Translate

التوقيت العالمي

احوال الطقس

تحيه

islammemo

سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ

الْوَصِيَّةُ الثَّامِنَةُ وَالأَرْبَعُونَ « سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ » عَنْ شدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِي لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِ مَا صَنَعْتُ ، أَبْوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ بَذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ » مَنْ قَالَهَا في النَّهَارِ مُوقِنَاً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَومِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . 1- أَصْـبَحْنا وَأَصْـبَحَ المُـلْكُ لله وَالحَمدُ لله ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ المُـلكُ ولهُ الحَمْـد، وهُوَ على كلّ شَيءٍ قدير ، رَبِّ أسْـأَلُـكَ خَـيرَ ما في هـذا اليوم وَخَـيرَ ما بَعْـدَه ، وَأَعـوذُ بِكَ مِنْ شَـرِّ هـذا اليوم وَشَرِّ ما بَعْـدَه، رَبِّ أَعـوذُبِكَ مِنَ الْكَسَـلِ وَسـوءِ الْكِـبَر ، رَبِّ أَعـوذُبِكَ مِنْ عَـذابٍ في النّـارِ وَعَـذابٍ في القَـبْر. 2- اللّهُـمَّ بِكَ أَصْـبَحْنا وَبِكَ أَمْسَـينا ، وَبِكَ نَحْـيا وَبِكَ نَمـوتُ وَإِلَـيْكَ النِّـشور . 3- اللّهـمَّ أَنْتَ رَبِّـي لا إلهَ إلاّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنـي وَأَنا عَبْـدُك ، وَأَنا عَلـى عَهْـدِكَ وَوَعْـدِكَ ما اسْتَـطَعْـت ، أَعـوذُبِكَ مِنْ شَـرِّ ما صَنَـعْت ، أَبـوءُ لَـكَ بِنِعْـمَتِـكَ عَلَـيَّ وَأَبـوءُ بِذَنْـبي فَاغْفـِرْ لي فَإِنَّـهُ لا يَغْـفِرُ الذُّنـوبَ إِلاّ أَنْتَ . 4- اللّهُـمَّ إِنِّـي أَصْبَـحْتُ أَُشْـهِدُك ، وَأُشْـهِدُ حَمَلَـةَ عَـرْشِـك ، وَمَلائِكَتِك ، وَجَمـيعَ خَلْـقِك ، أَنَّـكَ أَنْـتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ وَحْـدَكَ لا شَريكَ لَـك ، وَأَنَّ ُ مُحَمّـداً عَبْـدُكَ وَرَسـولُـك .(أربع مرات ) 5- اللّهُـمَّ ما أَصْبَـَحَ بي مِـنْ نِعْـمَةٍ أَو بِأَحَـدٍ مِـنْ خَلْـقِك ، فَمِـنْكَ وَحْـدَكَ لا شريكَ لَـك ، فَلَـكَ الْحَمْـدُ وَلَـكَ الشُّكْـر . 6- اللّهُـمَّ عافِـني في بَدَنـي ، اللّهُـمَّ عافِـني في سَمْـعي ، اللّهُـمَّ عافِـني في بَصَـري ، لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ . (ثلاثاً) اللّهُـمَّ إِنّـي أَعـوذُبِكَ مِنَ الْكُـفر ، وَالفَـقْر ، وَأَعـوذُبِكَ مِنْ عَذابِ القَـبْر ، لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ . (ثلاثاً) 7- حَسْبِـيَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ عَلَـيهِ تَوَكَّـلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظـيم . ( سبع مَرّات حينَ يصْبِح وَيمسي) 8- أَعـوذُبِكَلِمـاتِ اللّهِ التّـامّـاتِ مِنْ شَـرِّ ما خَلَـق . (ثلاثاً إِذا أمسى) 9- اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ العَـفْوَ وَالعـافِـيةَ في الدُّنْـيا وَالآخِـرَة ، اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ العَـفْوَ وَالعـافِـيةَ في ديني وَدُنْـيايَ وَأهْـلي وَمالـي ، اللّهُـمَّ اسْتُـرْ عـوْراتي وَآمِـنْ رَوْعاتـي ، اللّهُـمَّ احْفَظْـني مِن بَـينِ يَدَيَّ وَمِن خَلْفـي وَعَن يَمـيني وَعَن شِمـالي ، وَمِن فَوْقـي ، وَأَعـوذُ بِعَظَمَـتِكَ أَن أُغْـتالَ مِن تَحْتـي . 10- اللّهُـمَّ عالِـمَ الغَـيْبِ وَالشّـهادَةِ فاطِـرَ السّماواتِ وَالأرْضِ رَبَّ كـلِّ شَـيءٍ وَمَليـكَه ، أَشْهَـدُ أَنْ لا إِلـهَ إِلاّ أَنْت ، أَعـوذُ بِكَ مِن شَـرِّ نَفْسـي وَمِن شَـرِّ الشَّيْـطانِ وَشِـرْكِه ، وَأَنْ أَقْتَـرِفَ عَلـى نَفْسـي سوءاً أَوْ أَجُـرَّهُ إِلـى مُسْـلِم. 11- بِسـمِ اللهِ الذي لا يَضُـرُّ مَعَ اسمِـهِ شَيءٌ في الأرْضِ وَلا في السّمـاءِ وَهـوَ السّمـيعُ العَلـيم . (ثلاثاً) 12- رَضيـتُ بِاللهِ رَبَّـاً وَبِالإسْلامِ ديـناً وَبِمُحَـمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّـاً . (ثلاثاً) 13- سُبْحـانَ اللهِ وَبِحَمْـدِهِ عَدَدَ خَلْـقِه ، وَرِضـا نَفْسِـه ، وَزِنَـةَ عَـرْشِـه ، وَمِـدادَ كَلِمـاتِـه . (ثلاثاً) 14- سُبْحـانَ اللهِ وَبِحَمْـدِهِ . (مائة مرة) 15- يا حَـيُّ يا قَيّـومُ بِـرَحْمَـتِكِ أَسْتَـغـيث ، أَصْلِـحْ لي شَـأْنـي كُلَّـه ، وَلا تَكِلـني إِلى نَفْـسي طَـرْفَةَ عَـين . 16- لا إلهَ إلاّ اللّهُ وحْـدَهُ لا شَـريكَ لهُ، لهُ المُـلْكُ ولهُ الحَمْـد، وهُوَ على كُلّ شَيءٍ قَدير . (مائة مرة) 17- أَصْبَـحْـنا وَأَصْبَـحْ المُـلكُ للهِ رَبِّ العـالَمـين ، اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ خَـيْرَ هـذا الـيَوْم ، فَـتْحَهُ ، وَنَصْـرَهُ ، وَنـورَهُ وَبَـرَكَتَـهُ ، وَهُـداهُ ، وَأَعـوذُ بِـكَ مِـنْ شَـرِّ ما فـيهِ وَشَـرِّ ما بَعْـدَه . أخرجه البخاري

موقع قراء القران الكريم

قناه الرحمه

نصرة النبي صلى الله عليه وسلم

الخميس، 1 نوفمبر 2018

تنبيه Google -‏ فلسطين

Google
فلسطين
التحديث يوميًا ١ نوفمبر ٢٠١٨
الأخبار
يقول أستاذ القضية الفلسطينية في جامعة القدس المفتوحة الدكتور أسعد العويوي في حديث لبرنامج "حول العالم" بهذا الصدد، هذا قرار ولو كان متأخرا، إلا أنه قرار ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
منذ إن وعينا ونحن نسمع بشكل متكرر عن وصول القضية الفلسطينية لطاولة مفاوضات، لنكتشف أنها كانت تصل لطاولة تنس تتعرض خلاله للضرب من كلا ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
والتقط الوفد الفلسطيني الصور التذكارية مع حطام الدبابة، فيما انضم إليهم عدد من الشباب المصري رافعين علم مصر بجانب علم فلسطين أمام الدبابة.
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
استقبل عضو المجلس السياسي في حزب الله مسؤول العلاقات الفلسطينية النائب السابق حسن حب الله في مبنى المجلس السياسي في حارة حريك، وفدا قياديا من ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
بعثت اللجنة الخاصة بتنفيذ القرارات الفلسطينية بشأن مستقبل العلاقة مع إسرائيل برسائل ضعيفة الصدى فيما يخص فك الارتباط مع إسرائيل وإنهاء ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
من جهة ثانية، أشارت جادو في حديث لإذاعة (صوت فلسطين) الرسمية صباح اليوم، إلى اجتماع مع مسؤول في الخارجية الإسبانية، تحضيراً لاجتماع اللجنة الوزارية ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
أثنى مجلس علماء فلسطين في لبنان على لسان ناطقه الرسمي الشيخ د. محمد الموعد في تصريح له، على بعض النقاط المهمة في مقررات المجلس المركزي الفلسطيني ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
استقبل رئيس جامعة فلسطين التقنية خضوري أ. د. نور الدين أبو الرب ممثلة النرويج لدى فلسطبن هيلده هارالدستاد والقنصل ثوماس بردال والوفد المرافق من طاقم ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
وأضاف محمود، في تصريحات لـ"سبوتنيك" اليوم الثلاثاء، أن تعليق المجلس لاعترافه بدولة إسرائيل لحين الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية، وكذلك ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
الويب
قائمة رؤساء فلسطين
العلم الرئاسي الفلسطيني شعار السلطة الوطنية الفلسطينية. قائمة برؤساء السلطة الوطنية الفلسطينية (فلسطين) منذ عام 1996 وفترة تولي الرئاسة: ...
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
حجة
حجة أو حجا هي قرية فلسطينية تقع في منتصف المسافة بين مدينتي نابلس وقلقيلية في الضفة الغربية، وتبعد عن مدينة نابلس 18 كم غربا.
Google Plus Facebook Twitter وضع علامة كغير وثيق الصلة
الاطّلاع على المزيد من النتائج | تعديل هذا التنبيه
لقد استلمت هذه الرسالة الإلكترونية لأنك مشترك في تنبيهات Google‏.
RSS استلام هذا التنبيه كخلاصة RSS.
إرسال تعليقات

