنما محافظات أو مقاطعات عربية بدولة واحدة، تختلفُ تماماً عن حدود الدول العربية الحالية، يستطيع أي مواطن بها، أن ينتقل من أدناها إلى أقصاها، بدون عوائق، ويُجند أبناؤها لحروب هذه الإمبراطورية بالبلقان وغيره. قبل العثمانيون، كانت هناك أيضاً دول أخرى، ولكن لم توجد أقطار عربية بالمفهوم الحديث.
كيف نشأت هذه الدول القطرية، وهل استمرارها بالشكل نفسه مُمكن تاريخياً، أي هل تُعبر هذه الدول، عن حاجة تاريخية حقيقية للشعوب التي تعيش فيها، وهل تستطيع أن تؤمن لهم الرفاهية والأمان المطلوب من أي دولة بالعالم لشعبها؟

قراءة التاريخ

لا مناص للعودة قليلاً إلى الخلف، لقراءة التاريخ لفهم ما حدث ويحدث اليوم، والعلاقة بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي، ضروري لفهم قيام هذه الدول. مع تطور القوة العسكرية لأوروبا، خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وتفوقها الكاسح بكل المجالات، بعد الثورة العلمية والصناعية، لم تستطع الدولة العثمانية الاستمرار بإبعاد الخطر الأوروبي، وإنهاء وجوده بشرق البحر المتوسط، كما فعلت خلال القرنين السادس والسابع عشر، فارضة حينذاك ما يُسمى السلم العثماني (بعد معركة كريت بمنتصف القرن السابع عشر).
أخذ التدخل الأوروبي بالهلال الخصيب والجزيرة العربية لزمن طويل، شكل حماية الأقليات الدينية أو العرقية، سيطر الفرنسيون على المناطق الحضرية، أو ما يُسمى سوريا الكبرى Syria، مقابل سيطرة البريطانيين على مناطق البادية، أو البداوة، أي الجزيرة العربية وشرق الأردن وأجزاء من العراق، تحت ما يُسمى Arabia، ووُضعت فلسطين تحت الوصاية الدولية تمهيداً للمشروع الصهيوني، ذلك حسب معطيات اتفاقيات سايكس بيكو لعام 1916بين القوتين المتنافستين، فرنسا وبريطانيا.
هذا التقاسم بتوزيع مناطق النفوذ، هو ما حَددَ هوية الحدود المُستقبلية بين دول هذه المناطق فيما بعد، فالحاجة لفصل بلاد الشام عن الجزيرة العربية، أدى حسب المؤرخين (أمثال هنري لورانس)، إلى رسم الحدود العراقية والأردنية وصولاً إلى فلسطين، على شكل قوس أو ممرٍ طويل، هذه الحدود من المِنظار البريطاني، تهدف لمنع حرية خروج القبائل البدوية، من الجزيرة العربية باتجاه الشمال (سوريا والمناطق الحضرية)، كما فعلوا منذ مئات السنين. كانت هذه القبائل تُعتبر خطراً ممكناً على الوجود الغربي، وهي التي حملت مع الشريف حسين، فكرة إقامة الدولة العربية الواحدة، وكانت عماد الثورة الكبرى، ضد الأتراك إلى جانب البريطانيين، دافعة بقوة نحو انهيار الإمبراطورية العثمانية بالحرب العالمية الأولى، وكانت قبل ذلك، مصدر خروج الدولة الإسلامية، والتي غيرت مجرى تاريخ العالم لقرون طويلة. لذا فإن محاصرتها ومن ثم تقطيعها، كان هدفاً استراتيجياً بحد ذاته.
الوجه الآخر لرسم هذه الحدود، هو اكتشاف النفط بالجزيرة العربية والعراق، وضرورته لتشغيل الآلة العسكرية الحديثة، وهو ما أدى إلى تغيير الصورة الجيوسياسية للمنطقة. كانت الجيوش الأوروبية ببداية القرن العشرين ونهاية التاسع عشر، تستعمل الوقود القادم من أمريكا، مع كلفته العالية بسبب البُعد الجغرافي، مؤدياً لاستبداله بالنفط المُنتج بالشرق الأوسط، بمناطق تحت السيطرة البريطانية مباشرة، الأمر الذي أدى إلى تغيير الاهتمام، من طريق الحرير والبهارات التقليدي، إلى طريق النفط الجديد، القادم من منطقة الخليج العربي والعراق، مع مشروع خط أنابيب لنقل النفط عبر الأردن إلى حيفا.