Alquds Editorial

Alquds Editorial


كيف صارت كلمة «السعودية» رديفا للرعب في العالم؟

Posted: 31 Oct 2018 02:15 PM PDT

الخبر غريب حقّاً لكنّه حقيقي: أهالي الغابون، الدولة الإفريقية الصغيرة (عدد سكانها مليون ونصف المليون وتتمتع بحكم ديمقراطي ومعدّل تنمية جيد)، قلقون على رئيسهم علي بونغو الذي زار السعودية لحضور مؤتمر الاستثمار ثم لم يظهر في ذلك المؤتمر وغابت أخباره ولم يعد إلى بلاده.
نتيجة تأثرهم بالأخبار المخيفة لاغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وما سبق ذلك من أحداث احتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، واعتقال مئات الأمراء ورجال الأعمال، فقد كان الأمر «الطبيعي» لسكان الغابون أن يشعروا بدورهم بالخوف، فمن الذي يعرف ماذا يدور في كواليس ذلك البلد العربي ـ الإسلاميّ الذي احتلّت أفعال الدائرة الأمنيّة الضيقة التي تحيط بوليّ عهده محمد بن سلمان على وسائل الإعلام العالمية؟
فتح اغتيال خاشقجي، على ما يظهر، صندوق الشرور الأسود السعوديّ، وبدأ الناس ينظرون بشكّ إلى كل ما يتعلّق بالمملكة، ولسبب ما فإن الأخبار السيئة لم تتوقّف، أو أنّ سكان المعمورة لم يكونوا يأخذون لها اعتباراً من قبل، أو لم يكونوا يضعون تلك الأخبار ضمن السياق الجديد الذي آلت إليه صورة السعودية بعد هبوب رياح حادثة الاغتيال على العالم.
من ذلك ما جرى للفتاتين السعوديتين، تالا وروتانا فارع، اللتين اكتشفت جثتاهما مربوطتين في نهر هدسون، وكانت السلطات الأمريكية ستتعامل مع الحدث كجريمة عاديّة لولا معرفة أن الفتاتين كانتا قد قدمتا طلبي لجوء وأن مسؤولا سعوديا اتصل بوالدتهما ليأمر الأسرة بمغادرة الولايات المتحدة لأن ابنتيها تقدمتا بطلب لجوء سياسي»، ثم يكتشف جثمانا الفتاتين غارقتين في تلك الوضعية المريبة.
وما كان حدث إعدام خادمة إندونيسية في السعودية سيثير احتجاجاً لدى بلادها لولا هذا الشكّ الذي سيضحي، على الأغلب، أحد الثوابت في كل ما يأتي من السعودية، فقد ذكرت الأنباء أن الإندونيسية قتلت مخدومها الذي كانت تتهمه باغتصابها، وهو الأمر الذي أدى لاحتجاج رسميّ إندونيسي.
صار معتاداً، بعد هذه الأخبار كلها، أن يعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما حصل «أسوأ تغطية ممكنة»، وأن يقول وزير دفاعه جيمس ماتيس إن حادثة الاغتيال «لا مثيل لها على الإطلاق»، وأن يصرّح وزير خارجية بريطانيا جيرمي هانت بأن العملية «اصابتنا جميعا بالفزع».
والحقيقة التي يجب أن تقال إن أحد أسباب هذا الاهتمام العالميّ بقضية خاشقجي وما أدّت إليه من كشوفات حول السعودية وحكامها هو أن تفاصيلها والطريقة التي خطّط لها وتم تنفيذها تصيب أيّ شخص يقرأ أو يسمع عنها بالفزع لأنها تتحدث بداية عن إنسان كان معروفاً بلطفه ودماثته واعتداله وحبه لبلاده ورغبته الصادقة في إصلاح أحوالها يدخل بقدميه إلى جزء من بلاده يعتبره آمنا ليفاجأ بخمسة عشر شخصاً توحي صورهم بأنهم أناس عاديّون كلّفوا بمهمة دبلوماسية لكنه يفاجأ بأنهم جاؤوا لقتله، ثم يخنقونه ويقطعونه ويخفون جثته ويذهبون لأكل الشاورما واحتساء الخمر كما لو أنهم كانوا في نزهة، ثم حين اضطرت بلادهم، تحت الضغط للاعتراف بالقتل، يتظاهر المسؤولون بأن لا شيء حصل وأنهم يستطيعون شراء ذمم كل دول العالم وضمائرها من دون عقاب.
ما تقوله هذه الأنباء والتصريحات كلها أننا نشهد أمراً مؤسفاً ومسيئا ليس لحكام المملكة وحدهم بل لكل العرب والمسلمين، فتراجع صورة السعودية بهذا الشكل الفظيع، وتحوّلها إلى مرادف للرعب هو تنميط إضافي لا يرغب العرب والمسلمون في إضافته عليهم فلديهم ما يكفي من تلك التنميطات.
السعودية التي فيها أقدس مواقع الأرض بالنسبة للمسلمين، هي ملك لهؤلاء جميعا ولا يمكن ربط مصيرها بتصرفات مجموعة قتلة، أو برغبة شخص واحد في التسلط، مهما علا شأنه.

النظام العربي: مأزق الوقوف أمام زحف التاريخ

Posted: 31 Oct 2018 02:13 PM PDT

عند تقدير وضع الأقليم العربي سنكتشف ان الكثير من الامور قد تغيرت في العقود الماضية، فإقتصاديات النفط الهائلة التي سبحت على أمواج من الأموال والتي أدت لفرص تعليمية و بنى تحتية لم تعد بنفس القوة والزخم عام 2018. تلك الطفرة النفطية التي إمتدت أثارها لكل الدول والمجتمعات العربية ساهمت في تجميد السعي للتغير والتأقلم والإصلاح والديمقراطية في الدول العربية، لقد خلقت الطفرة النفطية منذ سبعينيات القرن العشرين حالة وهمية حول العمل وشروط النجاح الإقتصادي في معظم الدول العربية. وعلى مر العقود تضاعف عدد السكان في الرياض كما وفي القاهرة و دمشق وبغداد وبقية المدن العربية، بينما الشعوب التي كانت بالأساس في معظمها من سكان الريف و الصحراء والبادية فقد زحفت أعداد كبيرة منها نحو المدن مما أدى للتكدس السكاني في كل الحالات والى إنتشار أحزمة فقر وبؤس في عدد كبير من العواصم والمدن العربية. يكفي أن نستذكر بأن العرب في العام 1967 لم يتجاوز عددهم المائة مليون، واذا بهم اليوم في 2018 أكثر من 425 مليونا. لقد تغيرت طبيعة سكان الإقليم العربي الذي إزداد تنوعا بحكم المدنية والإختلاط والتعليم والتغيرات الإقتصادية. بمرور الوقت والعقود تغيرت تركيبة المجتمعات وهو ما إنعكس على تكوين الفئات والطوائف والطبقات والعلاقات بين الناس وخاصة بين من يملكون القوة السلطة ومن لا يملكونها.
هذا التغير الكبير في إقتصاديات المنطقة وطريقة الحياة ومستويات التعليم لم يقترن على الاطلاق بتغير في أسلوب القيادة و السياسة. إذ لازالت السياسة لدى العرب تقوم على إنعدام مشاركة الناس في شؤونها وقراراتها، ولازالت تتشكل الأنظمة العربية من رئيس سلطة تنفيذية غير منتخب يحيط به قلة من الأفراد غير المنتخبين ممن يقررون كل شيء باسم الشعب والناس والعموم. لازالت عادات السياسة في العالم العربي تقوم على إسكات المختلف وتهجيره، ومازالت عادة سجن الناقد و محاربة المحتج من قبل السلطات العربية مستمرة ليومنا هذا. كل شيء تغير في البلدان العربية إلا حالة القمع والحريات وتلبية المطالب الديمقراطية. في رواية جورج أورويل 1994 نقرأ عن أجهزة لقراءة أفكار الأفراد، وعن دور الدولة و بوليس الأفكار. عالمنا العربي لازال أسير الإستبداد وبوليس الأفكار وفي هذا مقتله وسبب ترديه وسقوطه التاريخي.
لهذا تسير القاطرة العربية بلا هدى نحو مصيرها النهائي وذلك بسبب ضعف واضح في التأقلم مع مقتضيات الحقوق والدولة المسائلة. فحتى اللحظة لن ينجح النظام العربي في التعامل مع السياسة والحرية ومع التغير و إدارة التنوع، ومع التداول على السلطة والتداول على الرأي. إن عقم التفكير السياسي العربي انعكس على كل مؤسسات النظام العربي بما فيها مؤسسة الجامعة العربية ومؤسسة مجلس التعاون الخليجي.

مازالت عادة سجن الناقد و محاربة المحتج من قبل السلطات العربية مستمرة ليومنا هذا. كل شيء تغير في البلدان العربية إلا حالة القمع والحريات وتلبية المطالب الديمقراطية

قصة جمال خاشقجي تتويج للحالة التي وصل اليها العرب في 2018. ففي نظام عربي يعطي للمال والأبنية الشاهقة أكبر التركيز ويتعامل مع حرية البحث والمعرفة والرأي بصفتهم من أكبر الجرائم لن يكون فيه مكان للعلماء وللصحافيين والمعرفة. في اجواء كهذه يقتل مجتمع الاحرار وتصفى قيم النهضة وتندثر روح الإنجاز وتعم الرغبة في الهجرة. في هكذا نظام لا مكان لنصح حاكم، لا قيمة لحوار مفتوح أو للكتاب مفيد. منذ ايام اعتقل في مصر مؤلف كتاب لانه سأل السؤال هل فعلا مصر دولة فقيرة؟ في نظام عربي كهذا تصبح كل القيمة للتفاهة و الطاعة و لصفقات أسلحة مليارية، بل ترتفع حالة التحريض على المختلفين الذين يمثلون بشكل او بآخر الأمل الوحيد للنظام العربي للخروج من محنته.
قبل خمسة عقود توفر للعرب قادة عرب من أصحاب الرؤية، وهذا يتناقض مع ما هو قائم اليوم، هؤلاء القادة الذين برزوا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين كانوا بنفس الوقت مناصرين للتغير والتقدم ومؤمنين بالإستقلال الوطني، لم تكن مشاريعهم مغموسة برائحة الفساد والدم كما هو حاصل في 2018. بل كان النظام العربي قد إنبثق في شكله الاولي من رحم العروبة وهزيمة فلسطين ولهذا حمل معه روحا وطنية وصدقا مع النفس قلما نجده في الساحة العربية اليوم. النظام العربي الذي تطور بعد الحرب العالمية الثانية كان متصادما بنسب مختلفة مع الإستعمار والإستغلال والصهيونية، كان ذلك النظام بنفس الوقت نتاج تطور سابق لفكرة العروبة، ولهذا بالتحديد كان متعطشا للتعليم والبناء ومحو الأمية.
في خمسينيات وستينيات القرن العشرين برز في الإقليم قادة، رغم الكثير من أخطائهم، إلا أنهم تحلوا بالصدق وحس الإنجاز والإنتماء كالرئيس السابق جمال عبد الناصر في مصر والملك فيصل بن عبد العزيز في السعودية والشيخ عبد الله السالم في الكويت وصولا لشكري القوتلي في سوريا. هؤلاء القادة وأمثالهم كانوا صانعي المراحل الأولى في تشكيل النظام العربي.
الخطأ القاتل الذي وقع فيه النظام العربي هو إكتفاؤه بما تحقق في الماضي من استقلال وبدايات الدول العربية الحديثه. لم يطور النظام العربي نفسه، لم يصلح حاله، لم يفتح حوارا يستند لضرورة بناء قوة حقيقية مكونة من الشعب وتنوعه ومكانته. بل تراجع النظام العربي في العام 2018عن فكرة الإستقلال، واصبح ضعيفا امام الغرب كما وإسرائيل التي بدأت تخترقه وتنتهزه من كل جانب. بل أصبح النظام العربي في نسخته الاخيرة مدمنا على السلطة لأجل السلطة، وأصبح خائفا خاصة منذ 2011 من الشعب والقوى الإجتماعية الجديدة التي برزت بسبب التعليم والتحديث. النظام العربي في شكله الراهن يمنع الكلمة الحرة ويشرع الفساد محولا اياه لأسلوب في الإدارة وفن في البقاء في السلطة. لقد أفلس النظام العربي عندما اصبحت معركته الأهم الوقوف امام زحف التاريخ وحرية الإنسان العربي.

استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

تبريرات غير مقنعة للتلاعب بقضية قومية

Posted: 31 Oct 2018 02:12 PM PDT

هل حقا أن مسيرة التنمية في بلاد العرب متعثرة بسبب عدم اعترافهم بسلطات الكيان الصهيوني في فلسطين العربية المحتلة؟ أم أن التنمية متعثرة، كما تؤكدها مئات الدراسات والتقارير الدولية، بسب الفساد المالي والسياسي المتجذر في كثير من مؤسسات الحكم والإدارة العربية، وبسبب الاقتصاد الريعي الذي يسمح بتركز الثروة في يد أقلية، بعيدا عن رقابة ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني، وبسبب الارتباط التابع العاجز مع مؤسسات الاقتصاد والمال الدولية المهيمنة؟
فاذا كان البعض يريد التملص من التزاماته القومية العروبية تجاه أرض فلسطين العربية، ومن أحاسيسه الأخوية الإنسانية تجاه شعب فلسطين العربي المنكوب، فليستعمل مشجبا آخر غير موضوع التنمية المتعثرة ليعلق عليه تبريراته وخيالاته التي لن تنطلي على الأغلبية الساحقة من شعبه. لنذكر هؤلاء، من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، بتاريخ وقوف كل مكونات أمتهم العربية منذ بضعة عقود فقط في سبيل تحررهم من الاستعمار الغربي الذي كان جاثما على أرضهم. ألم تكن التزامات رابطتي العروبة والإسلام وراء مساندة كل أقطار الوطن العربي لهم في سبيل حريتهم واستقلالهم؟ هل نسي كل ذلك؟ ثم، ليعطونا مكونا واحدا من مكونات التنمية الذي لا يمكن توفره إلا من خلال السلام مع الكيان الغاصب الاستيطاني الذي يقطر دم الألوف من أطفال ونساء وشيوخ فلسطين من أيادي قادته؟ هل إن الاستثمارات والتكنولوجيا والعلم والصناعة لا توجد إلا في ذلك الكيان؟ أليست متوفرة في الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية؟
أضف إلى ذلك، ألا يخجل بعض إعلاميي وكتبة ومرتزقة المنافقين من بعض هؤلاء العرب من تكسبهم الانتهازي الذليل على حساب آلام وأحزان وحقوق أربعة عشر مليونا من إخوانهم الفلسطينيين؟ ألا يرون، حتى بأدنى مستويات الفهم وتحكيم الفطرة والضمير، الدمار والجوع والتهميش والإذلال والتوقيف التعسفي والقتل المتعمد والنهب الممنهج للأرض الفلسطينية، التي يعيشها الإنسان الفلسطيني على يد جنود الاحتلال وغزاة الاستيطان ومن يساندهم في الغرب الاستعماري؟ كل ذلك يرونه بأم أعينهم يوميا، ومع ذلك، وعلى الرغم من كل ذلك، يكتبون وينشدون قصائد المديح في «ديمقراطية» و»سلمية» و»تحضر» و»تقدم» الوجود الصهيوني الاستعماري في أرض تاريخية مقدسة من هذا الوطن العربي المنهك المستباح؟ أم أن قيم المروءة والعدالة والإنصاف والأخوة الإنسانية أصبحت بضاعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة والبغاء في أرض العرب؟
دعنا نكن واضحين وصادقين مع النفس، إذ ما عاد من الممكن التستر على أي شيء ومراعاة خاطر هذه الجهة أو تلك. نحن العرب، لدينا ألف مشكلة ومشكلة مع إيران، وبعض قادتها ومؤسساتها يحملون مسؤولية تفاقم الكثير من تلك المشاكل، ولكن، هل حقا أن الطريق لمواجهة وحل تلك المشاكل مع إيران يمر عبر شوارع ومؤسسات حكم تل أبيب والتناغم مع استخباراتها؟ ألا يكمن الحل في إنهاء الصراعات العربية ـ العربية التآمرية السياسية، والابتعاد عن الصراعات الطائفية، وإرجاع الحياة إلى جثة النظام العربي القومي الإقليمي، ممثلا بالجامعة العربية، ليكون ندا ووزنا يحسب له ألف حساب من قبل دول إقليم الشرق الأوسط غير العربية، وأيضا في الساحة الدولية؟ وبهذه المناسبة دعنا نطرح سؤالين آخرين مفصليين متعلقين بمعرفة حقيقة هذا الموضوع القومي الوجودي.
*الأول ، لماذا لا تقوم مراكز البحوث والدراسات العربية، المستقلة عن مماحكات الحكومات العربية، والصراعات الفلسطينية ـ الفلسطينية، بإجراء استفتاءات لعينات ممثلة وصادقة من المواطنين العرب في مختلف أجزاء وطن العرب، بشأن موقفهم من التطبيع مع العدو الصهيوني؟ ثم وضع النتائج أمام المسؤولين المطبعين ليعرفوا مدى القبول أو الرفض لما يفعلونه، ظلما واستهتارا، بقضية شعب منكوب بتكالب الخارج والداخل والقريب عليه وعلى وطنه.

هل الطريق لمواجهة وحل مشاكلنا مع إيران يمرعبر شوارع ومؤسسات حكم تل أبيب والتناغم مع استخباراتها؟

*ثانيا، لماذا لا تنبري بعض مؤسسات المجتمع العربي السياسية والحقوقيه، متعاونة ومتساندة، باستدعاء ملايين المواطنين العرب للتوقيع على رفض تام للتطبيع، من أي نوع كان وبأي مستوى، من خلال شبكات التواصل الإلكترونية المعروفة؟ ثم وضع ذلك أمام المطبعين ليعرفوا مدى الرفض لما يفعلون.
وما دمنا نريد أن نكون صريحين وصادقين مع النفس، لنسأل مؤسسات وتجمعات الفلسطينيين السياسية، إينما تكون وتحت أي مسمى، ألم تصل بعد إلى القناعة بأن انقساماتهم النفعية وصراعاتهم الانتهازية العبثية، وبيع بعضهم لأنفسهم ولقضية شعبهم، وخيانات بعضهم جهارا، من دون عقاب ولا رادع، هي أحد لأسباب الرئيسية التي يتذرع لوجودها بعض المطبعين لتبرير ما يفعلون؟ ما عاد السكوت ممكنا أمام منظر الانقسامات والصراعات الفلسطينية تلك.
إنها فضيحة أخلاقية ووطنية وقومية، لا يمكن تبريرها ولا يمكن تغطيتها بعار قلة الحيلة وبأقنعة الحاجة لهذه الجهة أو تلك. ليس الهدف لوم هذه الجهة العربية أو تلك، فاللوم في الحقيقة يجب أن يقع على أمة العرب جميعها التي سمحت بكل ذلك من كثرة تغاضيها عن أخطاء قادتها، وهوانها على نفسها، واستعدادها لقبول كل من هب ودب وكل ما هب ودب، ثم وضع اللوم الكاذب على الإرادة الإلهية العادلة، بالترديد الدائم الببغائي لمقولة «لا حول ولا قوة إلا بالله» تهربا من مسؤولية النضال، للخروج من هذا الوضع المأساوي الحزين.
كاتب بحريني

الكلمات المفتاحية

مبروك لـ«انبياء» التشاؤم واليأس

Posted: 31 Oct 2018 02:12 PM PDT

حقُّ «انبياء» التشاؤم واليأس والإحباط علينا، وواجبنا تجاههم، بعد اسبوع حافل بمظاهر التطبيع بين حكام ومسؤولين عرب ونظرائهم الاسرائيليين، ان نتقدم اليهم بآيات التبريك والتهنئة. ولا تتوقف هذه التهاني عند عتبات هؤلاء الـ»انبياء»، بل تمتد لتصل إلى «صوامع» مريديهم، من «كُهّان» و«شيوخ»، ولتدخل بيوت كل رعاياهم، وابناء «رعيّاتهم» من جميع الطوائف والمِلَل والنِّحل.
لستُ، واحدا من هؤلاء الـ»أنبياء»، ولا من أُولئك «المريدين والرعايا. ومعي، في هذا الموقف، ملايين من الفلسطينيين، وعشرات، بل مئات الملايين من العرب، ومليارات من البشر، في مشارق الارض ومغاربها، المناصرين للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، والواثقين بانتصار العدل والسلام، في نهاية المطاف.
نبدأ بتسجيل الاحداث ذات العلاقة، خلال هذا الاسبوع الحافل:
ـ استقبلت دولة قطر العربية، في عاصمتها، الدوحة، وفدا رياضيا اسرائيليا، شارك في مباريات عالمية في رياضة الجمباز.
ـ استقبلت دولة الامارات العربية المتحدة، في عاصمتها، ابو ظبي، وفدا رياضيا اسرائيليا، شاررك في مباريات عالمية في رياضة الجودو. ولكن هذا الوفد جاء مُعزّزا بوزيرة الثقافة والرياضة الاسرائيلية، ميري ريغف، الموغلة اليمينية والعنصرية، التي شغلت سابقا منصب رئيسة الرقابة العسكرية على وسائل الاعلام، كما شغلت من قبل ايضا، منصب الناطقة باسم الجيش الاسرائيلي، وهي الوزيرة التي تعرضت لكثير من النقد والادانة في وسائل الإعلام الاسرائيلية، نتيجة تصريحات بالغة العنصرية، قد يكون أهم ما هو عالق في الاذهان، تعابيرها الفجّة والمشينة، في توصيف رفع الأذان في مساجد القدس العربية.
على ان ما زاد من صدمة الرأي العام الفلسطيني والعربي، عزف النشيد الوطني الاسرائيلي مرتين خلال هذه المباريات، عندما أحرز لاعبان اسرائيليان ميداليتين ذهبيتين، وبدت الوزيرة ريغف خلال عزفهما، وهي تذرف دموع الفرح والغبطة، بسماع النشيد الوطني الاسرائيلي في العاصمة العربية.
ـ استقبل سلطان عُمان، قابوس بن سعيد، في العاصمة مُسقط، «دولة رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو»، (حسب تعبير التلفزيون العماني الرسمي)، والوفد المرافق له، وأبرز اعضائه، بالاضافة إلى زوجة نتنياهو)، رئيس الموساد الاسرائيلي، ورئيس مجلس الأمن القومي، وعدد من الضباط الاسرائيليين الآخرين، وغيرهم. لكن وبالإضافة للمحادثات السياسية والأمنية مع نتنياهو ووفده، أقام السلطان لضيفه مأدبة عشاء رسمية، تخللها حفل فني، في اشارة فاقعة لعمق العلاقات الودية مع رئيس حكومة قتل جيشها يوم الزيارة نفسه خمسة مدنيين فلسطينيين.

ليس أمام الفلسطينيين إلا الاعتماد على الذات… وأولى الخطوات هي إعادة صياغة الحركة الوطنية الفلسطينية

ـ استقبلت إمارة دبي، في الامارات العربية المتحدة، وزير الاتصالات في الحكومة الاسرائيلية، أيوب قرّا، العربي الدرزي، العضو في حزب الليكود اليميني العنصري، المقرب من نتنياهو، والمحسوب على «الصقور» في ذلك الحزب. وكانت الزيارة في إطار مؤتمر «الاتحاد الدولي للاتصالات»، واعطي قرّا حق إلقاء كلمة ألقاها بالعربية، وتحدث فيها عن السلام والأمن لكل «دول» المنطقة.
لا يجوز التقليل من أهمية ودلالات هذا التدفق الإسرائيلي إلى العواصم العربية. هي خسارة كبيرة لكل الفلسطينيين، ولكنها خسارة ساحقة ماحقة لمن راهن على حكام دول عربية، بدل رهانهم على الحركة الوطنية الفلسطينية.
في صراعنا الطويل والمتواصل مع الحركة الصهيونية واسرائيل، منذ أكثر من قرن من الزمان حتى الآن، اهتدينا قبل أكثر من خمسين سنة، ومع انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، إلى أن «رأس الحربة» في هذا الصراع، هو الحركة الوطنية الفلسطينية. لكن حسم هذا الصراع لا يتم بـ«رأس الحربة» وحده فقط، وان رأس الحربة يصبح حاسما عندما يتم تعزيزه بجسم الحربة. وجسم الحربة هنا هو الجماهير والدول العربية، وكذلك ملايين البشر في العالم، الذين يناصرون الحق والعدل.
ما نشهده هذه الايام، هو خروج للعلن، لمواقف وسياسات نعرفها تماما، عمرها سنوات عديدة، ان لم نقل عقودا، لكن اسبابا عديدة ومتشابكة، مكّنتها هذه الايام من الخروج إلى العلن، ولعل أبرز هذه الاسباب وأهمها ثلاثة:
اولا: «رأس الحربة» ذاته، وهو الحركة الوطنية الفلسطينية مثلوم. كان الخارج الفلسطيني رافعة وداعم للداخل الفلسطيني، وكان الداخل الفلسطيني رافعة وداعما للخارج الفلسطيني. أصبح الخارج الآن عبئاً على الداخل، والداخل عبئا على الخارج. كانت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، «انجبت» المنظمة «السلطة الوطنية الفلسطينية»، فتغوّلت السلطة على المنظمة. كانت الضفة رافعة وداعمة لنضال غزة، وكانت غزة رافعة وداعمة لنضال الضفة، وكانت الضفة وغزة حاميتين للقدس وأهلها. أصبحت غزة عبئا على الضفة، وأصبحت الضفة عبئا على غزة، واصبحت القدس لقمة سائغة في فم اسرائيل، تبتلعها بشكل مبرمج ومتواصل. إنه رأس حربة مثلوم.
ثانيا: يشكل ما تمر به غالبية الدول العربية، من تطاحن وحروب بينية، وحروب فيها وعليها سببا حاسما في ما نشهده من انهيارات في مزالق لم نصل إلى قعرها بعد. وهذا الوضع فتح الباب بالكامل لحكام عرب، للارتماء في احضان اسرائيل، سراً، في البداية، وعلنا» في هذه الايام. وعندما يكون رأس الحربة مثلوما، فإن جسم الحربة يصبح مجرّد عود لا أكثر.
ثالثا: وضع عالمي غير مريح، يتربع على رأسه رئيس أهوج، يشكل خطرا على مستقبل بلده وعلى حلفائه، أكثر من خطره على أعدائه التقليديين وأعدائه الجدد. لكنه، بما تملكه بلده من قوة عسكرية واقتصادية وعلمية، يساند الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي بشكل غير مسبوق، ويبتز حكاما ودولا عربية بشكل علني ومُذلٍّ غير مسبوق ايضا.
في مثل هذا الوضع، ليس امام الفلسطينيين إلا الاعتماد على الذات. وأولى الخطوات هي إعادة صياغة الحركة الوطنية الفلسطينية، أو العمل على انطلاقة جديدة لحركة وطنية فلسطينية جديدة، تتعلّم من تجارب التاريخ الفلسطيني الحديث، وتتحدث بلغة وسلاح العصر.
هذا يستدعي همة قوية، ونبذا مطلقا لـ«أنبياء» التشاؤم والإحباط واليأس والتيئيس.
قد يكون في ما انتهى اليه الكاتب الاسرائيلي، يوسي أحيمئير، (رئيس إدارة معهد جابوتنسكي في اسرائيل، ورئيس تحرير مجلة «الأمة» الفصلية، وعضو الكنيست السابق عن حزب الليكود)، في مقال له قبل يومين في جريدة «معاريف» الإسرائيلية، في تقييمه لزيارة نتنياهو إلى عُمان، عبرة يجدر بنا التمعن بها، حيث يقول: «مع كل أهمية زيارة رئيس الوزراء إلى عُمان البعيدة، ومع كل أهمية العلاقات المعقدة مع عمّان القريبة، حذار أن ننسى أنه في الشرق الأوسط كل شيء سائل، كل شيء من شأنه أن ينقلب علينا 180 درجة».

كاتب فلسطيني

قمة إسطنبول الرباعية وتربيع الدائرة

Posted: 31 Oct 2018 02:11 PM PDT

كان الغياب الأمريكي عن القمة الرباعية التي استضافها الرئيس التركي رجب أردوغان، في إسطنبول، هو العلامة الأبرز في الحدث. ليس فقط لأنها القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولا يمكن اتخاذ قرارات كبرى، كمصير سوريا مثلاً، بدون مشاركتها وموافقتها، بل كذلك لأنها تحتل، عملياً، أكثر من 20٪ من مساحة الأراضي السورية، ولديها عشرات القواعد والمطارات العسكرية، إضافة إلى وجود قوات برية حليفة لها، قوات سوريا الديموقراطية.
والحال أن القمة هذه ما كان لها أن تعقد في إسطنبول، أصلاً، لو أرادت واشنطن المشاركة، في ظل تضارب الأجندات المعلن بينها وبين أنقرة. من جهة أخرى، أراد القادة الأربعة المشاركون في قمة إسطنبول أن يقنعوا العالم، كل بدوافعه الخاصة به، أن اجتماعاً للبحث في مصير سوريا هو أمر ممكن بدون مشاركة أو تشويش أمريكيين، نظراً لما يعانونه جميعاً في التأقلم مع شخص متقلب المزاج كدونالد ترامب متربعاً في البيت الأبيض. هل نجحوا في هذا الإقناع؟ قراءة البيان الختامي وتصريحات القادة في المؤتمر الصحافي المشترك تجيب بالنفي. ولكن الصورة بذاتها مهمة. صورة اجتماع كبير، يجمع معاً ممثلين من مسار آستانة الثلاثي والمجموعة المصغرة السداسية، الجهتان المعنيتان بالموضوع السوري، في غياب واشنطن. كأن القادة الأربعة، والجهات التي يمثلونها، قد رددوا شعار باراك أوباما الانتخابي: (نعم، نستطيع!).
ولكن هذا كل شيء! تضارب أجندات الدول الأربعة الممثلة في القمة، أو تباينها، كان واضحاً في البيان الختامي الذي يشبه، إلى حد كبير، بيانات القمم العربية التي اشتهرت بإرضاء كل المشاركين، بحذف جملة في مسودة البيان هنا، أو إضافة جملتين هناك، أو تعديل عبارة هنالك. بحيث يحصل الجميع على ما يريدون على مستوى الكلام المكتوب، كتسجيل موقف، ثم ينفض الاجتماع ليتابع كل نظام سياسته المعتادة كأن شيئاً لم يحدث.
ففي الأمور الأساسية ظل بوتين متمسكاً بمواقفه، فلم يمنح شركاءه في القمة وعداً قاطعاً بعدم الهجوم على إدلب، متوعداً بالرد على ما وصفه بـ«استفزازات المتشددين» في الوقت الذي لم يشهد الميدان فيه غير استفزازات كبيرة من النظام الكيماوي الذي ارتفعت وتيرة هجماته، في الأسابيع الماضية، على المنطقة منزوعة السلاح وجوارها. إضافة إلى مطالبته تركيا بالإسراع في نزع السلاح الثقيل من الفصائل في إدلب، في حين أن ذلك قد تم إلى حد كبير. أما بالنسبة لموضوع اللجنة الدستورية الذي رحَّله البيان الختامي من نهاية تشرين الثاني إلى نهاية العام، فقد «صارح» بوتين شركاءه في القمة بصعوبة إقناع «الحكومة السورية» في موضوع «يمس سيادتها» مكرراً بذلك كلام وليد المعلم بخصوص اللجنة الدستورية، أي مطالبة النظام بثلثي اللجنة ورئاستها، الأمر الذي كان موضوع شكوى المبعوث الأممي ديمستورا.

تضارب أجندات الدول الأربعة الممثلة في القمة، أو تباينها، كان واضحاً في البيان الختامي الذي يشبه، إلى حد كبير، بيانات القمم العربية التي اشتهرت بإرضاء كل المشاركين

وهكذا جاءت مواضيع كالتشديد على المضي في الحل السياسي، أو المحافظة على وقف إطلاق النار، أو تهيئة الشروط الميدانية لعودة اللاجئين إلى ديارهم وغيرها، من موجبات الكلام الإنشائي الذي لا بد من حشو البيانات الختامية به. وفي حين تم إرضاء تركيا بالتأكيد على وحدة الأراضي السورية، وإضافة عبارة «كل التنظيمات الإرهابية» إلى محاربة داعش والنصرة والمنظمات المرتبطة بالقاعدة، مما شملتها قائمة مجلس الأمن للمنظمات الإرهابية، كان نصيب ألمانيا وفرنسا ذكر البيان لمرجعية القرار 2254 للحل السياسي، وإن كان ذلك بصورة ملتبسة، جنباً إلى جنب الحديث عن أهمية مسار آستانة ـ سوتشي، والتنويه بالإنجاز الروسي ـ التركي للهدنة في إدلب.
من مفارقات هذه القمة الرباعية أن ممثلَيْ الاتحاد الأوروبي فيها، ألمانيا وفرنسا، كانا الطرف الأضعف أمام بوتين وأردوغان اللذين يحتفظان بوجود عسكري مباشر على الأراضي السورية، مقابل وجود رمزي للدولتين الأوروبيتين. وفي حين كانت أنجيلا ميركل «أم الصبي» في موضوع اللاجئين، كما في التنكب المحتمل للقسم الأكبر من أعباء إعادة الإعمار التي تطالب بها روسيا بإلحاح، كان الحضور الفرنسي أقل طموحاً، وهو المقتصر على وجود عسكري رمزي في منبج، وضجيج إعلامي حول دور سياسي لا يستند إلى أساس متين سوى رغبة ماكرون في الظهور بمظهر من يفعل شيئاً.
أما الرئيس التركي أردوغان فقد نجح في تقديم نفسه إلى الرأي العام الداخلي بوصفه عقدة الربط بين «آستانة» و«المجموعة المصغرة» كما بين أوروبا وروسيا، عشية احتفال تركيا بالذكرى السنوية الخامسة والتسعين لتأسيس الجمهورية التركية، موعد افتتاح «مطار إسطنبول» الأكبر في العالم. ففي الحسابات السياسية الداخلية، لهذه القمة قيمة معنوية كبيرة في وقت تستعد فيه الأحزاب السياسية لخوض الانتخابات البلدية في آذار 2019. غير أن المواجع التركية ليست مع أوروبا أساساً، بل مع الولايات المتحدة، الغائبة ـ الحاضرة في قمة إسطنبول. وإذا كان غيابها مريحاً لبوتين وأردوغان، فإن حضورها كهاجس يكاد يفرغ إنجاز إسطنبول من مضمونه، وبخاصة في وقت تنشط فيه الدبلوماسية الأمريكية في الملف السوري بسياسة «جديدة» وأكثر تدخلية على ما أعلن الممثل الخاص جيفري. صحيح أن إطلاق سراح القس برونسون، قد أذاب بعض الجليد المتراكم بين واشنطن وأنقرة، لكن ما تحت الجليد يبقى أهم بالنسبة لتركيا: تحالف الأمريكيين مع وحدات حماية الشعب الكردية، وبقائهم شرقي نهر الفرات حتى إشعار آخر.
أما الغياب الإيراني عن قمة إسطنبول، فلم يكن بأهمية الغياب الأمريكي، على رغم تدخلها المكثف في الصراع السوري، عبر الميليشيات الشيعية التابعة لها. فلم يكن لحضورها أن يقدم لها شيئاً في محنتها، بل كان من شأنه أن يلغم القمة من حيث استثارة غضب ترامب، وهو ما لا يريده المجتمعون الأربعة.
القمة التي قد تناسب متطلبات طهران وطموحاتها هي تلك التي يمكن أن تعقد في مكان آخر، وبمشاركة مختلفة، مثلاً: إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا. وربما كانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى سلطنة عمان، في جانب منها، تعويضاً لإيران عن غيابها عن قمة إسطنبول.

كاتب سوري

خاشقجي: شعلة تقاوم الرياح

Posted: 31 Oct 2018 02:10 PM PDT

متحف الـNewmuseum في نيويورك متحف تفاعلي يروج للحريات الأساسية، وفي مقدمتها حرية التعبير، عملا بمبادئ الدستور الأمريكي في مجال نصرة الحقوق والحريات الفردية والمدنية. على واجهة المتحف حاليا صورة لجمال خاشقجي. وبما أن الواقع لم يترك لنا سوى المجال لتخليد ذكرى الراحل، أغتنم المناسبة لإثارة ذكرى متواضعة، ولكنها قوية، أكيد أنها تراود مخيلات وتجيش في صدور الكثيرين.
إنها ذكرى جمال خاشقجي في إطلالاته التي لا تعد ولا تحصى، جمال الذي ما كانت تمر علينا أيام حتى نستفيد من كلماته على هذه القناة أو تلك فيحظى المشاهد بإطلالات أقرب ما تكون إلى الدرس الجيوسياسي، ليس لمجرد مواقف الرجل الذي عرف كيف يحدد بها ثوابت واضحة المعالم مستقرة البنيان، وسط بحر لجوج من متغيرات كثيرا ما تميل العلاقات الدولية إلى حيثما تميل الرياح، ولكن أيضا لدقته في اختيار مصطلحات بها تصل هذه المواقف جلية إلى المتلقي.

كان جمال خاشقجي يستخدم تؤدته الطبيعية وفوق كل اعتبار إنسانيته للوصول إلى مبتغاه، وهذا كان تميزه

كان جمال خاشقجي نموذجا تربويا بامتياز، يعبر عن مواقفه بطريقة معكوسة عن كثيرين يأتون إلى البرامج النقاشية معتقدين أن بقدر ما تشدد نبرتك بقدر ما تقوي موقفك. لقد كان جمال خاشقجي يستخدم تؤدته الطبيعية وطيبوبته الفكرية، وفوق كل اعتبار إنسانيته للوصول إلى مبتغاه، وهذا كان تميزه.
يغيب جمال الآن وتنطفئ بغيابه أضواء المدينة، لتنيرها في المقابل واجهة متحف مرموق تغطيها جدارية عريضة فسيحة تعرض صورته للعالم. ويستطيع المرء هنا ملاحظة ومعاينة كيف يؤدي المتحف إحدى أنبل رسائل الفن التي تصاحب التوعية والتثقيف وهي التكريم. كان لجمال وله الآن وسيكون له في المستقبل المنظور والبعيد شقيقات وأشقاء، أنى وجدوا على وجه البسيطة، وقفوا ويقفون وسيبيتون واقفين إلى جانب أخلاقياته، أخلاقيات المهنة، التي تفرض حرية التعبير جسرا للوصول إلى باقي الحريات التي ليست مضمونة أبدا. جمال خاشقجي شعلة الأمل الذي لا يقهر: شعلة لا تنطفئ، ليس لمجرد أنها تقاوم الرياح، بل لأنها تذوبها أيضا، بل أولا.

باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي

هل أوشكت القضية الفلسطينية على نهايتها؟

Posted: 31 Oct 2018 02:09 PM PDT

من الملاحظ لدى المهتمين بالشأن الفلسطيني أن القضية الفلسطينية لم تعد تحظى بالاهتمام العربي والدولي الذي حظيت به في الماضي، وجرى تهميشها أكثر وأكثر في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب الذي يقود يمينا متوحّشا.
هذا الشعور بهبوط القضية الفلسطينية من الصدارة، عزّزته الصراعات والحروب الأهلية في العالم العربي والانقسام الفلسطيني، وغياب الرّغبة الحقيقية في رتق ما تمزق من نسيج بين من يقودون غزة ورام الله، ثم مشاهد التطبيع من مختلف الأقطار العربية التي تطفو بين فترة وأخرى بصورة مكشوفة، سواء بزيارات عرب إلى تل أبيب، أو زيارات تل أبيبية إلى أقطار عربية.
هذه الهرولة ليست جديدة، بل قديمة ومنذ عقود، ولكنها كانت مؤجلة، تنتظر فرصة للظهور منذ اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فما هو الحجم الحقيقي لسلطنة عُمان وإمارة أبو ظبي وغيرها، مقارنة بمصر التي بادرت إلى أول سلام مع إسرائيل، التي يزورها عشرات آلاف الإسرائيليين سنويا؟ ومن بعدها المملكة الأردنية، إضافة إلى نوايا التطبيع بصور مختلفة مع المملكة المغربية من خلال السياحة الإسرائيلية إلى المغرب، ونشاطات ومشاركات ثقافية لا تفسير لها سوى التطبيع. يتوّج هذا الإحباط ما يسمى الحرب على الإرهاب، التي قد لا تنتهي في العقود القريبة، لأن من صنع هذا الإرهاب ثم أعلن الحرب عليه، له فيه مآرب لمّا تنته بعد، وقد تطول. على ضوء هذا الواقع، هل يمكن القول إن القضية الفلسطينية انتهت، أو تشرف على نهايتها بانتظار صفقة تقضي على آخر جيوب المقاومه فيها؟
في الحقيقة أن القضية الفلسطينية لا يمكن لها أن تنتهي، لأن الحركة التي خلقت المشكلة الفلسطينية منذ البداية لم تستهدف شعب فلسطين لوحده، وأطماعها أوسع من مساحة وموارد فلسطين. الشعوب العربية ليست متحرّرة وإن اختلفت الصور أو الطُرق التي تُحكم بها، وقضاياها الجوهرية مرتبطة ببعضها بعضا، فلا يمكن فصل قضية فلسطين وما جرى لأرضها وشعبها عن قضايا الشعوب العربية التي تطمح إلى العدل والتحرّر من أنظمة لم تعد صالحة لاستعمال هذا العصر. الصهيونية التي تسببت بالمعضلة الفلسطينية لم تتوقف عندها، بل جعلت من فلسطين، رأس جسر لاختراق العالم العربي، ومصيدة لكل نظام حاول أو يحاول التحرر من الهيمنة الاستعمارية، وفي الوقت ذاته فهي تصطف موضوعيا إلى جانب الأنظمة في قمع شعوبها.

الصهيونية جزء لا يتجزأ من القوى التي تقف حجر عثرة في طريق تحرر شعوب المنطقة العربية

القضية الفلسطينية لن تنتهي، لأنها جزء عضوي من قضايا الأمة العربية، وهي ليست منفردة أو حالة منفصلة عن ما جرى ويجري في المنطقة كلها، فالحركة الصهيونية تتحالف موضوعيا ضد الشعوب مع الأنظمة لحمايتها من خلال أجهزتها الأمنية مثل الموساد، أو من خلال دفع هذه الأنظمة لإثبات حسن السلوك والنوايا تجاه إسرائيل لترضى عنها أمريكا، وهي بهذا حركة معادية للمواطن العربي حيثما كان، مثل عدائها للفلسطيني، فالصهيونية جزء لا يتجزأ من القوى التي تقف حجر عثرة في طريق تحرر شعوب المنطقة وفي تجلّيات كثيرة، تارة تستخدم كشماعة لقمع المعارضين تحت شعار «حشد القوى لمحاربة العدو»، وتارة بتدخلها المباشر، فالمواطن العربي الذي يطمح إلى حرية سياسية واجتماعية، سيلقى مقاومة شرسة من قبل الأنظمة المدعومة صهيونيا خِفية، أو مباشرة، وذلك لأن إسرائيل ترى بتحرر أي شعب عربي من قيوده ونيله حريته خطرًا على مصالحها التي توفرها الأنظمة على مختلف الأصعدة، وما دام أنه من مصلحة إسرائيل أن تحمي هذه الأنظمة من شعوبها، فإنه من الطبيعي أن تكون الحركة الصهيونية متمثلة بإسرائيل عائقا أمام تحرر الشعوب العربية ككل، وأن ترى الشعوب بها عدوا.
نيل الشعوب العربية لحرّيتها، لا بد أن يمرّ عبر مواجهة حتمية مع من يناصر الأنظمة القمعية، ولهذا من الطبيعي جدا أن تكون قضية فلسطين جزءا من الصراع وليست الصراع كله، ولهذا يخطئ من يعتقد أن القضية الفلسطينية في طريقها إلى التلاشي بسبب استشراس الاحتلال وتفاقم الاستيطان وضعف القيادة الفلسطينية وتشرذمها، وبسبب الظروف الدولية المتجهة يمينا حتى التطرّف. فالمشروع الصهيوني لم يقتصر يومًا على شعب فلسطين وأرضه، وإنما يشمل المنطقة العربية وجوارها، مثل إفريقيا وإيران وكردستان وقد يتجاوز ذلك، ليبقى الصراع مفتوحا بين شعوب وأمّة تطمح إلى الحرية، وقوى محلية وإقليمية ودولية متحالفة تسعى لإبقاء هذه الشعوب تحت نير العبودية والتذيّل الاقتصادي، الذي وصل مع صعود ترامب إلى مرحلة دفع الخاوة والبلطجة، مقابل حمايتها من شعوبها ومن بعضها بعضا.
كاتب فلسطيني

الصلاة في محراب الثعلب

Posted: 31 Oct 2018 02:08 PM PDT

ربما كان في السياسة مس من الشيطان، ربما كانت هي الشيطان نفسه، ربما كانت رجساً من عمل الشيطان، والسياسي هو الشيطان، وربما لمح المراقب تشابهاً بين طريقة أداء السياسي وطريقة سير لاعب السيرك، أو مشية الثعلب إلى “قن الدجاج”.
السياسة تدخل الأشياء الجملية فتفسدها، وتحيد بها عن مقاصدها، وتُجيِّرها للمصلحة. إنها تتخفى تحت القضايا الإنسانية والمبدئية، تلبس مسوح الرهبان تارة، ترتدي أردية الضحايا أخرى، تصرخ كالنائحة المستأجرة في المآتم، تذهب في ثياب المحامين للدفاع عن القضايا العادلة، لا لكي تجعل تلك القضايا العادلة قضايا رابحة، ولكن لكي تربح هي من ورائها!
هل تستطيعون إحصاء عدد الساسة الانتهازيين الذين ركبوا موجة “الربيع العربي”، حيث انتهت الموجة بملايين المشردين على الرصيف، ومليارات الدولارات في حسابات أولئك الذين أجادوا التزلج على الموج؟ يخرج المتظاهرون إلى الشوارع محتجين على تردي الخدمات، وقمع الحريات وتراجع المداخيل، وتعاظم الفساد، فتظل السلطة ترقبهم، ثم يقفز منها ساسة ماكرون، ويلتحق بهم آخرون من المعارضة، ثم تذهب السياسة إلى الشوارع ذاتها وترفع للمتظاهرين لافتاتهم، وتتبنى كل مطالبهم، وتصوغ لهم خطابهم، وتكتب لهم بيانات المساء، إلى أن ينتهي زخم المظاهرات إلى أرصدة الساسة الماكرين، الذين أجادوا التخفي وراء مطالب المتظاهرين. وينتهي الأمر بالمتظاهرين إلى الموت والسجن والضياع والجوع، وبالساسة إلى الكراسي، وهكذا دواليك، لا المتظاهرون يتعلمون، ولا الساسة يشبعون.
حتى “الإرهاب”، دخلته السياسة، وظفته، جيّرت شيكاته لصالحها، لدرجة أن دولاً تمارس “إرهاب الدولة” دخلت على الخط، وتبنَّتْ القضية وأصبحت طائراتها تجوب السماوات، وسفنها تمخر البحار في مطاردة لـ”الإرهابيين” في ظاهر الأمر، وفي مسعى لكسب مواطئ أقدام خارج حدودها الجغرافية.
هل تستطيعون إحصاء عدد الساسة الذين ركبوا موجة الدين والوطن والقومية؟

السياسة والجودة لا تجتمعان خاصة في منطقتنا، وإذا ما وجدت مسؤولاً جيداً، فإنه لن يكون سياسياً جيداً على أي حال

هل تذكرون أن “النازي” أدولف هتلر أعلن الحرب العالمية الثانية باسم المسيح، وأن “الشيوعي” جوزيف ستالين عندما خاف الهزيمة فيها، طلب من الروس الدفاع عن دينهم، وأن طاغية مثل الحجاج بن يوسف قتل زاهداً كبيراً مثل سعيد بن جبير تقرباً إلى الله، وأن الحاكم بأمر الله الفاطمي كان يقتل ضحاياه، تقرباً إلى الله، ثم يعود ليبكي عليهم، وأن الخميني ثار على الشاه باسم الله، ثم عاد وقتل الآلاف من رفاقه في محاكم ثورية، وباسم الله كذلك. ألا تتصرف الثعالب عندما تنهش بالحيلة فريستها تصرفاً سياسياً بامتياز؟ وقبل سنوات لبس جورج بوش الابن مسوح الرهبان وهو يدمر العراق بالقاذفات الاستراتيجية، في مطاردة تشبه”مطاردة الساحرات” للإرهابيين من “القاعدة” الذين خبأهم صدام حسين في العراق، حسب الرواية الأمريكية، التي أضفى عليها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول ضرباً من الفانتازيا، باختراع قصة المفاعلات العراقية المحمولة على شاحنات متحركة، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي حينها. وفي كل موعد انتخابي نكون على موعد مع الوجبة نفسها من الصراخ والدعايات والهجمات والهجمات المضادة، والعزف على معاناة الناس، واستغلال أخطاء الحكومة، لا لتصويبها، ولكن لإزاحة من ارتكبوها للحلول محلهم.
ينظر للسياسي على أساس أنه فشل في أن يكون طبيباً او مهندساً أو محامياً أو مدرساً أو باحثاً أكاديمياً، أو أي وظيفة معتبرة، فأصبح سياسياً، أي أنه لجأ للسياسة للتغطية على عجزه في أن يكون صاحب مهنة نبيلة. ولأن السياسة تعد مجمع أصحاب الخيبات، يصاب المجتمع بأكمله بخيبة أمل مزمنة، ولأن السياسة مهنة العاجزين عن الإنتاج، تنتهي الشعوب إلى ملايين من العاطلين عن العمل على أرصفة الشوارع.
وفي الغرب وصلت المجتمعات إلى درجة قريبة من الحصانة ضد خطابات ووعود الساسة، وأصبح من الشائع تشبيه الوعود الانتخابية بوعود الغانيات أو بائعات الهوى. مرة كنت أطالع تغريدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تويتر، فأعجبني رد أحد القراء عليها، بالقول إن كلام ترامب مثل كلام فتاة قرأ بياناتها الشخصية على موقع لـ”المواعدة الغرامية”، وقد وصفت نفسها بأوصاف جعلت قلبه يخفق فرحاً لموعد اللقاء، ولما لقيها، وجد كل شيء خلاف ما كتبت، حتى الصورة، كانت صورة مستعارة، وفي ما يبدو أن الساسة يتصرفون على شيء من هذا النحو، في مواسم الانتخابات، ليفاجأ الناخبون بأن صورة الغانية على موقع “المواعدة” غير صورتها في الواقع.
ولأن الجرائد تحمل دائماً أخباراً سياسية، انصرف الكثير عن قراءتها، لمعرفتهم أن الساسة قلما يصدقون، وقد حرم آرثر رامبو لمس الجرائد، وصرخ: “أنتم تحدثونني عن أنباء السياسة، وأنا غير عابئ بها! لم ألمس صحيفةً منذ أكثر من سنتين، كلّ هذه السجالات تبدو لي الآن متعذرةً على الفهَم، أنا كالمسلمين، أعرف أنّ ما يقع يقع، وهذا يكفي”. وكان ونستون تشرشل يقول إن براعة السياسي تكمن في أنه يقول للجمهور إنهم ذاهبون إلى الجحيم، ولكنه يقولها لهم بطريقة تجعلهم يتطلعون بشوق للرحلة إلى هناك. وهذه بالضبط هي طبيعة الدعايات السياسية التي تسوق الجمهور إلى صناديق الانتخابات، رغم أنها هي الطريق الأسهل لسراب الأمنيات.
تعالوا بنا نقترب أكثر من التوصيفات. فلو كان لدى اليمنيين والسوريين والعراقيين والليبيين، على سبيل المثال لا الحصر، قادة يصدقون، لما سقطت تلك البلدان في الحروب والفوضى. يتحدث البعض أن تلك البلدان ليس فيها ساسة جيدون، ولكن الساسة الجيدين هم بالفعل الساسة السيئون، لأن الساسة بالنسبة للسلطة مثل الأخبار للصحافي، حيث الخبر السيئ هو الخبر الجيد، أما أن نبحث عن ساسة جيدين بالمعنى الحقيقي، فهذا يعني أن نذهب للشياطين لتعلم شروط الصلاة الصحيحة، لسبب بسيط، وهو أن السياسة والجودة لا تجتمعان، خاصة في منطقتنا، وإذا ما وجدت مسؤولاً جيداً، فإنه لن يكون سياسياً جيداً على أي حال. قال ونستون تشرشل إنه رأى مرة وهو يسير بين المقابر ضريحاً كتب عليه: هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصادق، فتعجب كيف يدفن اثنان في قبر واحد: زعيم سياسي، ورجل صادق!
وفي البلدان الديمقراطية أو شبه الديمقراطية، لا يهم السياسي الماهر أن يصب الجمهور لعناتهم عليه، خمس سنوات كاملة، هي فترة الدورة الانتخابية، ما دام أن اللعنات ستتوقف عشية الانتخابات، ليصب الملايين أصواتهم في الصندوق لصالحه، في صباح اليوم التالي.
أخيراً ليس مطلوباً من الثعلب أن يغير تصرفاته، هو هكذا مخلوق، لكن المطلوب من صاحب المزرعة أن يشدد الحراسة على دواجنه، وإذا كان الثعلب يأتي إلى الدواجن بين الحين والآخر ليفترسها، بحيلة أو بأخرى، فإن العتب على صاحب المزرعة، الذي لم يتعلم بعد أنه مثلما أن عين الثعالب على الدواجن، فإن عين السياسي على كعكة السلطة، التي يلبس لها مسوح الرهبان، ليصرف الجمهور إلى الكنيسة، فيما يتفرغ هو لافتراس الدواجن، وقبل عقود طويلة، قال شوقي:
مخطئ من ظن يوماً
أن للثعلب دينا
كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»

كلُّ‭ ‬عربيٍّ‭ ‬في‭ ‬زَمَنِنَا‭ ‬يَحمِلُ‭ ‬صَخرتَه‭ ‬على‭ ‬ظهرِه‭ ‬وَيَمضي‭! ‬

Posted: 31 Oct 2018 02:02 PM PDT

كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬أذهاننا‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليوميّة‭ ‬المتواترة‭ ‬التساؤل‭ ‬التالي‭: ‬هل‭ ‬أصبح‭ ‬الإنسانُ‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العصرالحاضر‭ ‬مخلوقاً‭ ‬حزيناً،‭ ‬شاكياً،‭ ‬باكياً،‭ ‬شقيّاً،‭ ‬متذمّراً،‭ ‬سيزيفيَّ‭ ‬النّزعة‭ ‬بطبعه‭..‬؟‭ ‬الجواب‭ ‬هو‭ ‬بدون‭ ‬تردّد‭: ‬أجل‭ ‬هذه‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬مِراء‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬نكرانها،‭ ‬كلّ‭ ‬عربيّ‭ ‬أمسىَ‭ ‬اليوم‭ ‬يشعر‭ ‬بهذه‭ ‬الشكوى‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه،‭ ‬ويلمسها‭ ‬في‭ ‬الآخرين،‭ ‬نظراً‭ ‬للظروف‭ ‬الصّعبة،‭ ‬والمشاكل‭ ‬المستعصية،‭ ‬والقلاقل‭ ‬الوخيمة،‭ ‬والمستجدّات‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬أضحى‭ ‬يتخبّط‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬زمننا‭ ‬هذا‭ ‬الكئيب‭.‬

كلّ‭ ‬شئٍ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُرام‭..!‬

‭ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬وجوده،‭ ‬من‭ ‬نفسه،‭ ‬من‭ ‬أهله،‭ ‬وأقاربه،‭ ‬وذويه،‭ ‬وساسته،‭ ‬وأولاده،‭ ‬وأصدقائه،‭ ‬وخلاّنه،‭ ‬وأساتذته،‭ ‬ومُعلّميه،‭ ‬ومَعارفه،‭ ‬وجيرانه،‭ ‬والعاملين‭ ‬معه،‭ ‬إنه‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬إرتفاع‭ ‬الضرائب،‭ ‬وغلوّ‭ ‬الغرامات،‭ ‬وغلاء‭ ‬المعيشة،‭ ‬وضآلة‭ ‬الأجور،‭ ‬ومن‭ ‬سياسة‭ ‬الحكومات‭ ‬الهشّة،‭ ‬ومن‭ ‬مواقف‭ ‬المعارضة‭ ‬السلبية،‭ ‬وتذبذب‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬المنبطحة‭ ‬في‭ ‬بلده،‭ ‬إنه‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬السّائقين،‭ ‬ومن‭ ‬المارّة،‭ ‬والرّاجلين،‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬الإكتظاظ،‭ ‬والإزدحام،‭ ‬من‭ ‬الضوضاء،‭ ‬والغوغاء،‭ ‬ومن‭ ‬الصّخب،‭ ‬واللّجب،‭ ‬والدّأب،‭ ‬ومن‭ ‬منبّهات‭ ‬السيّارات،‭ ‬وضجيج‭ ‬القطارات،‭ ‬وهدير‭ ‬الطائرات،‭ ‬وزئير‭ ‬الدبابات،‭ ‬إنّه‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬به‭ ‬وبأولاده‭ ‬وأقربائه‭ ‬وبني‭ ‬جلدته،‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الطقس،‭ ‬ومن‭ ‬الفياضانات‭ ‬المدمّرة،‭ ‬من‭ ‬هبوب‭ ‬الرّياح،‭ ‬وقيظ‭ ‬الصّيف،‭ ‬والتصحّر،‭ ‬والجفاف،‭ ‬ومن‭ ‬زمهرير‭ ‬الشتاء،‭ ‬وحساسيات‭ ‬فصل‭ ‬الرّبيع،‭ ‬وشحوب‭ ‬الخريف،‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬الحرّ،‭ ‬والقرّ،‭ ‬من‭ ‬نزلات‭ ‬البّرد‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬به،‭ ‬وتقضّ‭ ‬مضجعَه،‭ ‬من‭ ‬رطوبة‭ ‬الجوّ‭ ‬وتقلّباته،‭ ‬ومن‭ ‬النّاس‭ ‬أجمعين،‭ ‬فكأنّما‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المترامي‭ ‬الأطراف‭ ‬الذي‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬جزافاً‭ ‬واعتباطاً‭ ‬‮«‬الوطن‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬بات‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الشكوى‭ ‬والتذمّر‭ ‬والأنين‭..!‬
‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يغالط‭ ‬نفسَه،‭ ‬ويخادعها،‭ ‬فقد‭ ‬تلتقي‭ ‬صدفةً‭ ‬بصديقٍ‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬بلدٍ‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬سواه‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬تسأل‭ ‬عنه،‭ ‬وعن‭ ‬صحّته،‭ ‬وعن‭ ‬لونه،‭ ‬وأحواله‭ ‬حتى‭ ‬يبادرك‭ ‬بالقول‭ ‬دون‭ ‬تفكير‭ ‬أو‭ ‬رويّة‭ ‬منه‭ ‬أنه‭ ‬وعشيرته‭ ‬على‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬يرام،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنّهم‭ ‬قد‭ ‬يكونوا‭ ‬غارقين‭ ‬في‭ ‬بؤسٍ،‭ ‬وحزن،‭ ‬وهمومٍ،‭ ‬وأسىً‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬قرار‭…! ‬وإذا‭ ‬عاد‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬المساء،‭ ‬يؤوب‭ ‬وقد‭ ‬شحن‭ ‬رأسه‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الأفكار،‭ ‬والأقوال‭ ‬والمفاجآت،‭ ‬والمعايشات،‭ ‬والمشاكسات،‭ ‬والمناوشات،‭ ‬والمنغّصات‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬به‭ ‬طوال‭ ‬اليوم،‭ ‬لابدّ‭ ‬أنه‭ ‬يظلّ‭ ‬يشعر‭ ‬بضيقٍ‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يركن‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬أحد‭ ‬أقاربه،‭ ‬أو‭ ‬معارفه،‭ ‬أو‭ ‬ذويه‭ ‬ليملي‭ ‬عليه‭ ‬شريط‭ ‬أحداث‭ ‬يومه‭.‬

الإنسان‭ ‬إجتماعيّ‭ ‬بطبعه

ثمّ‭ ‬ماذا‭ ‬يفيد‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬عِرقٍ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شكواه‭..‬؟‭ ‬في‭ ‬ظاهر‭ ‬الأمر‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬طائلاً‭ ‬يُذكر،‭ ‬وهو‭ ‬إنما‭ ‬يقوم‭ ‬‮«‬بعملية‭ ‬التنفيس‭ ‬عن‭ ‬النفس‮»‬،‭ ‬وكلٌّ‭ ‬منّا‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مكانته،‭ ‬وملكاته،‭ ‬وقدراته‭ ‬العقلية‭ ‬أو‭ ‬النفسية‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يكبح‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه‭ ‬هذه‭ ‬الرّغبة‭ ‬الجامحة،‭ ‬والغامضة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نكرانها،‭ ‬فالضغط‭ ‬يورّث‭ ‬الإنفجار‭ ‬كما‭ ‬يُقال‭.‬وكلّ‭ ‬انسان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحكي،‭ ‬ويشتكي،‭ ‬وما‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬إلاّ‭ ‬الإنصات‭ ‬أو‭ ‬الإصغاء،‭ ‬وعليهم‭ ‬كذلك‭ ‬مقاسمته‭ ‬مشاعرَه،‭ ‬ومشاركته‭ ‬معاناته،‭ ‬ومشاطرته‭ ‬أشجانَه،‭ ‬وذلك‭ ‬حتّى‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬توازنه‭ ‬وثباته،‭ ‬وسلامته‭ ‬النفسية،‭ ‬والعقلية‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭ ‬واحد‭. ‬وما‭ ‬هؤلاء‭ ‬المساكين‭ ‬الذين‭ ‬يُوسمون‭ ‬بالحمقى،‭ ‬أوهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬بهم‭ ‬مسّ‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬إلاّ‭ ‬أناس‭ ‬لم‭ ‬يوفّقوا‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬مَنْ‭ ‬يُصغي‭ ‬إلى‭ ‬شكواهم،‭ ‬وأنّاتهم،‭ ‬وآهاتهم‭ ‬فخلقوا‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أنفسهم‭ ‬شخصياتٍ‭ ‬ثانوية،‭ ‬أو‭ ‬مزدوجة‭ ‬جعلوا‭ ‬لهم‭ ‬منها‭ ‬أصدقاءَ‭ ‬وهمييّن،‭ ‬أوإفتراضيّين،‭ ‬لذا‭ ‬تراهم‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬حين‭ ‬يتحادثون،‭ ‬ويتحاورون،‭ ‬ويتهامسون،‭ ‬ويتشاورون،‭ ‬ويفكّرون‭ ‬بصوت‭ ‬جهوريّ‭ ‬عالٍ‭ ‬وحدهم‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬ذواتهم،‭ ‬وقد‭ ‬أوجدوا‭ ‬لها‭ ‬‮«‬عالماً‭ ‬خاصّاً‮»‬‭ ‬بهم‭ ‬يأسَف‭ ‬له‭ ‬وعليه‭ ‬‮«‬العقلاء‮»‬،‭ ‬أمّا‭ ‬هم‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يدري‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شعورهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬تجاهه‭.‬
كان‭ ‬أرسطو‭ ‬يقول‭ ‬إنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬العموم‭ (‬مدنيّ‭ ‬بطبعه‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬إبن‭ ‬خلدون‭ ‬يقول‭ ‬إنّ‭ ‬الإنسان‭ (‬إجتماعيّ‭ ‬بطبعه‭)‬،‭ ‬يحبّ‭ ‬التجمّع،‭ ‬والحضارة،‭ ‬والعمران،‭ ‬والإختلاط،‭ ‬وإعمار‭ ‬المدن‭ ‬والحواضر،‭ ‬ويمقت‭ ‬العزلة،‭ ‬والتهميش،‭ ‬والبعاد‭ ‬عن‭ ‬النّاس،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬ظهرت‭ ‬التجمّعات‭ ‬البشرية،‭ ‬ونشأت‭ ‬الضّيع،‭ ‬والقرىَ،‭ ‬والمداشر،‭ ‬والعشائر،‭ ‬والأسواق،‭ ‬والمواسم،‭ ‬والمدن،‭ ‬والحواضر‭ ‬الكبرى،‭ ‬هذه‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬مراء‭ ‬فيها،‭ ‬ولكنّها‭ ‬قد‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬كثيرين‭ ‬منّا‭ ‬فيعرّضون‭ ‬أنفسَهم‭ ‬لمخاطر‭ ‬قد‭ ‬تعود‭ ‬عليهم‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يُحمد‭ ‬عقباه‭. ‬فعلى‭ ‬الرّغم‭ ‬ممّا‭ ‬يسود‭ (‬المدنية‭) ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬من‭ ‬نفاق،‭ ‬وريّاء،‭ ‬وتفاوت،‭ ‬وتعنّت،‭ ‬ومداهنة،‭ ‬ومصانعة،‭ ‬وتناقضات،‭ ‬وفروق،‭ ‬ومخاطر،‭ ‬وشرور،‭ ‬وويلات‭ ‬فإنّها‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬تسهم‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬في‭ ‬إزاحة‭ ‬ستائر‭ ‬الإستلاب‭ ‬الذي‭ ‬يحجب‭ ‬الواحد‭ ‬منّا‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬هذا‭ ‬التجمّع‭ ‬والإتصال‭ ‬لابدّ‭ ‬أنّهما‭ ‬يخفّفان‭ ‬عن‭ ‬المرء‭ ‬وطأةَ‭ ‬الشّعور‭ ‬بالمأساة،‭ ‬وفداحة‭ ‬الإحساس‭ ‬بالقلق‭ ‬والحيرة،‭ ‬لذا‭ ‬نراه‭ ‬يحاول‭ ‬بشتّى‭ ‬الطرق،‭ ‬وبمختلف‭ ‬الوسائل‭ ‬تجنّب‭ ‬ذلك‭ ‬وتفاديه،‭ ‬والإندماج‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يُقصي‭ ‬عنه‭ ‬شبحَ‭ ‬هذه‭ ‬العزلة‭ ‬القاتلة،‭ ‬والوحدة‭ ‬المميتة،‭ ‬والإضطرابات‭ ‬النفسية‭ ‬كمصاحبة‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬ومخالطة‭ ‬الخلاّن،‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة،‭ ‬والتظاهرات،‭ ‬والمنتديات،‭ ‬والملتقيات،‭ ‬والإحتفاليات،‭ ‬ويتردّد‭ ‬على‭ ‬النوادي،‭ ‬ويرتاد‭ ‬الملاعبَ،‭ ‬وينخرط‭ ‬في‭ ‬الجمعيات،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يفضل‭ ‬أن‭ ‬يؤمّ‭ ‬المقاهي‭ ‬للعب‭ ‬النرد،‭ ‬والطاولة،‭ ‬والورق،‭ ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭.!‬
وما‭ ‬‮«‬الزّواج‮»‬‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف‭ ‬إلاّ‭ ‬فرار‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬الخانقة،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬العِشرة،‭ ‬والمعاشرة،‭ ‬والأنس‭ ‬والمؤانسة،‭ ‬والإختلاط‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬ومعنى‭ ‬الكلمة‭ ‬اللغوي‭ ‬يؤكّد‭ ‬جوهرَه،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬مفصّلاً‭ ‬بإفاضة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المعاجم‭ ‬العربية‭. ‬فكلّ‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الزّوجين‭ ‬أَيضاً‭ ‬يسمّى‭ ‬زَوْجاً،‭ ‬ويقال‭: ‬هما‭ ‬زَوْجان‭ ‬للإثنين‭ ‬وهما‭ ‬زَوْجٌ،‭ ‬كما‭ ‬يقال‭: ‬هما‭ ‬سِيَّانِ‭ ‬وهما‭ ‬سَواءٌ؛‭ ‬والزَّوْجُ‭ ‬هو‭ ‬الفَرْدُ‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬قَرِين‭. ‬والزّوج‭ ‬أو‭ ‬جوج‭ (‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قلبت‭ ‬الزّاي‭ ‬جيماً‭) ‬يعنى‭ ‬في‭ ‬العاميّة‭ ‬المغاربية‭ (‬إثنان‭)‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الحدود‭ ‬البرّيّة‭ ‬الشرقية‭ ‬المغربية‭ ‬الجزائرية‭ ‬مكان‭ ‬أو‭ ‬موضع‭ ‬معروف‭ ‬يسمّى‭ (‬جُوجْ‭ ‬بغال‭) (‬أيّ‭ ‬بغلان‭) ‬وهو‭ ‬محلُّ‭ ‬تندّرٍ‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مواطني‭ ‬البلدين‭ ‬الشقيقين‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعبّر‭ ‬إخواننا‭ ‬المشارقة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬جوج‮»‬‭ ‬بكلمة‭ (‬إثنان،‭ ‬أوإتنين،‭ ‬أو‭ ‬ثنتيْن‭). ‬
وأقصوصة‭ ‬‮«‬الشّقاء‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الأشقياء‮»‬‭ ‬للكاتب‭ ‬الرّوسي‭ ‬الذّائع‭ ‬الصّيت‭ ‬أنطون‭ ‬تشيخوف‭ ‬تصوّر‭ ‬حالنا‭ ‬وحالة‭ ‬كلّ‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬حاجته‭ ‬الملحّة‭ ‬إلى‭ ‬الشكوى،‭ ‬والإفصاح،‭ ‬والتنفيس‭ ‬عن‭ ‬النّفس‭ ‬تصويراً‭ ‬دقيقاً‭ ‬تكاد‭ ‬تنفرد‭ ‬به‭ ‬بين‭ ‬باقي‭ ‬الآداب‭ ‬العالميّة‭. ‬فأيّونا‭ ‬بوتابوف‭ ‬رجل‭ ‬مسنّ‭ ‬يسوق‭ ‬زحّافة‭ ‬تجرّها‭ ‬مهرتُه‭ ‬الهزيلة‭ ‬الهرمة،‭ ‬يظلّ‭ ‬يجوب‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬الكبرى‭ ‬المترامية‭ ‬الأطراف،‭ ‬ويقطعها‭ ‬شرقاّ‭ ‬وغرباً‭ ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬إتّجاه،‭ ‬ينقل‭ ‬الناسَ‭ ‬في‭ ‬زحافته‭ ‬من‭ ‬مكانٍ‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ليمنحوه‭ ‬نظير‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يسمن‭ ‬ولا‭ ‬يغني‭ ‬من‭ ‬جوع،‭ ‬ولكنّ‭ ‬المسألة‭ ‬ليست‭ ‬هنا،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬له‭ ‬إبناً‭ ‬مريضاً‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬مُقتبل‭ ‬العُمر،‭ ‬وأيّونا،‭ ‬يقول‭: ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إبني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يسوق‭ ‬هذه‭ ‬الزحّافة،‭ ‬ويعمل‭ ‬لا‭ ‬أنا‭. ‬ولكنّه‭ ‬مريض‭ ‬ومُقعد،‭ ‬هذه‭ ‬أيضاً‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬المشكلة‭..! ‬معضلته‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تؤرقه،‭ ‬وتعذّبه،‭ ‬وتضنيه‭ ‬كونه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬هذا‭ ‬الخبر،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬هذه‭ ‬الشكوى‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬أيّ‭ ‬أنه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يقاسمه‭ ‬محنته،‭ ‬ويشاركه‭ ‬مأساته،‭ ‬ويشاطره‭ ‬معاناته،‭ ‬ويخفّف‭ ‬عنه‭ ‬الآلام‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬منه‭ ‬كلّ‭ ‬مأخذ،‭ ‬والتعب،‭ ‬والإنهاك‭ ‬اللذين‭ ‬يهدّان‭ ‬كيانَه،‭ ‬ويصغي‭ ‬إلى‭ ‬شكواه‭…‬
فيظلّ‭ ‬الوقت‭ ‬بطوله‭ ‬يبحث،‭ ‬ويحاول‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬التحدّث‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يُصغي‭ ‬إليه،‭ ‬الكلّ‭ ‬يعرض‭ ‬عنه،‭ ‬ويوليه‭ ‬ظهره،‭ ‬وينصرف‭ ‬لحال‭ ‬سبيله،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬عمله،‭ ‬ولهوه،‭ ‬وغيّه،‭ ‬ومجونه،‭ ‬ومروقه،‭ ‬ومشاغله،‭ ‬وإنْ‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الجميع‭ ‬إلّا‭ ‬عجوز‭ ‬أبله‭ ‬ثرثار‭…‬ففى‭ ‬كلّ‭ ‬مرّةٍ‭ ‬كان‭ ‬يحاول‭ ‬فيها‭ ‬تحقيق‭ ‬رغبته‭ ‬كان‭ ‬يخفق‭ ‬في‭ ‬مسعاه،‭ ‬الركّاب‭ ‬اللذين‭ ‬ينقلهم‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬دائماً‭ ‬هم‭ ‬مشغولون‭ ‬بأمورهم،‭ ‬إنّهم‭ ‬يضحكون،‭ ‬يقهقهون،‭ ‬يصيحون،‭ ‬يمرحون،‭ ‬يتهكّمون،‭ ‬يزدرون،‭ ‬يعربدون،‭ ‬ولا‭ ‬يولونه‭ ‬أدنى‭ ‬إكتراث،‭ ‬وكانت‭ ‬كلماته‭ ‬تطير‭ ‬أدراج‭ ‬الرّياح،‭ ‬وتضيع‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬الليل‭ ‬البهيم،‭ ‬وحينما‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الليل‭ ‬مرهق‭ ‬الجسم،‭ ‬خائرالقوى،‭ ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬التعب‭ ‬منه‭ ‬منتهاه،‭ ‬وبينما‭ ‬كانت‭ ‬مُهرته‭ ‬الهزيلة‭ ‬تأكل،‭ ‬وتقضم‭ ‬كومةً‭ ‬من‭ ‬التّين‭ ‬الجافّ‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬جلس‭ ‬إلى‭ ‬جانبها،‭ ‬مطأطئ‭ ‬الرأس،‭ ‬منهوك‭ ‬القوى،‭ ‬وحكى‭ ‬لها‭ ‬أوعليها‭ ‬الحكاية‭ ‬كلّها،‭ ‬وهي‭ ‬تُصغي‭ ‬إليه‭ ‬بإهتمام‭ ‬بالغ‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدارت‭ ‬عينيْها‭ ‬الواسعتين‭ ‬نحوه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحرّك‭ ‬رأسَها‭…! ‬تشيخوف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأقصوصة‭ ‬كأنّه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭: ‬أنْ‭ ‬لابدّ‭ ‬للإنسان‭ ‬أن‭ ‬يشكو،‭ ‬أو‭ ‬يشتكي،‭ ‬وأن‭ ‬يقاسم‭ ‬الآخرين‭ ‬معاناته،‭ ‬وآلامَه،‭ ‬ومآسيه‭..!. ‬وتصوّر‭ ‬لنا‭ ‬هذه‭ ‬الأقصوصة‭ ‬كذلك‭ ‬مقدارَ‭ ‬الخطورة‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬فإبلاغ‭ ‬الآخرين‭ ‬أفراحَنا،‭ ‬وأتراحَنا،‭ ‬ومشاكلنا،‭ ‬ورغباتنا،‭ ‬ومسرّاتنا،‭ ‬وآلامنا،‭ ‬وأحزاننا،‭ ‬وتخوّفاتنا،‭ ‬ومعاناتنا،‭ ‬ومشاغلنا‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬مندوحة‭ ‬لنا‭ ‬عنه‭.‬

نحن‭ ‬وبؤساء‭ ‬هُوغُو‭ ‬

أمّا‭ ‬الرّوائي‭ ‬الفرنسي‭ ‬فيكتور‭ ‬هوغو‭ ‬صاحب‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬البؤساء‮»‬‭ ‬التي‭ ‬طبّقت‭ ‬شهرتها‭ ‬الآفاق،‭ ‬فقد‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‭ ‬الدفينة‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬عصره،‭ ‬وفى‭ ‬العصور‭ ‬التي‭ ‬تلته،‭ ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬الآنفة‭ ‬الذكر،‭ ‬فقد‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬صراحةً‭ ‬كذلك،‭ ‬وبلغة‭ ‬تقريريّة‭ ‬مباشرة‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّها‭ ‬لغة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬جمالية،‭ ‬وروعة،‭ ‬وإبداع‭ ‬فريد‭ ‬ضمن‭ ‬خطاب‭ ‬شهير‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ألقاه‭ ‬حول‭ (‬البؤس،‭ ‬والبؤساء‭) ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬التشريعية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وهي‭ ‬المؤسّسة‭ ‬الشرعيّة‭ ‬التي‭ ‬حلّت‭ ‬محلَّ‭ ‬البرلمان‭ ‬الفرنسي‭ ‬بعد‭ ‬حلّه،‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬تموز‭/‬يوليو‭ ‬1849‭ ‬وكأنه‭ ‬خطيب‭ ‬عربي‭ ‬مصقع‭ ‬مفوّه‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬يخاطب‭ ‬قومَه‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬أيّ‭ ‬منبر‭ ‬برلماني‭ ‬عربي‭ ‬فيقول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬المبطّن‭ ‬بفيضٍ‭ ‬هائلٍ‭ ‬من‭ ‬السّخرية،‭ ‬والتهكّم‭ ‬والإزدراء‭: ‬‮«‬أنا،‭ ‬أيّها‭ ‬السّادة،‭ ‬لست‭ ‬ممّن‭ ‬يعتقدون‭ ‬أّنه‭ ‬بالإمكان‭ ‬إزالة‭ ‬الألم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬فالوجع‭ ‬قانون‭ ‬إلهيّ‭. ‬ولكّنني‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬ويؤّكدون‭ ‬أّنه‭ ‬يمكننا‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البؤس‭. ‬
لاحظوا‭ ‬جيدًا،‭ ‬أيها‭ ‬الّسادة،‭ ‬أّنيّ‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬التخفيف‭ ‬منه،‭ ‬ولا‭ ‬التقليل،‭ ‬ولا‭ ‬حصرَه،‭ ‬ولا‭ ‬الحدّ‭ ‬منه‭. (‬وإّنما‭) ‬ّ‭ ‬أقول‭ ‬القضاء‭ ‬عليه‭. ‬إنّ‭ ‬البؤس‭ ‬هو‭ ‬مرض‭ (‬أصاب‭) ‬الجسدَ‭ ‬الاجتماعّي‭ ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬الجذام،‭ ‬والأمراض‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصيب‭ ‬الجسدَ‭ ‬الإنسانّي‭. ‬فالبؤس‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يختفي‭ ‬مثلما‭ ‬إختفى‭ ‬الجذام‭. ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البؤس‭ ‬نعم،‭ ‬هذا‭ ‬ممكن‭ ! ‬وعلى‭ ‬المشرّعين‭ ‬والحكّام‭ ‬أن‭ ‬يفكّروا‭ ‬فيه‭ ‬دون‭ ‬هوادة‭. ‬ففي‭ ‬قضية‭ ‬كهذه،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الفعل‭ ‬هو‭ ‬الممكن،‭ ‬فإنّ‭ ‬الواجب‭ ‬يظل‭ ‬منقوصًا‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬الوقائع‭ ‬التي‭ ‬تلاها‭ ‬‮«‬‭ ‬هوغو‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭: ‬‮«‬‭.. ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة،‭ (‬ثمة‭) ‬أديب،‭ ‬يا‭ ‬إلهي،‭ ‬أديب‭ ‬شقيّ،‭ ‬فالبؤس‭ ‬يصيب‭ ‬المهن‭ ‬الليبرالية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يصيب‭ ‬المهن‭ ‬اليدوية،‭ ‬أجل‭ (‬ثمة‭) ‬أديب‭ ‬بائس‭ ‬شقيّ‭ ‬مات‭ ‬جوعًا،‭ ‬مات‭ ‬بسبب‭ ‬الجوع‭ ‬فعلًا‭. ‬وقد‭ ‬علمنا،‭ ‬بعد‭ ‬موته،‭ ‬أنّه‭ ‬لم‭ ‬يأكل‭ ‬منذ‭ ‬ستّة‭ ‬أيام‭. ‬هل‭ ‬تريدون‭ ‬شيئًا‭ ‬آخرًا‭ ‬أشدَّ‭ ‬إيلامًا‭..‬؟‭ ‬الشّهر‭ ‬الماضي،‭ ‬وخلال‭ ‬تفاقم‭ ‬وباء‭ ‬الكوليرا،‭ ‬وجدنا‭ ‬أمّاً‭ ‬وأطفالها‭ ‬الأربعة‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬طعام‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬المزابل‭…‬وو‮»‬،‭ ‬الكاتب‭ ‬الفرنسي‭ ‬وكأنّي‭ ‬به‭ ‬يخاطب‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬أكثر‭ ‬المصائب‭ ‬والويلات‭ ‬التي‭ ‬أصبحنا‭ ‬نعاني‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬ممّا‭ ‬ذكر،‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬أصبعَه‭ ‬على‭ ‬مكمن‭ ‬الدّاء،‭ ‬فالبّؤس‭ ‬عنده‭ ‬هو‭ ‬‮«‬أمّ‭ ‬الرّذائل‮»‬،‭ ‬وإلاّ‭ ‬لما‭ ‬وضع‭ ‬رواية‭ ‬ضربت‭ ‬شهرتها‭ ‬الأطناب‭ ‬بنفس‭ ‬العنوان‭: ‬‮«‬البؤساء‮»‬‭ ! ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬لقد‭ ‬عرف‭ ‬هوغو‭ ‬أين‭ ‬تولد‭ ‬الشّكوى‭ ‬حياتنا‭ ‬ايومية‭ ‬في‭ ‬زمنه،‭ ‬وفي‭ ‬زمننا‭ ‬هذا‭ ‬الرّديئ‭..!‬
أيّكم‭ ‬تَصْفُو‭ ‬مَشَارِبُه‭ ‬؟‭!‬
‭ ‬ولا‭ ‬يبقى‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف‭ ‬سوى‭ ‬تاريخنا‭ ‬الخالد،‭ ‬وماضينا‭ ‬التالد‭ ‬فما‭ ‬أعظم‭ ‬زهوَنا‭ ‬بهما،‭ ‬إليهما‭ ‬نعود‭ ‬دائماً‭ ‬لنستخرج‭ ‬ونستخلص‭ ‬منهما‭ ‬العبرَ‭ ‬والأمثالَ‭ ‬التي‭ ‬يحفل‭ ‬بها‭ ‬تراثنا‭ ‬المجيد‭ ‬لنتمعّن‭ ‬حِكَمَه‭ ‬المأثورة‭ ‬التي‭ ‬تقول‭: ‬لا‭ ‬تتحرّجوا،‭ ‬ولا‭ ‬تضطربوا،‭ ‬ولا‭ ‬تُبدُوا‭ ‬صدوداً،‭ ‬ولا‭ ‬نفوراً،‭ ‬أو‭ ‬عبوساً‭ ‬إذا‭ ‬قصدكم‭ ‬صديق،‭ ‬وقد‭ ‬أثقلتْ‭ ‬ظهرَه‭ ‬الهموم،‭ ‬وناءت‭ ‬بكاهله‭ ‬الأحزان،‭ ‬وهدّ‭ ‬متنه‭ ‬العياء،‭ ‬وإسودّت‭ ‬الدّنيا‭ ‬في‭ ‬عينيه،‭ ‬بل‭ ‬إصغُوا‭ ‬إليه،‭ ‬وقاسموه‭ ‬شكواه،‭ ‬وشاركوه‭ ‬همومَه،‭ ‬وشاطروه‭ ‬مآسيه،‭ ‬وخفّفوا‭ ‬عنه‭ ‬معاناته،‭ ‬وإجعلوا‭ ‬من‭ ‬أنفسكم‭ ‬ملاذاً‭ ‬آمناً‭ ‬مطمئنّاً‭ ‬له،‭ ‬ومن‭ ‬صدوركم‭ ‬مأوىً‭ ‬مريحاً‭ ‬لآهاته،‭ ‬وأحزانه،‭ ‬وأتراحه،‭ ‬فقلّما‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬والأمازيغي‭ ‬ومن‭ ‬كلّ‭ ‬الأعراق،‭ ‬والأجناس،‭ ‬والإثنيات‭ ‬مَنْ‭ ‬لا‭ ‬يشكو،‭ ‬أو‭ ‬يشتكي،‭ ‬وقلّما‭ ‬نعثر‭ ‬في‭ ‬دنيانا‭ ‬على‭ ‬مَنْ‭ ( ‬صَفَتْ‭ ‬مَشَارِبُه‭)‬،‭ ‬فكلّنا‭ ‬من‭ ‬مناهل،‭ ‬ومن‭ ‬مَشارب‭ (‬القَذَى‭) ‬ننهل‭ ‬كلّ‭ ‬يوم‭ ‬أكواباً،‭ ‬و‭ ‬نترع‭ ‬أكؤساً،‭ ‬ونحتسي‭ ‬أوانيَ‭ ‬من‭ ‬بالمرارة،‭ ‬والمضض،‭ ‬والحنظل،‭ ‬يتفاوت‭ ‬طعمها،‭ ‬ويتباين‭ ‬ذوقها‭ ‬عند‭ ‬كلّ‭ ‬منّا‭ ‬من‭ ‬بلدٍ‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ولحظة‭ ‬الفَرَج‭ ‬أو‭ ‬الإنفراج‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا،‭ ‬ولبني‭ ‬طينتنا،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتهيّأ‭ ‬لنا‭ ‬فيها‭ ‬فرصة‭ ‬إبلاغ‭ ‬أو‭ ‬إفراغ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬صدورنا،‭ ‬وجوفنا‭ ‬من‭ ‬آلام،‭ ‬أوأنين،‭ ‬أوعتاب،‭ ‬أو‭ ‬شكوى‭ ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬عندنا‭ ‬

كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬من‭ ‬المغرب

تونس

Posted: 31 Oct 2018 02:00 PM PDT