الوصاية الدولية

وفي الوقت نفسه، تطور النقل الجوي على بساطته، حيث أصبح من الممكن ربط لندن بالهند ببضعة أيام، مروراً بمطارات تقع جميعها تحت السيطرة البريطانية، من مصر إلى الأردن والعراق، بدون الحاجة إلى استعمال مطارات وأراض تحت سيطرة منافسها المباشر فرنسا، وهذا ما أمنه الرسم الحدودي لهذه الدول، وتم وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية، مع تغيير بحدودها الشمالية لبضعة كيلو مترات، لاستيعاب عدة مستوطنات يهودية، حسب اتفاقية سان ريمو لعام 1920، المُكملة والمُعدلة لاتفاقية سايكس بيكو لعام 1916. هذا الرسم الجديد للمنطقة، تم اعتماده من قِبل عصبة الأمم لعام 1922.
أضاف الفرنسيون لمساتهم الخاصة، حاملين مشروع تحضير وفرنسة الشرق وسوريا الكبرى، مع حماية الأقليات المسيحية (إقامة دولة لهم بلبنان)، وفي مرحلة أخرى، فكرة إقامة دولة خاصة بالعلويين، وتقسيم سوريا على أُسس طائفية، ولكن هذا لم يتم.
نرى إذن أن الحدود التي رسمها الغرب، لم تهتم إلا بالمصالح الغربية؛ كمراقبة طرق المواصلات ونقل النفط وعزل المجموعات البشريه بدون اي اعتبار لمصالح وتطلعات السكان. ورفضاً لذلك، اشتعلت المنطقة بالثورات والاحتجاجات الشعبية، جمعت السنة والشيعة بالعراق، ضد الوجود البريطاني، كذلك الوطنيين بسوريا وفلسطين، مع اشتداد أعمال المقاومة، ولكن جميع هذه الثورات اُخمدت بقوة الحديد والنار.
نحن إذاً أمام حدود دول، طُلب من سكانها، أن يصبحوا شعوباً مختلفة، وأُلف لهم تاريخ خاص، لإقناعهم بذلك، بينما هم بالحقيقة، الشعب نفسه ويعيشون يهذه المنطقة منذ آلاف السنين.
بالمفهوم التاريخي للأمم، لا معنى لهذه الدول، لأنها لا تُعبر عن حاجة وجودية لشعوبها، هذا لا يعني عدم وجود مناطق، ولكن قبل قيام الدولة القطرية، لم يكن هناك أي حدود تُعيق حركة السكان الذين يعيشون فيها، كان بإمكانك السفر من بغداد إلى مصر أو أي منطقة أخرى، بدون عوائق حدودية، الانتماء كان للمجموعة وليس لقطر ومكان معين.
نموذج بلاد الشام بإنشاء دولة قطرية، ذات الحدود المُغلقة الذي كان صلب تحليلنا، ينطبق أيضاً على مناطق أخرى بالوطن العربي، ولأسباب وبوسائل متباينة، ولكن القاسم المشترك، هو توافقها مع مصالح الدول الغربية المُسيطرة حينذاك، فدول الخليج مثلاً، هي مثال واضح على تحويل قبائل من الشعب نفسه، إلى دول مختلفة ذات سيادة وحدود مغلقة، لهدف واضح جداً وهو السيطرة على منابع النفط.
الدول القومية الغربية (ألمانيا فرنسا بريطانيا)، تُعبر بوجودها عن خصوصيات أمم متباينة، وفي كثير من الأحوال متصارعة عبر التاريخ، مفهوم الأمة، وإيجاد الدولة، مُرتبط إذاً بتاريخ هذه الأمة وماضيها، وما جمع سكانها من انتصارات وإنجازات أو هزائم ومصائب، وما يأملون معاً بعمله لمستقبلهم، وليس خصوصياتهم الدينية الطائفية العرقية أو اللغوية، أو جغرافية المنطقة التي يسكنون بها، ومثل الولايات المتحدة، أقوى دولة بالعالم، هو نموذج صارخ على ذلك، فلا جنس واحد، ولا لغة واحدة، ولا دين واحد، ولكن ماضٍ مشترك مجيد، لإقامة الدولة الأمريكية، وكذلك ماضٍ مشترك مأساوي من الاستعباد الداخلي للسود، الأمة إذاً، كما يقول أيرنست رينان، المؤرخ الفرنسي عام 1881، بكتابه تكوين الأمم؛ هي إستفتاء يومي على العيش المُشترك.
هل تتطابق هذه المعايير مع كينونة الدولة القطرية؟، طبعاً لا، فلا هي تعبير عن ماضٍ مُشترك، بما يحمل من انتصارات وإنجازات أو كوارث وهزائم، هي فقط إرادة المُستعمر ولمصلحته فقط، والتي تهدف إلى إزالة وسائل الحضارة المُتعارف عليها، وهي كما عرفها مؤسس التاريخ الشامل، فرنان برودل، أرض شاسعة متناسقة، شعب كثير العدد، وفترة طويلة من السلم. في حين أن إقامة الدولة القطرية، أدى إلى إنهاء هذه العوامل الثلاث، فبلادنا شاسعة، ولكنها مقطعة بحدود عديدة، تمنع حرية الحركة، وشعب كثير بمئات الملايين، ولكنه مجزأ داخل اقفاص الدول القطرية، وحروب داخلية وخارجية لا تنتهي، مُنهية الشرط الأخير، وهو فترة طويلة من السلام.
فمتى سننظر لمصلحتنا نحن، ولمستقبل أبنائنا، كما فعلت دول وأمم أخرى بكل بقاع الأرض، ونخرج من البُنية التجزيئية، التي فُرضت على الأمة في فترة هوان؟.

كاتب ومحلل سياسي عربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق