في التعليق على «القانون القاعدي»، أو دستور الأمر الواقع كما صوّت عليه مؤخراً كنيست دولة الاحتلال الإسرائيلي، كان دانييل بيرنبويم، الموسيقيّ وقائد الأوركسترا العالمي الشهير (واليهودي الديانة، الذي يحمل الجنسيات الأرجنتينية والإسبانية والإسرائيلية والفلسطينية) قد وجد فائدة في اقتباس «إعلان استقلال» دولة الاحتلال، لعام 1948؛ معتبراً أنه الدستور الفعلي، وكذلك «مصدر إلهام للإيمان بالمُثُل التي حوّلتنا من يهود إلى إسرائيليين». الفقرة التي تغنى بها بيرنبويم تسير هكذا: «دولة إسرائيل سوف تكرّس ذاتها لتنمية هذا البلد لصالح جميع شعبه؛ وسوف تتأسس على مبادئ الحرية، والعدالة والسلام، مهتدية برؤى أنبياء إسرائيل؛ وستمنح حقوقاً اجتماعية وسياسية كاملة متساوية لكلّ مواطنيه بغض النظر عن اختلافات الإيمان الديني، أو العرق أو الجنس؛ وستضمن حرية الدين، والضمير، واللغة، والتربية والثقافة». ولأنّ كامل فقرات «القانون القاعدي» الجديد تناقض روحية هذا النصّ، بل هي «شكل واضح جداً من الأبارتيد»؛ فقد أعلن بيرنبويم، على صفحات «هآرتز»: «أشعر بالعار لأنني أحمل الجنسية الإسرائيلية». وقبل قرابة 80 سنة كان سيغموند فرويد قد رفض مشروع دولة يهودية في فلسطين، مقابل حماس فولف ساكس (المحلل النفسي الليتواني اليهودي، و«الاشتراكي الصهيوني»)، الذي لم يكتفِ بالجذور التوراتية لحلم الدولة، أو فانتازيا اختلاقها على وجه التحديد؛ بل اعتبرها وسيلة علاج نفسي، تتيح ربط اضطهاد الزنجي الأمريكي باضطهاد اليهودي (كتابه «هاملت الأسود»، 1937، شهير في هذا المقام). رأي فرويد، ضمن اعتبارات أخرى ليست أقلّ تعقيداً، نهض على استحالة إقامة المشروع اليهودي الصهيوني في محيط مثقل بالرموز الإسلامية والمسيحية، وكتب صراحة» «كان الأصحّ في نظري تأسيس وطن يهودي في أرض تحمل قدراً أقلّ من أثقال التاريخ». والحال أنّ ما أقدم عليه تحالف بنيامين نتنياهو بصدد قانون قومية «الدولة الأمّة»، وديانتها ولغتها، وإعلاء مكانتها على كلّ جماعة دينية أو لسانية أو سياسية أخرى، على نحو يكرّس مستويات الدرجة الثانية أو الثالثة ربما في سلّم الوجود داخل «الدولة»؛ لا يعود القهقرى إلى ما قبل 1948 و1930 وبدايات التفكير الصهيوني حول الشخصية اليهودية للدولة، فحسب؛ بل يباشر سيرورة اقتلاع ذلك «الحلم»، الزائف أصلاً والمختلَق عكس التاريخ، الذي صدّره «الآباء المؤسسون» إلى اليهود في أربع رياح الأرض، على هيئة «دولة ـ فانتازيا» حسب تعبير مفكرة يهودية أخرى شهيرة تدعى جاكلين روز. وليس مثيراً للعجب، بل أدعى إلى ضحك الفلسطيني ابن الـ48 تحديداً، أن يكتشف رئيس هذه «الدولة»، رؤوفين ريفلين، أنّ القانون قد «يُوظّف ضدّ الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم»؛ وكأنّ نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا لم يُقبر لأسباب كهذه، جوهرياً. أو أن يتنبه وزير التربية نفتالي بينيت، أحد أبرز الصقور في ائتلاف نتنياهو وأحد صنّاع القانون الرجيم، أنّ إطار قومية الدولة كما يحدده دستور الأمر الواقع «يُلحق الاذى الشديد بأخوتنا في الدم، ممّن قاتلوا معنا كتفاً إلى كتف»، أي أبناء الطائفة الدرزية، في سلك الجيش والشرطة تحديداً. الأدهى، بين ريفلين وبينيت، أن يصحو نتنياهو نفسه على الفكرة بعد السكرة، فيدرك أنّ شعبوية اعتبار الاستيطان «قيمة قومية» قد تلتهم نصف أضاليلها حقائق انقلاب «دروز الدولة» إلى شعب أدنى مرتبة وحقوقاً. ومن المعروف أنّ أشهر توصيفات هذه «الدولة» في الثقافة السياسية الغربية هو كونها «واحة الديمقراطية» في بيداء الشرق الأوسط، وأقدم تسمياتها أنها «أرض الميعاد». فما الذي يتبقى من التوصيف والتسمية بعد أن تكفل تحالف نتنياهو بجلب العار على بيرنبويم، أو إقلاق عظام فرويد، وربما (كما سيقول لك صهيوني «يساري» مصاب باكتئاب الحاضر، قياساً على نوستالجيا الماضي): تحريف أفكار فلاسفة ومؤرّخين وكتّاب من طراز مارتن بوبر، يشعياهو ليبوفيتش، توم سيغيف، إيلان بابيه، دافيد غروسمان، عاموس عوز…؟
هناك إشكالية كبرى تثيرها كتابات ما بعد الاستعمار، ألا وهي تدوينها بلغة المستعمِر. فالكاتب – ما بعد الكولونيالي – يترك لغته الأم في بلده، ومن ثم يبدع بالإنكليزية أو الفرنسية أو الاسبانية أو البرتغالية، وكلها – كما هو معلوم – لغات منتشرة عالميا. وتكمن المأساة في استعانة الكاتب نفسه بمن يترجم إبداعه إلى لغته الأصلية، وندر في المقابل مَن يكتب الإبداع بنفسه بلغتين: لغته الأصلية الموجهة لمواطنيه، ثم اللغة التي يتقنها وتحقق له الانتشار في العالم أو التي اشتهر بها. ولا شك أن كثيرا من المبدعين تعمدوا الكتابة بغير لغاتهم الأصلية لأغراض عديدة، بعضها نفعي يتعلق بالانتشار السريع والشهرة، وبعضها ضروري عندما تكون لغته الأصلية شفاهية أو مدونة وليس لها رصيد كبير من الإبداعات والتأليف العلمي مثل اللغة الأمازيغية في بلاد المغرب، أو لغات القبائل وسط افريقيا، أو تكون محدودة الانتشار مثل اللغة السواحلية في الصومال أو اللغة الأمهرية في إثيوبيا، أو شفاهية غير مدونة مثل اللغة النوبية ولغة أهل سيوة في مصر، ساعتها سيكون الإبداع منغلقا، مقتصرا على دائرة الناطقين بها. فيكون السؤال: لمن يتوجه المبدع هنا في كتابته وهو يكتب بلغة المستعمر أو بغير لغته القومية وهو يبدع عن وطنه؟ أهو يخاطب الآخر الغربي المستعمِر بلغته، متحدثا عن مأساة وطنه بنفس لغة المحتِل؟ أم يخاطب بني قومه بشكل غير مباشر بعد ترجمة الكتاب إلى لغته الأصلية، إن تُرجم؟ هذه الأسئلة وغيرها تجرنا إلى مناقشة الواقع نفسه، فالواقع الإبداعي كائن ومترسخ من خلال عشرات النماذج لمبدعين من بلدان عديدة، بعضهم ينتمي للعالم المتقدم، وأكثرهم ينتمي إلى دول العالم الثالث، وهم مشتركون في الكتابة باللغات الأكثر انتشارا في العالم، والتجربة ممتدة منذ عقود، وصارت ذات مصطلحات ومفاهيم تخصها، وعملية نقدية تواكبها، وكانت سببا في تغيير استراتيجية التأريخ الغربي ذاته، وإعادة طرح الأسئلة على العقلية الغربية بمركزيتها المفرطة في الذاتية. فالتجربة في حد ذاتها، أدت إلى انقلاب في التصورات المعرفية والقناعات الفكرية، بجانب الاشتغالات الاجتماعية، وتوابعها السياسية والاقتصادية. إن المحدد الأول في نقاش هذه القضية هو الأصل في عملية الكتابة، قبل الحديث عن الفرع، فالأصل التزام الكاتب بالإبداع بلغته الأم لأسباب عديدة، أولها أنها اللغة التي تعلمها منذ طفولته، وأنه يفكر بها ومن خلالها طيلة سنوات عمره، وهي الحاضرة في وعيه إذا أراد التعبير أو التخيّل، مستخدما ألفاظها وتراكيبها، كما أن الأرض وعلاماتها وأيقونات الثقافة متعلقة بالألفاظ المنطوقة. ومثلما يقال فإن الإنسان يفكر ويتخيل بلغته الأم ثم يأتي الإبداع مبنيا على ذلك. أيضا فإن التحدث باللغة الأم يرتبط بشكل وثيق بإحساس متحدثها بالاستقلالية والكرامة، وهما يتلاشيان عندما يستبعد الإنسان لغته الأصلية ويتكلم بغيرها. ذلك أن نسق القيم الذي تملكه أي لغة يعني: فرضياتها وقناعاتها الفكرية، وجغرافيتها ونظرتها إلى التاريخ ودرجات تمييزها للأشياء، فاللغة نظام تتأسس عليه الخطابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعوب الناطقة بها. وهذا لا يعني أن اللغة الأم هي اللغة المحلية فقط، ولكننا نقصد اللغة القومية المعتمدة في بلاد المبدع، وبها تلقى العلم والثقافة. فكثيرون في أقطار آسيا وافريقيا يتحدثون لغات محلية، أو لهجات من لغات شفاهية، فإذا تلقوا العلم فإنهم يتعلمون بلغات معروفة عالميا، مثل الإنكليزية أو الفرنسية، وكان هذا الوضع قديما في اللغة العربية، عندما كانت لغة الحضارة الإسلامية، وترك سكان البلاد الأصليين التي فتحها المسلمون لغات بلادهم الأولى، وكتبوا بالعربية وألّفوا من خلالها، وكان ذلك خيارا دينيا وثقافيا وتعميقا لانتمائهم. فالقضية ليست مدانة بهذه الحدة. وهذا يمتد إلى الشعوب التي دخلت في فيئ الحضارة الإسلامية، وكتبت لغاتها الأصلية بالأحرف العربية (مثل اللغة التركية والباكستانية والفارسية ..) وصاغوا مؤلفاتهم العلمية باللغة العربية فهي لغة الحضارة الأساسية، ولغة الإسلام قبل أي شيء. إن ما يعنينا في هذه القضية؛ تلك الفئة من الكتّاب الذين يتحولون إلى الكتابة بلغة أخرى غير لغتهم الأولى حصرا، والمشكلة كامنة في تبنيهم لغة المحتل الأجنبي بكل ما في الأمر من تداعيات سلبية تذكر بالتجربة الأليمة للاستعمار الأجنبي وما اقترفه من آثام في بلادهم، فالاستخدام في حد ذاته له آثار نفسية. هؤلاء الكتّاب تتنازعهم رغبات وتوجهات عديدة، منها الوصول إلى قاعدة أكبر ودائرة أوسع من القراء والمتلقين، وأن يثبتوا للآخرين من أصحاب اللغة التي يتبنون الكتابة بها أنهم قادرون على الكتابة والتميز بلغتهم بل وربما التفوق عليهم. وأيضا، تكون سبيلا لدى الأفراد المنتمين إلى جماعات وإثنيات مهمشة ومستلبة الحقوق وربما خاضعة للهيمنة والاستعمار من قبل قوى وقوميات أكثر قوة وأظهر سلطة، فتأتي الكتابة بلغة الآخر المهيمن في هذه الحالة أشبه بالانتقام أو الغزو الثقافي المعاكس والانتصار الرمزي للذات. ويرتبط الأمر – أيضا- بهامش الحرية الأوسع الذي ينشده الكاتب حين يكتب بلغة غير لغته، حيث يتخفف إلى حد كبير وربما يتخلص تماما من قيود المحرمات والمحظورات التي تفرضها عليه لغة قومه التي قد ترتبط بقيم وأعراف ومنظومة ثقافية، لا تتسامح مع التعبير الذي يذهب إلى المدى الأبعد في ممارسة حريته دون أن يحد من ذلك أو يقف في طريقه المعوقات والرقابة القسرية التي لا يتمكن الكاتب من مقاومتها عندما يكتب بلغته الأم. في المقابل نرى من يخالف هذا التوجه، مفضلا أن تكون مناقشة كتابة ما بعد الاستعمار بشكل عام إزاء العملية التي يتم بها تحريف اللغة موضع الإبداع بما لها من قوة، وتحريف الكتابة بما تحتويه من دلالة على السلطة، وإبعادها عن الثقافة الأوروبية المهيمنة. وذلك، بالنظر إلى اللغة بوصفها وعاء يحمل الأفكار والرسائل، أي يمكن تطويعها لنقل مآسي الشعوب الفقيرة. فالقضية ـ في نظرهم ـ لا تنحصر في إلغاء مكانة الإنكليزية أو التنكر لها، بما يشتمل على ذلك من رفض لسيطرة القوة الإمبريالية، ولجمالياتها ومقاييسها المفترضة، وإنما تكون اللغة ضمن ما يطلق عليه «عملية الاستحواذ» وهي العملية التي يتم بها أخذ لغة الإبداع ونصوصها وتهيئتها لكي تحمل حمولة التجربة الثقافية الخاصة لشخص ما، وبالتالي نكون أمام لحظة حيوية لنزع الطابع الاستعماري عن اللغة والكتابة الأجنبية.
صوّت الكنيست الإسرائيلي على قانون أقرب إلى دستور الأمر الواقع، يشرّع التمييز الصريح حول الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية واللغوية للجماعات غير اليهودية، كما يعتبر الاستيطان “قيمة قومية”، ويحيل إلى مستوى الدرجة الثانية فئات من غير اليهود منخرطة في بنية دولة الاحتلال وخاصة في الشرطة والجيش. ورغم إقراره بأقلية ضئيلة، واعتراض الكثير من ساسة إسرائيل العاملين والمتقاعدين عليه، وتحذيرهم من مخاطره في نسف خرافة “واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة”، فإن التحالف الحاكم مصر على المضي بعيداً في تطبيقه. (ملف الحدث، ص 6 ـ 13)
الناصرة ـ «القدس العربي»: يتصاعد الجدل داخل إسرائيل بين معسكرين مؤيد ومعارض وهم ليسوا بالضرورة يمين ويسار صهيونيان حول سن قانون القومية ويهيمن عليه سؤال الجدوى مقابل التكلفة، فيما يتم تهميش المعايير الأخلاقية والديمقراطية. هناك أوساط سياسية وإعلامية وأهلية في إسرائيل تحذر ليل نهار من انعكاسات القانون على المواطنين العرب 17 في المئة ومبدأ مساواتهم، بما من شأنه أن يستعديهم ويحولهم لنوع من «الطابور الخامس» وفق المصطلحات الإسرائيلية. كما يحذر هؤلاء من أن القانون الذي يجعل من إسرائيل دولة اليهود أولا سيضع ذخائر بيد أعدائها في العالم ويمكنهم من تحويلها لجنوب افريقيا الجديدة مما يسهل نزع شرعيتها. ومما يزيد من معارضتهم القانون أن تشريعه في نظرهم جاء بإصرار من جانب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يسعى لكسب أوراق سياسية يعرضها على جمهوره في الانتخابات المبكرة المقبلة وليس تلبية لحاجات فعلية. «إسرائيل عاشت وتدبرت أمرها بدون هذا القانون طيلة 70 عاما وربما لا تحتاجه مدة 70 سنة أخريات وأكثر ولذا فهو زائد ومضر». هكذا قال وزير الأمن الأسبق موشيه أرنس أحد أبرز المعارضين للقانون. لكن هناك ما يغذي معارضة أرنس وأوساط أخرى منهم رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين في معارضة القانون ويرتبط بالرغبة بعدم خسارة الدروز الفلسطينيين الذين تحالفت معهم إسرائيل منذ قيامها ويشاركون في أجهزتها الأمنية منذ 1948 وهم اليوم يشعرون بالخيانة وبالطعن في الظهر لأن القانون يحول إسرائيل لدولة لليهود والدروز من ضمن مواطني الدرجة الثانية. هذا لا ينفي وجود شبه إجماع صهيوني حول المبدأ الأساسي للقانون، وهو أن «إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي»، وأن فلسطين التاريخية، التي تسميها الصهيونية «أرض إسرائيل»، هي «الوطن التاريخي للشعب اليهودي»، أي أبناء الديانة اليهودية، الذين تعتبرهم الصهيونية شعبا. لكن المعترضين ينتقدون غياب كلمة ديمقراطية من عبارة تعريف إسرائيل. كما ينتقدون غياب مبدأ المساواة. ولعلّ هذه النقطة الأخيرة عينياً جعلت شرائح مختلفة من الجمهور الإسرائيلي متضررة هي أيضاً علاوة على وجود قطاع يرغب بالمحافظة على الديمقراطية لجانب يهودية الدولة كما يؤكد الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت. ومن هذا القطاع رئيس معهد إسرائيل للديمقراطية الذي يتحدث بحرقة ضد قانون القومية ويعتبره مسا بإسرائيل أولا وبالحلم الصهيوني مما دفعه إلى البكاء على الهواء في حديث للإذاعة الإسرائيلية قبل أيام خلال حديثه عن خطورة القانون. بالمقابل يعتبر المؤيدون للقانون، من سياسيين وكتّاب ومحللين، أنه بمثابة «حاجة ضرورية» لإسرائيل لتثبيت هويتها، وهناك من رأى أنه يشكل خطوة كبيرة نحو صياغة دستور إسرائيل، بعد كل السنين التي مرّت. في سياق المعارضة للقانون حصل تلاق قد يبدو غريبا، إذ كان من بين المعارضين أتباع التيار اليميني الإيديولوجي المتشدد، وهم من أعضاء حزب «حيروت» القديم، الذي أسس في العام 1974 حزب الليكود، وبينهم من لا يزال في حلبة السياسة حتى الآن، مثل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، وعضو الكنيست بنيامين بيغن من كتلة الليكود حاليا، وإلى جانبهما وزير الدفاع الأسبق موشيه أرنس، وغيرهم، وهؤلاء يرون أن القانون زائد، ولا حاجة لإسرائيل له، فهويتها معروفة، وصياغات القانون قد تخلق نزاعات بين تيارات يهودية دينية وعلمانية، وبين يهود العالم وإسرائيل، إلى جانب التضييق على المواطنين العرب، علماً أن هذا التيار السياسي اليميني هو من أشد المتمسكين بسياسة «أرض إسرائيل الكاملة». كذلك لوحظ أن ثمة معارضة من قوى صهيونية أخرى، كأحزاب المعارضة البرلمانية، التي لا تختلف حول البند الأساسي للقانون، لكنها تعترض على غياب التعريف الديمقراطي للحّكم، وغياب مبدأ المساواة، ووجود بنود تستهدف وجود العرب في الدولة وغيرها. وكان النائب بنيامين بيغن، نجل رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن، الوحيد من الائتلاف الذي اعترض على القانون، بناء على مواقف عقائدية. فقد صوّت ضد القانون لدى المصادقة عليه بالقراءة التمهيدية قبل أكثر من عام، وبالقراءة الأولى قبل أقل من ثلاثة أشهر، بينما لدى المصادقة عليه بالقراءة النهائية، اختار الامتناع عن التصويت. ويقول الخبير القانوني مردخاي كريمنيتسر في صحيفة «هآرتس» إن «قانون القومية هو قانون يتعسف في استخدام حق الأغلبية وهو قانون مهين للأقلية. وهو لا يضم الضفة إلى إسرائيل، بل يضم إسرائيل إلى المناطق المحتلة». وعن المواطنين العرب كتب يقول «كما أنهم لا يحصون في المناطق 1967 السكان الفلسطينيين، فهم لا يحصون المواطنين العرب في دولة إسرائيل. لا مناص من القول إن سياسة من النوع الملائم لحكم الأبارتهايد على قاعدة اثنية، والموجود في المناطق 1967 تدخل الآن برأس مرفوعة إلى داخل إسرائيل».
معسكر المؤيدين
في المقابل وعقب إقرار القانون، قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من على منصة الكنيست «إن هذه لحظة مؤسِسِة في تاريخ الصهيونية، وتاريخ دولة إسرائيل. فبعد 122 عاما من نشر هيرتسل حلمه، ثبّتنا بقانون المبدأ الأساس لوجودنا، ومؤداه أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، التي تحترم حقوق الفرد لكل مواطنيها. وفي الشرق الأوسط، فقط إسرائيل تحترم هذه الحقوق وحينما أتحدث في العالم فأنا أكرر قائلاً إن هذه دولتنا، دولة اليهود. وفي السنوات الأخيرة هناك من يسعى للاعتراض على هذا، وبذا للاعتراض على ما يمس أساس وجودنا. ولهذا شرّعنا في هذا القانون النشيد الوطني ولغتنا وعلمنا». وكانت هذه رؤية سرعان ما التقطها آخرون من المؤيدين لتبرير القانون فقال النائب آفي ديختر «الليكود» المبادر الأول لهذا القانون في العام 2011 في عرضه للقانون أمام الهيئة العامة للكنيست: «منذ أن بدأت بالدفع قدماً بهذا القانون، قيل لي إن صيغته مفهومة تلقائيا، لكن ما كان بالإمكان تجاهل أقوال القائمة المشتركة: (نحن سننتصر، لأننا كنا هنا قبلكم وسنكون بعدكم). إن هذا القانون هو الردّ الحادّ على كل من يفكر هكذا». ومما يشير ربما لدور فلسطينيي الداخل والخوف من تطورهم كما وكيفا، في تشريع هذا القانون قال ديختر مخاطباً أعضاء القائمة المشتركة، بعد هذا القانون، فإن «كل ما باستطاعتكم فعله هو تحقيق المساواة لأقليات، لكن ليس مساواة قومية. لن تكون أي أقلية قادرة على تغيير رموز الدولة. إن هذا القانون لا يمس اللغة العربية، ولا يمس أي أقلية، وهذه أخبار كاذبة. وإسرائيل ليست دولة ثنائية اللغة، ولن تكون هكذا. إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وتضمن الأغلبية دون المس بالأقليات». من جهته قال الكاتب يوعز هندل، الرئيس السابق للطاقم الإعلامي في ديوان رئاسة الحكومة، في «يديعوت أحرنوت»، إن إسرائيل ليس لديها دستور منذ قيامها. ولعل هذا هو الفشل الأبرز لديفيد بن غوريون. معتبرا أن قانون القومية مهم لأنه جزء من البديل للدستور، إلى جانب قانون أساس كرامة الإنسان وحريته. وأضاف: «في العقود الأولى لقيام الدولة لم تكن هناك حاجة إلى شروحات كثيرة عما نحن. فعندما يكون الرأس تحت المقصلة تكون الكلمات والأفكار ترفا زائدا. نحن لم نعد هناك: لا يوجد تهديد وجودي، الدولة تزدهر وتتطور وإلى جانب ذلك الديموغرافية تتغير. ومع ذلك فإن نصف التلاميذ في إسرائيل يتعلمون في تعليم غير رسمي (يقصد غير يهودي رسمي) بينهم أساسا عرب ومتدينون متزمتون حريديم». ويؤكد هندل أن المصلحة الصهيونية تظل الحفاظ على الأغلبية اليهودية، وعلى التواجد في كل مكان في البلاد وفي رأيه هذا لا يحصل لأنه ليس مُهما بما يكفي للحكومة. ويتساءل: لماذا القانون؟ ويجيب: «لأنه حان الوقت كي تعرّف إسرائيل نفسها، تقرر مصيرها، تعرض خطوطا حمراء وتطور رؤية وطنية بعيدة المدى بدلا من إطفاء الحرائق والأحابيل». ويقول الكاتب شلومو بيوتركوفسكي، في صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن المصادقة على قانون القومية هي لحظة مؤسسة في تاريخ دولة إسرائيل. ففي نهاية المطاف تمّ في العام الـ 70 للدولة إقرار قانون من شأنه أن يكون فاتحة لدستور مستقبلي، سيكون يوما ما لدينا. وهذا القانون يحصّن هوية الدولة اليهودية، التي قامت في أرض إسرائيل، بعد ألفي عام من المنفى، وهذه اللحظة هي حقا لحظة مهمة جدا.
11HAD
قانون القومية يشعل جدلا صاخبا في إسرائيل بين مؤيد ومعارض
الناصرة ـ «القدس العربي»: في أعقاب سن قانون القومية، قدم ثلاثة أعضاء كنيست من الطائفة العربية الدرزية التماسا للمحكمة الإسرائيلية العليا لإلغائه أو تعديله وهم د. أكرم حسون، حزب «كولانو» المشارك في الائتلاف، وحمد عمار، حزب «يسرائيل بيتينو» المشارك في الائتلاف الحاكم، وصالح سعد من «المعسكر الصهيوني» المعارض. وقد حددت المحكمة الإسرائيلية موعدا متأخرا لنظر بالالتماس هو كانون الثاني/يناير المقبل وقد انضم له عدد من رؤساء الحكم المحلي في البلدات البدوية ومخطط المدن البروفيسور راسم خمايسي. ردا على سؤال «القدس العربي» اعتبر النائب أكرم حسون، أن الدافع الأساسي لقانون القومية مرتبط بحسابات انتخابية شعبوية قادها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. في المقابل يوضح أنه ورغم ذلك فإنه لا يقلل من خطورته لأنه يرى في غير اليهود مواطنين من الدرجة الثانية، ناهيك عن احتمالات استغلاله مسبقا للقيام بأفعال غير ديمقراطية خطيرة. منوها إلى أن هناك حظوظا هامة لإلغاء القانون في المحكمة العليا كونه يتناقض مع قوانين أساسية أخرى. وأضاف «نحن ذهبنا لهذا الالتماس من منطلق أننا نعترف بوثيقة الاستقلال الإسرائيلية من عام 1948 فالمحكمة العليا تتعامل معنا ومع القضية بمنطق مختلف. نحن لا نطالب بإلغاء وثيقة الاستقلال بل على العكس نحن نطالب بتغيير القانون لأنه يمس بحقوق الطائفة الدرزية وخصوصاً بعد اعتراف الدولة بالدروز كأقلية لها حقوق ولذلك نحن نطالب بإلغاء القانون». أما عن السؤال إذا كان هناك تنسيق مع القائمة المشتركة ولجنة المتابعة العليا الممثلة الأعلى لكل فلسطينيي الداخل قال حسون: «نحن لا نختلف معهم مطلقاً بل بالعكس ندعم مطالبهم ونحن معهم ولكن كما ذكرت موضوع الاعتراف بوثيقة الاستقلال هو نقطة كل يرى ما يراه فيها». وردا على سؤال حول مشاركته في صب الماء على طاحونة إسرائيل في امعانها بتقسيم فلسطينيي الداخل إلى طوائف وقبائل وأن هذه الخطوة هي بمثابة شرعنة لما تصبو إليه الحكومة قال: «نحن عرب وننتمي إلى المجتمع العربي ولا يمكن اعتبار هذه الخطوة تعطي شرعية للحكومة بتمزيقه، بل على العكس ان خطوتنا ستحدث تغييرا على صعيد المجتمع العربي بأكمله وخصوصاً عندما تقوم القائمة المشتركة ولجنة المتابعة بتقديم التماس للعليا فطبيعي ان نلتقي هناك وبالتأكيد فإن التماسنا سيخدم الالتماس الذي سيقدمونه». وعن عدم التنسيق مع قادة فلسطينيي الداخل وحصره للاحتجاج بالطائفة الدرزية التي تشكل 10 في المئة من فلسطينيي الداخل أضاف «أعلنا عن خطوتنا ودعونا الجميع للتعاون ولكن لم يكن هناك أي توجه إلينا، ولكن أعود وأقول ان خطوتنا ليست ضد المجتمع العربي في البلاد بالعكس فإنها تخدم الجميع». وعن الاجتماع الذي تم مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يحاول احتواء الاحتجاج دون تعديل القانون، قال حسون «لقد اجتمعنا مع رئيس الحكومة لأكثر من ساعة تقريباً وأنا طرحت هناك كل الإشكاليات المختلفة من قانون القومية وقانون البناء الذي يخص التخطيط والبناء. جلسنا واستمع رئيس الحكومة لكل الحاضرين وكان من بينهم الوزير موشيه كحلون وقلنا له، هناك أمور قاسية وصعبة لا يمكننا تقبلها نهائياً ولن نكون مواطنين درجة ثانية». زاعما ان نتنياهو وبعد ان استمع للشكاوي أوعز للوزير يريف لفين راعي قانون القومية العنصري بالنظر والبحث في ما يمكن أن يعدل في القانون وزيادة أو شطب أشياء وعمل برنامج خاص يحقق المساواة. وأضاف «كل هذا ليس من أجل الشعارات ونحن ماضون إلى محكمة العدل العليا». وردا على سؤال حول اتهام أوساط درزية له بالمهادنة وعدم تسمية «الولد باسمه» وتحاشي القول ان إسرائيل طعنت الدروز طعنة غادرة في الظهر، قال، ان في مقدور أي شخص التفكير بما يشاء، وأنا أقولها بأعلى صوتي أكرم حسون «مش كمالة عدد» أنا من قدم الالتماس لمحكمة العدل العليا، ورغم الوعود أنا قلت أني سوف أذهب مع الالتماس حتى النهاية كذلك لا أعتقد أن ما يقال في الشارع ينطبق علي أنا شخصياً على الأقل فأنا ماض في اتجاه ما أؤمن به، مدعوماً من حزبي وأنا أكرر ان القانون نعم يشكل طعنة في الظهر ولابد من إلغائه أو تعديله». ○ سبق وقال رئيس حزبك وزير المالية موشيه كحلون ان قانون القومية فيه إجحاف وفي المقابل هو قد دعمك في قرارك تقديم الالتماس وإذا كان بالفعل هذا هو موقفه فلماذا صوت هو والحزب «كلنا» مع القانون؟ • هناك اتفاقيات ائتلافية يجب التعامل معها فلو صوت حزب كولانو ضد قانون القومية لسقطت الحكومة. ○ ألا تشعر ان إسرائيل هي لليهود فقط، وان من المفضل ان تعود وبقية العرب الدروز لحضن شعبكم الفلسطيني والمحافظة على كرامتكم القومية والإنسانية لاسيما انكم ضحيتم حتى الآن بـ 450 جنديا في حروب خاضتها إسرائيل؟ • لا هذا سيشعل حربا بيننا ولم يعد في الإمكان إعادة العجلة للوراء. ما نصبو له هو ان يتساوى اليهود والعرب في إسرائيل بمواطنة حقيقية للجميع. لا أنافق أحدا. أمي اسمها فلسطين وخالتي سوريا وخالتي الثانية مشايخ وخالتي الثالثة زايدة ولغتي العربية ومواطنتي إسرائيلية. ○ وما قصة التسميات؟ • جدي والد أمي غادر جبل العرب في سوريا خلال الثورة السورية الكبرى عام 1925 وقدم إلى البلاد واستقر هنا وحينما ولدت أمي عام 1944 سماها فلسطين وخالتي سوريا تعبيرا عن حبه لقوميته. يشار إلى أن قانون القومية قد تسبب في صدع غير مسبوق بين إسرائيل والطائفة العربية الدرزية وقد بدأ العشرات من الضباط والسياسيين منهم في النضال ضد القانون العنصري بادعاء أنه يحولهم إلى «مواطنين من الدرجة الثانية» ويضر بشدة بوضعهم. وقال العميد (احتياط) أنور صعب، وهو قائد لواء سابق أصيب في حرب لبنان الثانية: «لا توجد سياسة، بل ديمقراطية، وهذا القانون ليس سوى خيبة أمل لطابع إسرائيل. المس هو ليس بالدروز كدروز، وإنما خرق فظ للحلف الذي تم عقده بين الطائفة الدرزية واليهود. أنا واثق من أن بن غوريون يتقلب في قبره». وقال إن الهدف من الاحتجاج هو «تعديل القانون الأحمق». وردا على سؤال «القدس العربي» دعا أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا بروفيسور أسعد غانم قادة فلسطينيي الداخل لاستغلال هذا الصدع والبحث عن قواسم مشتركة مع الإخوة الدروز. وقال «طالما اننا أقلية قومية علينا زيادة مساعينا لاسترجاع الدروز لحضن شعبهم رغم الاختلافات والخلافات في قضايا جوهرية ولا يجوز ان نكتفي باتهامهم ونقفل الباب أمامهم فهذه لحظة تاريخية».
11HAD
أكرم حسون: أمي اسمها فلسطين وخالتي سوريا ودولتي إسرائيل فهل من تناقض؟ نائب من دروز الداخل في الكنيست
يبدو أن إقرار قانون يهودية الدولة من قبل الكنيست الإسرائيلي جعل كل فلسطيني يعيش على أرض فلسطين التاريخية في كفة واحدة، بعد أن جرد القانون الجديد من تبقى منهم في مدن فلسطين التاريخية من مواطنتهم ولغتهم وحقوقهم، جنبا إلى جنب مع الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967 في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وكان أشبه بترجمة قانونية للنكبة الفلسطينية بعد سبعين عاما على وقوعها. ندوات ولقاءات سياسية ومؤتمرات صحافية عديدة شهدتها مدينة رام الله خلال الأيام الماضية، شارك فيها أعضاء عرب في الكنيست الإسرائيلي، وقيادات كبيرة في السلطة الفلسطينية، كان عنوانها الوحيد سبل مواجهة الخطر الداهم المتمثل في قانون قومية الدولة اليهودية والذي بات يهدد كل فلسطيني أينما وجد. وهو ما عبر عنه صراحة عضو الكنيست الإسرائيلي عن القائمة العربية المشتركة الدكتور يوسف جبارين لـ«القدس العربي» قائلا: «هذا القانون العنصري الجديد أزال الخط الأخضر ووحدنا في مناطق 67 و48 والشتات بعد أن فرقتنا نكبة هنا ونكسة هناك وقوانين هنا وأخرى هناك». وأكد جبارين ان اليمين الأصولي الفاشي الحاكم في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو يحاول من خلال هذا القانون حسم مرحلة تاريخية من خلال فرض قانون أساس يلغي حق تقرير المصير وحق العودة ويحسم مسألة الحدود بعد أن قونن الاستيطان وسمح لليهودي أن يستوطن أينما شاء، إضافة إلى شطب مكانة اللغة العربية كلغة رسمية ثانية في إسرائيل واللغة هنا في رأي جبارين تعني الهوية والتاريخ والثقافة. ويرى عضو الكنيست جبارين ان جميع العناصر الأربعة التي تضمنها القانون العنصري الجديد هي مكونات من صفقة القرن التي بدأت الإدارة الأمريكية تنفيذها على الأرض بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل. وأشار إلى أن هذا القانون العنصري يمنع إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 لأن مبدأ إقامتها يتناقض تماما مع التشريع الجديد الذي يعتبر الضفة والقدس وغزة جزءا أساسيا من أرض ودولة اليهود. وبموجب هذا القانون لن يحصل الفلسطينيون على أكثر من إدارة ذاتية في المناطق التي يعيشون فيها وبحقوق فردية. وردا على سؤال لـ«القدس العربي» يتعلق بإمكانية قيام منظمة التحرير سحب اعترافها بدولة إسرائيل كرد على هذا القانون استبعد جبارين لجوء السلطة إلى مثل هذه الخطوة وقال: «سحب الاعتراف لن يجدي نفعا في الوقت الراهن وقد يضعف الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية» مشددا على ضرورة اللجوء إلى الأمم المتحدة والمحافل الدولية لتعرية إسرائيل وفضحها وإجبارها على التراجع. وهو ما أعلن عنه صائب عريقات في مؤتمر صحافي جمعه بعضو الكنيست جبارين ووكيل وزارة الإعلام الفلسطينية فايز أبو عيطة في رام الله، عندما كشف عن توجيهات صدرت من الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقيام بكل ما يلزم للتصدي لهذا القانون. عريقات أكد انه وبعد التشاور مع وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي، اتخذت منظمة التحرير الخطوة الأولى من خلال مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، والذي توجه باسم فلسطين للدائرة القانونية في الأمم المتحدة بسؤال محدد يقول: هل هذا القرار الإسرائيلي يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة؟ وأكد عريقات أن الإجابة التي سنتلقاها من الدائرة القانونية في الأمم المتحدة ستضع علامة سؤال كبيرة تتعلق بعضوية إسرائيل كدولة في الأمم المتحدة، لما يمثله هذا القانون العنصري من نسف واضح للقانون الدولي والشرائع الإنسانية والمساواة بين البشر. مشيرا إلى أن منظمة التحرير ووزارة الخارجية تجري اتصالات مع كل دول العالم لفضح هذا القانون العنصري وقال «لن نفهم بعد اليوم أن تقول أي دولة في العالم أن لها قيم مشتركة مع إسرائيل والتي وصلت إلى قمة الانحطاط الأخلاقي والسياسي». وحذر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من تحول الصراع بفعل هذا القانون إلى صراع ديني، وقال «ان ما تزرعه إسرائيل من قوانين سينتج عنه وفق التطور الطبيعي الذي شهده التاريخ عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية». وعن نتائج تلك الاتصالات أشار وكيل وزارة الإعلام الدكتور فايز أبو عيطة إلى أن «الاتصالات الدولية تأتي في سياق خطة شاملة بتوجيهات من الرئيس محمود عباس وتشمل اللجوء لمحكمة العدل الدولية وهي خطة تشارك فيها وزارة الخارجية ووزارة الإعلام وكافة هيئات منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية». وقال أبو عيطة لـ«القدس العربي»: «نحن مطمئنون للموقف الدولي ومطمئنون أكثر على قدرتنا على الثبات والصمود على أرضنا. منذ مئة عام ونحن نواجه مثل هذه القوانين والقرارات العنصرية التي لم ولن نستطيع أن تقتلعنا من فلسطين». وأضاف «نحن أمام نموذج جديد من نظام عنصري مشابه لنظام الأبارتهيد البائد في جنوب افريقيا، وهو نموذج لن تكتب له الحياة لأننا هنا ولن نتزحزح من هذه الأرض وسنواجه عملية التطهير العرقي بمواصلة الثبات على أرضنا وتعزيز مقومات صمود شعبنا وتوسيع مقاومتنا الشعبية». ويرى أبو عيطة ان عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة على المحك، وهي تعزل نفسها بنفسها عبر قوانين عنصرية تتناقض مع مبادئ وقوانين الأمم المتحدة. القانون العنصري الذي وحد جبهات الفلسطينيين في مناطق الـ 48 و67 والشتات سيؤدي في المقابل إلى إحداث نوع من الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي يعكف الفلسطينيون على استغلاله كوسيلة من وسائل مواجهة القانون تضاف إلى الوسائل التي تحدث عنها عريقات وجبارين وأبو عيطة. وهذا ما دفع الدكتور علاء أبو عامر، الأكاديمي المتخصص باليهودية إلى دعوة السلطة الوطنية ومنظمة التحرير إلى توظيف هذا الشرخ في مواجهة القرار من داخل المجتمع الإسرائيلي. وقال أبو عامر لـ«القدس العربي»: «إن سؤال من هو اليهودي أرق ويؤرق إسرائيل منذ زمن بعيد، حيث ينص قانون العودة الإسرائيلي أن اليهودي هو فرد ذو أم يهودية أو فرد كان قد اعتنق اليهودية. وتطلب الحاخامية الكبرى في إسرائيل وثائق تثبت يهودية الأم والجدة وأم الجدة وأم أم الجدة عند التقدم للزواج، ويؤكد مكتب الحاخام الأكبر على المبدأ الأساسي القائل بعدم اعتراف المكتب والهيئات الأخرى بيهودية الطفل إلا شريطة أن تكون والدة الطفل يهودية». وعن مغزى نجاح الكنيست في إقرار القانون بأغلبية ضئيلة أكد أبو عامر «ان هذه الحقيقة تثبت أن أسئلة من هو اليهودي ستبقى مشكلة قائمة لا يمكن حلها ببساطة في دولة إسرائيل، وربما سيفتح هذا القانون صراعا كبيرا بين المتدينين والعلمانيين لسنوات كثيرة مقبلة». وقال «تلك الأسئلة التي لم تحل منذ عقود طويلة ولن تحل بعد إصدار هذا القانون الذي سيطرح مزيدا من الأسئلة المتعلقة بمن هو اليهودي ومنها: هل ينبغي اعتبار الفرد يهودياً إذا كان أحد والديه (وليس كليهما) يهودياً؟ أي عمليات اعتناق اليهودية تصح؟ هل يمكن للفرد أن يبقى يهودياً بعد اعتناقه لديانة أخرى؟ كيف يؤثر عدم إدراك الفرد لكون أهله يهود على الحالة اليهودية للفرد؟ كيف تتحدد الهوية اليهودية في البلدان المختلفة خلال الشتات اليهودي؟ كيف يُحكم في زعم المواطنة الإسرائيلية في سياق قوانين إسرائيل الأساسية». 11HAD
خطة فلسطينية لإسقاط عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة على خلفية قانون يهودية الدولة منير أبو رزق
غزة ـ «القدس العربي»: أسقطت إسرائيل عن نفسها ادعاءاتها الزائفة بأنها «واحة الديمقراطية» في الشرق الأوسط، بعدما أقر برلمانها «الكنيست»، «قانون القومية» الجديد، الذي يرسخ العداء للفلسطينيين، ويشرعن الاستيطان، ويقر بشكل علني نظام «الفصل العنصري»، بسلبه كامل الحقوق للسكان الأصليين، وهو ما دفع الكل الفلسطيني من رئاسة ومنظمة تحرير وحكومة وفصائل، للتوحد في خندق واحدة، رفضا لهذا القانون الجائر، الذي جاء في سياق تحركات الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف، ضد الشعب الفلسطيني. وأقر الكنيست بغالبية نوابه اليمينيين الذين ينتمون لأحزاب عرفت بتشددها تجاه العرب والفلسطينيين، قانونا جديدا قبل أيام عرف باسم «قانون القومية»، بعد سلسلة قوانين عنصرية أخرى، كان من بينها التحضير لإقرار قانون «منع الآذان»، وقانون استقطاع قيمة الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعوائل الأسرى والشهداء، وكذلك التحضير لقانون «إعدام الأسرى» الفلسطينيين بصيغته النهائية، علاوة على القوانين الخاصة بدعم الاستيطان وتوسعه. التصويت الإسرائيلي على القانون كان بأغلبية 62 عضوا، مقابل معارضة 55 عضوا، وينص على أن «دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي»، وأن حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على اليهود، وأن الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط، وأن «القدس الكبرى والموحدة عاصمة إسرائيل»، وأن اللغة العبرية هي لغة الدولة الرسمية، مما يلغي أي حقوق للسكان الفلسطينيين أصحاب الأرض، بعد انتزاعها لصالح الإسرائيليين. القانون بصيغته العنصرية، دفع القيادة الفلسطينية على لسان الدكتور صائب عريقات للتحذير بشدة من المخاطر التي يحملها، كونه يدعو لمواصلة «عمليات التطهير العرقي والتشريد»، ويرسخ الاستيطان والعدوان. عريقات أكد أن هذا القانون جعل من إسرائيل «نظام فصل عنصري بالقانون»، وأنه جاء «ترسيخاً وامتداداً للإرث الاستعماري العنصري الذي يقوم على أساس التطهير العرقي وإلغاء الآخر، والتنكر المتعمد لحقوق السكان الأصليين على أرضهم التاريخية». واتهم أمين سر اللجنة التنفيذية إسرائيل، بانها اختارت أن تكون «الدولة النشاز» في القرن الحادي والعشرين، وأنها «تعزز العنصرية على حساب مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية»، محذرا من تبعاته، كونه يشرع الاستيطان، ويمهد «لقوننة» التطهير العرقي، ويدمر خيار الدولتين، ويستبدله بـ «الأبرتهايد»، ويحول الصراع إلى صراع ديني، ويسعى لتنفيذ الرواية الصهيونية اليهودية بأرض إسرائيل الكبرى، وإلغاء الرواية الفلسطينية إلغاء تاما، وأنه أيضا يعمل على إسقاط ملف اللاجئين، والقدس، وإبقاء القوات الإسرائيلية على غور الأردن، واستمرار سيطرة إسرائيل على المياه الإقليمية، والجو. وانتقد عريقات الصمت الدولي على أفعال إسرائيل، وقال أن ذلك هو الذي عمل على تمرير القانون، لعلمها بأنها خارج نطاق المحاسبة، وطالب دول العالم باتخاذ «التدابير الفورية والعاجلة» لحماية الشعب الفلسطيني، مؤكدا في الوقت ذاته أن الشعب الفلسطيني لا يعترف بالقوانين الإسرائيلية ويعتبرها «غير شرعية»، وأكد على التمسك بالحق الفلسطيني في تقرير المصير حتى نيل الحرية وإنجاز استقلال الدولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين. ووصفت الحكومة الفلسطينية القانون بـ «الاستعلائي العنصري»، وقال الناطق باسمها يوسف المحمود، أنه يعد «محاولة أخرى لطمس الهوية العربية الفلسطينية، ومن أجل ارساء أسس العداء والبغضاء على أنقاض السلام المنشود الذي نسعى مع أصدقائنا من كافة أنحاء العالم إلى إنعاشه في بلادنا والمنطقة»، لافتا إلى أن القانون يحمل دعوة لـ «شن حرب على أبناء شعبنا وأرضنا، وطمس تراثه المجيد الذي يمتد إلى بدايات فجر التاريخ»، وشدد على أن ما تقوم به دولة الاحتلال «يهدد القيم والأصول والشرائع ويهدد الأمن والسلام»، وجدد مطالبة المجتمع الدولي التحرك من أجل «وقف الإجراءات الاحتلالية الخطيرة». يشار إلى أن أحد نصوص القانون الإسرائيلي العنصري الجديد، يقول «تعمل الدولة في الشتات للمحافظة على العلاقة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودي». وردا على القانون، قال وزير الخارجية رياض المالكي، أنه أسقط الادعاءات بديمقراطية دولة الاحتلال، كونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لافتا إلى أن إقرار تشريعات عنصرية كهذه، يعد «انتهاكا صريحا ومتعمدا لجميع القرارات والقوانين الدولية والإنسانية، ودعوة صريحه ومباشرة لممارسة سياسة التطهير العرقي والتهجير»، وسيقضي على أي مبادرة تقود نحو السلام وعلى أمن واستقرار المنطقة ككل. وأكدت اللجنة الرئاسية لشؤون الكنائس في فلسطين، أن ما يسمى «بقانون القومية الصهيوني» الذي أقر مؤخرا، قانون عنصري اقصائي، يقصي الديانتين المسيحية والإسلامية كما يقصي المسيحيين بكل كنائسهم الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية وجميع الكنائس الأخرى، واعتبرت كذلك القانون بأنه يمثل «عدوانا على حقوق الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه ويناقض قرارات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وأبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان». وفي هذا السياق حذر الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، حنا عيسى، من مخاطر القانون، كونه يقضي بأن دولة إسرائيل هي «الوطن القومي للشعب اليهودي»، وقال «إسرائيل ماضية بسرقتها للأرض الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني، تارةً بالهدم والتهجير وسلب الأراضي، وتارةً أخرى بالاستيطان، وأخيرا إصدار القرارات والقوانين التي تحاول من خلالها إثبات أحقيتها بالأرض العربية الفلسطينية المسلوبة عنوة». كذلك قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، إن «قانون القومية» هو «قانون عنصري تطهيري استيطاني، يستهدف أبناء شعبنا داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ويعادي كافة القيم الإنسانية والديمقراطية التي ينشدها العالم». هذا وقد جاء في أحد نصوص القانون أيضا «تعتبر الدولة تطوير استيطان يهودي قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته». وفي تعقيبها على القانون الإسرائيلي الخطير، قالت حركة حماس على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم، أن القانون يعتبر «شرعنة رسمية للعنصرية الإسرائيلية، واستهدافا خطيرا للوجود الفلسطيني وحقه التاريخي في أرضه، وسرقة واضحة لممتلكاته ومقدراته»، وانتقد الموقف الدولي بقوله «ما كان لهذه القوانين والقرارات المتطرفة أن تُتخذ لولا حالة الصمت الإقليمي والدولي على جرائم الاحتلال وانتهاكاته، وكذلك الدعم الأمريكي اللامحدود للنهج العنصري الإسرائيلي المتطرف»، مؤكدا أن كل هذه القرارات والقوانين الباطلة «لن تمر ولن تغير من الواقع شيئاً». ووصفت حركة الجهاد الإسلامي القانون الإسرائيلي الجديد بأنه «طافح بالعنصرية والكراهية»، مشيرة إلى انه «يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل، ماضية في طريقها للقضاء على الوجود الفلسطيني»، وأنه يعد من أخطر القوانين التي صادق عليها الكنيست في السنوات الأخيرة. أما الجبهة الشعبية فقد أكدت أن مصادقة الكنيست على القانون يمثل «إعلان حرب على الوجود الفلسطيني والهوية الوطنية الفلسطينية»، وشددت على أن فلسطين هي «الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني وأرض الأجداد ومستقبل الأحفاد، وأن هذا الكيان الصهيوني المجرم لا يملك أي صفة شرعية أو تاريخية أو وجودية»، وحملت المجتمع الدولي المسؤولية «في ضوء استمرار عدم إدانته ومحاسبته للكيان الصهيوني»، واعتبرت أن الرد الوطني والقومي يجب أن يتجاوز حدود «الردود اللفظية» على مجمل القوانين الجديدة والتي يجري سنها اليوم داخل إسرائيل، وأن يكون بـ «خطوات عملية وفي مقدمتها قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني ووقف التطبيع، وإنهاء مهزلة اتفاقيات السلام ومشروع التسوية». وقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي في القدس بلال النتشة، أن إقرار القانون يأتي ضمن سياسة المحتل الغاشمة والمستمرة لإقصاء واقتلاع الفلسطينيين من ديارهم، ومواصلة مأسسة وتنفيذ النظام الاستبدادي القائم على الفصل العنصري».
11HAD
أخطر قرارات التطهير العرقي وحرب جديدة على الوجود الفلسطيني
اعتمد الكنيست الخميس في التاسع عشر من شهر تموز/يوليو 2018 قانونا دستوريا أساسيا جديدا يعتبر أهم تحول ايديولوجي في تاريخ الحركة الصهيونية منذ تأسيسها في مؤتمر بازل عام 1897 إلى اليوم. وقد صادق عليه 62 عضوا وعارضه 55، إلا أن العودة إلى إلغائه يتطلب الثلثين. أي أن اعتماده كان بصعوبة بالغة وبأغلبية بسيطة إلا أن التخلص منه أصبح شبه مستحيل. ليس من العدل أن نطلق على القانون الجديد أنه عنصري فقط بل هو يؤسس لنظام يقوم على خلطة من الفاشية والشوفينية والانغلاق الطائفي البغيض والعنجهية والفوقيه والانعزالية. وإذا كانت هذه الدولة يهودية فقط لماذا تأخر التعريف لأكثر من 70 سنة؟ هل اكتشفت نفسها إسرائيل الآن بأنها دولة اليهود فقط أم أن الظرف الموضوعي في هذه المرحلة بالذات لا يمكن أن يكون أكثر ملاءمة لتمرير مثل هذا القانون الدستوري الأساسي الخطير؟ لقد وجد غلاة الصهاينة أن هذه الفرصة قد لا تتكرر أبدا وإذا لم يتم استغلالها الآن والآن فقط وإلا قد لا تعود. والظروف التي نتكلم عنها تستند إلى مجموعة معطيات صارخة: ـ أولها الانقسام الفلسطيني العميق بشقيه الجغرافي والسياسي ووجود سلطتين ضعيفتين معزولتين. ـ تكون حلف عربي متساوق مع السياسات الإسرائيلية يتمثل في مثلث ذي ثقل سكاني ومالي يشمل مصر والسعودية والإمارات. ـ انتشار الحروب البينية أو الشروخات العميقة السياسية والطائفية في سوريا واليمن وليبيا وإلى حد ما في العراق ولبنان. ـ انتشار الحركات المتطرفة دينيا باسم الإسلام والتي ربطت مفاهيم الإرهاب بالعرب والمسلمين وأعطت غطاء مناسبا بوصف كل من قال الله أكبر بأنه متطرف وإرهابي محتمل. ـ وجود إدارة أمريكية متصهينة أكثر من غلاة الصهاينة يقودها الثلاثي الخطر ـ فريدمان، غرينبلات، كوشنير. ـ علاقات متميزة لإسرائيل مع كثير من دول العالم وخاصة مع روسيا ودول أوروبا الشرقية والهند في ظل اقتصاد قوي جدا.
أهم بنود القانون
يتكون القانون من إحدى عشرة مادة أساسية. وسنختار منه عينة فقط. المادة الأولى تتكون من ثلاثة بنود: أ ـ أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل. ب ـ دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير. ج ـ ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي. والمادة الثالثة تحت عنوان عاصمة الدولة وتنص على: القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة اسرائيل. والمادة الرابعة: أ ـ تعتبر اللغة العبرية هي لغة الدولة، لكنه يعطي للغة العربية مكانة خاصة ينظم استعمالها بموجب القانون. المادة الخامسة: تكون الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات. والمادة السابعة وهي من أخطر المواد حول الاستيطان اليهودي حيث تنص على: «تعتبر الدولة تطوير استيطان يهودي قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته». وتنتهي هذه القوانين بالمادة الحادية عشرة والتي تنص على أن أي تغيير في هذا القانون يستلزم أغلبية مطلقة من أعضاء الكنيست. بعد إقرار القانون قام نواب القائمة المشتركة بتمزيقه ورميه صوب رئيس الحكومة نتنياهو ووصفوا القانون الأساسي الجديد أنه يؤسس رسميا وعلنا لنظام الأبرتهايد جديد بطبعته المنقحة والتي تجعل من نظام الأبرتهايد في جنوب افريقيا كأنه وثيقة حقوق إنسان.
انتهاكه للقانون الدولي
يستهدف القانون الأساسي هذا سحب أي نوع من شرعية الوجود التاريخي والمتواصل للشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية وإدعائها لليهود فقط. أي «أن التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه لم يعد برنامجا سياسيا لهذا الحزب أو ذاك بل قانون دولة غلاب على كل القوانين»، كما قال محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العربية. والقانون يستهدف القدس وهويتها الإسلامية المسيحية ومقدساتها التاريخية، وينكر وجود الشعب الفلسطيني كشعب ويحوله إلى أفراد طارئين في بلد ليس بلدهم وأرض ليست لهم. ويصادر القانون حق شعب آخر في تقرير مصيره. بل وينكر وجود أقليات أخرى خدمت الدولة واعتبرت نفسها جزءا من نسيج المجتمع الإسرائيلي غير العربي مثل الدروز وبدو النقب اللذين سمح لهما الخدمة في الجيش وقاموا بمهمات قتالية لصالح تلك الدولة. وأخطر ما في القانون أن الاستيطان أصبح قيمة قومية وهذا يعني أنها ترفع من مستوى من يمارسها ولذلك يجب دعم وتثبيت وتوسيع هذه القيمة اليهودية المطلقة. الاستيطان حسب هذا القانون لم يصبح مسموحا فحسب بل أصبح إلتزاما دينيا وخلقيا. هذا القانون يؤسس لعملية تطهير عرقي عن طريق الاستنزاف أو ربما المجازر أو سن قوانين تسهل الطرد وهدم البيوت ومصادرة الأراضي ومنع التوظيف والتدخل في كل ما يمكن أن يتعارض مع القانون الأساسي السابق. والسؤال الآن، هل يمكن تصنيف هذا القانون أنه نوع من ممارسة السيادة التي تمارسها الدول داخل حدودها؟ هل تستطيع كندا مثلا أن تسن قانون المواطنة تميز فيه ضد سكان مقاطعة كيبيك الفرنسية وتلغي اللغة الفرنسية كلغة رسمية؟ هل تستطيع بلغاريا أن تطرد من تعريفها لقوميتها أقلية الروما (الغجر) بسبب اللغة أو العرق أو الدين مع أنهم من سكان البلاد الأصليين؟ هل يمكن لدولة ديمقراطية أن تفصل قانونا على مقاس فئة واحدة فقط (حتى لو كانت أغلبية)؟ إن أول ما يخطر في البال أن القانون أسس لدولة عنصرية وبشكل لا لبس فيه فوصف المواطنة وحق العودة واللغة وحق تقرير المصير لفئة واحدة مميزا بذلك ضد السكان الأصليين من فلسطينيين عرب ودروز وبدو. وسنستعرض هنا عينة صغيرة من الاتفاقيات الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة التي تعتبر هذا القانون الأساسي انتهاكا للقانون الدولي: أولا ـ الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي اعتمدت بقرار من الجمعية العامة 2106 المؤرخ 21 كانون الأول/ديسمبر 1965 ودخلت حيز التنفيذ في 4 كانون الأول/ديسمبر 1969. وتتكون من 18 مادة وبها تفاصيل كثيرة تهدف أولا وأخيرا إلى القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري. وتعرف الاتفاقية التمييز العنصري في بندها الأول بأنه «أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها». وتنص مادة أخرى في الاتفاقية على أن تتخذ كل دولة طرف في المعاهدة تدابير فعالة لإعادة النظر في السياسات الحكومية القومية والمحلية لتعديل أو إلغاء أو إبطال أي قوانين أو أنظمة تؤدي إلى إقامة التمييز العنصري أو إدامته. كما تحظر الاتفاقية الترويج للتمييز العنصري وتعتبر كل الأنشطة العنصرية والتحريض عليها وترويجها جريمة يعاقب عليها القانون. ثانيا ـ إعلان حقوق السكان الأصليين الذي اعتمدته الجمعية العامة 13 كانون الأول/ديسمبر 2007. وينص الإعلان المكون من 46 بندا على حق سكان البلاد الأصليين، أي مجتمعات ما قبل الاستيطان والاستعمار والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، ليس فقط عن حقوقهم الفردية المدنية والسياسية مثل الحق في الحياة والسلامة والصحة وتكوين عائلة وحق التجمع والتنقل بل وحقوقهم كمجتمعات ومن تلك الحقوق المحافظة على هويتهم الوطنية وثقافتهم ولغتهم وأراضيهم وملكياتهم ومعتقداتهم وأديانهم وتراثهم الثقافي. وللعلم لم يصوت ضد الإعلان إلا الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا. وينص الإعلان في بنده الثاني على حق السكان الأصليين في أن يكونوا أحرارا ولا يخضعوا لأي نوع من التمييز وهم يمارسون حقوقهم وخاصة فيما يتعلق بأصولهم وهوياتهم ومعتقداتهم. كما أن البند الثالث ينص حرفيا على حقهم في تقرير المصير وانطلاقا من هذا الحق يستطيع السكان الأصليون أن يقرروا بحرية وضعهم السياسي بالإضافة إلى العمل على تنمية مجتمعهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ثالثا ـ الحق في تقرير المصير: قد تكون هذه المرة الأولى التي تأتي فيه دولة عضو في الأمم المتحدة تعطي لصنف واحد من السكان الحق في تقرير المصير وتمنع الحق نفسه عن شعب آخر. وحق تقرير المصير مكفول للشعب الفلسطيني بموجب القرارات الدولية المتعاقبة. وقد ورد نصا في قرار الجمعية العامة 3236 الذي صدر عام 1975 جاء في بنده الأول: تعيد الجمعية العامة التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في فلسطين والتي تشمل: 1: (أ) حق تقرير المصير بدون تدخل خارجي. (ب) الحق في الاستقلال الوطني والسيادة. ومنذ ذلك القرار وإلى كانون الأول/ديسمبر الماضي والجمعية العامة تصوت على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وقد حصل القرار عام 2017 على 176 صوتا إيجابيا وحصل عام 2014 على 180 صوتا. ولم يصوت ضده إلا أمريكا وإسرائيل وكندا وأربع دول صغيرة جدا لا يعرف أحد منهم أين تقع فلسطين. إضافة إلى ذلك فقد أقرت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر بتاريخ 9 تموز/يوليو 2004 بأن الشعب الفلسطيني شعب ينطبق عليه حق تقرير المصير كما أقر نفس الرأي بأن الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة أراض محتلة من قبل إسرائيل وهو احتلال غير شرعي. ولا ننسى أيضا أن الجمعية العامة اعترفت رسميا عام 2012 بدولة فلسطين ومنحتها صفة مراقب. القرار الجديد إذن مخالف تماما للقانون الدولي. ولعل اعتماده يكون فرصة للشعب الفلسطيني ليعيد خطابه السياسي حول وحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان ووحدة الأرض الفلسطينية ووحدة الهدف المتمثل في إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية على كل أرض فلسطين يتمتع فيها المواطنون جميعهم بالحقوق نفسها ويؤدون الواجبات نفسها دون تمييز قائم على الدين أو اللغة أو اللون أو العرق أو الأصول الإثنية. لقد أصبحت هزيمة الطبعة الجديدة من نظام الأبرتهايد والأقبح في التاريخ مسألة أسهل بعد كل هذا الوضوح.
11HAD
قانون المواطنة الإسرائيلي من منظور القانون الدولي
في عام 2009 قال النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي «هذه الدولة ديمقراطية ويهودية. ديمقراطية لليهود ويهودية مع العرب» وقانون الدولة القومية الذي أقر يوم 19 تموز (يوليو) بنسبة 62 ـ 52 صوتا أكد هذا الكلام. والحقيقة أن قانون الدولة القومية الذي يدعو لحق اليهود في تقرير المصير فقط دون النظر إلى الأقليات التي تعيش ضمن حدود ما يعرف بإسرائيل هو تأكيد لواقع قائم منذ عام 1948 حيث التمييز الممنهج ضد العرب الفلسطينيين الذين يشكلون ربع السكان ويعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية ويمارس التمييز ضدهم في كل مستويات الحياة. وتظل انعكاسات القانون هائلة ليس على طبيعة وشخصية الدولة اليهودية ولكن علاقتها مع غير اليهود الذين يعيشون فيها ومع الجوار. فهو حسم للنقاش، على الأقل في الوقت الحالي، والذي ظل يدور ومنذ إعلان «الاستقلال» فيما كانت إسرائيل دولة لمواطنيها أم دولة لليهود فقط. واللافت للنظر أن القائمة العربية الموحدة تقدمت في فترة النقاش بمشروع قانون يدعو لتبني فكرة دولة ديمقراطية محايدة ولم يكلف الكنيست نفسه عناء التصويت عليه واستبعده بسبب أمور إجرائية. والأمر الذي يجب فهمه كما يقول استاذ الفلسفة الإسرائيلي أومري بويم، في صحيفة «نيويورك تايمز»(26/7/ 2018) أن إسرائيل لم تكن ديمقراطية أصلا وأن إعلان الاستقلال الذي كفل المساواة السياسية والاجتماعية «لكل السكان مهما كان دينه وعرقه وجنسه» لم يكن إلا محاولة لحماية مصالح اليهود الذين كانوا في وقت الإعلان أقلية وسط غالبية عربية. فقد قام إعلان الدولة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 والذي دعا إلى دولتين: يهودية وفلسطينية. واعترف الإعلان بأهمية قيام الدولة على «أرض إسرائيل» ويكون فيها اليهود أسياد قدرهم، ولكن اللغة فتحت المجال أمام نشوء دولة فلسطينية إلى جانب الدولة اليهودية. ويعتقد بويم إن التلميح لإمكانية دولة فلسطينية لم يكن في حد ذاته اعترافا بحق الفلسطينيين بدولتهم وتقرير مصيرهم بقدر ما كانت استراتيجية للحماية الذاتية. فمن الناحية العملية كان عدد اليهود وقت قيام الدولة 600.000 نسمة مقارنة مع 1.2 مليون فلسطيني. ففي ظل هذا التباين السكاني كانت الطريقة الأمثل لضمان دولة ديمقراطية يهودية هو فتح المجال أمام حق تقرير المصير للفلسطينيين. إلا أن الثنائية التي قامت عليها الدولة: ديمقراطية ويهودية كانت منافقة، فالحقوق المتساوية ارتبطت طوال الوقت بكون اليهود هم الأسياد (من الناحية العددية). واتضحت التناقضات في هذا النظام من خلال القانون الجديد، فلم تعد فكرة المساواة مهمة بعدما أصبح اليهود غالبية في «إسرائيل» (نسبة 73 في المئة). وأصبحت فكرة «حق تقرير المصير لدولة إسرائيل حقا للشعب اليهودي» حقيقة. ورغم ما يقوله المدافعون عن القانون الجديد من أنه لا يناقض إعلان الاستقلال أو فكرة الحقوق المتساوية إلا أن إسرائيل طالما سنت القوانين الأخرى لكي تقوم بالمهمة، فأي شخص مثلا يرفض فكرة الدولة «علانية أو بالخفاء» يمنع من الترشح للكنيست. كما أن القانون الجديد يعني أن الهوية اليهودية للدولة متقدمة على الصورة الديمقراطية، وبهذا فقد حسم النقاش الدائر منذ ولادة الدولة عن العلاقة بين الهوية اليهودية والنظام الديمقراطي. وضمن هذا الفهم فالقانون يشرعن للاستيطان المرفوض حسب القانون الدولي ولكنه يعتبر في التشريع الجديد «قيمة وطنية» ويجب تشجيعه وتقويته. وفي ظل النزاع القائم في إسرائيل على الأرض والسكان فتشجيع الاستيطان لا يعني دعم مصالح اليهود بل وتقويض مصالح العرب. وتبدو آثار هذه السياسات القاسية واضحة اليوم في الضفة الغربية مع أن ملامحها القاسية بادية منذ عقود في استراتيجية تهويد الجليل التي مولتها الحكومة وأنشأت قرى على أراض صادرتها من أراضي «عرب إسرائيل». وخلقت سياسة الترويج الحكومية للاستيطان واقعا تمييزا عنصريا (الأبرتهايد). وبطريقة واضحة يؤكد القانون الأساسي هذا الواقع بل وأكثر من هذا وهو أن إسرائيل لا يمكن أن تكون دولة يهودية وديمقراطية ليبرالية في الوقت نفسه.
لا يحمي الأقليات
وبهذه المثابة فقانون كهذا يدعو للقلق كما ترى صحيفة «الغارديان» (22/7/2018) لأنه يرفع الغطاء عن حماية الأقليات. وترى الصحيفة أن القانون الذي دفعته الغالبية في حكومة تعتبر الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل يخلو من الليبرالية ويكشف عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصدر التصريحات فقط ويزعم حماية الأقليات. ولهذا السبب «من حق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يشكلون خمس السكان الشعور بالغضب» ذلك أن القانون يجعل الديمقراطية مجرد تابع لليهودية ولا يوازن بينهما. كما ان القانون يحول وضع المواطنين غير اليهود للدرجة الثانية. ولهذا السبب شجب اليهود في الشتات القانون وكشف عن الصدع الحاصل مع إسرائيل. في ظل انتصار التيار القومي المتشدد فيها وإصرار نتنياهو والتيار الداعم له على تبني سياسات متشددة فاز من خلالها بأربع جولات انتخابية. ولم يتورع نتنياهو عن الهبوط في خطابه لدرجات متدنية أو ما وصفتها المعارضة بـ «الأكاذيب والتحريض والعنصرية». ولا يمكن فصل إقرار الكنيست القانون الجديد عن المظاهر الإحيائية التي يشهدها التيار الشعبوي في العالم، والمفارقة ان الكنيست مرر القانون ونتنياهو يستقبل فيكتور أوربان، الرئيس المجري المتطرف الذي مدح النازية الجديدة بطريقة تعطي صورة أن نتنياهو متسامح مع المعادين للسامية. وتشير الصحيفة أن القانون الجديد سيكون أداة للتمييز وتعزيز مطالب الغالبية اليهودية ومزاياها التي تتمتع بها أصلا. وفي ظل خضوع النظام القضائي للحكومة اليمنية فأي أمل لمواجهة القانون أمام المحكمة العليا يظل ضئيلا.
قضايا انتخابية
والأهم من كل هذا أن قانون الدولة القومية اليهودية مصمم في شكله وجوهره من أجل الإضرار بالأقليات في إسرائيل فهو يكرر بنودا من قوانين أخرى ويبتعد عن إعلان الاستقلال الذي يدعو إلى مساواة اجتماعية وسياسية لكل المواطنين أيا كان دينهم وعرقهم وجنسهم. وتشير مجلة «إيكونوميست» (26/7/2018) أن إسرائيل طالما حاولت الموازنة بين واقع وجد منذ سنين وحصل فيه العرب الفلسطينيون على مصادر قليلة من موارد الدولة. ولكن ما هو جديد في ائتلاف نتنياهو أنه يقوم بتقنين اللا مساواة. وتشير إلى أن القانون لم يكن بذات القوة كما تقترح لغة نتنياهو فقد أصدر الكنيست سلسلة من القرارات واحد منها في عام 1992 يجسد الحقوق المدنية لكل المواطنين، ولم يغير هذا القانون الوضع، مع أن المسودات التي تم التصويت عليها هي المعدلة عن الأولى والتي خففت إلى صيغ غامضة من مثل استبدال «المجتمعات اليهودية» بدعم «المستوطنات اليهودية»، وهناك بند آخر يتعلق باللغة الرسمية للدولة وهي العبرية فيما تعتبر العربية التي يتحدث فيها السكان العرب وظلت متساوية مع اللغة العبرية «وضعية خاصة». وترى المجلة أن هناك دوافع أخرى لدى نتنياهو تتعلق بالانتخابات البرلمانية ورغبته في الفوز بولاية انتخابية خامسة في الانتخابات التي ستعقد العام المقبل. ويرغب رئيس الوزراء تكرار استراتيجية عام 2015 عندما حث القوميين على «حماية دولة إسرائيل» ضد «الناخبين العرب الذي تدفقوا اشتاتا وجماعات إلى مراكز الاقتراع». وللحفاظ على ائتلافه، فقد تنازل نتنياهو للمتطرفين. ويعتقد نقاد نتنياهو أن قانون الدولة القومية هو إشارة لمحاولات لجعل إسرائيل أقل ديمقراطية وليبرالية. مع أن الحكومة مررت قوانين قيدت فيها من عمل المحاكم وكممت الإعلام وأذعنت لليمين بشكل فاقم من التوتر بين المجتمعات اليهودية. ولم تقم حكومته بالجهد اللازم لكي تحقق السلام مع الفلسطينيين. ولا يشعر نتنياهو بالضغوط خاصة أنه حصل على دعم من الرئيس دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويعمل معظم العالم العربي معه لمواجهة التهديد الإيراني. ولا يواجه نتنياهو معارضة قوية بشكل تمثل تهديدا على حكومته. ورغم ما يحمله القانون من تكريس ليهودية الدولة إلا انه لن يوقف الجدل حول شخصية الدولة ومعنى أن تكون يهوديا.
شجب من الشتات
وفوق ما يؤكده القانون من ميل الدولة اليهودية نحو اليمين وتهميش للأقليات إلا أنه يؤكد الانقسام الحاصل بين الجماعات اليهودية في الشتات وإسرائيل والذي بدا في أعلى درجاته العام الماضي خاصة التيار اليهودي الليبرالي في أمريكا. ويرى ربك جاكوبس، مدير المنظمة اليهودية «جي ستريت» في بيان صحافي: «الضرر الذي سيحدثه قانون الدولة القومية اليهودية الجديد سيكون ضخما» وأضاف:» هذا يوم حزين لإسرائيل ومن يهتمون بديمقراطيتها ومستقبلها». وتعلق إيما غرين في مجلة «ذاأتلانتك» (21/7/2018) أن القانون جدلي لأنه يعيد التوتر وإشعال الجدل الرئيسي حول هوية إسرائيل وفيما إن كانت ديمقراطية أم يهودية أم الاثنتين معا. ويرى النقاد خاصة اليهود في الشتات في القانون الجديد تفضيلا للهوية اليهودية على حساب القيم الديمقراطية. وبالضرورة فإن إسرائيل تخسر روحها هذه وتميل نحو اليمين رغم ما يقوله هذا التيار من أن مشروع القرار الذي يجري نقاشه في الكنيست منذ عام 2011 جرد من معناه وأنيابه بسبب ما جرى عليه من تعديلات قبل منحه صفة القانون.
وماذا عن الدروز؟
وبالإضافة لكونه تكريسا للبعد العنصري في الدولة فإنه يجعل من إمكانية استئناف المفاوضات حلما بعيدا. وأكثر من هذا فاستبعاد الأقليات وجعل مواطنيها في الدرجة الثانية لا يبدو أثره أكثر من الطائفة الدرزية التي اتسم افرادها بالولاء للدولة منذ عام 1948 وقاتل أبناؤها في صفوف الجيش الإسرائيلي. ومن هنا يشعر أبناء الأقلية الدرزية الذين يشكلون نسبة قليلة من 20 من الأقلية العربية داخل إسرائيل بحس الخيانة. ونقلت صحيفة «كريستيان ساينس مونتيور» (24/7/2018) عن صحافي عربي درزي قوله «هذه طعنة في الظهر» مضيفا أن الأقلية الدرزية على خلاف العربية ترسل أفضل خريجيها من المدارس للخدمة في الجيش الإسرائيلي. ويقول إن القانون يصنف سكان الدولة بناء على مستويات من المواطنة و«واكتشف المجتمع الدرزي فجأة أنه من الدرجة الثانية مع أنه ظل ينظر لنفسه جزءا من الدولة». ويعتبر القانون ضربة لكل الناشطين العرب الذين اعتبروا إسرائيل «دولتهم» وها هي تقول لهم «لست دولتكم». واستبعاد العرب واضح لأن القانون لا يتحدث عن حقوقهم ولا عن المساواة بينهم وبقية الإسرائيليين. ويخشى العرب والحالة هذه أن تزيد حالة التوتر بينهم واليهود والدفع بالتالي لحالة التهميش والاستبعاد للأقلية العربية وهي حالة أكدتها القوانين المستمرة منذ عام 1948. ويعتقد يوسي كلاين هاليفي، مؤلف كتاب «رسالة إلى جاري الفلسطيني»: «نكافح مثل بقية الدول للحفاظ على ثقافتنا الديمقراطية». ويعتبر هاليفي القانون الجديد مستفزا وتنقصه الحساسية تجاه الأقلية العربية. ويضيف أن إسرائيل تقوم على هويتين لا يمكن لأحد المناقشة فيهما وهي أنها دولة لكل اليهود سواء كانوا مواطنين فيها أم لا، وهي دولة لكل مواطنيها سواء كانوا يهودا أم لا وأي تلاعب بهذا التوازن يعتبر تهديدا لإسرائيل.
علي عبد اللطيف احميدة مفكر سياسي ليبي ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة نيو انغلاند، في مدينة بدفورد، في الولايات المتحدة. في مسيرته العديد من الدراسات والبحوث في مجال تاريخ وسياسات شمال افريقيا. حاصل على جائزة أفضل باحث علمي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993 وجائزة كرسي لودكي للآداب والعلوم (2010-2011). يعتبر في حديثه لـ «القدس العربي» ان أسباب الأزمة الليبية ليست القبيلة، ولكن فشل النخبة والتدخل الأجنبي الخارجي في الشؤون الليبية. ويشير إلى ان الوضع الليبي سيستمر طالما ان الأسباب لم تواجه. وأعرب عن تخوفه من ان تصبح الانتخابات الليبية مجرد طقوس لا تنعكس على أرض الواقع وتحدث تغيرا في المشهد الليبي بسبب وجود الميليشيات المستفيدة من الوضع القائم. لد علي عبد اللطيف احميدة في مدينة ودان الواقعة في منطقة الجفرة في ليبيا، وقد حصل على درجة الليسانس من جامعة القاهرة عام 1976 وعلى درجة الماجستير من جامعة واشنطن، سياتل، الولايات المتحدة عام 1982 في مجال العلوم السياسية، ودرجة الدكتوراه في مجال العلوم السياسية عام 1990 من الجامعة ذاتها. ومجال اهتمامه الرئيسي هو النظرية السياسية، وعلم السياسة المقارن، وعلم الاجتماع التاريخي، مع التركيز بوجه خاص على حركات مقاومة الاستعمار في شمال افريقيا، وخاصة في ليبيا الحديثة، من منظور الإنسان باعتباره عنصرا مؤثرا في الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية، ومتأثرا بها. وقد نشر بحوثا ومقالات عدة في مجلات علمية عربية ودولية متخصصة. صدرت له مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات باللغات الإنكليزية والعربية والايطالية. من أهمها «المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا: دراسة في الأصول الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لحركات وسياسات التواطؤ ومقاومة الاستعمار (1830-1932)» و»أصوات مهمّشة: الخضوع والعصيان في ليبيا أثناء الاستعمار وبعده» و»ما بعد الاستعمار والقومية في المغرب العربي: التاريخ والثقافة والسياسة» و»ما بعد الاستشراق: مراجعات نقدية في التاريخ الاجتماعي والثقافي المغاربي» و»جسور عبر الصحراء: التأثير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لطرق تجارة القوافل عبر الصحراء». وهو ثالث شخص تمنح له جائزة كرسي لودكي. وفي ما يأتي نص الحوار: ○ كباحث في التاريخ السياسي الليبي والمغاربي، في اعتقادك ما مدى أهمية العودة للتاريخ الليبي من أجل معرفة أسباب الأزمة الراهنة؟ • في الحقيقة هناك نوع من قصر النظر في التعاطي مع المسألة الليبية، فأغلب الباحثين والمهتمين بالشأن الليبي يتعاطون مع ما يجري اليوم في البلاد وكأنه فقط نتيجة أحداث 2011 وكأن ما حصل قبل هذا التاريخ لا أهمية له، وهذا شيء مجحف بشكل كبير بحق تاريخ ليبيا ولا يؤدي إلى فهم الحالة ناهيك عن ان هناك سوء نية لعدم فهمه. ليبيا الآن تعيش حالة من التشرذم والصراعات بين النخبة وانقسامات بين الشرق والغرب علاوة على احتلال الجنوب الليبي، فالفوضى الموجودة والحالة المزرية هي نقطة في قراءة التاريخ والحالة الليبية. ان الوضع كان مركبا لأن عدم الوصول إلى حل مع النظام السابق وبالذات تصميم العقيد القذافي والوقوف حتى آخر لحظة ضد مطالب المحتجين، أدى إلى حرب دموية في نهاية الأمر وإلى «عسكرة الانتفاضة» الأمر الذي أعطى الفرصة للتدخل الخارجي. يمكن القول انه خلال السنتين ما بعد «الثورة» حصل شيء إيجابي إلى حد كبير، فكانت هناك مرحلة انتقالية ونوعا من الأمل في إرساء مرحلة جديدة أكثر رحابة وحرية، لقد اضيفت أشياء جميلة إلى حياة الليبيين لم تكن موجودة في السابق، فحصلت الانتخابات وخف ضغط وقيود الدولة الأمنية. واعتقد الليبيون ان انجازاتهم الأولى (مثل الدولة وحماية الحدود والخدمات، ستستمر وستضاف إليها انجازات جديدة) ولكن ما حصل ان «عسكرة الثورة أو الانتفاضة» أدت إلى ظهور قوى غير متوقعة في بعض المدن وإلى التدخل الخارجي. لذلك أعتقد ان فشل النخبة التي قادت المرحلة الانتقالية في الوصول إلى قواسم مشتركة والتنازل من أجل هذه القواسم المشتركة التي تهم الشعب الليبي ككل، إضافة إلى التدخل الخارجي والتحالف مع جماعات مختلفة في أنحاء ليبيا، ادى إلى حدوث التشرذم وانتشار الخطف والوقوف ضد أي محاولة لإعادة تقوية الجيش والشرطة وحماية الحدود. في المقابل أيضا إذا لم يحدث أي تغيير حقيقي للحالة المزرية والصعبة وما لم تتنازل النخب من أجل هذه القواسم وأيضا الوقوف ضد التدخل الخارجي المباشر وغير المباشر سواء عسكريا أو ماليا أو إعلاميا، أي التدخل الذي يهيج خطاب التقسيم والكراهية ويروج لعودة الخطاب الاستعماري فيما يتعلق بالكيان الليبي نفسه والشعب الليبي، فان معاناة الليبيين ستتواصل. ○ كيف تنظر إلى تداخل المجتمع والقبيلة وتأثيرها في المشهد الليبي؟ • أعتقد ان هذا الموضوع شائع كثيرا ولكن مبالغا فيه، فالقبيلة الآن من الناحية الاقتصادية ومن ناحية بنيتها المستقلة التي وجدت بها في بداية القرن التاسع عشر والقرن العشرين انتهت، لكن سيست في عهد القذافي، والآن بحكم ضرب المؤسسات الأساسية والروابط والأحزاب أدى إلى تجييش وتسييس لمفهوم انتهى. جل الشعب الليبي يعيش في المدن، لذلك انتهت فكرة القبيلة كوحدة اقتصادية اجتماعية سياسية مستقلة، ولكن يعاد إنتاجها اليوم ولكن ليس بالمعنى الآخر أو القديم. الكل يريد ان يعلق أسباب المشكلة على مفهوم القبيلة. لكن أسباب الأزمة ليست القبيلة، ولكن فشل النخبة والتدخل الأجنبي الخارجي في الشؤون الليبية. هذا لا يعني ان التكوينات الاجتماعية – بما فيها الدور التصالحي والتوافقي- لا تستطيع ان تقوم بدور رمزي في المصالحة والتوافق في ظل غياب الروابط والنوادي والمقاهي ودور السينما والتنظيمات المتعددة للمجتمع والتي جرى انهاكها خلال اربعين سنة، ولكن الحديث عن المجتمع الليبي وكانه مجتمع قبلي خرافة ومغالطة كبرى. ○ لكن برزت مشكلة القومية والاثنية في ليبيا بعد عام2011 كيف تفسرون ذلك؟ • هناك خرافات عديدة تسيطر اليوم في المشهد السياسي، الأولى هي الاعتقاد بان المشكلة الليبية داخلية فحسب، وان لا دور للتدخل الخارجي فيها من أجل نهب الخزينة الليبية وأموال الشعب، كما ان هناك خلقا أو فرضا اصطناعيا لمفهوم القبيلة، أما الخرافة الثالثة فهي الاعتقاد بان ليبيا تضم أقليات وهذا محض أكاذيب تخلق لأغراض عديدة، وهنا أعطي أمثلة، فالطوارق مندمجون في التكوين المجتمعي الليبي، التبو عددهم لا يزيد عن 50 ألفا في ليبيا، ولكن حوالي مليون منهم متواجدون في شمال تشاد، وهناك أطماع لتوطينهم أو رغبة في جلبهم للجنوب الليبي. من خلال اطلاعي على العديد من نتاجات المثقفين والباحثين الغربيين اؤكد ان هؤلاء الباحثون خلقوا فكرة ان هناك أقليات طوارقية وتبو في ليبيا ولكن هذا غير صحيح. بالنسبة للأقليات مثل البربر أو ما يسمى في ليبيا بـ «الجبالية» هم ليسوا أقلية ضمن المفهوم العرقي الغربي. صحيح لهم مطالب مشروعة ولكنهم ليسوا أقلية هم جزء من لحمة وبنية الشعب الليبي وليسوا بتلك الصورة المضخمة أو الأيديولوجية التي تريد ان تركز عليها الدراسات الغربية أو بعض النشطاء المتشددين من أخوتنا الأمازيغ. ○ هناك صعوبات اليوم للتوافق برزت في عقد العديد من المؤتمرات الخارجية دون نتائج ملموسة. غياب الحل ما تأثيره على وضع الليبيين؟ • الوضع الليبي سيستمر طالما ان الأسباب لم تواجه. وجود هذه الأسباب بالذات مثل عدم توافق النخبة ووجود وسيطرة الميليشيات التي ترفض بناء الجيش والشرطة والمؤسسات الوطنية العامة واستمرار التدخل الخارجي وتحالفه مع هذه الجماعات وهذه الايديولوجيات وعدم حماية الحدود الليبية في الشمال والجنوب – لأنها مفتوحة حتى الآن، في ظل كل ذلك فان الأزمة ستستمر. لكن في المقابل التوافق بمعنى ان يتنازل الفرقاء من أجل صالح ليبيا، وبشكل أكثر تحديدا، أنا لا أرى مفرا من ان يتفق حفتر والقوى الضاربة في مصراتة وتتنازل من أجل الجميع وحماية الجميع ضمن مبدأ لا غالب ولا مغلوب، وإيجاد حل لقضية المسلحين والميليشيات، دون هذا لا أرى أي تغيير في هذه الأزمة، بل بالعكس أعتقد انه طالما وجدت هذه الأسباب ستستمر الأزمة للأسف الشديد. ○ بالنسبة لخريطة الطريق الأممية، هل تعتقد ان الظروف مهيأة لإجراء الانتخابات؟ • أعتقد ان طرح غسان سلامة لم يكن سيئا ولكن لا بد من تعديل اتفاق الصخيرات سيء السمعة الذي أدى إلى مشاكل عديدة، وأيضا عقد مؤتمر وطني عام يجمع كل الفئات من بينها التي كانت تدعم النظام السابق وأيضا إجراء انتخابات فيما بعد. أضيف إلى هذا، لا بد من ان يأتي تنازل من القوى العسكرية المسيطرة ولا بد من مواجهة التدخل الأوروبي والعربي في الشأن الليبي. هذا ضروري وإلا ستصبح مسألة الانتخابات عبارة عن طقوس، لان الشعب الليبي صوت بشكل رائع ثلاث مرات رجالا ونساء، وكل القرائن والتقارير الدولية أشادت بقدرة الشعب على المشاركة السياسية. خوفي ان تصبح الانتخابات المقبلة عبارة عن طقوس وان تجير وتضرب بشكل أو بآخر ولا تنفذ قرارات الشعب الليبي بوجود القوى المعادية للانتخابات، مثل الميليشيات التي تريد ان تستمر في نهب المناصب والمال والخزينة الليبية لأنها مستفيدة استفادة كبيرة من الوضع القائم. أعتقد ان الانتخابات مهمة ولكن من غير ضمانات تصبح عبارة عن مشكلة أكثر منها حلا. ○ هناك سؤال يطرح دائما وربما عايشته وانت قضيت أكثر من عقدين في المهجر، في رأيك لماذا تقدم الغربيون وتأخر العرب؟ • صحيح تأخرنا لظروف تاريخية عديدة ولكن نحن لسنا متأخرون كما نعتقد، مشكلتنا اننا مهووسون بحكم التجربة الاستعمارية بأن نقارن أنفسنا بأوروبا، فمن الناحية المعرفية هذا أمر كارثي، وحتى كتابي «ما بعد الاستعمار والاستشراف» حاولت ان أناقش فيه هذين السؤالين من منظور مختلف تماما عن المثقفين العرب. أعتقد، اقتصاديا ومن ناحية بناء الدولة بحكم الظروف الاستعمارية والتاريخية، ما زلنا نتصارع في بناء دولة تمثل حقوق ومشاعر ومصالح قطاعات عديدة من الشعب، إذن المشكلة أننا لسنا متخلفون ثقافيا وفكريا كما نعتقد، بالعكس نحن نناضل ولنا مشاكل كبقية الشعوب الأخرى، وأيضا الغرب ليس متقدما كما نعتقد في كتاباتنا العربية والإسلامية، الغرب أيضا مليء بالمشاكل وربما نعيد قراءة قضية التقدم والتأخر وننظر لها من جانب آخر. وحتى فهمنا للتاريخ الاجتماعي والثقافي يحتاج نوعا من القراءة، لان الهوس بأوروبا أيضا كان كارثيا علينا بشكل كبير. ○ هل تقصد من ذلك حركات الإصلاح في مجتمعاتنا المقلدة للمجتمعات الأوروبية؟ • نحن نقلد كل شيء وهناك اعتقاد لدى البعض اننا لا نكون متقدمين إلا إذا قلدنا الغرب، واعتقد ان هذه مقولة تحتاج إلى مراجعة. ○ ما تفسيرك لتفشي الإرهاب خلال الأعوام الماضية في العالم العربي؟ • الإرهاب ظاهرة عابرة للقارات. ولكن بدل ان نسأل ما هو الإرهاب يجب ان نسأل ما هي الأسباب والسياق المحلي والدولي الذي خلق الظاهرة، فهذا هو السؤال المهم وبعد سنجد الإجابة. ○ في مسيرتك العديد من المحطات الهامة منها حصولك على كرسي لودكي للآداب. ما أهمية حصول مفكر عربي على تلك الصفة؟ • حصلت على ثلاث جوائز مهمة في جامعتي وهي جائزة في البحث العلمي المتميز وجائزة تعطى لأهم استاذ جامعي وكنت المسلم العربي الوحيد الأول الذي اهديت له هذه الجائزة أي «كرسي لودكي» وهي نوع من التكريم، حقيقة حصلت عليه بتصويت أعضاء الجامعة ولجنة البحوث وألقيت محاضرة بحضور أعضاء التدريس تم خلالها اعطائي سنة من التفرغ للبحث العلمي والتعليم الجامعي. ○ لديك العديد من المؤلفات حول ليبيا لو تبرز لنا اهم ما تضمنته وما هي نتاجاتك المقبلة؟ • لدي حوالي ستة كتب خلال العشرين السنة الأخيرة ترجم معظمها من الانكليزية إلى العربية، أهمها التطرف والمجتمع والدولة، الاصوات المهمشة، وأنجزت كتابا عن المعتقلات الفاشية في ليبيا قبل المحرقة اليهودية وأيضا كتاب ما بعد الاستشراف وهو دراسات حول الشأن المغاربي بشكل عام وأيضا كتاب ما بعد القومية دراسة مغايرة وقراءة للوضع والمجتمع والدولة سواء في ليبيا أو تونس والجزائر. وهناك كتاب آخر كتبته عن الجسور عبر الصحراء وعن تجارة القوافل عبر الصحراء عبر بلاد المغرب العربي وأخيرا أنجزت كتاب «ليبيا التي لا نعرفها « وهو يقدم للقارئ العربي بعض الأمور التي لا يعرفها عن ليبيا ويتجاوز النظرة النمطية الاستشرافية عن القبيلة والقذافي والإرهاب والنفط ويحاول ان يقدم قراءة مغايرة في البحث عن الشعب الليبي ونضاله من أجل الاستقلال.
11HAW
الانتخابات الليبية مهمة ولكن من غير ضمانات ستصبح مشكلة وليست حلا المفكر والباحث الليبي علي عبد اللطيف احميدة: حاورته: روعة قاسم
صنعاء ـ «القدس العربي»: تتضاعف كل يوم معاناة الصحافيين والإعلاميين اليمنيين بسبب الحرب، ذلك أن بيئة ممارسة مهامهم صارت أكثر خطراً على حيواتهم واستقرار عائلاتهم، إذ يمكن اعتقال واحتجاز الصحافي وصولاً إلى الحكم عليه بالإعدام بلا سبب (تحت لافتة العمالة والارتزاق) وهي جملة مطاطية يمكن الاحتجاز والحكم من خلالها على أي صحافي أو إعلامي، لأن ممارسة مهنة الصحافة، خارج دائرة سلطات الحرب، صارت جريمة في بلد تتراجع فيه قيمة الحياة مقابل اتساع مخيف لدائرة الموت. والحرب جعلت الصحافيين والإعلاميين في هذا البلد الأشد فقراً في المنطقة يعيشون، بين حالتين: إما حالة خوف وتوجس يكون لها تأثيرها، على المدى الطويل، في التكوين النفسي، وإما حالة الاحتجاز أو الاعتقال أو الاخفاء أو القتل أو غيرها من أشكال انتهاكات الحريات الإعلامية التي ارتفعت مؤشراتها حالياً حد سجلت «نقابة الصحافيين اليمنيين» مقتل 27 صحافياً وإعلاميًا منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات، منهم ثمان حالات قتل شهدتها ثلاث محافظات فقط خلال النصف الأول من العام 2018 وفق «مرصد الحُريات الإعلامية» التابع لـ«مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي» في عدن. والمثير للاستغراب أن جميع سلطات الحرب هناك في الحكومة الشرعية وفي جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) يتنافسون على انتهاكات الحريات الإعلامية، لدرجة لا تستطيع التمييز بين مَن الدولة ومَن اللا دولة.
مؤشرات الرصد
وأكدت تقارير رصد إعلامية يمنيّة إن واقع الحريات الإعلامية خلال النصف الأول من العام 2018 شهد تراجعاً في ظل واقع خطير من الانتهاكات المتصاعدة. ففيما أعلن «مرصد الحريات الإعلامية» التابع لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وهو منظمة مجتمع مدني مقره عدن، تسجيل 53 حالة انتهاك ضد الحريات الإعلامية، كانت «نقابة الصحافيين اليمنيين» قد أعلنت رصد 100 حالة انتهاك استهدفت مئات الصحافيين ومؤسسات إعلامية. وقال تقرير المرصد إن جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) تصدّروا قائمة منتهكي الحريات خلال الشهور الستة الماضية. في وقت قال تقرير النقابة إن الحكومة الشرعية بكافة هيئاتها تصدّرت قائمة المنتهكين للحريات الإعلامية في اليمن خلال النصف الأول من العام الجاري. على صعيد تقرير المرصد، فقد سجل 53 حالة انتهاك ضد الحريات الإعلامية في اليمن خلال النصف الأول من العام الجاري، تنوعت بين: 8 حالات قتل في محافظات تعز والحديدة والبيضاء، 5 محاولات قتل، 6 حالات إصابة، 5 حالات اختطاف، 6 حالات اعتداء ،7 حالات اعتقال، حالة واحدة محاولة اعتداء، 3 حالات تهديد، 5 حالات اقتحام ونهب منازل إعلاميين، وحالة تحريض واحدة، بالإضافة لـ 6 حالات انتهاك مورست ضد وسائل إعلامية، شملت اقتحام وإحراق واستهداف مؤسسات إعلامية. وحسب هذا التقرير، فقد تصدّرت جماعة «أنصار الله»(الحوثيين) قائمة الانتهاكات ضد الصحافيين بواقع 27 حالة انتهاك من إجمالي الحالات المسجلة و 14 انتهاكا مارستها أطراف تابعة للحكومة الشرعية و7 انتهاكات قام بها مجهولون و3 انتهاكات من قبل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وانتهاكين مارسها متنفذون، فيما ما زالت جماعة الحوثي ترفض الإفراج عن 14 صحافياً مر على اعتقال بعضهم أكثر من ثلاثة أعوام، وبالمقابل تستمر حالة الانتهاكات للحريات الإعلامية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
100 حالة انتهاك
وكانت نقابة الصحافيين اليمنيين أعلنت مؤخراً تقريرها لنصف العام الجاري في هذا الشأن، حيث رصدت 100 حالة انتهاك. وأكدت النقابة في تقريرها أن الحريات الإعلامية في اليمن تشهد وضعاً خطيراً ومعقداً. وحسب التقرير فقد تنوعت الانتهاكات بين الاختطافات والاعتقالات بـ 38 حالة بنسبة 38 في المئة، والاعتداءات بـ 18 حالة بنسبة 18 في المئة، والمنع من التغطية بـ 9 حالات بنسبة 9 في المئة والتهديدات بـ 8 حالات بنسبة 8 في المئة، والمحاكمات بـ 5 حالات بنسبة 5 في المئة، والتعذيب بحالة واحدة بنسبة 1 في المئة، ومصادرة مقتنيات الصحافيين والصُحف بـ5 حالات بنسبة 5 في المئة، وايقاف الرواتب بـ 2 حالات بنسبة 2 في المئة طالت مئات الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، وقتل الصحافيين 5 حالات بنسبة 5 في المئة، وحجب المواقع الاخبارية 7حالات بمعدل 7 في المئة ، وايقاف وسائل الإعلام بحالتين بنسبة 2 في المئة. وتصدّرت الحكومة الشرعية بكافة هيئاتها قائمة الانتهاكات بارتكاب 47 حالة انتهاك بنسبة 47 في المئة فيما ارتكب جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) 39 حالة انتهاك بنسبة 39 في المئة، وارتكبت جهات مجهولة 8 حالات بنسبة 8 في المئة، والتحالف العربي 6 حالات بنسبة 6 في المئة من اجمالي الانتهاكات. وحسب التقرير فقد تنوعت حالة الاختطاف والاحتجاز بين احتجاز الحرية بعدد 19 حالة بنسبة 50 في المئة، و12 حالة اختطاف بنسبة 32 في المئة و5 حالات اعتقال بنسبة 13 في المئة، وحالتي ملاحقة بنسبة 5 في المئة. وارتكبت الحكومة 27 حالة احتجاز حرية من 38 حالة فيما ارتكب الحوثيون 11 حالة انتهاك من اجمالي احتجاز الحرية. ونوه تقرير نقابة الصحافيين اليمنيين بـ 18 حالة اعتداء بنسبة 18 في المئة من اجمالي الانتهاكات طالت صحافيين ومنازلهم ومقار إعلامية وممتلكات صحافيين. وتنوعت الاعتداءات بين الاعتداء على الصحافيين بالضرب والإصابة أثناء التغطية بـ 7 حالات بنسبة 39 في المئة، و5 حالات شروع بالقتل بنسبة 28 في المئة، والاعتداء على مقار إعلامية وممتلكاتها بـ 4 حالات بنسبة 22 في المئة، والاعتداء على منازل الصحافيين وممتلكاتهم بحالتين بنسبة 11 في المئة. وحسب التقرير فقد ارتكب الحوثيون 7حالات من هذه الجرائم، بينما ارتكبت الحكومة 5 حالات، وارتكب مجهولون 4 حالات، والتحالف العربي حالتين. وحسب التقرير فقد وثقت النقابة خمس حالات قتل خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 5 في المئة من إجمالي الانتهاكات، استهدفت خمسة صحافيين ومصورين وعاملين في وسائل الإعلام، ليصل «عدد الشهداء من الصحافيين منذ عام 2014 حتى منتصف العام الجاري 27 صحافيا ومصوراً وعاملاً في مجال الإعلام». وحسب النقابة فقد ارتكب الحوثيون ثلاث حالات قتل خلال النصف الأول من العام الجاري، فيما ارتكب التحالف العربي حالتي قتل بغارة جوية. وأشار تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي إلى احتجاز 14 صحافياً لدى جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتحدث تقرير نقابة الصحافيين اليمنيين عن 13 صحافياً مختطفا لدى هذه الجماعة أغلبهم منذ العام 2015 «ويعيشون ظروف اختطاف قاسية ولا إنسانية بينهم صحافي مخفي قسريا هو وحيد الصوفي، فيما لا يزال الصحافي محمد المقري محتجزا لدى تنظيم القاعدة في حضرموت في ظروف اختطاف غامضة». ورصدت النقابة 8 حالات تهديد بنسبة 8 في المئة من اجمالي الانتهاكات، وتنوعت هذه الانتهاكات بين التهديد بالأذى بـ 4 حالات، والتهديد بالتصفية الجسدية بـ 3 حالات وحالة تحريض واحدة. كما سجلت 4 حالات ضد جهات مجهولة، فيما ارتكب التحالف العربي حالتين، والحكومة حالة واحدة، والحوثيون حالة واحدة أيضا. وسجل التقرير خمس حالات محاكمات واستدعاءات واستجواب بنسبة 5 في المئة من إجمالي الانتهاكات طالت ستة صحافيين، وارتكبت الحكومة 3 حالات من إجمالي الخمس حالات، فيما ارتكب (الحوثيون) حالتين. وفيما يخص مصادرة معدات الصحافيين تم رصد تقرير النقابة 5 حالات بنسبة 5 في المئة من إجمالي الانتهاكات منها 4 حالات مصادرة أدوات ومعدات صحافية شملت كاميرات تصوير، وكمبيوترات وتفتيشها، وحالة نهب ممتلكات مؤسسة «الشموع» في عدن، حيث ارتكبت الحكومة 4 حالات منها، فيما ارتكب الحوثيون حالة واحدة. ورصدت النقابة سبع حالات حجب لمواقع الكترونية إخبارية قامت بها جماعة الحوثي ليبلغ إجمالي حالات الحجب للمواقع الالكترونية المحلية والعربية والدولية قرابة 150 حالة حجب خلال الأعوام الثلاثة والنصف الأخيرة.
لماذا؟
لا يبدو أن ثمة مرحلة عاشها الصحافيون اليمنيون كانت أسوأ من هذه المرحلة. ويتحدث نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق عبد الباري طاهر لـ«القدس العربي» موضحاً: كنا في المراحل السابقة نتحدث عن نواقص تطال العمل الصحافي. كنا نطالب باستكمال آليات الحصول على المعلومات، وعدم وجود قيود على العمل الصحافي، وعدم اعتقال الصحافيين، وعدم الانتقاص من الحريات الإعلامية. كانت مطالبنا تتعلق بالتشريعات والممارسات، لكن المشكلة اليوم لم تعد في تلك المطالب، بل أصبحت متمثلة في انعدام فاعلية كل شيء: انعدام فاعلية القضاء، والدولة، بكل ما فيها، وما لها وما عليها. وأضاف: «كان اليمن في السابق من ضمن الدول الآمنة بالنسبة لحياة الصحافيين، لكنها، اليوم، صارت من الدول التي تشكل خطراً على حياتهم. صحافيون اُعتقلوا، وآخرون قُتلوا، ومثلهم مهددون، وقنوات تلفزيونية أُغلقت، ومواقع الكترونية حُجبت، ورواتب مقطوعة، كارثة يعيشها الصحافيون اليمنيون، كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وأشار، طاهر، إلى التقرير النصفي لنقابة الصحافيين اليمنيين، الأخير، وقال: تقرير النقابة، الصادر مؤخراً، تحدث موثقاً كل الانتهاكات، وأكد أن جميع الأطراف مشاركة في ارتكاب هذه الانتهاكات، كل الميليشيات مشاركة وتتسابق على ارتكاب الأسوأ من الانتهاكات، حتى صرنا لا نستطيع التمييز بينهما.
الحكومة الشرعية
وأضاف نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق: لقد جاء تقرير النقابة الأخير مسؤولاً ورصيناً، موضحاً أن الحكومة الشرعية احتلت المرتبة الأولى في الانتهاكات بنسبة 47 في المئة. فإذا كانت الدولة ترتكب كل هذه الانتهاكات، فكيف هو حال الآخرين؟ نحن أمام وضع كارثي في الممارسات الهادفة لإسكات الأصوات وانتهاك الحريات في اليمن. وأرجع، الوضع الذي تعيشه الحريات الإعلامية في اليمن إلى الحرب باعتبارها أم الكوارث، يقول: «الحرب تُلغي الحياة، وتُلغي الإنسان، وتُلغي السياسة. الحرب إلغاء لكل شيء جميل. مع الحرب تحوّل الجميع إلى ميليشيات مسلحة، ميليشيات بدون عقل وبدون ضمير، فألغت الحرب الحياة العامة والتجارة، وكممت وسائل الاتصال، وأخطر من ذلك أنها دمّرت كيان اليمن، وهي رمزية الدولة، بما تعنيه من حضارة وتنوع وتعايش. ونتيجة لكل ذلك اُرتكبت وتُرتكب الانتهاكات بحق الحريات كل يوم، ويأتي الصحافيون ضمن ضحايا هذه الحرب القذرة، وبهذا المستوى الذي تعبر عنه تقارير النقابة، وآخرها التقرير الصادر، مؤخراً، عن انتهاكات الحريات الإعلامية لنصف العام الجاري».
تواصل الانتهاكات
ومع تواصل الحرب تتواصل الانتهاكات وتتسع، ولا نعلم في أي مستوى ستتوقف، لاسيما والواقع يقول إنها لن تتوقف عند مستوى معين ما دام الصحافي معنيٌ بالحقيقة، والحقيقة، هي وحدها، ما يخافها أطراف الحرب، ويحرصون على إخفائها، وسيعملون، في سبيل إخفائها، ما لا يخطر على البال، ما يجعل باب الانتهاكات مفتوحاً على احتمالات خطرة، ويكفي أن نقرأ الأخبار المنشورة عن واقع الانتهاكات التي تعرضت لها الحريات الإعلامية في اليمن خلال النصف الأول من تموز/يوليو الجاري، عقب صدور التقرير الأخير، وذلك في كل من صنعاء وعدن فقط حيث سنجد الوضع هناك يزداد خطورة على حياة الصحافيين والحريات الإعلامية.
11HOR
اليمن: الحكومة والحوثيون يتنافسون على صدارة قوائم منتهكي الحريات الحرب تقتل 27 صحافياً وإعلامياً أحمد الأغبري
أنطاكيا ـ «القدس العربي»: ضجة كبيرة أثارها الشريط المصور الذي تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي التركية والسورية منذ أيام، والذي أظهر كميات كبيرة من الدواء، قالت مصادر إعلام تركية إن قوات «الجندرما» ضبطتها داخل منزل يديره سوريون، يقومون بتوزيع الدواء بعد الحصول عليه تحت مسمى (دعم الشعب السوري) بهدف الإتجار به، إلا أنه وفي كل مرة ومع كل حادثة تظهر العديد من الروايات التي تتحدث عما جرى وسط تعتيم كامل من قبل وسائل الإعلام التركية على التفاصيل الكاملة. «تم القضاء على العصابة السورية لبيع المخدرات في مدينة الريحانية التابعة لولاية هاتاي» هكذا عنونت مصادر الإعلام التركية تقاريرها المقتضبة عن الحادثة المرفقة بشريط مصور، يظهر كميات كبيرة من الأدوية، قالت ان معظمها «مسكنات قوية» تستخدم في العمليات الجراحية ويتم بيعها كمخدرات، في الوقت الذي تجاهلت فيه منشورات السوريين حول الحادثة، مسألة نوع الدواء واتهمت الأشخاص الذين تم القبض عليهم بـ «بيع أدوية مخصصة للمساعدات». وقال محمد علي عبد القادر، وهو أحد السوريين في مدينة الريحانية لـ «القدس العربي» إن المنزل الذي تمت مداهمته يقع على الشارع العام في الريحانية وبالقرب من منطقة «دوار الشجرة» وذلك بعد إبلاغ أحد الأشخاص عن قيام شخص سوري ببيع دواء مهرب وبدون وصفة طبية، وقد تبين أن نوع الدواء الذي سيتم بيعه هو «الترامادول» وهو مسكن عام قوي جداً يستخدم في حالات آلام الأعصاب والعضلات وآلام العمود الفقري والتهاب المفاصل، كما يمكن أن يستخدم في علاج الآلام الناجمة عن الجراحة وهو مسكن ألم قوي جداً ويستخدمه البعض ويتعاطونه كـ «مخدرات» ويتم بيعه بأسعار باهظة، حيث يصل سعر الحبة أحياناً إلى 20 ليرة تركية أي بما يعادل 200 ليرة تركية للـشريط الواحد التي يحوي 10 حبات» وهذا بدوره ما شكل سبباً رئيسياً دفع الجندرما لاعتقال الخلية المكونة من ثلاثة أشخاص، اثنان منهم من مدينة ريف إدلب والآخر من ريف حلب (مجهول الاسم) حتى الآن». لافتاً إلى أن «عملية الاعتقال تمت بعد مراقبة المنزل ومن ثم مداهمته، حيث عثر عناصر الجندرما مع دورية أخرى للمخابرات التركية على كميات كبيرة من أدوية المسكن والالتهاب ذات التأثير الشديد وقامت بمصادرتها واعتقال الأشخاص». يضيف: «الغريب في الأمر أن هذه الخلية تنشط في الريحانية منذ عام على الأقل وتقوم ببيع الأدوية على أنها سورية (مفقودة في تركيا) لمن يلزمه الأمر، إلا أنه تبين أنها تتاجر في الأدوية ذات المحتوى (الأفيوني) التي تستخدم كمخدرات، كما عملت على إرسال كميات كبيرة من الحبوب والأدوية المخدرة إلى الداخل السوري مثل (الكابتاكول والترامادول والمورفين) المستخدمة جميعها في العمليات الجراحية، مشيراً إلى أنه وبعد البحث تبين أن هذه الأدوية يتم إرسالها من قبل داعمين غربيين إلى سوريا، عن طريق هؤلاء الأشخاص الذين قدموا أنفسهم على أنهم (جامعو تبرعات طبية) لسوريا من أجل إجراء العمليات الجراحية في مناطق المعارضة، أي أن ما يتم سرقته فعلاً هو مساعدات طبية مخصصة لسكان في الشمال السوري، في الوقت الذي حول هؤلاء تلك المساعدات لتجارة رابحة تدر عليهم آلاف الليرات التركية يومياً.
أدوية من أجل الإجهاض
وعلى الرغم من تداول الخبر لأول مرة من قبل وسائل الإعلام التركية، فهي لم تذكر سوى بضعة أسطر مفادها ان قوات الجندرما والأمن داهمت مقراً لبيع الأدوية في الريحانية التابعة لإقليم هاتاي، المحاذي للحدود السورية جنوبا، وأن الدوريات واجهت أفراد العصابة في منزلهم وأنهم غير معروفين وأنها صادرت كمـيــات كبـيرة من الأدوية التي يتم (جمعها بشكل حر) وأن التحقيق ما يزال جارياً لحد اللحظة بعد اعتقال أفراد العصابة. وأكد أحد السوريين وكان صيدلانيا، في سوريا قبل أن ينتقل للعيش في مدينة أنطاكية التركية في محافظة هاتاي، لـ «القدس العربي» معرفته بهؤلاء، لافتاً إلى أنهم كانوا يبيعون إلى جانب الأدوية المخدرة وأدوية الالتهاب أدوية من أجل الإجهاض، وهو إجراء محظور في الدولة التركية ويعاقب عليه القانون عقوبات صارمة وخاصة إن كان خارج المشافي الخاصة التي تتلقى مبالغ طائلة من أجل القيام بمثل هذه العمليات. مضيفاً أنه يستبعد مسألة أن الأدوية مخصصة لسوريا، مشيراً إلى أن هؤلاء على الأغلب تجار دواء ويعملون في التهريب في المنطقة الحدودية السورية من جهة مدينة «الريحانية» التي تجري فيها عادة عمليات تهريب في مختلف المجالات (البشر، الأدوية والبضائع) وغيرها. وهذه الحادثة ليست الأولى أو الأخيرة من نوعها، فقد قام الأمن التركي باعتقال العديد من كوادر المنظمات العام الماضي وحقق معهم، كما عملت الحكومة التركية على إغلاق عشرات المنظمات، بعد انتشار فضائح تتعلق بتقارير حول عمليات اختلاس وتبييض للأموال وسرقة ونهب وتلاعب بالمواصفات من قبل أفرع منظمات دولية عاملة في تركيا والداخل السوري. حيث قال أحد التقارير الذي صدر عن مصادر إعلام أمريكية، إن الولايات المتحدة علقت عمل 14 هيئة وفردا في تركيا يعملون في مجال الإغاثة، وذلك بعد أن كشفت عن دلائل ملموسة حول تورطهم في عمليات تواطؤ وتلاعب في عدة مناقصات، بالإضافة إلى دفعهم للرشاوى المرتبطة بعقود تسليم مساعدات إنسانية إلى سوريا، فضلاً عن فصل العديد من موظفي المنظمات من بينها منظمات «إنترناشيونال ميديكال كروب» المعروفة اصطلاحاً باسم «إي إم سي» والإيرلندية «غول» و»انترناشيونال ريسكيو كوميتي» المعروفة باسم «آي آر سي» التي كان يديرها وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد ميليباند، إضافة لجرائم أخرى تتعلق بموضوع النزاهة في العمل والابتعاد عن الخبرة كركيزة أساسية للتوظيف وتسلط الواسطات على المؤسسات المشرفة والداعمة للسوريين، إضافة لمسألة بيع معدات طبية خصصت لافتتاح مستوصفات سورية في المدن التركية وغيرها من قضايا الفساد التي أحالتها المنظمات الداعمة للقضاء التركي، لتقوم الأخيرة على إثرها بشن حملات اعتقال بحق كوادر مكاتب المنظمات في تركيا وإغلاقها.
الفساد في المجال الطبي يتفشى
ولعل الفساد في المجال الطبي لم يقتصر على مؤسسات الدعم السوري في تركيا فحسب، بل طال العديد من المنشآت والمراكز الطبية في الداخل السوري وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها فصائل مدعومة تركياً «درع الفرات». فحادثة وفاة الطفلة ريماس حموش، نتيجة الإهمال الطبي وتقاعس الممرضين في مشفى اعزاز النسائي ما تزال موضع جدل كبير، لا سيما بعد أن ردت إدارة المشفى على لسان الطبيب زكريا مبارك، مدير مشفى اعزاز النسائي على التقرير الذي نشرته «القدس العربي» حول الحادثة، والذي قال إن «ما يقوله والد الطفلة ريماس حموش المدعو أحمد حموش بحق إدارة المشفى وتحميله مسؤولية وفاة ابنته عارٍ عن الصحة، ونحن قدرنا ذلك وأرجعناه لحزنه على طفلته، حيث وحسب ما قاله مبارك في حديثه عن الحادثة فإن زوجة أحمد حموش وهي والدة الطفلة قدمت للمشفى في حالة نزيف غزير في تمام الثامنة صباحاً من يوم الحادثة، وقد تم إجراء فحص نسائي لها وتبين أن فحصها تام ومؤهلة للولادة بصورة طبيعية، ولكن (إصغاء الطفلة/نبضها/حركتها) لم يظهر على جهاز «الإيكو» وبدورنا في هذه الحالات نضع ذوي الطفل في (صورة سلبية عن الموضوع) ولكن بعد الولادة تبين أن الطفلة حية وتم تحويلها إلى الإنعاش وتقرر نقلها للحواضن، وكان المهم حينها هو (الأم/الزوجة) لكونها كانت تعاني من نزيف حاد قد يهدد حياتها لا سيما وأن الولادة مبكرة (الشهر السابع) وهنا تكون فرصة نجاة الطفل ضعيفة جداً حتى في أفضل المستشفيات لا سيما وأنها تعاني من حالة (انفكاك مشيمي) وهذا يهدد حياتها» لافتاً إلى أن الأسباب المحتملة لذلك هي إما (حدوث رض في البطن – أو ممارسة العلاقة الزوجية – إضافة لوفاة عدة أطفال للزوجة من قبل أي أنها معرضة لهذا الأمر) وما يؤكد صحة هذه الأقوال هو لجوء أم الزوجة مع ابنتها الأخرى (شقيقة أم الطفلة) إلى المشفى ذاته، فهل من المعقول أن يحدث هذا وتكرر الأم خطأها وتلجأ للمشفى ذاته؟» وفق تعبيره. ويستطرد: «شرحنا الأمر للأهل ولكنهم أصروا على رفع الدعوى، وبعد رفعها تم استدعاؤنا ومثلنا أمام النيابة وأبدينا استعدادنا للتعاون التام وفتح المشفى أمام جميع الجهات الإعلامية والقضائية وغيرها لرؤية المشفى وجهد كادره، وتعهدت بتنفيذ جميع ما تقره المحكمة، وفي البداية تم تعيين الطبيب الشرعي لكنه لم يكن ذا اختصاص في مجال الأطفال بل اختصاصه (أذن – أنف – حنجرة)، وتم استئناف القرار وتشكيل لجنة ثلاثية جديدة ترأستها الطبيبة ريم فرعون العلي، وهي من أبرز أطباء النسائية على مستوى سوريا ككل، مع طبيبين آخرين من أبرز أطباء المنطقة، وبعد صدور نتيجة الخبرة لصالح المشفى جاء والد الطفلة واتهم إدارتها بدفع رشاوى للجان» مشيراً إلى أن «القضية مستمرة حتى الآن وأدت لأضرار كبيرة ووصلت لحد الحديث عن (الأعراض) ولا ندري هدف والد الطفلة من التشهير بنا هل هو المال أم بسبب حزنه على ابنته»، مؤكدا أن طبيب الأطفال في مشفى «الهلال الأزرق» وهو الذي يجب إحالة المريض عليه قبل تحويله إلى تركيا، أقر بما أوردناه في تقاريرنا وهو الطبيب أحمد يوسف، الذي قال الطبيب الشرعي الذي أداننا في التقرير الأول أنه حصل على المعلومات منه وفي النهاية حصلنا على تقرير من الطبيب يخالف ما جاء به تقرير الطبيب الشرعي». وعلى الرغم من كل التبريرات التي قدمها المشفى، يصر والد الطفلة أحمد حموش على أن «جميع ما ذكرته إدارة المشفى غير صحيح، وأن الطفلة توفيت نتيجة لإهمال كادر المشفى الطبي، وأن آثار خدوش كانت موجودة على جسد الطفلة قبل نقلها إلى تركيا حتى أن القضية تمت لملمتها من قبل كادر المشفى بعد وساطات وضغوط ومحاولة التشهير بالرجل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والعديد من الصفحات التي ما زالت تنشر عنه حتى الآن، رغم أن الإعلاميين الذين سعى للتواصل معهم كانوا في كل مرة يحاولون نشر الحادثة، تعمد إدارة المشفى فوراً للملمة القصة عبر تقارير الخبرة الثنائية (المزورة)».
الجندرما التركية تداهم مقراً يديره سوريون لبيع التبرعات الدوائية في ريف أنطاكيا سارقو مساعدات أم تجار مخدرات؟ حسان كنجو
تقع مدينة السليمانية التي هي مركز محافظة السليمانية في شمال العراق، وهي من المحافظات الثلاث التي تكون إقليم كردستان العراق، وتعد مقارنة بغيرها من مدن هذا الإقليم حديثة النشوء، إذ كانت عاصمة لإمارة الأسرة البابانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. تقع السليمانية على ارتفاع 2895 قدما عن سطح البحر، وتسود الطبيعة الجبلية المحافظة، وتزداد وعورة الجبال كلما اتجهنا نحو الحدود الشرقية مع إيران. ويقدر عدد سكان المدينة حالياً بحوالي 656 ألف نسمة غالبيتهم من الكرد المسلمين السنة كما توجد أقلية مسيحية في المدينة. تقع السليمانية على بعد (330) كم شمال العاصمة بغداد، وتضم المحافظة أقضية عدة، من أهمها قضاء بينجوين الذي يمثل الرابط والمنفذ الحدودي مع إيران، وقضاء حلبجة، المدينة التي اكتسبت شهرتها بعد كارثة ضربها بالأسلحة الكيميائية إبان عهد صدام حسين، وقضاء جمجمال، وكلار ودربنديخان وشربازهر ودوكان وقضاء رانية وقضاء بشدر. تشتهر المحافظة بكثرة مصايفها مثل مصايف أحمدآوا، وسرجنار، ودوكان، وغيرها. وفي المحافظة أيضا سدان كبيران انشئا في خمسينيات القرن الماضي، وهما سد دوكان، وسد دربندخان. من أهم المظاهر التاريخية المعمارية فيها المسجد الكبير، الذي يقع وسط مدينة السليمانية، وفيه ضريح الشيخ محمود الحفيد، الذي كان ملكا لكردستان في 1921 وضريح كاك أحمد الشيخ. اشتهرت المدينة بسمتها الثقافية، حيث تعتبر العاصمة الثقافية لإقليم كردستان، كما توجد فيها أكبر جامعات العراق وهي جامعة السليمانية. وتعتبر المدينة مصيفا للعراقيين وعاصمة صيفية للعراق لما تحويه من سبل الراحة والخدمات في فصل الصيف العراقي اللاهب.
دورها التاريخي
شهدت نهاية القرن الثامن عشر ظهور إمارات متناثرة في مختلف أصقاع الامبراطورية العثمانية نتيجة ضعف السيطرة المركزية لاسطنبول على أرجاء الامبراطورية الواسعة، وهكذا ظهرت إمارات في الغالب قبلية أو قائمة على تجمعات قبلية تتعامل مع مراكز الولايات أو حتى مع عاصمة الدولة العلية باستقلال يتراوح بين كون هذه الإمارات شبه دول مستقلة في حالة ضعف الدولة المركزية وبين حكم قبلي منزوي في إحدى زوايا الامبراطورية في حال قوة الدولة المركزية التي تجرد الحملات العسكرية على الإمارات المستقلة، وذلك مرتبط أيضا بقوة وسطوة الولاة الحاكمين في الولايات العثمانية. لكن في كل الأحوال كانت علاقة هذه الإمارات بالباب العالي تشبه إلى حد كبير علاقة إمارات الإقطاع بالحكومات الملكية في أوروبا العصور الوسطى، إذ يحكم الإقطاعي أو الشيخ القبلي إمارته باستقلالية عن الحكومة المركزية شرط ان يقدم ما عليه من أموال تجبى كضرائب ومكوس لخزينة الدولة، كما يشترط عليه ان يمد الدولة بالجنود في حروبها. يذكر المؤرخ الكردي الأبرز في التاريخ الحديث الوزير العراقي محمد أمين زكي، في كتابه «تاريخ السليمانية» ان أمير إمارة بابان، محمود باشا، غادر إمارته متخليا عنها دون ان ينازع أو يناوئ، ولذلك أناط والي بغداد سليمان باشا الكبير زمام الحكم على البلاد البابانية بأبن اخيه ابراهيم بك في سنة 1784 بعد أن منحه رتبة أمير الأمراء. وكان الأمير الشاب نبيها عادلا فطنا، ماهرا في تدبير أمور إمارته، وفاز بإعجاب الأمراء وأولياء الأمور في بغداد ولاسيما الوالي سليمان باشا الكبير الذي يعتبر مؤسس حكم المماليك الجورجيين في العراق، وقد تلاقت النزعة الاستقلالية الناهضة في نفس الوالي الجديد وفي نفس الأمير الشاب مما وطد العلاقة بينهما. كما يشير المؤرخ محمد أمين زكي إلى نقطة مهمة بقوله، ان ابراهيم باشا بابان كان قد أمضى شطرا من حياته في بغداد، وكان يصبو إلى حياة الحضارة، ويصعب عليه العيش في قرية حقيرة مثل قلعة جوالان، عاصمة إمارة بابان القديمة، وينفر من الحياة فيها. وهكذا كان حال أحد أقوى إمارات كردستان في العصر الحديث وهي إمارة بابان، التي ضمت مساحات شاسعة من كردستان العراق وإيران، وكانت عاصمة الإمارة في البدء قرية صغيرة هي قلعة جوالان، وقد أسس العاصمة الجديدة ابراهيم باشا بابان، في عام 1784 وأكمل بناء المدينة ونقل مركز الإمارة من قلعة جوالان إليها، وأطلق عليها اسم السليمانية. وهنا يختلف مؤرخو المدينة في اختيار الاسم، فالبعض يقول ان ابراهيم باشا أطلق هذا الاسم على عاصمته الجديدة تيمنا باسم والي بغداد الذي دعمه في تولي الإمارة سليمان باشا وإظهارا لطاعته للدولة العلية، بينما يشير بعض المؤرخين إلى ان اختيار الاسم كان تيمنا بالجد الأعلى لابراهيم باشا وهو سليمان باشا بابان. لكن ما الذي دفع بأمير مثل ابراهيم باشا ذو طموح إلى تأسيس مدينة جديدة لتكون عاصمة إمارته الناهضة؟ في معرض الإجابة على هذا السؤال يشير د. عزالدين مصطفى رسول، في مقدمته لكتاب «تاريخ السليمانية» إلى مجموعة نقاط تمثل الخطوط العامة المسببة في تأسيس المدينة الجديدة وهي: - بعدها عن هجمات الدولة العثمانية والدولة القاجارية نتيجة اختيار مكان المدينة الحصين بين سلسة الجبال المحيطة بها. - محاولة خلق مركز جديد للتجارة يرتبط بمحاولات أولية لخلق قطاع صناعي. - طموح ابراهيم باشا في أن تكون عاصمته مدينة حديثة يتم فيها التحول من حياة الريف إلى المدينة حيث مستلزمات الحياة أكثر تطورا. وبناء على كل ما سبق كان طموح الأمير الجديد وهو ينظر إلى اسطنبول وطهران، أن تصبح عاصمته قدوة في مجال العلم والأدب لإمارته الكردية الناهضة.
رحالة وتقارير مبعوثين
تناول السليمانية الكثير من الرحالة وضباط الاستخبارات الأجنبية البريطانيين والفرنسيين والألمان في تقاريرهم ووصفوا حياة المدينة وتطرقوا إلى تفاصيل كثيرة تمكننا من تخيل حياتها اليومية. فقد كتب في سنة 1820 أي بعد 36 عاما من بناء السليمانية المستر هارت في كتابه عن كردستان يقول «في هذا العام بلغ عدد نفوس المدينة عشرة آلاف شخص وبلغ عدد مساكنها 2144 وهي موزعة كالآتي، 130أسرة يهودية، تسع كلدان، وخمس أسر من الأرمن والباقي هم من الأكراد المسلمين السنة. وكانت فيها خمسة جوامع». أما المقيم البريطاني في العراق عام 1820 مستر كلوديوس جيمس ريج، فقد دون الكثير من المعلومات في كتابه عن رحلته إلى بغداد، كردستان وإيران، ويقول في وصف جانب من الحياة في السليمانية عام 1820 «ذهبت إلى الحمام، فألفيته جميلا جدا وكانت إضاءته جيدة والخدمة فيه حسنة، كما وجدته أرقى من أي حمام آخر شاهدته حتى الآن في أي قسم من أنحاء المملكة التركية عدا حمامات الشام واسطنبول والقاهرة، بل ويمتاز عليها في بعض النواحي، وقد ملطت جدرانه بالملاط الخافقي وصبغ على الطراز العربي وزوق بالأحواض ذات النافورات، وشيده الباشا الحالي على نفقته مستخدما معماريين إيرانيين جلبهم خصيصا لذلك». ويستمر المستر ريج في وصفه للمدينة، فيذكر قصر الأمير: «كان قد شيد وفق هندسة معمارية رائعة فيها صالات أمامية وخلفية وهناك قسم للنساء وضيوفهن، وان هذه الهندسة المعمارية تختلف كليا عن التركية. شاهدت النساء يشاركن الرجال في أغلب الأعمال دون نقاب حيث وجوههن ظاهرة تماما.» أما تجارة عاصمة الإمارة البابانية فيصفها بقوله: «شهريا هناك قوافل تتجه إلى مدينة تبريز الإيرانية ومن هناك يجلبون الحرير وبقية الأقمشة، ومن السليمانية يأخذون معهم التمور والقهوة، وفي العودة يحملون الحديد والنحاس على البغال، وبالمناسبة أقوى البغال يشترونها من مدينة أرضروم. وهناك قافلة شهرية من تجار إيران من مدينتي همدان وسنندج تصل السليمانية يحملون معهم الدهن الحيواني والفواكه المجففة والفولاذ، كذلك فالتجارة مستمرة مع كركوك. لقد رأيت تجارا من كركوك متلهفون لشراء الحبوب والعسل والقطن والرز والدهن الحيواني والأغنام. لمدينة كركوك أهمية تجارية كبيرة في المنطقة».
السياحة في الجنة
باتت السليمانية بحق عاصمة ثقافية لكردستان العراق ومركزا للكثير من النشاطات الفكرية والأكاديمية والثقافية، بالإضافة إلى ذلك هي تقترب من ان تكون عاصمة العراق الصيفية نتيجة جوها المعتدل وتوفر الكثير من الخدمات وأماكن الراحة والترفيه فيها. وفي مصايف السليمانية التي تحوي مجمعات سكنية حديثة بخدمات تقدمها شركات سياحة عالمية باتت تنافس ما تقدمه المنتجعات العالمية، يمكن أن يقضي فيها الزائر صيفا مريحا أو حتى شتاء جميلا هادئا وسط تساقط الثلوج الذي يفتقده العراقي إلا في مناطق كردستان. ومن أهم المنتجعات يمكن ان نذكر جبل بيره مكرون، وهو أحد الجبال الشامخة والجميلة في السليمانية والذي تعلو قمته قبل دخولك المدينة ومن مسافة بعيدة ويلاحظ ذلك الكثير من زوارها، وتتمتع هذه المنطقة بمكان رائع ومناظره خلابة ومياه تجري بين جداول وخضرة دائمة. أما مصيف سرجنار فيقع غرب المدينة على بعد (5) كم، فيه مساحات خضر شاسعة، مغطى بالأشجار الكثيفة من جميع الأطراف، وتضفي عليها ينابيع الماء العذب منظراً خلاباً، يجذب إليه الزوار في فصلي الربيع والصيف. كذلك مصيف زيوي الذي يقع في سفح جبل بيره مكرون على بعد 34 كم غرب مدينة السليمانية، يتميز بالعديد من المشاريع السياحية ومناطق للراحة وألعاب للأطفال كما يوجد فيه مرقد كل من بيره مكرون والعالم الكردي المعروف توفيق وهبي وهما يجذبان العديد من المهتمين بالسياحة الدينية، ويتمتع بمناظره الخلابة كالقمم الشاهقة وممراتها المائية. أما قلعة سارتكة (باشا كورة) فتقع في ناحية قشقولي على طريق دوكان وفي مكان مرتفع مطل على نهر الزاب، تم بناء هذه القلعة من قبل الأمير محمد (أمير سوران 1813ـ 1837) وتعرف بقلعة الأمير كورة . وهناك مجمعات قشقولي التي تقع في قضاء دوكان وتمتد على طول نهر الزاب الصغير وتتألف من مجموعة من المجمعات السياحية، بالإضافة إلى بحيرة تصلح للسباحة أو الاستمتاع بنزهات بالقوارب، وأكثر زوار هذا المنتجع قادمون من بغداد ومدنها القريبة الأخرى .أما مصيف دوكان فيقع على بعد 70 كم غرب مدينة السليمانية ويحتوي على بحيرة صناعية. وبالرغم من كل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي باتت مدينة السليمانية وإقليم كردستان أجمع يعاني منها منذ بضع سنوات، إلا انها تبقى درة كردستان المتوهجة التي ما أن تنفض عنها تراب الأزمات حتى تعود لتوهجها المبهر.
القاهرة ـ «القدس العربي»: جاء انقلاب تموز/يوليو 1952 وحمل معه رياح التغيير القوية في مصر والوطن العربي، وكذلك دول العالم الثالث إذا أردنا الدقة، وكما هو حال الأدب، الذي تلون بهذا الانقلاب، فظهر أدباء كانت تحملهم الأماني في النظام الجديد إلى عالم من الخيال، فأصبح الأدب بوقاً للنظام الثوري والقمعي بعد ذلك في آن. وقد حوّل بعض الأدباء والكتاب، من خلال كتاباتهم المتواترة، الانقلاب العسكري إلى ثورة لها فلسفتها وتنظيراتها، التي قرّبت الأمر كثيراً لرجل الشارع العربي، وأشاعت الروح والمد الثوري في هذه المنطقة المتصارعة. لكن هناك بعض الأصوات التي كانت ترى وجهة أخرى لانقلاب العسكر هذا، وإن كان هناك نوع من الفصام قد سيطر على بعض هذه الأصوات، فهم يؤمنون بما أطلق عليه ثورة، من خلال الوعود والمنجزات، ولكن نظامها القمعي والشمولي وضع هؤلاء أمام ازدواجية ما زال البعض يعاني منها حتى الآن.
إرهاصات
كانت الأعمال الأدبية قبل يوليو تقدم نقداً للواقع، وتبشر بضرورة حدوث شيء ما، في ظل الظروف والأجواء المُربكة، التي كانت تمر بها مصر في ذلك الحين. فكانت كتابات عبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس، و»عودة الروح» لتوفيق الحكيم، التي قال عنها عبد الناصر إنها ملهمته في ما قام به بعد ذلك، كما كانت هناك كتابات نجيب محفوظ، التي تحلل الواقع الاجتماعي، وتحاول بث روح التمرد، والروح العقلية والعلمية، تأثراً بأفكار سلامة موسى، بالإضافة إلى كتابات طه حسين والعقاد التحريضية، وإن كانت غير مباشرة. في هذا الجو العام المثمر، ومن خلال قيام الجماعات الوطنية، المُعلنة والسريّة كان للكلمة المقروءة ثقل لا يضاهى، رغم أمية الشعب المتفشية! فمجلة مثل «التطور» مثلاً، والتي سبقت عصرها بعصور، تناولت تحديد حلول المشكلات الاجتماعية المصرية، حتى أنهم قاموا بنشر مفصل لقانون الإصلاح الزراعي، الذي طبقه نظام يوليو بعد ذلك تطبيقاً شائهاً، وفق رؤيته الخاصة.
الفصام
ظن العديد من الكتاب والأدباء أن انقلاب يوليو هو التحقق الفعلي لما حلموا به من أفكار عن تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، ولكن البعض توجس خيفة من هذه الثورة/الانقلاب، خاصة وأن من قام بها عسكريون، وأن ذوي الأفق رأوا أنها في البداية والنهاية مجرد إنقلاب عسكري ــ راجع موقف نجيب محفوظ ــ ووفق هذا الظن الرومانسي، وما حاولته الحركة المباركة من احتواء الجميع تحت شعاراتها البرّاقة، بأنها الجانب الفعلي والعملي لأحلام هؤلاء، والمثل الأعلى الذي يجب تأييده، وإلا وضع المعارض تحت طائلة الخيانة العظمى. وحينما أثبت الزمن أن المبادئ التي نادت بها الحركة قد خالفها الواقع، بدأت الصدامات، فكانت حملات الاعتقالات للمخالفين في الرأي، وأن النظام الشمولي لن يرحم أحدا، ولكن الأدباء والكتاب انطلاقاً من رومانسيتهم الحالمة، لم يريدوا التصديق، وأرجعوا الأمر إلى رجال النظام، وليس نجم النظام الأوحد جمال عبد الناصر، ما جعل شهدي عطية على سبيل المثال يهتف بحياة عبد الناصر، وهو يتلقى الضربات داخل المعتقل، من قبل رجال عبد الناصر نفسه، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة! بحثاً عن العدالة المفقودة
فتحت المنجزات الثورية الصورية الباب أمام جيل تمت تسميته بعد ذلك جيل الستينيات. الجيل الذي امتلأ إيماناً بالأفكار الاشتراكية، ومحاولة البحث عن تحقيق العدالة الاجتماعية، التي بشرتهم بها الثورة المباركة، واستمد هذا الجيل قيمة نضاله من السير في ركبها، وللمفارقة أن مَن سُجنوا أيضاً استمدوا قيمتهم من مخالفتهم الرأي للثوار العسكريين، فكانوا أشد حفاظاً على هذا النظام من أصحابه أنفسهم، فقيمتهم تتجلى في هذا التاريخ القمعي لنظام شمولي وفكري يؤصل لتاريخهم النضالي. ولكن هناك بعض الأصوات استطاعت رؤية ما هو مخالف للدعاية الإعلامية الهائلة، التي استخدمها نظام يوليو لتأصيل شرعيته الزائفة، واستمراره، من خلال الإذاعة والأعمال الأدبية متوسطة القيمة، والقاصرة على الحلم ــ أعمال يوسف السباعي كمثال ــ والأعمال السينمائية، التي رأت أن المفاسد كلها كانت في النظام الملكي الفاسد. بالإضافة إلى جهاز رقابي قوي، يعمل في خدمة النظام ليلا نهارا، حتى أن فيلم «يوميات نائب في الأرياف» وهو عن رواية توفيق الحكيم، ومن إخراج توفيق صالح، وكان يتعرض للظلم الاجتماعي في الريف، تم تغيير نهايته، والإيحاء بأن الأحداث تمت في منتصف الأربعينيات، أي في عهد الملكية البائدة! وفي مجال الرواية نجد أعمالاً أظهرت سلبيات انقلاب العسكر، مثل «اللص والكلاب» و»السمان والخريف» و»ثرثرة فوق النيل» لنجيب محفوظ، و»الأفيال» لفتحي غانم، و»الحب في المنفى» لبهاء طاهر، وكثير من الأعمال لأدباء من أمثال إحسان عبد القدوس ويوسف إدريس، وجميعها يمكن اعتبارها رد فعل لأحداث المجتمع بعدها.
من تلك الرائحة إلى البكباشي
إلا أننا نجد أن الصوت الأعلى والأكثر تميزاً هو الكاتب صنع الله إبراهيم، الذي حاول رصد حقيقة ما يحدث، بخلاف الخطاب الدعائي الشائع، وتأتي روايتاه «تلك الرائحة» و»نجمة أغسطس» خير دليل على هذا الصوت المخالف، والباحث عن عدالة اجتماعية مفقودة، تم تصديرها في الحلم فقط. صدرت رواية «تلك الرائحة» عام 1966 قبل هزيمة 5 يونيو بعام واحد، وقد كشفت عن فساد نظام ديكتاتوري، لطالما ادعى الديمقراطية، والحلم الاشتراكي الزائف، البعيد كل البُعد عن الواقع المُعاش، ففضحت المستور من خبايا النظام العسكري، الذي ما زالت تعاني منه مصر حتى الآن. تمت مصادرة الرواية في طبعتها الأولى، ثم نشرت بعد ذلك غير مُكتملة، حتى أن الطبعة الكاملة الوحيدة، في نصها الأصلي ظهرت بداية من عام 1986. يخرج المؤلف/الراوي من السجن، ليكتشف المسافة الشاسعة بين الحلم والواقع، الحلم الثوري، الذي لا يعرف سبب دخوله إلى السجن، في ظل ثورة تؤمن بتحرر الإنسان، وتحاول بناء مجتمع حُر، بما أن عهد الاستعباد قد مضى، وبين واقع يحكمه نظام شمولي أوحد، يُعادي الجميع إلا نفسه، ليجد الراوي نفسه في مفترق طرق، يعاني من سجن كبير، يشمل المجتمع ككل، فالفساد يطول كل شيء، ومنظومة القيم التي تبثها الأغاني من خلال الإذاعة ليل نهار، أصبحت بالية، ورائحة عفنة صارت لا تطاق، هي رائحة هذا النظام، وما خلفه في النفوس. والمفارقة في بداية الرواية تكمن في ان اليوم الذي يُغادر فيه البطل السجن، هو نفسه يوم عودته إليه، وهذه الحركة الدائرية، هي التي تحكم البنية الكلية للرواية «قال الضابط: ما هو عنوانك؟ قلت: ليس لي عنوان» (ص 31). فالعودة إلى القسم هي عودة حتمية، ولحظة الخروج هي نفسها لحظة العودة، فلا يوجد خروج من الأصل. وقد وجد البطل أن لا شيء قد حدث منذ دخوله السجن، حتى خروجه وتواجده بين الآخرين الآن، فهم مثله في محبس كبير. وجاءت رواية «نجمة أغسطس» لتوضح الوضع الفعلي للجو المحيط بأكبر مشروع ثوري في الشرق الوسط، وهو بناء السد العالي، ووسط الأغاني والكتابات البالية، التي أوهمت الناس، وأغرقتهم في الأحلام أكثر وأكثر، يكشف صنع الله إبراهيم ما يدور في الحقيقة، والأوضاع المزرية والمخاطر التي يتعرض لها العمال المصريون، وسوء الأحوال، بخلاف العمال الروس مثلاً، فالصورة ليست وردية كما كان النظام يريدها للناس. بخلاف العمل الهام لجمال الغيطاني «الزيني بركات» والذي استلهم من التراث رواية عميقة عن نظام الحكم الشمولي، وما يفعله في النفوس، من تشويه لآدمية الإنسان، وتحويل الجميع إلى جواسيس، يخدمون النظام الحاكم. إلا أن الملفت للنظر أن يتم طرح رواية حديثة نسبياً في عام 2010 تحت عنوان «فيوليت والبكباشي» وهي العمل الروائي الأول للكاتب عمرو حمودة، وقد تعرّضت لحركة يوليو بمزيد من النقد، وما يلفت الانتباه ان أحداث يوليو ما تزال ترمي بظلها حتى اليوم، ولو على سبيل عقد المقارنات، ومحاولة رؤية النتائج من خلال المقدمات، فالكاتب يرى أنه يكفي الكذب إلى هذا الحد، وأن نظام عبد الناصر عبارة عن دولة بوليسية وسجن كبير، رغم التبريرات الخائبة، وقد تم إقصاء من يحملون فكراً ورؤية مختلفة، كيوسف صديق وخالد محي الدين. فالثورة لم تثق في المثقفين، لأن مثقفيها من داخل الجيش فقط، لتكون النتيجة المنطقية والحتمية تاريخ آخر لا ينفصم عن يوليو 52 بل يكمل الحدث حتى نهايته في 5 حزيران/يونيو 1967. وما أشبه اليوم بالبارحة. 11ADA
تونس ـ «القدس العربي»: حافظ مهرجان قرطاج طوال الأعوام الماضية على مكانته كأعرق المهرجانات في تونس والعالم العربي، فعلى ركحه صعدت أسماء عديدة تحولت إلى نجوم لامعة في العالم. إذ مثل الصعود إلى ركح هذا المسرح الأثري، وعلى الدوام، علامة فارقة في مسيرة أي فنان سواء كان محليا، عربيا أو أجنبيا نظرا لخصوصية هذا المهرجان وأهميته في عالم الفن والغناء والإبداع. ومنذ 1964 وحتى اليوم يستقبل هذا المسرح الأثري أبرز النجوم المحليين والعالميين وتميز بانفتاحه على الثقافات والحضارات الأخرى مستغلا الاسم الأسطوري لواحدة من أعرق حضارات العالم التي نمت وازدهرت في عصر ما على هذه الأرض التونسية. لقد مرت عبر هذا الصرح الثقافي أهم العمالقة العرب مثل فيروز ووديع الصافي وصباح فخري وعبد الحليم حافظ وصابر الرباعي وكاظم الساهر وماجدة الرومي ونجاة الصغيرة وجورج وسوف ومارسيل خليفة وغيرهم. وعالميا استضاف قرطاج شارل أزنافور ويوسو ندور وداليدا وجيمس براون ولويس أرمسترونغ وري تشارلز وألفا بلوندي وجو كوكر وسيرج لاما وإنديلا وإروس رامادزوتي وخوليو ايغليسياس وغيرهم، فكان بحق نافذة التونسيين للعبور إلى ثقافات العالم وجسرا للتلاقي مع مختلف الحضارات. لكن مهرجان قرطاج عرف في السنوات الأخيرة ظاهرة أزعجت الكثيرين وتمثلت في صعود وجوه، على ركحه ليس في رصيدها الكثير من الأغاني والأعمال الفنية الملتزمة والهادفة ولكنها تميزت بنجاح بعض الأغاني شعبيا، وهذا ما دفع النقاد الفنيين إلى التساؤل اليوم عن دور المهرجان وإلى أي مدى لا يزال محافظا على طابعه العالمي وعلى خصوصيته الثقافية، وهل أن انفتاحه على بعض الوجوه الشابة الجديدة يمس من مكانته وأهميته الثقافية، وكيف يمكن التوفيق اليوم بين الفن كالتزام ورسالة وبين الربح التجاري الذي يحتاجه المهرجان ليستمر؟ اسئلة كثيرة تطرح على خلفية البرنامج الذي حمله المهرجان هذا العام وحتى العام الماضي.
عروض في المستوى
وفي هذا الإطار ترى ليلى بورقعة الإعلامية والباحثة التونسية في الشأن الثقافي أنه ومنذ نصف قرن ويزيد، حجز مهرجان قرطاج الدولي لنفسه مكانة مرموقة كواحد من أبرز الوجهات الموسيقية في العالم العربي. وقد اكتسب هذا المهرجان، شهرة ضربت الأمصار وتجاوزت الأقطار لأن مسرحه وهب على طبق من ذهب فرصة الانتشار الواسع لعدد من نجوم الصف الأول. وتضيف محدثتنا قائلة: «اليوم، كثيرا ما يضيع مهرجان قرطاج الدولي البوصلة في تحديد خياراته الفنية ويفقد التحكم في مقود القيادة للإرساء على شاطئ الأمان والوفاء لمبادئ التأسيس الأولى. فيحدث أن يختل ميزان القوى بين دورة ودورة وحتى بين عروض الدورة الواحدة. وهو ما تدّل عليه بوضوح برمجة الدورة 54 من المهرجان تحت إدارة مختار الرصاع، إذ جاءت متفاوتة القيمة حدّ التناقض بين سهرات في مستوى التوقعات والتطلعات وأخرى دون المطلوب بكثير! ففي الموعد الموسيقي السنوي لهذه الصائفة، نجح مهرجان قرطاج في برمجة عروض تليق بسمعته وعراقة مسرحه من خلال استضافة مارسيل خليفة وماجدة الرومي وكاظم الساهر وأمينة فاخت. وقد شكلت عودة «الديفا» أمينة فاخت للغناء على المسرح بعد غياب دام حوالي 10 سنوات لوحدها حدثا استثنائيا أعاد للمهرجان بريقه وصداه وجمهوره الغفير وسهراته الممتعة بطعم حكايات «ألف ليلة وليلة».
تفريط في المقاييس
في المقابل، فرّط مهرجان قرطاج الدولي، حسب الباحثة التونسية في مقاييسه الفنية العالية ومعاييره الموسيقية الصارمة فلم يعد اعتلاء مسرحه ذاك الهدف صعب المنال والحلم الذي يراود كل فنان في بداية المشوار. فقد سمح المسؤولون عن هذا المهرجان، لكل من دبّ وهبّ باستباحة ركحه، فلا غرابة، في رأيها أن يرتع على مسرحه أشباه الفنانين وأنصاف المبدعين وسماسرة العروض التجارية. ولعل من أبرز «سقطات» النسخة 54 من قرطاج الدولي، حسب ليلى بورقعة، هو التساهل مع بعض فناني «البارحة» واستعجال برمجتهم وفي رصيدهم مجرد أغنية صنعت «البوز» أو مقطعا تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد «شهرة» أشبه بالزوبعة في الفنجان لصاحب «ثلاث دقات» وبعد جولة «فيسبوكية» لمقاطع فيديو بصوت ياسمين علي، يبدو أن هيئة المهرجان قد انخدعت بالضّجة العابرة و»الفرقعة» الزائلة وظنّت أن برمجة «محمد أبو العينين» وياسمين علي ورقة رابحة في العزف على أوتار انبهار الجمهور. لكن كانت المراهنة على صفقة خاسرة.
تداعيات الأزمة الاقتصادية
وتضيف محدثتنا قائلة: «وبالرغم من بعض النقاط السوداء في سجله والثغرات في مساره الذي جاوز الخمسين سنة، يبقى مهرجان قرطاج من الأهم موسيقيا والأعرق بل والأقدم في الحوض الأبيض المتوسط. وهو الذي ضرب موعدا مع أهم الفنانين العرب مثل أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم حافظ ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة ووديع الصافي. ومن سنة إلى أخرى، يسعى المهرجان إلى تلبية كل الأذواق وأن يكون وفيا قدر المستطاع إلى هويته وسمعته، ولكن أزمة الدينار التونسي وارهاصات المرحلة السياسية والاجتماعية الدقيقة لابد أن تلقي بظلالها على البرمجة».
الوطن الحاضر
وتجدر الإشارة إلى أن عرض مارسيل خليفة كان الأروع إلى حد الآن في هذه الدورة، حيث جدد الفنان اللبناني كثيرا في عروضه وأعاد توزيع بعض أغانيه القديمة برزت فيه بصمات نجله رامي خليفة الذي ألهب حماس جماهير قرطاج بعزفه الاستثنائي على آلة. كما أعاد مارسيل التونسيين إلى الزمن الجميل، زمن منتصب القامة أمشي وأحن إلى خبز أمي مقدما الجديد في الآن نفسه من خلال أغنية تتغنى بتونس الحرة من كلمات الشاعر التونسي آدم فتحي. وكعادتها كانت فلسطين حاضرة في وجدان مارسيل حيث حياها وأشار إلى حجم الألم الذي يشعر به لما يحصل هناك وأهداها أغنية خاصة. ولعل المؤثر في السهرة هو شعور خليفة بالحنين إلى الشاعر التونسي أولاد أحمد وإلى رفيق دربه الشاعر الفلسطيني محمد درويش الذي قال عنه أنه كان يجلس في الصف الأول في مسرح قرطاج الأثري كلما كانت هناك حفلة يحييها خليفة في هذا المسرح، واليوم ينظر إلى الصف الأول فلا يجد درويش في تونس التي قال عنها قبل وفاته قولته الشهيرة «كيف نشفى من حب تونس؟». وتتواصل عروض المهرجان حتى يوم 11 آب/اغسطس ولا يزال في جعبته العديد من الأمسيات التي لم تكشف عن أسرارها بعد. وسيكون الجمهور العاشق على موعد مع الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي التي يستعد الكثيرون لحضور حفلها من أجل ضرب موعد جديد مع الموسيقى والأنغام الجميلة وحكايا أساطير الحب بصوت ماجدة القلوب وأرزة لبنان المتألقة دائما. كما تتميز برمجة هذا العام بفتح مجال لكل أنواع الفنون الشرقية منها والغربية. ويعرض المهرجان لمحبي المسرح بعض الأعمال المسرحية منها «في العاصفة» لحسن المؤدب، و»الحضرة 3» لفاضل الجزيري، هذا العمل الفني والصوفي في آن معا هو اجتماع الذكر والمديح في حلقات انشاد تؤدى بصوت خفيف فثقيل، ويتضمن الحب والهيام والموت واللحد والقيامة والجنة والنار. «الحضرة 3» تعكس خصوصيات التراث التونسي الصوفي ومحاولة لاستعراض هذا التراث الضخم من نافدة الفن. وستغني أمل مرقس وخالد دندن، لينقلا لعاشقي فلسطين هذا الوجع اليومي بكلمات صادمة وألحان راقية. فالفن أيضا هو أبرز أشكال النضال ضد المحتل، ورسالة سلام للعالم ليبقى الوطن حاضرا في كل الميادين. 11ADA
في قراءتنا لمجموعة الشاعر السعودي أحمد الملا الأخيرة» «إياك أن يموت قبلك»، يبدو أننا سنخفق في فضح أحد أسرار الكتابة لدى هذا الشاعر البسيط حتى التعقيد، مهما سارعنا، قبل أن ينفذ تهديده الساخر لأصدقائه الشعراء الحريصين على صحته قسراً بفضح أسرارهم، ووضعهم «في عداد القتلى»، بطلقات رحيق الأزهار التي يعرف كيف يصبها ذهبيةً في «لعبة شعر» يجيده، لكنه يهرب منه خشية تركه عند البراعة فيه كما يفعل عادة، وفي تحكم يدٍ مدربة بهذه اللعبة، حد «الإمساك بثلاث أفكار دفعة واحدة، وتقليبها في الهواء». لكنه يخشى أيضاً أن تخفق يده تلك في لعبة الإبداع الذي يقلقه دائماً: «كلما برعت في لعبة تركتها جانباً ومضيت إلى غيرها… حتى هجرت كل شيء ولحقني الشعر يلهث هربت منه.. وأدركتني عضته هرماً أهملته خوفاً وريبة من أمري.. لهذا أكتبه، وسريعاً أرميه من يدي بعلات، لا أتداركها نبت الشوك في أصابعي خشية أن أجيد ما أفعل ويهجرني إلى لعبة أخرى». وذلك رغم بساطته في إبداع قصيدته التي يكتبها كما يبدو دفعةً واحدةً لتأتي صفعةً ناصعةً آبدةً كطلقة جسد أمام قطار سريع. ويظهر أن سبب إخفاقنا في كشف سر قلق الإبداع هذا هو أن أحمد الملا، الشغوف باكتشاف آليات الكتابة في داخله بقدر سفحه للكتابة دون التفكير بالآليات، يعرف أننا سنتلصص لنكتشف أبعاد التجربة، فيشرع داخله بنفسه نافذة مفتوحة حرة لعيوننا المندهشة تحت شمس رفيف الأجنحة. هذا ما تعكسه قصائد عديدة مثل «لعبة الشعر»، «تمثال الشاعر»، «كتب خالية»، و»جملة صلبة» التي تتسع فيها الرؤية إلى حد القول: «أريد أن أكتب مرة واحدة/ بما يكفي/ أريدها كلمات تكف عن اللغو والكلام/ أبري حوافها، وأشد قوسها في أضيق عبارة/ أريدها قصيدة محكمة ومحشوة بالبارود/ مثلما أكتب عن الثور والمحراث/ والفلاح والبذرة/ والزهر والثمر/ تحت مطر يصب كل صباح/ في جملة صلبة». وأحمد الملّا، شاعر سعودي، من مواليد الأحساء ــ السعودية 1961. أصدر المجموعات الشعرية «ظل يتقصف» 1995،»خفيف ومائل كنسيان» 1997،»سهم يهمس باسمي» 2005،»تمارين الوحش»، 2011؛ «كتبتنا البنات»، 2013؛ «الهواء طويل وقصير»، 2014؛ «علامة فارقة»، 2014؛ «ما أجمل أخطائي»، 2016، وهي مترجمة إلى الانجليزية. ساهم في إعداد كتاب مختارات الشعر السعودي، وأنطولوجيا الشعر الحديث، بالإضافة إلى كتابته لعدة سيناريوهات ومسرحيات، والإشراف على إدارة عدد من المؤسسات والجمعيات والأقسام الثقافية. كتب العديد من مقالات الرأي الصحفية المنتظمة، وشارك في مهرجانات شعرية محلية ودولية عديدة، وحاز على جائزة محمد الثبيتي الشعرية لعام 2016. في هذه المجموعة، التي يضيف فيها الشاعر ألواناً جديدة لا تقطعها عن خط تجربته الثرية التي جعلت منه أحد رواد قصيدة النثر المميزين في المملكة العربية السعودية، تتشكل البنية الظاهرة ببساطة، ودون تعقيدات، عبر سبع وسبعين قصيدة قصيرة ومتوسطة الطول، بعناوين قصيرة موحية ومعبرة عن المضامين بقوة. ويمكن بسهولة، مع تقدم القراءة، اكتشاف محور الصداقة الذي يهيمن بأبعاده ومستوياته الظاهرة والعميقة على المجموعة، آسراً عنوانها، إلى جانب محور الحياة الذي تنفتح قناته بقوة على المحور الأول بقصيدة حب وحيدة مدهشة تحت عنوان «ريم»، تبرز معها المجموعة كساحة رقص تشتعل بالصداقة والحب والفرح. داخل هذه البنية البسيطة يبرع الشاعر بما يجيد، في تشكيل بنية عميقة داخل كل قصيدة، مميزة على صعيد الشكل بتركيب مدهش للجملة الشعرية، وبجريانٍ ينبوعي سلس للجمل، مع تركيب متداخل للصور التي تخرج متألقة كما لو أنها تفلتت من قاع حلم هارب، تموجَ راقصاً على أسطر الكتابة الآلية للسوريالية. لكنها ستقر أيضاً على أسطر قصيدة النثر الحديثة التي تفلت زمام العقل لصهيل الجنون، وتطير بالحكمة على أجنحة الدهشة. إضافة إلى إضفاء العمق على هذه التراكيب التي يمكن للقارئ بسهولة تلمس مدى نعومة صقلها، من خلال جملة «أشد قوسها في أضيق عبارة»، التي تستدعي عبارة النفري الشهيرة التي عبرت حدود التاريخ: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة». كذلك يصح تلمس مدى نعومة وعمق هذا الصقل في استحضار نيكوس كازانتزاكيس دون ذكر اسمه، عندما يروي في مذكراته: «قلت لشجرة اللوز، حدثيني يا أخت عن الله، فأزهرت شجرة اللوز!»؛ وذلك في «قصيدة النخلة» الناحلة: «كرقصة قدم واحدة/ بأجنحة تصفق؛» حيث يمس الشاعر بهذه القرابة قلب قارئه بسؤاله لها: «إلى أين يا عمة؟». إضافة للعديد من استخدامات شموع الصقل التي لا يتوقف سيلانها عند حدود جلجامش وأنكيدو وعشتار. في مستويات البنية العميقة على صعيد المضامين، يمكننا أن نلتقط من بين عشراتها المتغلغلة في تفاصيل الحياة ما يُدهشُ الشاعرُ به قارئَه أولاً وهو مدرك لذلك، ومكرر له في أكثر من قصيدة: «مصنع الفرح» الذي يُدخل الشاعر قارئَه فيه، بعيون طفولية جديدة ترى العالم كما لو كانت المرة الأولى، حيث يصبح العادي مثيراً للدهشة ومولداً للفرح: «رقصنا الليل بطوله/ بين رافعات عملاقة/ مثل وحوش، أطفأها عمال البناء/ ومهندسو الأبراج/ وذهبوا في حافلات منهكة إلى النوم»… «تلك المصلوبة/ المشدود ظهرها بالأسلاك، وتبرق بضوئها الأحمر/ تشدها الرغبة/ أن تقتحم الشرفة، وتقفز في حلقة الرقص/ وتدورُ/تدورُ/ حتى تسقط على ظهرها/ غائبة عن الوعي». في توليده للفرح، وأمله أن يختم به اللغة، حيث «تعب الناس» كما يورد في قصيدة «كلمات متجهمة»، لا يبدو أن ثمة فكاكاً للشاعر من المرور في صراط صَدْم قارئه بمواجهة خوفه أمام مرآة ذاته. وهو مدرك كما يبدو لما يفعل في تصوير خطورة تكبيل الإنسان بالخوف، ويلجأ الشاعر في هذا لفتح أبواب أسوار المعابد التي سيجها الإنسان على نفسه كي تحميه من مجهول خوفه، وذلك في قصيدة «بيت» حيث «نفينا إلى هذا الكوكب/ وتبعنا شيطان رضينا به، وأرضعناه/ حتى اختفى فينا، كان النهار أطول منا وأدرى،/ واستعنا بالليل لنبيت فيه»… «ولدنا ثانية، وصغرت الأرض/ أبدلنا باستدارتها/ جدراناً، اقتسمتنا، وصيرْنا البيت/ لعبنا في أروقته/ وخرجنا لنصطاد قوت يومنا»… «البيت حين رجعنا لم يكن بيتنا،/ لم يعد بيتاً/… «النوافذ لا نراها، ويمكن تخيل قضبانها»، الغرف كثيفة سوداء/ تزحف وتلتهم الخلق/ الخوف هو الوحيد الذي عاد يكبر/ دون مشقة/ عاد يكبر فينا/ البيت بات منفانا وحبْسنا معاً». ويعمق الشاعر في قصيدة «طريقة غير مبتكرة» خلق الإنسان لخوفه، على صورة المعبود، وتوريثه للأحفاد كما تم تناوله من الأجداد، طارحاً التساؤل الصادم: «ما الذي آمنا به دون أن نراه/ غير الموت؟». كما يكثف الشاعر خيار الصدم بلجوئه للسخرية من الشعراء المؤمنين بما سلموا من وهْم ورثوه عن أسلافهم، في قصيدة «السماوات السبع»، التي ليست سبعاً طباقاً كما يؤكد منظار العلم، بل: «حقيقة أن ليست هناك سماء على الإطلاق». في البنية العميقة، على مستويات تناغم الشكل والمضمون في تكوين المجموعة، يأخذ الأصدقاء الحيز الأكبر فيها، تفاعلاً في التعامل مع الحياة، وتلاقحاً للأفكار وامتناناً على التأثير والصداقة، وصولاً إلى تحذيرهم من خوفهم المفرط عليه بأن يفضح أسرارهم في الكتابة والحياة. لا نستطيع في الحقيقة إلا أن نكتفي بما حاولنا كشفه من أسرار كتابة هذا الشاعر الوفيرة الباقية، عنه وعنهم، حيث يوجب احترام هذه المجموعة الثرية أن تعاش فعلاً بمتعة القراءة. أحمد الملّا، شاعر سعودي، من مواليد الأحساء ــ السعودية 1961. أصدر المجموعات الشعرية: «ظل يتقصف» 1995،»خفيف ومائل كنسيان» 1997،»سهم يهمس باسمي» 2005،»تمارين الوحش» 2011،»كتبتنا البنات» 2013،»الهواء طويل وقصير» 2014،»علامة فارقة» 2014،»ما أجمل أخطائي» 2016 المترجمة إلى الانكليزية 2017. ساهم في إعداد كتاب مختارات الشعر السعودي، وأنطولوجيا الشعر الحديث، بالإضافة إلى كتابته لعدة سيناريوهات ومسرحيات. والإشراف على إدارة عدد من المؤسسات والجمعيات والأقسام الثقافية. كتب العديد من مقالات الرأي الصحفية المنتظمة. شارك في عدة مهرجانات شعرية محلية ودولية. وحاز على جائزة محمد الثبيتي الشعرية 2016.
أحمد الملا: «إياك أن يموت قبلك» منشورات المتوسط، ميلانو 2018 128 صفحة.
مجموعة الشاعر السعودي أحمد الملا «إياك أن يموت قبلك»: ساحة رقص للاحتفاء بالصداقة والحب والفرح
بعد سبعة أعوام من الأحداث التي عرفت باسم «الربيع العربي» قل أن نجد من تناوله وسط اللغط الصحافي والشعارية المتعسفة، بمسافة العالم والمتقصي الحذر مثل الباحث الأكاديمي وعالم الاجتماع المغربي أحمد شراك في كتابه «سوسيولوجيا الربيع العربي». طوال خمسة أقسام، يتناول الباحث مجموع الخطابات والمفهومات والأسئلة الشائكة التي أعقبت «الربيع العربي» من منظور المقاربة السوسيولوجية بالمعنى التركيبي الذي تنفتح فيه على العلوم الإنسانية والاجتماعية، بما في ذلك الأدب والفلسفة، بقدر ما تمارس النقد والتأويل بمنأى عن السجال أو إصدار أحكام القيمة الجاهزة أو المغرضة لسبب أو لآخر لا يمت بصلة للبحث الأكاديمي. لا بد من الإشارة إلى أن الكتاب بدأ من مجرد مقالة بعدما اندلعت الاحتجاجات في تونس، غير أن ما كان يجري لم يكن عاديا فقد تحول إلى ثورة في ظرف وجيز، لتتحول المقالة إلى مشروع كتاب يبني إشكالاته وطروحاته ويهندس بناءه العام قياسا إلى المجريات والأحداث التي تلاحقت بسرعة ولم تتوقف عند حد، متجاوبا مع ما كانت المطابع تلفظه من مقالات وأبحاث وإصدارات عربية وأجنبية، وما كان يرافقها من سجالات ومواقف ومواقف مضادة تبعا لرغبات الفاعلين واختلاف طموحاتهم وبرامج أحلامهم. وهذا ما جعل الباحث يمارس كثيرا من الحذر تجاه المتغيرات ويبحث عن الثوابت أو عن البنيات العميقة التي عادة ما يصعب الكشف عنها أمام تطورات متسارعة ومتباينة. من هنا، خطورة الكتاب وجدته وطرافته في آن؛ فالقارئ يجد نفسه وسط علامات سيميولوجية كثيفة ومتقاطعة كانت تنتجها ميادين «الربيع العربي»، ومغمورا بأفعال الحراك المختلفة وتموجاته الهادرة وأصواته الصارخة من طرف كافة الفاعلين على صعيدي الفكر والميدان؛ بمن فيهم الذين يئسوا واستغرقهم الواقع المحبط حتى زمانه. لهذا، نجد أن الرؤية العامة التي يصدر عنها الباحث، لم تكن تخلو من حيرة حقيقية في ما هو مقدم عليه من أهوال البحث ومشكلاته العويصة لطابعه السوسيولوجي المركب، إلا أنه خاض البحث ومضى فيه بلا هوادة، وقد كانت المقاصد التداولية التي يبتغيها من ورائه تتلخص في ثلاثة؛ هي: أن يعرض للمفاهيم الرائجة التي تراكمت بشكل منقطع النظير؛ أن يبني مفاهيم جديدة تكون كإطارٍ نظري للتفسير؛ أن يحصر مجموع الموتيفات والعناصر الداخلية (الاستبداد، فقدان الثقة، الوعي الراقد..) والخارجية (نظرية المؤامرة، العوامل الإقليمية، الإعلام الرقمي..) التي يفترض أنها تسببت في الأحداث حتى يفهم ما جرى ويجري. ينبني الكتاب على مدارٍ إشكالي بين مختلف أقسامه وفصوله؛ هو ما ينعته الكاتب بـ»التأسيساتية» التي تشكل اللحمة الوصفية والتوصيفية للاحتجاجات المليونية العربية وقد أدت إلى انهيار رموز الاستبداد أو أتت بإصلاحات في هذا النظام السياسي أو ذاك. ولهذا يقدم البحث أجوبة على روح هذه التأسيساتية في مختلف أبعادها وتجلياتها طوال أقسامه الخمسة. ففي القسم الأول يبحث الكاتب مضمرات التأسيساتية وإشاراتها المبطنة على مستوى المفهوم والتوصيف (هل هي ثورات؟ أم انقلابات؟ أم انتفاضات؟ أم رجات؟) التي لا تخلو من جدل والتباس على مستويات لغوية، ومجالية، وسياسية وتداولية، صادرة عن دراسات وأبحاث ومواقف لباحثين عرب وأجانب. توقف عند هذه المستويات بحذر وقابل بينها، وعرض المفاهيم والتسميات والتوصيفات داخل محفل «المقاربة الباردة» كما يسميه، واصفا هذه الثورات التي حدثت في تونس ومصر بالتأسيساتية التي تدخلت في حدوثها العوامل الداخلية والخارجية بمنأى عن القول بنظرية المؤامرة أو عن «بلاغة السهل». في القسم الثاني يبرز الكاتب معالم هذه التأسيساتية من خلال تفكيك أهم الخطابات التي انبثقت في خضم الحراك الجماهيري، سواء على مستوى ملفوظاته أو مكوناته أو على مستوى أجناسه وأنواعه، من منظور قراءة تشخيصية وتأويلية تكشف دسائس أسئلة الخطاب وبنياته انطلاقا من متن زاخر أنتجته الجماهير الغاضبة، بقدر ما تبرز المنحى الإبداعي لهذا الخطاب الاحتجاجي الذي لم تألفه الثورات في التاريخ الإنساني، مع ما يدخل تحته من أفعال وإرادات واستعمالات تداولية. وفي هذا السياق، يحلل حوامل خطاب الثورات؛ مثل: الحوامل التكنولوجية (من مواقع وشبكات اجتماعية وإعلام بصري ورقمي)، والحوامل الذاتية (ما يشمل كل الأشياء المناسبة والمتحركة من لافتات وشعارات وجدران)، والحوامل الجسدية (من حناجر وجسد وعري اجتماعي). مثلما يحلل محتذيات هذا الخطاب إن على المستوى السياسي (الرحيل، السقوط، الرغبة والإرادة، التغيير والإصلاح)، أو القيمي (الكرامة، الحرية، الوحدة، المساواة، العدالة)، أو الاقتصادي والاجتماعي الذي يتمركز في شعار محاربة الفساد، أو الحقوقي (رفض التعذيب والاعتقال التعسفي والاغتيال، إلغاء عقوبة الإعدام..)، وملفوظاته التي أسست لقاموس لغوي جديد على صعيد التواصل والتداول، يتناغم مع الوقائع والتطورات الميدانية، منها ما له صلة بالخصوصية التداولية لهذا القطر أو ذاك (ما مفاكينش، الشبيحة، الفلول..)، أو ما له صلة بالاستعمال القومي حيث هاجرت هذه الملفوظات إلى كل الثورات أو مجملها (البلطجية، ارحل، الدولة المدنية). كما قارب خطاب الغرافيتيا الذي ميز الثورات على صعيد اللفظ واللغة، أو على صعيد الأيقونات والرسوم والبورتريهات، وهو ما جعله ينتزع شرعية جماهيرية علنية لم تكن له من قبل في العالم العربي. وقد قسم الباحث هذه الغرافيتيا إلى: إلكترونية وإسمنتية أو أصلية، فإذا كانت الأولى مقترنة بحامل الجدار الافتراضي الذي تحققه الشبكات الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك، فإن الثانية ارتبطت بحامل الجدار الإسمنتي (الجدران، الأرض، جذوع الأشجار، الأعمدة الكهربائية، الأبواب الحديدية، الناقلات المختلفة..). ورغم اختلاف الحوامل بينهما، فإن منطق الخطاب واحد يتمثل في التحريض على الفعل والعصيان والإخبار والتعبئة والحشد، مما يثبت جدواها وأهميتها كـ»أداة حرب» وإلا لما كانت تتعرض من طرف السلطة للمحو والتشطيب والإتلاف. ولاسيما إذا علمنا أن الغرافيتيا ارتبط بها خطابان أساسيان داخل قاموس الثورة التأسيساتية، هما: الشذرية والسخرية. يتأسس التشذير (الذري والتزمني) غالبا على الخطاب الجُمُعاتي وينبني على لغة تقتات من التراث وتتناص مع القرآن، إلى حد يجعله ينحاز أحيانا إلى الخطابات الإيديو- دينية، فيما تتأسس السخرية على مظهرين كبيرين: السخرية اللفظية (الشعارات، الهتافات، النكت)، والصورية التي تتجسد في الرسم على الجسد وخطاب الصورة الشخصية للرؤساء على نحو كاريكاتوري (مبارك، القذافي، زين العابدين، عبد الله صالح..). في القسم الثالث يبحث الكاتب في دور المثقف داخل الحراك، وفي مدى إمكان الحديث عن هندسة جديدة لإواليات العلاقة بين الداخل والخارج وبين الثقافة/ الثقافات المحلية والثقافة الكونية. ففي مقابل أطروحة البداية وأطروحة النهاية التي تتعلق بدور المثقف في المجتمع، يدافع عن أطروحة اللانهاية التي تقوم على أساس النقد والميتا نقد للواقع السياسي والاجتماعي؛ فهي أطروحة تنطلق من الوظيفة الميتا – نقدية التي يضطلع بها المثقف بتجرد ونزاهة بعيدا عن الولاء للسلطة. ولئن كان المثقفون قبل الثورات قد انقسموا إلى فريقين عريضين: فريق مساند لأنظمة الاستبداد، وفريق معارض لها، إلا أنه أثناء الثورات انحسر دورهم، أو بالأحرى دور المثقف «الكلاسيكي» وظهر بدلا منه المثقف المشاكس أو ـ بعبارته ـ «المثقف التأسيساتي»، الخبير والرقمي والمدون الذي يستعمل تكنولوجيا الاتصال من أجل تثوير الواقع، ويوجهه نضال عملي احتجاجي ينتقل من «القوة».. من الافتراض إلى «الفعل» الميداني. إنه مثقف غير متخندق في اتجاه ما، بل هو هامش وميتا- ثوري، نزيه ولا مزيف. وانطلاقا من منظور سوسيولوجيا التغير، يؤكد الباحث على براديغم جديد قعدت له هذه الثورات التأسيساتية، وهو التنوع اللغوي والثقافي، حيث أن كل اللغات عبرت عن نفسها بحرية وعمق، ومنحت لحقول الفكر والثقافة، ولخطاب الهوية بالنتيجة، أفقا خصيبا ومختلفا ينأى بنفسه عن الدوغمائية والوثوقية، مثلما أثرت في السياسي الذي أعاد النظر في خطابه القيمي بخصوص المشاركة السياسية ودمقرطة الثقافة والمساواة بين المواطنين. وقد ساهمت الفنون بدورها، من مسرح وراب وسينما وتشكيل، في قيام الثورات وإحداث التغيير المنشود. وظل الشعر في طليعة هذه الفنون، باعتباره فنا حيا وممتدا في الوجدان العربي، ومثل بيت أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوما أراد الحياة) النسغ العابر لأشعار الثورة. غير أن هذا الشعر «الثوري» لم يقتصر على القصائد العمودية كما يذهب الباحث إلى ذلك، بل حتى قصائد التفعيلة، وقصائد النثر بدرجة أقل، كان لها حضور نوعي وخاص بالنظر إلى لغتها وشكلها الفني. من الثقافة إلى المثاقفة، يتم إلقاء الضوء على علاقات التفاعل الرقمي بين الأنا والآخر، انطلاقا من شروط معقدة تتمثل في العولمة والهيمنة الإمبريالية ونظرية المؤامرة. يدافع الباحث عن «أطروحة» المثاقفة الفاعلة ويشيد بالإبداعية العربية التي نهض بها الشباب العربي في امتلاكه لتكنولوجيا رقمية أحسن تدبيرها في «الاحتجاج الافتراضي» أو «الثورة الافتراضية»، وفي مدى حنكتهم واستفادتهم من كل الفنون والثقافات في الحشد والتعبئة، وتآزرهم بالشكل الذي نقل الافتراضي إلى الميداني. ينكب الكاتب في القسم الرابع، وهو أعقد الفصول وأغناها لراهنيته وحساسيته السياسية، على كشف ملامح بناء الدولة الجديدة في أرض الثورات (تونس، مصر..) من خلال تحديد ترسانة المفاهيم، وفي مقدمتها مفهوم الدولة (الإسلامية، المدنية، الديمقراطية، الوطنية..)، ثم يسعى بعد ذلك إلى الإجابة عن آفاق «الدستورانية» حسب هذه التجربة أو تلك، سواء تعلق الأمر بالدستورانية في ثوبها الثوري، ولاسيما في البلدان التي شهدت ثورات مثل تونس، أو بالدستورانية الإصلاحية، التعديل لبنود ومواد دستورية مثل الدستور المغربي أو الأردني. لكن السؤال الإشكالي الذي انتهى إليه الباحث، هو: «هل الدستورانية والانتخابية هي الطريقة الفضلى للديمقراطية، أم أن الديمقراطية مسار لا تنتهي دروسه؟». لقد كان «الربيع العربي» حدثا كبيرا بكل المقاييس، وقد أسال الكثير من المداد وخصب الأفكار في وقت وجيز كما يظهر من عناوين وتوصيفات البيبلوغرافيا التي عرضها الباحث بشكل دقيق ودال. وإذا كان نفر كبير من المثقفين والمحللين قد كفر بـ «الربيع العربي»، أو تبرأ منه، بدعوى ما حدث من خيبات وانتكاسات بالجملة على صعيدي الخطاب والميدان، بيد أن الباحث السوسيولوجي د. أحمد شراك قد تصدى بجـرأة وتـجـرد للحدث وانتــهــى إلى نتائج دالة ومبهرة ما زال جزء كبير منها قائما.
بيروت ـ «القدس العربي»:حلّت فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية في قلوب من شاهدها في لبنان. شوق ولهفة كانت في انتظار اللقاء مع خبط أقدامهم واحيائهم لأحد مكونات هوية فلسطين. سبقها إلى لبنان أنس أبو عون، واستقبلته دار النمر للفن والثقافة في محاضرة بعنوان «الدبكة: منظور معرفي ومقاربة تنموية اجتماعية ـ تجربة فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية». تحدث عن الدبكة في سياقها السياسي الاجتماعي، ثم وضعها في أبعادها الجمالية. شاب في مقتبل العمر، أفكاره واضحة ومترابطة. قدم بحثاً عميقاً ربط بين الدبكة وشتات الشعب الفلسطيني. فالتحرر من الاحتلال الصهيوني يحتاج كافة الطاقات. فخلال الانتفاضة الأولى كان يسأل الحاكم العسكري شباب فرقة الفنون «أنتم فرقة غناني أم قناني»؟ يقصد المولوتوف. هنا حوار معه: ○ ماذا يمثل أنس أبو عون في فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية؟ • مهنياً أنسق المشاريع في الفرقة. وداخل هذا المسمى أعمل مساعداً في الإخراج، والمنتج لبعض الأعمال الفنية. وأتابع الإجراءات الإدارية والقانونية بالتعاون مع بعض الزملاء. ○ لماذا جذبتك الفنون الشعبية وكيف تطورت من خلالها نظرياً وعملياً؟ • هي الصدفة. كنت بعيدا عن الدبكة. لقاءاتي المتكررة مع أصدقاء من الفرقة تركتهم يدعونني «أنس تعال». قدمت طلب عضوية. قُبلت رغم كوني راقصا سيئا. مدير الفرقة خالد قطامش رحب بي. تابعت التدريب رغم الفرق الشاسع بين رقصي ورقص الزملاء. لاحقاً أمهلت ثلاثة أشهر لإثبات ذاتي، وإلاّ. قررت التدريب اليومي صولو، وفجأة تحسنت، وكان لي صولو في العرض الجديد، وانزاحت عني صفة الراقص السيء. ○ ماذا عن دراستك؟ • درست الصحافة والعلوم السياسية في جامعة بير زيت. عملت في التعليم، وفي التطوع. توطدت صلتي بالثقافة عبر الكتابة منذ الصغر في مجلة «يرعات» التابعة لمؤسسة تامر، ومنها راودتني الصحافة. ويراودني طموح السينما. انجازي الشخصي غير منفصل عن وجودي في فرقة الفنون، فجزء من تكويني كإنسان جاء عبرها. دخلت الفرقة سنة 2006 جئت من بيئة مختلفة سياسياً، ولهذا لا أعزل بين أنس الشخص وأنس الفنون، والذي تطور عبرها. مع الفنون رأيت العالم من باب واسع. الفنون تجربة تهز الفرد، ترفع عنه الغبار لتلبسه ثوباً جديداً. ○ بعد النكبة متى وكيف بدأت الفنون الشعبية تجمع شتاتها؟ • بدأت فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية سنة 1979. أما الفنون كتراث فبدأت بعد النكبة وتنامت مع حركة النهوض القومي التي أطلقت مطلب العودة في الخمسينيات. وبدأت تظهر نزعات الهوية الفلسطينية من أغنيات ورقص وسواها، وذلك في محيط عربي كانت تتشكل فيه الهويات ونطق الناس بسوري، لبناني وأردني. حينها بدأ الكلام في التراث في مخيمات اللجوء. ونضجت الأفكار مع ظهور منظمة التحرير. ولعبت مؤسسة الدراسات الفلسطينية دوراً كبيراً في الحديث عن الفنون الشعبية الفلسطينية. ولم تكن فرقة الفنون حصيلة تشتت بل التحام المجتمع وجمع الشتات. وفي الداخل الفلسطيني وجد بناء لتعزيز الهوية الفلسطينية واستعادتها في نهاية الستينيات، وكان الخوف قائما من محوها بعد احتلال الضفة وغزة، بحيث يصبح الفلسطيني عربيا داخل المنظومة الصهيونية. تحصين المجتمع تجلى في المهرجانات الثقافية، وكانت فرقة الفنون هي الأهم، أسسها ثلاثة شباب، سنة 1979 وبعد سنتين انضمت إليها مجموعة صبايا ولا تزال مختلطة. شكلت فرقة الفنون استجابة للواقع. ○ كون الشعب الفلسطيني في غالبيته العظمى لاجئا فهل يقارب الفنون الشعبية بتجل خاص به؟ • طبعاً، ولأنه يرى في الفنون تعبيراً مجازياً عن الفقد الذي يعيشه. ولأن معظم الشعب لاجئ فالتجلّي أعلى بكثير. التواصل مع الدبكة والفنون الشعبية غيبي في مكان ما. ○ بمناسبة 70 سنة على النكبة ماذا عن الفعاليات التي ستؤديها فرقة الفنون وأين؟ • برنامجنا في هذه الذكرى متواصل مع برامج مؤسسات أخرى. في البرنامج جولة عروض في الأردن. جولة عروض في فلسطين ضمن مهرجان التراث. نواصل التدريبات في الأردن، ونبحث في تدريب مجموعات في لبنان. الفنون جزء دائم من كافة النشاطات الوطنية العامة. ○ ما هو شكل تواصل فرقة الفنون مع فلسطينيي الداخل؟ • موجود إنما تعيقه صعوبة حركة مواطني الضفة بالدخول إلى أراضي الـ48. أهلنا هناك يحضرون حفلات رام الله وجنين وغيرها. السعي دائم لتنظيم عروض في الداخل الفلسطيني الذي يضم فرق فنون شعبية نتواصل معها. سبق واتيح لفرقة الفنون المشاركة في جولة عروض سنة 2008 في الجولان السوري المحتل، وفي حيفا. ○ هل يتعامل الاحتلال معكم كفعل عسكري أم ثقافي مناهض؟ • يخشى الاحتلال أي حركة نهضوية للفلسطيني وتربكه. ثقافياً يرفض الاحتلال أي تواصل بين المجتمع الفلسطيني أينما كان، ويرى فيه اختراقاً للقمع الذي يمارسه. يخشى التواصل مع لبنان، وتغيير الصورة النمطية بين اللبناني والفلسطيني. هذا التواصل يعني استعادة الذات ووجود مشروع مشترك بين اللبناني والفلسطيني، وهذا يزعج المحتل. ○ هل يتجسس على نشاطكم؟ • مؤكد. بوستر المهرجان في رام الله جسد هذا العام السلم الموسيقي، وكل نوتة حملت صورة لفلسطيني يمارس المقاومة بضرب الحجر وغيره. بعث الاحتلال برسالة للممول الأجنبي تفيد أن الفرقة تمارس نوعاً من التحريض. ○ أن يمارس سكان الحي الأحمر المهدد بالهدم الدبكة في مواجهة العدو فكم يشكل هذا تحدياً للاحتلال؟ • يرفض الصهيوني أن يمارس الفلسطيني إنسانيته الطبيعية. وفي لحظة القمع الكبرى لتلك الإنسانية يمارس الفلسطيني أعلى درجات الإنسانية عبر الدبكة، فيعرّي المحتل من إنسانيته، وهذا ما يحدث مع السجناء. يحاول السجان تحويل السجين لقاتل وليس مقاتلا. في ظني أن بعض الصهاينة طرح سؤالا «شو عم أعمل هون؟» في مواجهة ردة فعل سكان حي الأحمر. ونحن نعرف أن عدداً كبيراً من الجنود الصهاينة يتعرضون لأزمات نفسية. ○ لنعد إلى الدبكة وهي الأكثر حضوراً في بلاد الشام. ما هي تعبيراتها الاجتماعية؟ • أن يلتقي المجتمع بعضه بالآخر. لقاء الناس وممارستهم لطقوسهم جماعياً، ليس كما مارسها سيدي «جدي» بل كما أعيشها أنا في 2018. لمة الناس يعني تواصلها. ○ وما هي صلتها بالبيئة والأرض؟ • البيئة تشكل الإنسان. حركة الفلاح تختلف عن حركة الصياد. تخلق البيئة حركة ناسها. لاحقاً تحولت الحركة إلى نوع من التواصل سواء على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي أو الغيبي. وبدأت تتشكل الدبكة أي دَبًك الشيء وداس فوقه. الدبكة نوع من التواصل. ○ ما صلة الدبكة بالثائر والشاعر والشهيد ابراهيم نوح؟ • حسب تعبير غرامشي، يشكل ابراهيم نوح نموذجاً للمثقف العضوي. لم يكن المثقف العضوي موجودا في ذهنية الفلسطيني لكنه حضر بالممارسة. كان ابراهيم نوح شاعراً، انضمّ للثورة، واستشهد خلال تهريبه السلاح من سوريا إلى فلسطين على يد الاحتلال الإنكليزي. لإبراهيم نوح إضافة نوعية، نقل الأغنية الفولكلورية البسيطة بتعبيرها المتداول إلى مستوى التحريض السياسي. معه تحول إيقاع الدلعونا إلى أغنية «من سجن عكا» وأغنيات كثيرة صارت هتافات. ما قام به نوح ليس لآخر بعيد عن الثورة. ○ هل فعلاً التجديد ممنوع في الدبكة الفلسطينية خوفاً من ضياع الهوية بعد الأرض؟ • أي خطوة إلى الأمام لتجديد روايتنا تخيف البعض. روايتنا قديمة وصلبة ونحن نبحث في كيفية تقديمها بأسلوب جديد. يرغب البعض في بقائها على حالها، هو موقف طبيعي نتيجة القطع في حياة الفلسطيني الذي تعرض خلال تاريخه لقمع، وبتر الزمن عنده، ولا يزال واقفاً عند الـ48. وهو لا يزال يغني للبيارة والبيت القديم، ولن يجدهما حين يعود لوطنه الذي صار عمارات. لنتفوق على العدو علينا أن نستعيد فلسطين في موقعها اليوم، هذا على صعيد الهوية. ○ هل حضور النساء حيوي في فرق الدبكة؟ • في السبعينيات والثمانينيات كانت فرقة الفنون الأولى تضم صبايا. ولاحقاً صارت الصبايا موجودات في مجموعات أخرى. تقلص هذا الحضور في التسعينيات. ومع انتهاء دور التنظيمات السياسية تنحى دور الفرق جانباً، إنما حافظت فرقة الفنون على حضور الصبايا. وفي بداية 2006 بدأت فرقة الفنون في تأسيس فرق في قرى ومدن الضفة. استهدفت القرى المحافظة نسبياً بشرط أن تكون الفرق مختلطة. في 2018 كل فرقة جديدة تنشأ مختلطة. ○ ثمة توجه للمقاومة السلمية أين يقع فعل الدبكة ضمن الحركة الشعبية الشاملة؟ • الدبكة جزء من المعركة الثقافية والتي هي جزء من المعركة النضالية عموماً. وهنا أستذكر قولاً للدكتور جورج حبش «لا يمكن أن نخسر المعركة الثقافية». ولأن الدبكة تخلق مجموعات بين الناس، فلها خلق نوع من المبادرة لفعل سياسي. وتخلق الدبكة من خلال الأغنيات والمشاركة الاجتماعية والنشاط بشكل عام أسئلة وجودية عن علاقة الفرد بالوطن. أسئلة من الممكن أن تخلق وعياً وتحريضاً من خلال الأغنية بوجه العدو. ○ كيف تحولت فرقة الفنون إلى حركة ثقافية سياسية؟ • بل هكذا كانت منذ البدء. حضورها استجاب لواقع سياسي اجتماعي. كفرقة فنية لديها خطابها السياسي، وليست تنظيماً سياسياً لديه نشاطه الفني. هذا التوازن لا يزال يسيِّر الفرقة. ○ هل نجح الصهاينة في سرقة الدبكة؟ • حاولوا كثيراً. الدبكة أكبر من أن تُسرق فهي ليست فقط فلسطينية بل لبنانية، أردنية وسورية، وحتى عراقية في جزء منها. يحاول الصهاينة دمج ذاتهم في هذه المجتمعات كي يقولوا بوجودهم فيها منذ زمن. صعب على الأوروبي ممارسة رقص ليس من نسيجه. ○ هل لديكم ممول يملي شروطه؟ • لم يجروء ممول حتى الآن. معظم التمويل من القطاع الخاص الفلسطيني. ومنذ 11 سنة نتعاون مع مؤسسة «سيدا» وهي أجنبية ولا شروط سياسية لها. الناس هم الممول الأكبر من خلال شراء البطاقات والإنتاج الخاص بنا. ○ ما هو عددكم؟ • الأعضاء الفعالون 208 أكبرهم 62 وأصغرهم 14 سنة. ○ ماذا عن عرض «طلِت» الذي شهده لبنان؟ • بدأنا التحضير سنة 2012 بالتعاون مع الموسيقي الأردني طارق الناصر، وأنجز في 2014. جمعنا أغنيات من الأرشيف السمعي التابع لمركز الفن الشعبي. منها أغنيات بأصوات سيدات أعيد توزيعها. كما اشتغلنا على حكايات براعم الفنون مع الاحتلال، وتمّ تحويلها إلى قصص درامية، وعرضت بسردية مشاهد من فلسطين. فقد يكون الانتقال من حيفا إلى القدس، غزة وغيرها في رحلة تُعبر عن الأم والأخت والأنثى عموماً في حياة الفلسطيني من خلال قصص براعم الفنون. «طَلَتْ» من الأشياء التي قد تطل من جديد في حياتنا وننتظرها.
أبو عون: نحن نتيجة التحام المجتمع وتعزيز الهوية روايتنا صلبة ولا نخشى التجديد فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية في لبنان تقدم عرض «طلَّت» زهرة مرعي
تفاصيل كثيرة في مشوار المخرج الراحل هنري بركات ربما لا يعرفها غير المتخصصين نوردها في السطور التالية من خلال قراءة في تاريخه وحياته ومحاولة عرض كتاب قديم تحت عنوان «هنري بركات .. نصف قرن من السينما» كانت أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة منذ فترة طويلة، وهو للكاتب والباحث عوني الحسيني، يتناول فيه بالدراسة والتحليل مجموعة من الأفلام المختارة من بين 90 فيلماً قدمها المبدع الكبير للسينما المصرية وباتت من الكلاسيكيات المهمة التي يؤرخ لها وبها باعتبارها علامات دالة على تاريخ فني ما زلنا نعيشه ونستمتع به. وفي إطار التعرض لبركات وأفلامه تضمنت الدراسة توثيقاً لإبداعات أخرى شكلت اللوحة السينمائية على الشاشة وأبرزت مواطن الجمال والتأثير في الأفلام مثل، الديكور والتصوير والمونتاج والمكساج والإضاءة وغيرها من الإبداعات الموازية. الكتاب التذكاري يشتمل على أربعة فصول رئيسية، الأول يتناول السيرة الذاتية للمخرج الكبير، بينما يركز الثاني على الشخصيات التي قابلها الراحل خلال مشواره الفني الطويل، أما الثالث والرابع فقدم الكاتب من خلالهما فيلموغرافيا بركات وأرشيف الصحافة المصرية الذي حوى كتابات نقدية وبعض الصور النادرة وأفيشات الأفلام. يستعرض عوني الحسيني مشوار المخرج من البداية، فهو المنحدر من أصول عربية شامية، جاء والده إلى مصر في عام 1860 أثناء الاضطرابات السياسية التي اجتاحت الشام آن ذاك بسبب الاحتلال التركي للبلاد، واستقرت عائلة الطفل هنري أنطوان بركات الذي كان يدرس والده في كلية الطب وتخرج فيها وعين في وزارة الصحة وترقى حتى صار وكيلاً للوزارة وحصل على «البكوية» قبل أن يولد هنري في الحادي عشر من حزيران/يونيو عام 1914 في حي شبرا والتحق بالمرحلة الابتدائية في مدرسة الفرير في شارع السبع بنات. وانتقل من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية والثانوية ثم أنهى تعليمه الجامعي في كلية الحقوق الفرنسية في المنيرة عام 1935. كان مقرراً لهنري بركات العمل في مهنة المحاماة لكنه لم يفعل وعمل فترة قصيرة كمدرس وسرعان ما تمرد على التدريس لشعوره بأنه مجرد عمل تقليدي. وكما يذكر الحسيني، كان الريف سر التحول في مسار الشاب الرومانسي، حيث ذهابه المتكرر لعزبة والده في الفيوم جعله يقترب من واقع الفلاحين البسطاء ويعرف الكثير عن حياتهم مما أوحى إليه بفكرة فيلم «الحرام» المأخوذ عن قصة الكاتب الكبير يوسف ادريس والذي أنجز بالفعل وكان علامة فارقة في مشواره الفني. وفي صيف عام 1934 بدأ تصوير فيلم «عنتر أفندي» الذي كتب له القصة زكي صالح وأخرجه استيفان روستي وهو من قام بالبطولة مع سميرة خلوصي، ويعتبر بركات هذه التجربة فاشلة تماماً للمبالغة الشديدة في أداء الأبطال لهذا لم يدرجها ضمن تجاربه المهمة وظل يتجنب الحديث عنها. سافر المخرج الكبير إلى باريس لدراسة السينما، ولكنه لم يوفق في الحصول على شهادة واكتفى بما حصله من علوم ومعارف في المجال الذي أحبه وتفانى فيه، ويقول بركات عن نفسه إنه أدرك أثناء تصوير فيلم «الورشة» الذي عمل فيه مع استيفان روستي وعزيزة أمير ما لم يدركه من خبرات طوال سنوات الدراسة في باريس، حيث التجربة العملية كانت هي الدرس الأهم المستفاد منه في السينما والإبداع والتعرف على كل التخصصات السينمائية والإلمام بها بدءاً من مهنة مساعد المخرج والإنتاج والإخراج، مروراً بكل الجوانب الأخرى، بما فيها فن التصوير والتحميض. ولم يزد أجر المخرج الذي صار فيما بعد علماً من أعلام السينما المصرية والعربية في الفيلم الأول له عن 30 جنيهاً وهو صانع الروائع السينمائية المبهرة، «الشريد» و»المتهمة» و»العقاب» و»لحن الخلود» و»دعاء الكروان» والأخير كما هو معروف للنجمة فاتن حمامة التي كان يتفاءل بها ويعتبرها صاحبة الفضل في نجاح أفلامه وسر تميزها.
مخرج «دعاء الكروان» هنري بركات صفحة من تاريخ السينما المصرية
لندن ـ «القدس العربي»: تضاعفت فرصة التغيير الصحي «الضرورية» جدا لعالم كرة القدم، أكثر من أي وقت مضى، بإدخال معايير جديدة على نظام وشروط اختيار الفائز بجائزة أفضل لاعب في العالم من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي أعلن بدوره قائمة العشرة المتنافسين على جائزة «The Best» التي لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها طوال العشرية الأخيرة المُدونة باسم الثنائي الأفضل في العصر الحديث، وربما في كل عصور الساحرة المستديرة، كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي.
ما الجديد؟
اعتدنا على مدار السنوات الماضية، سواء قبل أو بعد انفصال «الفيفا» عن «فرانس فوتبول»، أن يبدأ السباق على الجائزة الفردية الأهم على مستوى العالم، بإيقاع بطيء جدا، بإعلان عريضة أولية وليست قائمة أولية، من 25 لاعبا تقلصت في ما بعد لـ23، وأحيانا أخرى الى 21 لاعبا، إلى أن يتم الاستقرار على العشرة الأوائل، ومعروف مُسبقا بنسبة تزيد على 90٪ أسماء القائمة النهائية المختصرة، بوجود رونالدو وميسي وأي لاعب آخر، علما أن العمل على اختيار لاعب العام، كان يبدأ في نهاية كل عام، وحفل توزيع الجوائز كان يُنظم في بداية العام الجديد، حتى الاختيار كان يتوقف على ما قدمه اللاعب على مدار عام (من يناير لديسمبر)، بخلاف العشوائية في نظام التصويت بدمج أصواب قادة ومدربي منتخبات العالم ومجموعة النقاد المُعتمدين وقدامى النجوم، أما هذا العام الأمر يبدو مختلفا 100٪ ، ببداية أقل ما يُقال عنها جادة، عكست ملامح اكتمال الخطة طويلة الأجل التي وضعها المدرب جاني انفانتينو منذ وصوله لسدّة حكم اللعبة الشعبية الأولى خلفا لمواطنه جوزيف بلاتر، وهذا يظهر بوضوح في التخلص من روتين عريضة الـ25 لاعبا، والاكتفاء بقائمة نارية من 10 لاعبين، منهم على الأقل خمسة يستحقون التواجد في القائمة المختصرة للثلاثي الذي سيستمر للنهاية. ذاك الرجل المُبتسم دائما وأبدا بصلعته البيضاء، أراد ترك بصمته منذ يومه الأول في المؤسسة المتحكمة بكرة القدم، بعيدا عن الشفافية التي يتعامل بها بإدخال أفكار جديدة تتماشى مع العصر الحديث، كما فعل في نظام اختيار البلد المُنظم لكأس العالم، بتحويله من مُجرد قرار في يد اللجنة التنفيذية لقرار مصيري تُشارك فيه كل اتحادات العالم. أيضا نجح في إحداث ثورة هائلة في نظام اختيار أفضل لاعب في العالم، بتقسيم الأصوات بنسبة 25٪ موزعة بين قادة منتخبات العالم ومدربيهم والنقاد الصحفيين واللجنة الفنية (نجوم العالم) وأصوات الجماهير التي دخلت اللعبة العام الماضي، لكن الجديد هذه المرة، أن الاختيار سيتم بناء على ما قدمه اللاعبون مع منتخباتهم وأنديتهم منذ يوليو/ تموز الماضي وحتى وقت إعلان قائمة العشرة المُرشحين الأسبوع الماضي، ما يعني أن أي إنجاز سيُحققه أحد المُرشحين حتى موعد الحفل الذي ستستضيفه لندن في 24 من سبتمبر/ أيلول، سيكون مُجرد تحصيل حاصل، وهذه واحدة من التعديلات، التي لا تصب نهائيا في مصلحة رونالدو وميسي أكثر من أي لاعب آخر.
بالمنطق!
صحيح نظام التصويت سيتم بنفس طريقة العام الماضي، بالتوزيع بنسبة 25٪ ، لكن الفارق هذه المرة، أن الفيفا وضع الفترة الزمنية المُحددة التي يتم من خلالها التصويت، على عكس الوضع في 2017، حيث كان المجال مفتوحا نوعا ما، لضيق الوقت لتنفيذ خطة انفانتينو من أجل تعديل موعد الحفل السنوي لتوزيع الجوائز، ليكون التقييم بداية من 2018 كما تقضي الخطة، بناء على ما قدمه اللاعب طوال الموسم الكروي وليس العام الميلادي، والدليل على ذلك إقامة الحفل مرتين العام الماضي، بتسلم رونالدو الجائزة الخاصة بعام 2016 في يناير 2017 وجائزة العام الأخير في اكتوبر! وهذا ساعد الدون كثيرا للظفر بجائزته الشخصية الخامسة، بفضل أهدافه الحاسمة في دوري الأبطال والمباريات الكبرى في الليغا وكأسي السوبر الأوروبية والمحلية، وليس بثبات المستوى لأنه قضى بداية العام في اجازة. أما بعد اكتمال خطة انفانتينو هذا العام، ودعمها بشروط جديدة مثل ضرورة التألق فرديا وجماعيا مع النادي والمنتخب على مدار موسم كامل، والتشديد على أهمية سلوك اللاعب داخل الملعب وخارجه، جعل فرص رونالدو وميسي بالكاد متساوية مع خصومهم وربما أقل من واحد أو اثنين على أقل تقدير… كيف؟ دعونا نستعرض ملف كل مُرشح من قائمة العشرة على حدا بنظرة سريعة على أرقامه وموسمه بوجه عام سواء مع ناديه أو منتخب بلاده.
العائد من بعيد
أقل وصف للمدافع الفرنسي رافاييل فاران، عشاق الريال يعرفون جيدا أن موسمه مع الفريق لم يكن مثاليا، حتى أن بعض جماهير الميرينغي اعتبرته الحلقة الأضعف في دفاع النادي في أغلب فترات الموسم الماضي، لكن فجأة، تّحول لوحش كاسر عندما لعب إلى جانب صامويل أومتيتي بقميص فرنسا في نهائيات كأس العالم، ولم يكتف بمساعدة الديوك على الخروج بشباك نظيفة أمام أوروغواي وبلجيكا في مراحل خروج المغلوب، بل تكفل بتسجيل هدف حاسم أمام منتخب الثعالب، الذي يملك أقوى خطوط الدفاع في العالم، وبوجه عام، كان أحد أفضل لاعبي فرنسا في المونديال، وبجانب فوزه بدوري أبطال أوروبا، لن تكون مفاجأة إذا فاز بالجائزة، على غرار ما فعله فابيو كانافارو في عام تتويج إيطاليا بكأس العالم 2006. الانكليزي الجلاد
قدم هاري كاين موسما جيدا مع توتنهام، ورغم نجاحه في الوصول لأعلى معدل أهداف في موسم واحد في البريميرليغ، بتسجيل 30 هدفا، إلا أن جائزة الحذاء الذهبي للدوري ذهبت للفرعون المصري محمد صلاح بفارق هدفين، مع ذلك حصل على تعويض أفضل، بالفوز بجائزة هداف كأس العالم بستة أهداف، مع رد عملي على كل من ينتقده بالتسجيل من ركلات جزاء وكرات ثابتة، بتسجيل هدفين من هجمات ولعب مفتوح، لكن يُعاب عليه أنه لم يستكمل المونديال بنفس القوة التي بدأها، خاصة بعد الخروج المُبكر لرونالدو وميسي، لذا يُعتبر من الفئة الأقل حظًا.
السهم الأشقر
بدون كيفن دي بروين، كان من الصعب جدا أن يُحقق مانشستر سيتي كل هذه الأرقام القياسية التي خرج بها بيب غوارديولا من موسمه الثاني في بلاد الضباب، فقط سجل ثمانية أهداف وقدم لرفاقه 16 تمريرة حاسمة ساهمت في حصول السيتي على اللقب بـ100 نقطة، ولولا انفجار محمد صلاح بشكل لا يُصدق في نهاية الموسم، لفاز الدولي البلجيكي بجائزة لاعب العام في إنكلترا، حتى في كأس العالم، لعب دورا مهما في حصد الشياطين الحمر أول ميدالية في المونديال، وشاهدنا ما فعله في ليلة القبض على البرازيل، ليقود بلاده للدور نصف النهائي، ثم بعد ذلك الفوز على الإنكليز في مباراة تحديد المركز الثالث والميدالية البرونزينة، ووجوده في القائمة المختصرة، لن يكون مفاجأة.
كرويف الشرق
لوكا مودريتش أحد أهم القطع الثابتة في مشروع زين الدين زيدان الذي كلل نجاحه بالاحتفاظ بالكأس ذات الاذنين ثلاث مرات متتالية، وحتى نعرف قيمته، فقط علينا مشاهدة مباريات الريال بدونه، ستُلاحظ مدى معاناة اللاعبين لإخراج الكرة بسهولة وأريحية من منتصف الملعب للثلث الأخير من مناطق الخصوم، ومودريتش، قادر على فك طلاسم الدفاعات بتمريرة واحدة، لرؤيته وموهبته العبقرية في التمرير، لكن واقعيا، من الصعب اعتباره مٌرشحا قويا أو منافسا حقيقيا لرونالدو أو ميسي، بعد عودته إلى وطنه بدون كأس العالم.
الجناح العجيب
فرص ايدين هازارد لا تقل كثيرا عن دي بروين، الاستثناء الوحيد بينهما، أن موسم هازارد مع تشلسي لم يكن جيدا بما فيه الكفاية باستثناء الفوز بكأس إنكلترا على حساب اليونايتد في نهائي «ويمبلي»، أما في كأس العالم، فنجح في التعبير عن نفسه كما ينبغي، وكأنه يقول لفلورنتينو بيريز لا تُكلف نفسك عناء البحث عن خليفة رونالدو، بتسجيل ثلاثة أهداف والقيام بأكبر عدد مراوغات بواقع 40 مراوغة ناجحة، فقط مارادونا هو من تخطى حاجز الـ40 مراوغة في مونديال واحد، عام 1986، لكن مشكلته الوحيدة، تكمن في ابتعاده عن الأضواء وقلة وضعف نشاطاته التجارية والتسويقية مثل نيمار ورونالدو وميسي ومؤخرا صلاح، وهذا في حد ذاته، يُقلص فرص تواجده في القائمة المختصرة، على الأقل لحين أن تتوسع أعماله وشهرته واسمه كعلامة تجارية إذا قُدر له الذهاب لريال مدريد هذا الصيف.
القاتل الأنيق
العقل المُدبر وحامل أختام الحملة الفرنسية في مونديال روسيا، أنطوان غريزمان الذي كان أشبه بالكابوس في دفاعات منافسي الديوك، بتحركاته ونشاطه في الثلث الأخير، وإبداعه في التصرف بالكرة في الهجمات المعاكسة مع الاستغلال المثالي لركلات الجزاء التي صنعت الفارق لفرنسا في البطولة، وبخلاف دوره الكبير في فوز بلاده بكأس العالم، فهو أيضا صاحب الفضل الأكبر في تتويج أتلتيكو مدريد بالدوري الأوروبي بالفوز على مارسيليا في النهائي بهدفيه، ليُنهي موسمه مع الهنود الحمر بـ29 هدفا ومع فرنسا سجل 4 أهداف وصنع اثنين في المونديال، علما أنه حافظ على مستواه في القمة في أغلب فترات الموسم، ويُسانده إعلام مؤثر في أوروبا وملايين المتابعين عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، على عكس وضع إنييستا وشنايدر عام 2010، لذا إن لم يفز بالجائزة وهذا أمر مُستبعد، فعلى الأقل سيكون أحد الأضلاع الرئيسية في القائمة المختصرة.
ملك مصر
لم يتوقع أكثر المتفائلين أن يتوهج محمد صلاح بهذه الصورة مع ليفربول، يكفي فقط أنه منذ بداية البريميرليغ بنظامه ومسماه الحديث، لم يُسجل أي مهاجم أكثر من 31 هدفا في 38 مباراة، فقط آلان شيرر وكريستيانو رونالدو ولويس سواريز سجلوا 31 هدفا، إلى أن جاء صلاح ليُصبح الهداف التاريخي بـ31 هدفا، هذا ولم نتحدث عن عشرات الجوائز التي احتكرها طوال موسمه الاستثنائي، منها على سبيل المثال أفضل لاعب في الدوري من رابطة اللاعبين، والنقاد والشركة الراعية للمسابقة، أمر لم يفعله أي لاعب من قبل، فضلاً عن الدور الكبير الذي لعبه في وصول ليفربول لنهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ 11 عاما، ولولا إصابته في الكتف، لما فاز الريال بكل هذه السهولة على الريدز في نهائي «كييف»، حتى وهو مُصاب تكفل بتسجيل هدفي منتخب بلاده في المونديال. لذلك أبسط شيء يُمكن قوله وفقا لمعايير الفيفا والشروط الجديد، ان صلاح وغريزمان أقوى وأبرز مُرشحين لإنهاء زمن احتكار ميسي ورونالدو.
البرغوث
على أرض الواقع وبلغة الأرقام الفردية، فميسي هو الأفضل بدون منازع، نتحدث عن هداف الدوريات الخمس الكبرى صاحب جائزة الحذاء الذهبي، وعلى المستوى الجماعي، فاز مع البارسا بالليغا بدون هزيمة واحدة، بجانب اللقب المُفضل في السنوات الماضية كأس إسبانيا، في المقابل، ودع دوري الأبطال من الدور ربع النهائي، ومع منتخب الأرجنتين قدم كأس عالم للنسيان، لذا، فرصه هذه المرة أقل من أي وقت مضى في العقد الأخير.
الفونومينو
كيليان مبابي نسخة طبق الأصل من الظاهرة رونالدو في منتصف التسعينات، ربما موسمه الأول مع باريس سان جيرمان كان جيدا إلى حد ما بتسجيل 21 هدفا، لكن على المستوى الدولي كان وضعه مختلفا، بومضات التألق التي جعلته يُذكر العالم بالأسطورة بيليه عندما كان في نفس سنه وقاد البرازيل للفوز بكأس العالم 1958، وإن كان صلاح وغريزمان من أقوى المُرشحين للفوز بالجائزة، فحظوظ مبابي لا تقل عنهما، بل ربما تزيد.
صاروخ ماديرا
أحد العقبات التي تواجه كريستيانو رونالدو بدايته البطيئة مع ريال مدريد، بعد معاقبته بالإيقاف 4 مباريات، وضعف معدله التهديفي، لدرجة تسجيل هدفين فقط في الليغا حتى أعياد الميلاد، وهناك عقبة أخرى قد تكون سببا في حرمانه من الجائزة السادسة في مسيرته، وهي قضايا التهرب من دفع ضرائب بأكثر من 14 مليون يورو، والتي يُقال أنها من أسباب رحيله عن الريال، وهذا استنادا لمعيار سلوك اللاعب خارج الملعب، أما داخل الملعب، فحدث ولا حرج عن أرقامه التي تتحدث عنه، منها على سبيل المثال اعتلاء صدارة هدافي دوري أبطال أوروبا للعام السادس على التوالي، وتسجيل 15 هدفا في موسم التتويج بالكأس ذات الاذنين للمرة الثالثة على التوالي والرابعة في آخر 5 سنوات، كما أنه عاد بقوة لمنافسة ميسي على الهداف في نهاية الموسم، وأيضا أبلى بلاء حسنا مع البرتغال في كأس العالم، بتسجيل 3 أهداف هاتريك في أول مباراة ضد إسبانيا وهدف آخر في المغرب، لكن في النهاية خرج مُبكرا من الدور ثمن النهائي، وقبلها خرج خالي الوفاض مع الريال على مستوى الألقاب المحلية، فقط اكتفى بالأبطال، مع ذلك لا يُمكن الاستهانة بحظوظه وعلى الورق يبدو مُرشحا فوق العادة جنبا إلى جنب مع الثلاثي مبابي وغريزمان وصلاح أو فاران… فهل سيتغير وجه الفائز بالجائزة للمرة الأولى منذ عام 2008؟ أم ستستمر سطوة ليو والدون؟
بعد ظهور نوايا الفيفا… من سيكسر شوكة رونالدو وميسي؟
هاجت وماجت أقلام الكتاب وكلمات المعلقين وأراء النقاد، على كلمات النجم الالماني مسعود أوزيل خلال الاسبوع الماضي، بعد اعلان اعتزاله الدولي مع المنتخب الالماني منتقدا المسؤولين في الاتحاد الكروي بوابل من الاتهامات العنصرية، ليفتح باباً لم يكن يتوقعه ساخناً. العالم كله تحدث عن أوزيل، مثلما تحدث عن كريستيانو رونالدو في الاسابيع التي سبقت تغريدات النجم التركي الاصل، لكن ما أثقلها من مهمة عندما تختلط الاراء السياسية بالرياضية، ويبدأ الجميع الادلاء بدلوه، رغم ان كل ما فعله نجم أرسنال الانكليزي هو التغريد بكلمات بسيطة على «تويتر»، قد تكون خلال لحظة غضب او استياء، فهي لم تأت خلال حوار صحافي ولا تليفزيوني، لكن رد الفعل الكبير كان وكأن العالم كله، والالمان على وجه التحديد، ينتظرون أمراً كهذا، لان الجميع يحمل في صدره ما يضيق عليه، وحانت الفرصة للتنفيس. الصورة الشهيرة لأوزيل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كانت الشرارة التي اشعلت الموقف، ومع ذلك، ولان هذه مجرد زوبعة في فنجان، لم تكن المرة الاولى التي يلتقي فيها أوزيل مع رئيس بلده الاصل، لكن لو عادت هذه الصورة الى الوراء 4 سنوات عندما توج المنتخب بطلاً للعالم، لما حدث أي شيء مما تفيض به الامة الالمانية اليوم، من غضب وتبريرات مع وضد، لان ببساطة أموراً كثيرة تغيرت في هذه السنوات، فرد الفعل على هذه الصورة كان ليكون منطقيا لو توقف عند لفت نظر واستفسار من الالمان، مسؤولين كرويين او سياسيين، لكن الامور تصاعدت عقب الاخفاق المذل للمنتخب الالماني في المونديال الروسي، وجاءت الخسارة الاخيرة امام كوريا الجنوبية لتشكل القشة التي قسمت ظهر الديموقراطية الالمانية، وظهرت تعبئة مستترة عكستها صعود التيارات اليمينية المتطرفة، مع طفرة استقبال مئات الآلاف من المهاجرين في السنوات والشهور الاخيرة، والتي انقلبت فجأة من مرحبة ومتفهمة للاحوال المآساوية التي يعيشها القادمون الجدد في بلدانهم، الى ناقمة ورافضة بعد العديد من الاحداث المؤسفة والمتنوعة في المدن والشوارع الالمانية قادت الى شكوى الاهالي والمواطنين، لترتفع حدة اصوات الرافضين والناقمين، بل الساعين الى اثبات فشل هذا الاندماج. اذا عدنا الى الصورة سنجد ان صاحب الموقف الأكثر اثارة للاستياء، كان النجم الالماني من اصل تركي الآخر، ايلكاي غندوغان، وهو الذي رفع قميصاً كتب عليه «هذا رئيسي» وأهداه الى أردوغان، لكن الغضب انصب على اوزيل، النجم الاكبر، وصاحب الـ72 مليون متابع على مواقع التواصل الاجتماعي، لانه لم يعتذر مثل غندوغان، بل كشف وجها خفيا للألمان. الالمان لم يتعاملوا مع الموقف كالمانشافت او الماكينات، وهو اللقب الذي اشتهر به منتخبهم، اي بانضباط ودقة واقتدار، بل بعشوائية وعنفوانية وبعض الهمجية، فأراء خبراء كرة القدم كانت تركز على خسارة موهبة مثل أوزيل لن يستفيد منها المنتخب الالماني، في حين كانت الآراء السياسية مختلفة، بل نهشت بالنجم التركي الاصل، وحتى بعض مسؤولي الاتحاد الالماني لكرة القدم، وابرزهم رئيسه راينهارد غريندل أخفق في التعامل مع الامر وصب جام غضبه على أوزيل، كونه هو معرض للاقالة بعد الاخفاق المونديال، فكان له نصيب كبير من انتقادات أوزيل وهجومه الحاد، فقال اللاعب: «عندما حاولت أن أشرح لغريندل تراثي وأصلي والسبب وراء تلك الصورة، كان أكثر اهتماما بالحديث عن آرائه السياسية والتقليل من رأيي. لن أكون بعد الآن كبش الفداء لعدم كفاءته وعجزه عن القيام بعمله بشكل صحيح… في أعين غريندل ومؤيديه، أكون ألمانياً عندما نفوز وأكون مهاجرا عندما نخسر. رغم أنني أدفع الضرائب في ألمانيا وأتبرع بمنشآت لمدارس ألمانية وفزت بكأس العالم 2014، ما زلت مرفوضا من المجتمع.» هذه الكلمات الاخيرة هي شعور طبيعي للاعب تعرض لهجوم قاس من بلد رعته وعلمته وفتحت له أبواب الشهرة، وفي المقابل أخفق الالمان في رؤية براءة فعل أوزيل، واصروا على تضخيم الأزمة، لكنها ذكرتني بحادثة أصبحت طرفة كلما تستضيف ويمبلدون بطولة التنس الشهيرة، حيث يبحث الانكليز عن نجم يمت لهم ليشجعوه، فكان لأندي مري نصيب الأسد في السنوات الاخيرة، لكن كانت التعليقات الساخرة دائما تذكر بأن الانكليز يعتبرون مري نجما بريطانياً عندما يفوز ولاعب اسكتلندي عندما يخسر.
تونس ـ «القدس العربي»: أصبح العنف في الملاعب ظاهرة لافتة في تونس، انتشرت في السنوات الأخيرة إلى درجة مثيرة للقلق في الوسط الرياضي و خارجه. فلا يكاد يخلو أسبوع من حصول كوارث وخسائر مادية وبشرية في هذا الملعب الرياضي أو ذاك، وفي شتى مناطق الجمهورية بدون استثناء، ولدى جماهير مختلف الأندية سواء تلك التي تصنف على أنها كبرى أو لدى غيرها من الجماهير. ولا يقتصر الأمر على المتفرجين، أو بينهم و بين رجال الامن، بل يتجاوزهم إلى اللاعبين داخل الملاعب في علاقة بالمنافس وبالتحكيم وحتى بالإعلاميين. فأينما وليت وجهك في الملاعب التونسية إلا وطالعك العنف المستشري الذي أرق المضاجع ولفت انتباه مراكز الدراسات بحثا عن الحلول. ولعل حادثة الطفل عمر الذي ينتمي إلى جماهير النادي الإفريقي، والذي فارق الحياة في الآونة الأخيرة غرقا بوادي مليان المجاور لأكبر الملاعب التونسية، ملعب رادس، تبقى الحادثة الأكثر إيلاما لعشاق الرياضة في تونس. فقد حصلت أحداث شغب في مدرجات ملعب رادس بمناسبة إحدى مباريات النادي الإفريقي، ولاحقت قوات الأمن مشجعي الإفريقي بدون تمحيص بما في ذلك الطفل عمر الذي فر إلى الوادي المذكور وغرق، واتهم أمنيون بالتخاذل وعدم مد العون له لإنقاذه.
موروث قديم
الحقيقة أن العنف في الرياضة التونسية ظاهرة قديمة تعود إلى ما قبل سنة 2011، لكنها زادت بعد هذا التاريخ. ففي سنة 1971 حصلت أحداث عنف كبيرة في ملعب المنزه بالعاصمة، بمناسبة لقاء الدور النهائي لكأس تونس الذي جمع الترجي الرياضي بالنادي الصفاقسي. وعوقب الترجي بالحل بسبب أحداث العنف التي تسببت فيها جماهيره، ما اضطرها إلى التظاهر استنجادا بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي كان يتداوى خارج الديار وأعاد الأمور إلى سيرتها الأولى عند عودته. وفي هذا الإطار يقول الطاهر بلخوجة وزير الشباب والرياضة في ذلك الوقت في كتابه الحبيب بورقيبة سيرة زعيم شهادة على العصر: «في 13 يونيو/ حزيران 1971 وقع حادث خطير أثناء مباراة بين الترجي بالعاصمة والنادي الصفاقسي. و كالعادة أثارت المقابلة العواطف الجهوية و الحساسيات المحلية، وكان أنصار كلا الفريقين متحمسين لدرجة عدوانية. فجاء خلاف في التحكيم على حساب الترجي فاندلعت المعركة وتحول غضب أنصاره ضد المنصة الرسمية، حيث كنت حاضرا إلى جانب الوزير الأول. فأخذوا يصيحون و يقذفوننا بالحجارة و شقف القوارير، وأوشكت أن تصيب وجه الوزير الأول وجرحت يد أحد الحراس. فهاج وماج الملعب وعمت الفوضى. فلذنا بالفرار تحت حماية رجال الأمن. واندفع الشبان الخارجون من الملعب وأخذوا يخربون كل شيء في جنون. وإثر ذلك تم حل الترجي الذي كان يرأسه علي الزواوي صديق الوزير الأول الحميم». وفي زمن بن علي حصلت أحداث عنف رياضية كثيرة لعل أشهرها تلك المعركة التي حصلت بين جماهير الترجي والنجم الساحلي في الطريق السيارة (الأوتوستراد) الرابط بين مدينتي تونس وسوسة، وتحديدا في إحدى محطات الإستخلاص لمعاليم الطريق السيارة. والغريب أن المعركة اندلعت رغم أن الفريقين لا يتباريان ضد بعضهما بعضا، فجماهير الترجي كانت في المنستير القريبة من سوسة لمواكبة مباراة فريقها مع الإتحاد المنستيري، وكانت عائدة من جهة الساحل التي تقع فيها سوسة، معقل النجم، باتجاه العاصمة، والنجم كان يتبارى في العاصمة مع نادي حمام الأنف وجماهيره عائدة من العاصمة إلى سوسة. والتقى الطرفان عند تلك النقطة وحصل ما لم يكن في الحسبان من رعب وترويع لمستعملي الطريق من العائلات، نتيجة للمعارك الطاحنة بين جماهير الفريقين. وتسببت المعركة في خسائر بالجملة في الممتلكات العامة والخاصة وفي أضرار بشرية تفوق الخيال والوصف، الأمر الذي استدعى تدخل السلطات التي ضربت بقوة على أيدي العابثين من جماهير الفريقين.
حاضر أليم
بعد «ثورة» 14 يناير/كانون الثاني 2011 استفحلت ظاهرة العنف في الملاعب أكثر فأكثر، حتى أصبح هذا العنف ملازما لمباريات البطولة التونسية (الدوري) في أغلب ملاعب الجمهورية، بعدما كسر التونسيون حاجز الرهبة والخوف من السلطة. ولعل بروز ظاهرة المجموعات داخل جماهير النادي الواحد ساهمت بدورها في تزايد العنف، فأصبحنا نرى اشتباكات بين مشجعي الفريق ذاته فيها الكثير من الحقد والكراهية والشر الذي لا يضمره حتى العدو لعدوه. فكثيرا ما يتم تهشيم كراسي الملاعب والتجهيزات والبنى التحتية الرياضية من قبل الجماهير، حتى أن المشرفين على أكبر الملاعب التونسية، ملعب رادس، قرروا عدم تركيب الكراسي في المدارج الخلفية بعدما تم اقتلاعها مرات عدة من جماهير النادي الإفريقي. وفي هذا الإطار يرى الباحث والأكاديمي التونسي مروان السراي في حديثه لـ«القدس العربي» أن فساد المنظومة الرياضية التونسية ساهم بدوره في استشراء العنف في الملاعب بسبب الإحساس بالظلم المسلط، ما يعرف بالأندية الكبيرة على بقية الأندية التي تعمل وتجتهد ليتحكم بمصيرها بالنهاية قرار تحكيمي ظالم أو غير مسؤول ينحاز للاندية «الكبرى». فالمنظومة الرياضية الحالية ترسخت بداية من سنة 1990، وفرضت أن تكون هناك أربعة أندية كبيرة دون غيرها، وسطروا لها قدرها وهو فوزها دون سواها ببطولة الدوري مستفيدة من ضخ أموال كبار رجال الأعمال ومن هدايا الاتحاد التونسي لكرة القدم ولجنة التحكيم. فكان الكأس في بداية إنشاء هذا النظام الرياضي الذي بقي يراوح بين الإحتراف والهواية، ملاذ ضعاف الحال والمتضررين من المنظومة الجديدة للانتشاء بطعم الفوز بالألقاب. فاستطاع الملعب التونسي مثلا والنادي البنزرتي ومستقبل المرسى والأولمبي الباجي وغيرهم الفوز بالكأس إلى حدود اندلاع شرارة «الثورة». ويضيف: «اما في هذه المنظومة الأفسد التي برزت بعد 14 يناير/كانون ثاني 2011 صار الكأس وعلى غرار الدوري، غاية لا تدرك خارج إطار الرباعي (الترجي والنجم الساحلي والإفريقي والصفاقسي). فلا يجوز لناد من خارج هذا المربع السياسي بالدرجة الأولى ان ينعم بالأميرة، كما يسمونها في تونس. لقد أصبحت الكأس وسيلة لترضية من حرموه أو من حرم نفسه من الفوز بالبطولة، أو من هو راغب في إنقاذ موسمه أمام جماهيره الغاضبة. فلا يتصور عاقل أن المنظومة القائمة ستترك أندية مثل البنزرتي والملعب التونسي تفوز بكأس تونس رغم عراقة هذين الناديين اللذين فازا بالألقاب الخارجية قبل الكل وحرموهما من حقهما في ان يكونا كبيرين بقرار سياسي في زمن كان فيه بعض ممن يحسب اليوم على الرباعي الكبير يلعب من أجل تفادي النزول، وألقابه لا تكاد تذكر بالمقارنة مع الملعب التونسي والنادي البنزرتي. فهذه المنظومة التي يعرف فيها قبل بداية الموسم من هو البطل ومن صاحب الكأس ومن سيشارك في المسابقات القارية ومن سينجو من النزول إلى الدرجة الأقل، هي التي تخلق الشعور بالظلم لدى المشجعين. وفي غياب الثقة ومع صافرة خاطئة من حكم، تلتهب المدرجات سباً وقذفاً وشتما ورميا للقوارير والحجارة وتحصل الإشتباكات بالأيدي وتتهشم التجهيزات الرياضية وتحصل المأساة».
الانتقال من المنظومة الى الشبكات
من جانبه، اعتبر الكاتب التونسي المختص في علم الإجتماع هشام الحاجي في حديثه لـ«القدس العربي» أنه نادرا ما يدرك المتابعون للشأن التونسي من الخارج الاهمية المحورية للرياضة في البناء السياسي والمجتمعي التونسي. فليست الرياضة عنصرا دخيلا على هذا البناء، لأنها مثلت مجالا من مجالات حركة التحرر الوطني بعدما جعل منها الاستعمار الفرنسي أداة من أدوات بسط الهيمنة. ذلك ان فرنسا الاستعمارية كانت، ، بحسب الحاجي، أمة رياضية بامتياز وليس من قبيل الصدفة ان تكون وراء ابتكار مسابقة كأس العالم في سياق الصراع المحتدم آنذاك مع انكلترا، واعادة احياء الالعاب الاولمبية تأكيدا على دور فرنسا في نشر القيم «الكونية» للحضارة الغربية. ويضيف: «لقد ادرك الحبيب بورقيبة ذلك فوظف الرياضة من اجل مواجهة المستعمر الفرنسي وأيضا لبناء «منظومة « دولة الاستقلال. وما لا يعرفه الكثيرون أن الحبيب بورقيبة أشرف بشكل مباشر على عملية اختيار رمز أول كأس لتونس بعد الاستقلال، على أن يعود به بنفسه من باريس. ونجحت دولة الاستقلال في ادماج الرياضة في منظومتها السياسية وجعلت منها أداة من أدوات تكريس «شرعيتها» وأيضا «مرآة» لتعثراتها وهو ما جعل العنف حدثا نادر الوقوع في ظل حكم بورقيبة (1956-1987)، لكنه ذو دلالة، اذ أشار الى التوتر بين الجهات وايضا الى بداية تنامي الشعور بخيبة الامل من دولة الاستقلال. وما قلص من العنف أن الجمهور كان يعتبر ارتياد الملاعب أداة من أدوات «التماهي» مع النموذج الاجتماعي الذي روجت له دولة الاستقلال. ولم تتغير الاوضاع كثيرا في بدايات حكم زين العابدين بن علي (1987-2011) اذ ادمجت الرياضة في منظومة السلطة و بنيتها الدامجة. لكن العنف في الملاعب أخذ يظهر في سياق ما عرفه المجتمع التونسي في سياق التحولات التي سبقت ومهدت لزلزال 14 يناير 2011، وهي تحولات وظفت «الشبكات» لتدمير «المنظومة». فقد فرضت العولمة تحولات لافتة من خلال الثورة التقنية زادت من أهمية التواصل الافتراضي وفتحت الباب امام دور اكبر «للقبلية الجديدة». وتزامنت هذه الثورة مع وصول النموذج التنموي في تونس الى مداه وهو ما تجلى في تنامي بطالة أصحاب الشهادات العليا وأيضا في ضعف قدرة الدولة على الادماج السياسي والثقافي».
تشبيك المجتمع
وأضاف الحاجي أن هذه الوضعية التي فرضها «تشبيك المجتمع» كانت وراء ظهور مشجعين من نوع جديد وجدوا ضالتهم في ثقافة «مجموعات المغالين» التي انتشرت في العالم والتي لا تقوم على التماهي بل على الرفض والاحتجاج وتتبنى تصورات فوضوية رافضة للسلطة ومناهضة لها. وتعمقت النزعة الرافضة للادماج بتنامي دور المال في الرياضة وخاصة في كرة القدم. ويضيف: «من هنا توفرت «المعطيات الهيكلية» المساعدة على نمو «بذرة العنف». ذلك أن المال يزداد سطوة و نفوذا في كرة القدم التونسية ونفوذ «المجموعات» يتنامى في ظل عجز الحكومات المتعاقبة منذ يناير 2011 على وضع سياسات تعيد مد جسور التواصل مع الشباب، علاوة على ان التجاذبات السياسية تزيد من حدة المراهنة على شباب الملاعب في «تكتيكات» ازعاج هذا الخصم السياسي او ذاك». ويرى الباحث التونسي في علم الاجتماع ان ثقافة «الشبكات» لا تنشر الا العنف و»تذرر الكيان المجتمعي» الى افراد معزولين أو «قبائل» من الرحل عبر المعاني، وهؤلاء يعتبرون أحيانا ان العنف هو شكل من اشكال اثبات الذات، علاوة على انهم يؤمنون بأن العولمة أفسدت الرياضة وأغرقتها في أسر المال وهو ما يدعو الى العمل من أجل «تحريرها»، على حد قوله. من جهته شدد مدير مرصد الشباب الباحث محمد الجويلي لـ«القدس العربي» على أهمية إنشاء ديناميكية معرفية في التعامل مع ظواهر العنف في الرياضة، من أجل إيجاد حلول لهذه الظواهر المعقدة والخطيرة. وقال ان العنف ليس فقط ما تنقله شاشات التلفزيون من تلاسن وضرب بين اللاعبين أو المشجعين، بل هو مسار متكامل. لذلك يركز على أهمية النظر في متطلبات هؤلاء الشباب، ولماذا سلكوا مسار العنف في التعبير عن اختلافاتهم وانفعالهم لحدث رياضي معين. وقال ان «الجانب السوسيولوجي مهم لفهم ظاهرة العنف في الملاعب، اذ تلعب الرغبة في التعبير عن القوة والتفوق على المنافس دورا كبيرا. وهنا أهمية الفهم العلمي لظاهرة العنف بكل مساراتها والاشكال الجديدة التي اتخذتها لدى جيل كامل».
العنف الرياضي… ظاهرة مستفحلة تؤرق مضاجع التونسيين!
تزايدت حدة التوترات في مضيق باب المندب، بعد استهداف جماعة «الحوثي» ناقلتي نفط سعوديتين، الأربعاء الماضي، ما ألحق أضرارًا طفيفة بإحداهما، دون أي انسكابات للنفط الخام في البحر قد تؤدي إلى كارثة بيئية. تحت وطأة الهجوم، وبشكل مؤقت، أعلنت السعودية وقف مرور كل شحنات النفط الخام عبر هذا الجزء من البحر الأحمر، حتى تصبح الملاحة عبر المضيق آمنة من الحوثيين المتهمين بتلقي دعم إيراني. وتقود السعودية تحالفا عربيا ينفذ منذ آذار/مارس 2015 عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية في مواجهة الحوثيين المسيطرين على محافظات بينها صنعاء منذ أيلول/سبتمبر 2014. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تزايد سقف التهديدات الكلامية المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. وقبل أسابيع، هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني، بإغلاق مضيق هرمز ومواجهة واشنطن بطرق مختلفة قائلا: «لدينا مضائق كثيرة وهرمز أحدها». ومرارا هددت إيران، على لسان قادة في الحرس الثوري، بينهم قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، باستخدام قواتها والمجموعات المسلحة الحليفة لها لمحاربة الولايات المتحدة. سليماني قال، في وقت سابق، إن البحر الأحمر، الذي كان آمنا أصبح غير آمن، وإن الرياض تحت النار اليوم بعد أربع سنوات من الحرب، التي يخوضها التحالف العربي ضد الحوثيين. و»فيلق القدس» هو المسؤول عن العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، التي ينفذها عبر وكلاء له من قوات محلية حليفة في دول عديدة من بينها اليمن، حيث يُعتقد أن طهران تدعم «الحوثيين» ماليا وعسكريا وتسليحيا، وهو ما تنفيه الأخيرة بشكل مستمر. واعتاد الحوثيون وبشكل مستمر، على التهديد بتعطيل حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب. وأطلقوا في نيسان/ابريل الماضي، صواريخ موجهة على ناقلة نفط سعودية، وفي أيار/مايو استهدفوا سفينة شحن تركية تحمل خمسين ألف طن من القمح في طريقها إلى اليمن. وأعلن قائد الجماعة، عبد الملك الحوثي، أن لدى جماعته صواريخ بعيدة المدى «تصل إلى موانئ الدول الأخرى المتورطة في العدوان»، في إشارة إلى دول التحالف العربي، وخاصة السعودية والإمارات والبحرين والكويت. ويمتلك الحوثيون قدرات صاروخية يمكنها إلحاق الضرر بدول التحالف، كما يمكنها تهديد ناقلات النفط والبوارج الحربية في البحر الأحمر، انطلاقا من ميناء الحديدة وبقية مناطق ساحل اليمن الغربي، الخاضع لسيطرة الجماعة منذ 2014. وبالفعل، استهدفت زوارق بحرية تابعة للحوثيين، في تموز/يوليو 2017، سفينة حربية إماراتية قبالة السواحل الغربية لليمن، بينما كانت قادمة من ميناء عصب في إريتريا. وقبلها أطلق الحوثيون، في تشرين الأول/اكتوبر 2016، صواريخ باتجاه سفينة حربية أمريكية قرب مضيق باب المندب. وردت البحرية الأمريكية بإطلاق صواريخ «كروز» على ثلاث محطات رادار في مناطق يسيطر عليها الحوثيون، وهددت بالرد مجدداً إذا تعرضت لتهديد جديد. كما نشر الحوثيون المزيد من الألغام البحرية على طول المناطق الخاضعة لسيطرتهم في الساحل الغربي لليمن، واستخدموا في مرات عديدة قوارب مسيرة عن بعد محملة بالمتفجرات.
صادرات النفط
تزامن هجوم الحوثيين على مقاتلي النفط السعوديتين، الأربعاء الماضي، مع مناورات مصرية أمريكية خليجية لإزالة الألغام من البحر الأحمر. وتتحسب هذه المناورات لإمكانية استخدام الألغام مستقبلا من جانب الحوثيين أو جماعات أخرى بعد دخول العقوبات الأمريكية المفروضة على شراء النفط حيز التنفيذ. ويتدفق عبر مضيق باب المندب نحو 4.6 ملايين برميل من النفط الخام يوميا، متجهةً إلى الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. ويقع المضيق (باب المندب) بين اليمن (آسيا) وجيبوتي (افريقيا)، على بعد 20 كيلو مترا، ما يجعل عملية الشحن عرضة لهجمات الحوثيين، الذين تمثل صادرات النفط السعودية هدفا استراتيجيا لعملياتهم. ويفصل المضيق، البحر الأحمر عن خليج عدن والمحيط الهندي، كما يفصل قارتي افريقيا وآسيا، ويتميز بعمق وعرض ملائمين لمرور ناقلات النفط في الاتجاهين، بمعدل سنوي يزيد على 21 ألف قطعة بحرية، أي تقريبا 57 قطعة بحرية يوميا. من بين أهداف التحالف العربي في اليمن حماية طرق الشحن عبر البحر الأحمر، الذي يمر منه معظم نفط الشرق الأوسط والسلع الآسيوية إلى أوروبا عبر قناة السويس، التي تربطه بالبحر المتوسط. وعلى صلة بالهجوم على ناقلتي النفط، وفق مراقبين، عقد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، اجتماعًا لمجلس الشؤون السياسية والأمنية في المملكة. واستمع الأمير خلال الاجتماع، إلى «إيجاز سياسي وأمني حول عدد من الموضوعات، إضافة إلى عدد من تطورات الأحداث الإقليمية والدولية، واتخذ بشأنها التوصيات اللازمة»، حسب الوكالة السعودية الرسمية للأنباء. وعقب الهجوم، أعلنت شركة «أرامكو» السعودية للنفط، في بيان، إصابة ناقلة نفط عملاقة وتعرضها لأضرار طفيفة. كما أعلنت، بشكل فوري ومؤقت، تعليق إرسال شحنات النفط الخام عبر مضيق باب المندب، إلى أن تصبح الملاحة فيه آمنة، مع تقييم الوضع الراهن لاتخاذ الإجراءات المناسبة. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بمعدل 0.9 في المئة ليبلغ سعر البرميل 74.59 دولار، الخميس الماضي بعد ارتفاعه الفوري 0.7 في المئة الأربعاء، إثر الإعلان عن الهجوم. كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس 22 سنتا، ليبلغ سعر البرميل 69.52 دولار في التوقيت نفسه. وأظهرت بيانات أن مخزونات الولايات المتحدة هبطت إلى أدنى مستوى لها منذ ثلاثة أعوام ونصف العام. ويتحدث التحالف العربي عن حاجته للسيطرة على ميناء الحديدة اليمني على البحر الأحمر، لإيقاف تهديد الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب. وميناء الحديدة هو آخر منفذ بحري في حوزة الحوثيين، فيما يشدد التحالف على ضرورة الضغط عليهم لتسليم الميناء والانسحاب منه، أو أن تسيطر عليه قوات التحالف بالقوة، بعد رفض الجماعة القبول بمبادرة الأمم المتحدة. وتحاول السعودية استثمار تهديدات الجماعة لحركة الشحن العالمية في الضغط على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لتخفيف لهجة الرفض القاطع للعملية العسكرية المرتقبة التي تستهدف استعادة ميناء الحديدة. ويتهم التحالف العربي، الحوثيين باستخدام ميناء الحديدة في التزود بأسلحة إيرانية، وهو ما تنفيه الجماعة وطهران. وسيؤدي تعليق مرور النفط عبر مضيق باب المندب إلى زيادة تكلفة التأمين على سفن الشحن التجارية وناقلات النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي، بما له من انعكاسات سلبية على اقتصاديات معظم دول العالم. وبدأت القوات الحكومية اليمنية، بإسناد من التحالف العربي، في 13 حزيران/يونيو الماضي، عملية عسكرية لتحرير مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي. لكن المعركة دخلت شهرها الثاني من التجميد بضغوط دولية، بعد أن وصلت إلى مطار الحديدة الدولي. ويحذر المجتمع الدولي، ولا سيما الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، من تداعيات سلبية لمحاولة استعادة الميناء بالقوة، حيث يستقبل معظم الواردات والمساعدات لليمن. وخلف الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات أوضاعا معيشية وصحية متردية للغاية، وبات معظم سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية. (الأناضول)
بعد استهداف «الحوثيين» ناقلتين سعوديتين: هل تشعل إيران حرب المضائق؟
بغداد ـ «القدس العربي»: أقدمت الحكومة العراقية على اتخاذ سلسلة إجراءات اقتصادية لامتصاص الغضب الجماهيري عقب التظاهرات الصاخبة الواسعة التي اجتاحت مدن جنوب ووسط العراق مؤخرا، فيما تسود مخاوف من ان لا تكون تلك الإجراءات كافية لإقناع المتظاهرين إذا لم تصاحبها إصلاحات سياسية جذرية أبرزها كشف الفاسدين ومحاسبتهم. فقد أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي، بعد أيام من اندلاع تظاهرات غاضبة تطالب بالخدمات وتوفير فرص العمل ومحاسبة الفساد، وجود إجراءات ومعالجات تنفيذية لخدمات الماء والكهرباء والصحة والتربية والخدمات الأخرى وتوفير فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل وغيرها وتعزيز قروض الاسكان وقروض المشاريع الصغيرة والمتوسطة في جميع محافظات العراق بدون استثناء. وأعلن المكتب الإعلامي للعبادي، أن مجلس الوزراء وجه وزارة المالية لتخصيص وتمويل مبلغ قدره 7 مليارات دينار من احتياطي الطوارئ لعام 2018 إلى وزارة الموارد المائية لإنجاز الأعمال المدنية لمحطة التعزيز في الرميثة التابعة لمحافظة المثنى. كما أشار البيان إلى انه «تقرر قيام وزارة المالية بتخصيص وتمويل مبلغ 12 مليار دينار من احتياطي الطوارئ لعام 2018 لمشروع ماء ام قصر في محافظة البصرة، واكمال تنفيذ 52 مقاولة مدرسة فيها خلال ثلاثة أشهر». وكانت حكومة العبادي أعلنت عقب التظاهرات، عن تشكيل «خلية أزمة وزارية» تضم عددا من الوزراء المعنيين بتقديم الخدمات، مهمتها تنفيذ بعض البرامج والمشاريع الخدمية السريعة التي يطالب بها المتظاهرون. ولتبديد المخاوف من عدم امكانية حكومة العبادي على الالتزام بتعهداتها لتلبية مطالب المتظاهرين التي تحتاج إلى تخصيصات مالية، كشفت عضو اللجنة المالية النيابية السابقة ماجدة التميمي، عن توفر مبلغ فائض من موازنة 2018 للأشهر الستة الأولى من السنة الحالية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط العراقي المصدر إلى الخارج. وذكرت التميمي في بيان صحافي ان «مجموع الفائض المتحقق خلال الأشهر الستة الأولى من موازنة 2018 بلغ 7،484 ترليون دينار» أي أكثر من 6 مليار دولار. وهو الأمر الذي أكده العبادي أيضا، عندما أشار في مؤتمره الصحافي الأسبوعي إلى وجود تخصيصات مالية لتنفيذ الإصلاحات والمطالب. وكان ارتفاع أسعار النفط عالميا في الأشهر الأخيرة قد أسهم في تجاوز العجز المالي لميزانية عام 2018 كما وفر لحكومة العبادي امكانيات مالية لتنفيذ بعض المشاريع المهمة المؤجلة، وخاصة في محافظات الجنوب والوسط التي شهدت تظاهرات غاضبة لعجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء. وتواجه إجراءات الحكومة تحديات في مدى قدرتها على تلبية كافة متطلبات المتظاهرين لمعالجة مشاكلها الشاملة والمزمنة، ومن ذلك ان العديد من القانونيين اعتبروا حكومة العبادي الحالية حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات لحين تشكيل البرلمان الجديد واتفاق القوى السياسية على قيام حكومة جديدة. وأشاروا إلى ان الحكومة الحالية وبعد انتهاء عمل مجلس النواب نهاية حزيران/يونيو الماضي، هي حكومة تصريف أعمال يومية ينحصر عملها في تمشية المعاملات وصرف الرواتب وتمشية بعض الشؤون العامة في البلد التي لا يجب ان تتوقف كالملف الأمني والخدمي، مؤكدين ان هذه الحكومة لا يحق لها وفق الدستور والقانون، القيام ببعض الأعمال مثل إعلان حال الطوارئ وإصدار أو تعديل القوانين والتوظيف وعقد الاتفاقيات الدولية وغيرها. وتأتي هذه الإجراءات الحكومية في وقت يساور العراقيين، قلق جدي بان الفساد الإداري والمالي في إدارات المحافظات والتنافس والصراع السياسي بين الأحزاب قد يفشل التحرك الحكومي في الاستجابة لمطالب المتظاهرين. ولمواجهة هذه المخاوف، أعلن مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير الثلاثاء الماضي، انه قرر تقييم ومحاسبة المسؤولين عن سوء الأداء وتقديم الخدمات في الوزارات والحكومات المحلية، وسط تسريبات عن احتمال منح بعض الوزراء إجازات إجبارية مثل وزراء الكهرباء والصحة، وتعيين وكلاء محلهم لإدارة الوزارات، بغية تنفيذ الإصلاحات والقرارات المطلوبة. وفي السياق ذاته، كشف النائب السابق علي البديري أن جهات في حكومة محافظة المثنى جنوب العراق، تستغل قرارات بغداد الأخيرة حول تعيين عاطلين في الوظائف الحكومية، حيث يتم ابتزازهم وإجبارهم على دفع رشاوى إلى موظفين مقابل التعيين، الأمر الذي دفع محافظ المثنى إلى التهديد برفع دعوى على النائب البديري لكشفه هذه العملية. وهدد مجلس محافظة البصرة حكومة بغداد بدفع مستحقات المحافظة المتراكمة بذمتها أو إعلان البصرة إقليما مستقلا. وذكر عضو مجلس محافظة البصرة أحمد السليطي، إن «الطلب استكمل شروطه القانونية والشكلية وسيرسل من قبل رئاسة المجلس إلى الحكومة» مشيرا إلى ان «هناك أموالا كثيرة في ذمة الحكومة الاتحادية كديون مستحقة لمحافظة البصرة منذ سنوات تعثرت في تسديدها وهي مخصصات البترودولار والمنافذ الحدودية والموازنة الاستثمارية وتنمية الأقاليم منذ عام 2014 وتبلغ 45 مليار دولار» مبينا ان هذا المبلغ سيساعد في توفير الخدمات الأساسية مثل إنشاء محطة توليد كهرباء ومحطة لتحلية المياه. ومعروف ان محافظة البصرة تحتضن في أراضيها معظم النفط والغاز العراقي المصدر إلى الخارج، كما توجد فيها الموانئ الوحيدة للعراق إضافة إلى منافذ حدودية مهمة مع إيران ودول الخليج العربي عبر الكويت، إلا انها تعاني من نقص هائل في الخدمات نتيجة سوء الإدارة وتفشي الفساد وصراع القوى السياسية والميليشيات ومافيات المخدرات والجريمة على ثروات المحافظة. وفي الوقت الذي تسابق فيه حكومة العبادي الوقت في اتخاذ إجراءات اقتصادية لاحتواء الاحتجاجات التي اندلعت في مدن العراق، يرى الكثير من المراقبين والقوى السياسية، ان إجراءاته لامتصاص نقمة المتظاهرين الغاضبين مثل إطلاق الأموال لتنفيذ مشاريع خدمية ووعود بتعين الآلاف في الوظائف الحكومية، غير كافية ولا تقنع المتظاهرين الغاضبين المطالبين بإدارة جدية عادلة للمحافظات إضافة إلى ضرورة محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال الطائلة التي سرقوها من البلد، الأمر الذي يستبعد معظم العراقيين حصوله لأنه يمس قوى سياسية وميليشيات ومافيات تتمتع بنفوذ واسع في البلد.
العراق: القرارات الاقتصادية وحدها هل تقنع المتظاهرين؟
بيروت ـ «القدس العربي» ـ وكالات: انطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، في لبنان ممهورة بوسم «#ضد_القمع»، بعد أن شهدت البلاد، منذ شهر، أكثر من 20 عملية توقيف شملت نشطاء وصحافيين، وحقق معهم مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية. وتم تحويل بعضهم إلى النيابة العامة، التي طلبت منهم وقف حساباتهم على مواقع التواصل لمدة شهر كعقاب لهم، مع إرغامهم على كتابة تعهد خطي بعدم المسّ بأحد. الناشط اللبناني، شربل خوري، استُدعي إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية حيث حقق معه مدة ثماني ساعات، ليخرج بعدها، ويعلن أنه مُنع من التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي لمدة شهر بأمر من القضاء، وتمّ إغلاق حسابين له على «فيسبوك». وكان خوري، سخر من مار شربل الذي يؤمن به كثيرون في لبنان من مختلف الطوائف وكتب « كنت أقرأ أعجوبة جديدة لمار شربل. أحدهم زوجته لم تكن تحبل (يمكن المشكلة فيه لا أعلم)، ولم يترك طبيب إلا وجربه على مدى أكثر من عشر سنين، وبعدما يئس، ترك رومانيا حيث كان يقيم، وزار عنايا (ضريح مار شربل) وبعد أن عاد بأسبوع وجد أن زوجته الرومانية قد حبلت». وأضاف خوري مخاطباً صاحب الأعجوبة: «لا أريد أن أخيب أملك، ولكن أخبرنا إن كان الصبي يشبهك أم لا». وانضمت الصحافية جوي سليم في جريدة «الأخبار»، القريبة من «حزب الله» إلى خوري في التهكم على القديس شربل عبر استخدام ايحاءات جنسية في تعليقها على بوست خوري «ممكن أن يكون (الطفل الذي ستنجبه الزوجة) يشبه مار شربل». وتسببت هذه التعليقات بموجة استنكار لاسيما لدى مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم الذي قال «من المعيب أن نسمع أو نقرأ كلاماً من هذا النوع بمناسبة عيد القديس شربل، لأن كلام الشاب والصحافية لا يعتبر إهانة موجهة إلى القديس شربل فحسب بل إلى كل الذين يعتبرون مار شربل قديس لبنان وكل اللبنانيين». أبو كسم استهجن، «وجود صحافية لا تحترم الأدبيات المهنية وتهين المقدسات الدينية، في الوقت الذي يفترض على كل من يستخدم مواقع التواصل احترام الأدبيات والقيم الأخلاقية، وعدم إهانة أي رمز ديني أو المس بالمقدسات الدينية أو القديسين، سواء كانوا من المؤمنين أو لم يكونوا». وبعد استدعاء شربل استدعت المخابرات اللبنانية الناشط خالد عبوشي، بعد ان نشر صورة جمعت الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، وولديه بشار وباسل، مقارنًا إياها بصورة للرئيس اللبناني ميشال عون مع صهريه الوزير جبران باسيل، والعميد شامل روكز، عبر صفحته في «فيسبوك»، وكتب عبارة «شو الفرق؟». لكن وسائل إعلام لبنانية ذكرت أته تم الإفراج عن عبوشي صباح الخميس بعد اعتقال دام يومين. استدعاء خوري وعبوشي وغيرهما دفعت عدد من اللبنانين إلى التظاهر ضد ما أسموها «الدولة البوليسية». إذ شارك مئات من الصحافيين والنشطاء في لبنان، يوم الثلاثاء الماضي، في وقفة احتجاجية ضد ما يقولون إنها حملة «قمع واعتقال تعسفي وتراجع للحريات». وتجمع أكثر من 300 محتج في ساحة سمير قصير وسط العاصمة بيروت، في ظل إجراءات أمنية مشددة. وقال الناشط أدهم حسينية: «تم اعتقال نشطاء من أمام منازلهم أو من أماكن عملهم واقتيادهم مكبلي اليدين». وأوضح أن «عمليات الاعتقال تتم من جانب جهاز الأمن العام وأحيانًا الأمن الداخلي، وأحيانًا من جانب مخابرات الجيش». المحامي سامر حمدان أوضح أن «القانون اللبناني لا يفرق بين الناشط العادي أو الشخص الذي يريد الشهرة ويكتب عبارات استفزازية وبين الناشط الصحفي الذي يكتب بناء على معلومات موثوقة». وتابع خلال مشاركته في الوقفة الاحتجاجية، أنه «مستاء من الأجهزة الأمنية الخاضعة للسلطة السياسية في لبنان». ورأى أن هذه الأجهزة «حولت البلد إلى دولة بوليسية تشبه تماما زمن الوصاية السورية في لبنان 1976- 2005». وأردف: «كحقوقي ومتضامن لا أقف مع من يبغى الشهرة بأي ثمن فيتطاول على الأديان والعزّة الإلهية، ما يؤدي إلى فتن، لكن أتضامن مع الكلمة الحرّة التي تنتقد الفساد والهدر وسرقة حقوق الشعب». وقال الصحافي والناشط اللبناني، ميشال أبي راشد، من موقع «رصيف 22»، إن «الجميع ضد قمع الحريات». وتابع: «هنا يجب أنّ نفرق بين حرية التعبير من خلال إزدراء الأديان والتطاول الشخصي على أحدهم أو على الدين واستخدام الشتائم وبين النقد اللاذع الذي من حق كل مواطن قوله». وأضاف أن «الحكومة لا تعطينا حقوقنا كمواطنين، وبالتالي من حقنا أن نعبّر وننتقد ونلاحق مطالبنا، لكن دون المس بكرامة أي شخص». ندى أيوب، وهي صحافية في جريدة «النهار»، قالت إن «الصحافي بالدرجة الأولى يمتلك السلطة وله كامل الحق في فضح وكشف التجاوزات». وأضافت: «لا يجب أن يُعطى الشخص المقصود الحق في منعنا من كشفه. طبعا نتكلم هنا في حال أثبتنا فساده بالمستندات والوثائق». وانتشرت في لبنان، مؤخرًا، تغريدات نشطاء ومقالات صحافيين تنتقد سياسيين بشكل مباشر، وتسلط الضوء ما يقولون إنه فساد في مؤسسات رسمية.
7med
استدعاءات أمنية للبنانيين بسبب منشورات على «فيسبوك» وناشطون يطلقون وسم «ضد القمع» أحدهم سخر من مار شربل وآخر قارن عون بحافظ الأسد
بسبب تعليق على فيسبوك مخالف للقانون لمضمونه التحريضي ضد اللاجئين، مثلت سيدة ألمانية أمام المحكمة. ورغم أن بعض اللاجئين يتفهمون بعض التعليقات المحرضة التي لها أسبابها أحيانا، لكن ذلك لن يعفي السيدة من العقوبة. ضغطة زر، أصبح من الممكن للكثيرين التعبير عما يجول في خاطرهم ومشاركة الآخرين في ذلك بدون أي رقابة. لكن الأمر قد ينتهي أحيانا بعواقب وخيمة، تماما كما حصل مع عاملة تنظيف (41 عاما) من منطقة فيركيرشن في ألمانيا. فبسبب منشور لها على فيسبوك، مثلت أمام محكمة في مدينة داخاو جنوب ألمانيا، حسبما ما ذكرت صحيفة «ميركور» الألمانية في عددها الصادر يوم الخميس (12 تموز/ يوليو). ويعود سبب محاكمتها إلى تعليق لها عبر فيسبوك على مقال نشرته صحيفة «دي فيلت» بعنوان «الحماية الثانوية: 10آلاف لاجئ يقاضون ألمانيا». وكتبت في التعليق «يخدعون الدولة، ويسرقون الناس ويغتصبون ويطالبوننا بدفع أموال ويقاضون الدولة. أصحاب المهارات المتخصصين، هم أغلى من الذهب. أتمنى من المحاكم أن تقوم بسحقهم جميعا. لو كنت قاضية، سأقول لهم إذا كان هذا البلد لا يناسبكم، عودوا إلى أوطانكم علينا أن نتوقف عن القبول بكل شيء». هذه القضية، كشفتها الشرطة في بلدية «فورستنفيلدبرك» التابعة لولاية بايرن، بعد أن تلقت إخطارا من قبل مكتب التحقيقات الجنائية التابع لولاية شمال الراين ويستفاليا. وتم كشف تعليق السيدة عبر محققي شبكات التواصل الاجتماعي، القائمين على البحث عن التعليقات المسيئة والمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حسبما نقل موقع فوكوس الألماني. وأكد القاضي كريستيان كالامي، في جلسة المحاكمة، على أن السيدة اتهمت اللاجئين بالسرقة والاغتصاب، فضلا عن أن تعليقها كان محرضا ومثيرا للمخاوف. وهو ما أدركته المتهمة أيضا، إذ قالت «أنا لا أعرف ما الذي حصل لي». وبحسب المدعي العام، فإن تصريحات مسيئة كهذه تبلغ عقوبتها حوالي 1650 يورو. وفي حواره مع موقع «مهاجر نيوز» يرى رامي، وهو لاجئ سوري يعيش في مدينة بون الألمانية منذ ثلاث سنوات أن هذا التعليق يعود سببه إلى وسائل الإعلام وأضاف أن «جرائم كثيرة تحدث في ألمانيا، ولكن الجرائم التي تشغل وسائل الإعلام بشدة تلك التي يكون وراءها اشتباه باللاجئين». ويضيف رامي (40عاما) «من كثرة ما نسمع ونقرأ عن جرائم يقوم بها اللاجئون أصبحت أنا بنفسي أشعر بالخوف من اللاجئين». زينة (37 عاما) وهي لاجئة سورية تعيش في مدينة كولونيا، ترى أيضا أن تركيز وسائل الإعلام على الجرائم التي يقوم بها اللاجئون، لها دور كبير في شعور الكراهية الموجود لدى بعض الألمان تجاه اللاجئين وتضيف «في جميع المجتمعات يوجد أشخاص أشرار وأشخاص طيبون، وينبغي على الألمان ألا يضعوا جميع اللاجئين في سلة واحدة». أما اللاجئة العراقية علا (25 عاما)، فترى أن شعور الكراهية الموجود لدى بعض الألمان، من الممكن أن يكون مفهوما في بعض الأحيان «نحن غرباء في هذا المجتمع والأنظار متجهة نحونا دوما». لكن في الوقت ذاته ترى أن التعليقات المسيئة، تزيد من خوف الألمان. وتضيف منتقدة أولئك الين ينشرون تعليقات مسيئة «هذه التعليقات تزيد من مخاوف الألمان، فكثيرون لا يملكون جرأة للحديث معنا والتعرف علينا وهو ما يزيد من صعوبة الاندماج في المجتمع». هذه التعليقات المسيئة، تزعج اللاجئ السوري محمد (20 عاما) أيضا، وهو يرى أن الحوار بين الطرفين هو أفضل وسيلة لتغيير الصور النمطية عن اللاجئين، ويقول «إني أتابع الكثير وسائل الإعلام الألمانية عبر فيسبوك وأحاور الكثير من الألمان، الذين يرون أن اللاجئين عبء على المجتمع الألماني، بلغتهم ومن دون أخطاء، وهدفي من الحوار معهم، هو التقليل من مخاوفهم تجاهنا، وأن كثيرين من اللاجئين يرغبون في العمل، ولا يريدون البقاء عالة على المجتمع». مهما اختلفت الأسباب التي دفعت السيدة لكتابة تعليقها، يبقى الأهم معرفة أن كتابة مثل هذه التعليقات التي تتضمن تحريضا أو أخبارا كاذبة، لها عواقب قانونية. وخاصة بعد دخول قانون جديد في ألمانيا حيز التنفيذ مع بداية العام 2018، ينص على معاقبة ذلك. والقانون الجديد في ألمانيا الذي دخل حيز التنفيذ مع بداية العام وبات معروفا باسم «قانون فيسبوك» رغم شموله لكل مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتضمن عقوبات للمستخدم صاحب التعليق أو التغريدة فقط، وإنما للموقع ذاته أيضا مثل شركة فيسبوك أو تويتر، ويمكن أن تصل الغرامة المالية إلى 50 مليون يورو في حال عدم التزام الموقع بالقانون والاستجابة لطلب حذف المنشور المخالف للقانون. وبدورها تنصح المحامية زامفيرا دلوفاني المستخدمين وخاصة الشباب منهم بالاطلاع على القانون «وعدم مخالفته وتعريض أنفسهم للملاحقة القانونية والعقوبة. وبشكل عام يجب الحذر والتفكير قبل نشر أي شيء، وعدم نشر كل ما يخطر على البال». لكن هناك من يرى القانون والمعاقبة على تعليق أو تغريدة، حدا وانتهاكا لحرية الرأي التي تقول دلوفاني إنها «مضمونة في الدستور وهي واسعة جدا. لكن هناك حدود أيضا لهذه الحرية في الدستور، وأصدرت المحكمة الدستورية الاتحادية العديد من القرارات المتعلقة بحرية الرأي وحدودها» وتضيف بأنه لا يمكن القول بشكل مطلق إن «حرية الرأي تمتد إلى هنا، لكن أعتقد أن المرء يشعر بالحد ويعرف أنه بدأ بالتحريض». وتختم حديثها مع «مهاجر نيوز» بالقول «صحيح أن حدود حرية الرأي واسعة جدا وهذا جيد، لكن هذه الحرية يجب ألا تسيء للغير أو تمس كرامته أو تنتهك حقوقه». (dw) 7med
ألمانيا: ما هي عواقب التحريض ضد اللاجئين عبر فيسبوك؟
يتصدر هاشتاغ «#الجواز_محتاج_ايه» موقع تويتر في مصر في ظل موسم الأعراس الذي يزدهر عادة في الصيف. وتناول عشرات الآلاف من مستخدمي تويتر موضوع الزواج في مصر بجدية أحيانا وبسخرية أحيانا أخرى. وعدد الكثير من الشباب ما يعتقدون أنه من أساسيات الزواج والصفات التي ينبغي أن تكون متوفرة في الشركاء المستقبليين، كالمحبة والتفاهم والصبر، فيما عبر البعض الآخر عن «الحاجة إلى العودة إلى القيم الدينية الإسلامية».
هاشتاغ يعكس هموم الواقع
من جانب آخر تحول موضوع الزواج إلى مادة للسخرية، وخاصة من الواقع الاقتصادي الصعب وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، وهو ما يقف عائقا في وجه الكثير من الشباب المصري لإتمام الزواج. إذ يتطلب الزواج في مصر حسب العادات والتقاليد: تقديم مهر للزوجة بالإضافة إلى هدية من الذهب أو الألماس أو ما يعرف في مصر بـ «الشبكة»، هذا إلى جانب بيت وأثاثه وتكاليف إقامة العرس، التي تصل أحيانا إلى مبالغ خيالية.
اهتمام إقليمي
وحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري فإن الكثير من الشباب في سن الزواج غير متزوج وأفاد طبقا لآخر الإحصائيات أن حوالي نصف مليون امرأة مصرية في سن الزواج لم تتزوج بعد. يشار إلى أن الهاشتاغ المصري «#الجواز_محتاج_ايه» انتقل أيضا إلى مستخدمي تويتر من دول عربية أخرى وعلى رأسها دول خليجية ما يعكس اهتمام الشباب العربي بموضوع الزواج. (dw)
لندن ـ «القدس العربي»: توصل علماء فلك إلى أدلة جديدة على وجود كائنات فضائية في العالم الخارجي بعيداً عن كوكب الأرض، لكن البشر لم يصلوا إليها حتى الآن، وذلك بتحديد آثار حياة على سطح القمر تعود إلى مليارات مضت من السنين. ووجدت دراسة حديثة أن القمر شهد مظاهر حياة قبل مليارات السنين وهو ما يفتح الباب أمام علماء الفلك لاكتشاف المزيد عن هذا الجرم السماوي القريب من الكرة الأرضية. وأشارت الدراسة التي نشرت في مجلة «أسترو بيولوجي» وتداولت مضمونها العديد من وسائل الإعلام الغربية إلى وجود مظاهر حياة بسيطة على سطح القمر في فترة ما بين 3.5 و4 مليارات سنة مضت. وتم إنجاز الدراسة بتعاون بين الباحث في علم الفلك في جامعة ولاية واشنطن، البروفيسور ديرك شولز ماكوش، والباحث في جامعة لندن، يان كراوفورد. وتقول الدراسة إن القمر كان يصدر انبعاثات حارة جدا من غاز الفولاتيل، فضلا عن بخار الماء، وفي هذه الفترة بالذات، يرجح نشوء الحياة على الجرم. ويقول البروفيسور ماكوش: «ما دام مياه سائلة قد رصدت في القمر وكان له غلاف جوي في فترة مبكرة ولمدة طويلة، فنحن نعتقد أنه كانت هناك حياة على سطح القمر كما نرجح أن يكون قد ظل مأهولا لفترة قصيرة على الأقل» حسب ما نقلت عنه شبكة «سكاي نيوز» البريطانية. وإضافة إلى ذلك يقول العلماء، إن القمر كان له غلاف مغناطيسي على غرار كوكب الأرض، ويتكون أثناء تفاعل الجسيمات المشحونة مثل الرياح الشمسية مع مجال مغناطيسي لكوكب ما، أو أي جسم آخر. ويضيف ماكوش أن من الوارد جدا أن تكون الحياة قد بدأت على القمر مثلما نشأت على كوكب الأرض، لاسيما من ناحية تكاثر الجزيئات. وحسب التقديرات العلمية الحالية، فإن أقدم دليل على الحياة في كوكب الأرض يعود لمدة تتراوح بين 3.5 و3.8 مليار سنة، أي حين حصل انفجار في المجموعة الشمسية من خلال النيازك. وتتزايد المؤشرات والعلامات والأدلة على وجود حياة أخرى في الفضاء الخارجي، حيث تمكنت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» مؤخراً من الوصول إلى دليل على احتمال وجود كائنات فضائية في كوكب المريخ. والدليل الجديد هو عبارة عن صورة تمكنت «ناسا» من التقاطها وتظهر فيها بقعٌ سوداء على سطح كوكب المريخ قال العلماء إنها «عناكب» فضائية، ما يعني في حال صحت هذه المعلومات، أنه توجد كائنات حية على سطح كوكب المريخ. وقال علماء تابعون لوكالة «ناسا» إن وجود «عناكب» على سطح كوكب المريخ يشكل مؤشراً بالغ الأهمية على وجود الحياة هناك، حيث أن «العناكب في الواقع عبارة عن أكوام تتكون من عملية طبيعية» ما يعني أن وجودهم مرتبط بوجود «حياة» وكائنات حية، أو دليل على وجود الحياة. ويسود الاعتقاد لدى كثير من العلماء أنه توجد كائنات فضائية في الكون لكنها لم تتمكن من الوصول إلى كوكبنا (الأرض) تماماً كما أن البشر لم يتمكنوا حتى الآن من الوصول لهم أو الاتصال بهم، في الوقت الذي سبق أن حذر علماء فضاء من التواصل مع العالم الخارجي على اعتبار أن إزعاج هذه الكائنات قد يدفعها إلى شن هجوم على الكرة الأرضية وبالتالي تضر بالعنصر البشري بشكل كامل أو ربما يصل الأمر إلى تدمير البشرية برمتها.
خطوة جديدة نحو الكائنات الفضائية: آثار حياة على سطح القمر
لندن ـ «القدس العربي»: دخلت روسيا في منافسة جديدة مع الولايات المتحدة تتعلق باختراع إنسان آلي «روبوت» بأربع أرجل يتمتع بقدرات كبيرة وفائقة، حيث أنتج الروس هذا النوع من «الروبوت» أخيراً بعد شهور قليلة على إنتاجه في الولايات المتحدة، وهو ما يكشف عن حجم المنافسة بين الجانبين في هذا المجال. وحسب التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الروسية فان خبراء في «المؤسسة الروسية للدراسات المتقدمة» تمكنوا من صناعة إنسان آلي «روبوت» بأربع أرجل ويتمتع بقدرات فائقة، ويختص بالقيام بمهمات خاصة واستثنائية. وقال رئيس مشروع المركز الوطني لتنمية التكنولوجيا والعناصر الرئيسية للروبوتات، سيرغي خورس، إن «إنشاء وتطوير مثل هذه الروبوتات يأتي ضمن تنفيذ اتفاقيات مع مؤسسات محلية لتصنيعه». لكنه لم يفصح عن مهمات الروبوتات التي يستمر العمل عليها أو شكلها النهائي. ونقلت وكالة «تاس» عن المطورين الروس تأكيدهم إن الروبوتات على أربعة أرجل تتميز عن تلك التي تمشي على عجلات، بمقدرتها على صعود الأماكن الجبلية وتخطي الحواجز وتسلق السلالم. وبهذا المنتج الروسي الجديد تكون موسكو قد دخلت في منافسة مع الولايات المتحدة في مجال إنتاج هذا النوع من «الروبوت» حيث يأتي المنتج الروسي بعد شهور قليلة على إنتاج شركة «بوسطن ديناميك» الأمريكية روبوتات بأربع أرجل. وكانت شركة «بوسطن ديناميك» اختبرت أحد أبرز روبوتاتها على الطرقات المزدحمة بالمارة والسيارات، حيث قدم الروبوت «Spot Mini» الذي طورته الشركة على هيئة كلب استعراضا مبهرا للناس بحركاته الرشيقة والمتناسقة، وكيف استطاع بشكل مستقل الحركة بين الناس والسيارات دون أي مشاكل. كما أنتجت الشركة ذاتها في وقت سابق الروبوت «أطلس» الذي يشبه البشر، والذي يقوم بحركات رياضية وبهلوانية صعبة يعجز عنها الكثير من البشر، حيث تمكن من القفز بين حواجز متفاوتة الارتفاعات بتقنية تشبه تلك التي يتبعها ممارسو رياضة الباركور. يشار إلى أنّ عالم صناعة «الروبوت» شهد تطوراً هائلاً في السنوات الأخيرة، حيث تمكن الخبراء من إنتاج «إنسان آلي» بقدرات هائلة، ومن بينها ذلك الذي اخترعته شركة أمريكية وهو عبارة عن مجنزرة صغيرة بحجم الكتاب يسير بمفرده لكن قدرته الفائقة تمكنه من جرّ أوزان ثقيلة بوزن الأطنان خلفه، وهو ما يشكل تطوراً مهماً في عالم الخدمات اللوجستية والنقل على الأرض وشحن البضائع. والروبوت المجنزر الصغير من إنتاج شركة «تريلر فاليت» الأمريكية ولديه القدرة على جرّ أوزان تصل إلى أربعة أطنان. ويعمل هذا الروبوت بتقنيات فريدة تعتمد على 4 محركات كهربائية صغيرة ومسننات تتداخل فيما بينها بطريقة مبتكرة، تمكنه من جر أوزان تفوق وزنه بآلاف المرات. وبفضل قدرته على الالتفاف في مكانه والدوران بزاوية 360 درجة، يمكن لمستخدم هذا الروبوت الاعتماد عليه لجر مقصورة كبيرة وركنها في الأماكن الضيقة التي تعجز السيارات عن الدخول فيها.
روسيا تنافس الولايات المتحدة بــ»روبوت» خارق ذو أربع أرجل
لندن ـ «القدس العربي»: تمكن مجموعة من العلماء والباحثين في اسبانيا من ابتكار طريقة جديدة لاكتشاف المنتجات الغذائية المغشوشة أو الفاسدة أو التي يدعي منتجوها أنها طبيعية بينما هي منتجة بشكل صناعي، مثل زيت الزيتون والعسل وبعض المنتجات ذات الأثمان المرتفعة التي يضطر بعض التجار إلى إنتاجها صناعياً والادعاء بأنها طبيعية. وأطلق العلماء الاسبان الذين يجرون بحوثهم في جامعة «فالنسيا» على الاختراع الجديد اسم «لسان صناعي» وهو عبارة عن جهاز جديد يقوم باستكشاف المواد الغذائية والأطعمة ويقوم بتحليلها والتأكد مما إذا كانت مغشوشة أم لا، وذلك حسب التقرير الذي نشرته وكالة «نوفوستي» الروسية عن هذا الابتكار الجديد. وحسب العلماء فإن الاختراع الجديد عبارة عن جهاز يعتمد تقنية يُطلق عليها اسم «voltammetry» للتحليل الكهروكيميائي، وهو مزود بحساسات خاصة تستشعر المواد الكيميائية والطبيعية في الأطعمة، وترسل بياناتها إلى جهاز الكمبيوتر ليحلل نسب تلك المواد وتركيباتها. وتكمن أهمية هذا الجهاز في اكتشاف أي مواد غير طبيعية قد يضيفها المصنع إلى الأغذية التي تباع للعامة في المحال التجارية، كمواد التحلية الصناعية، أو محاليل السكر التي يضيفها البعض ليغشوا بها العسل. كما سيساهم هذا الاختراع في اكتشاف نسب المبيدات الحشرية والمواد السامة الموجودة في بعض الخضار والفواكه التي تطرح في الأسواق، وهي مسألة بالغة الأهمية من شأنها تحديد نسبة المواد الضارة التي لا تزال عالقة في الخضار والفواكه والمنتجات الزراعية. وتنتشر في العالم الكثير من المنتجات التي لا يستطيع المستهلك النهائي فحصها ولا التأكد من نقائها وما إذا كانت طبيعية أم لا، وفي مقدمتها عسل النحل وزيت الزيتون، لكن الأهم من ذلك تحديد نسب المواد السامة الموجودة في المنتجات الزراعية والتي يقول الأطباء إنها تسبب أمراض السرطان.
لندن ـ «القدس العربي»: تمكن مصرف روسي من ابتكار نظام تقني جديد من شأنه المساعدة على كشف الجرائم ومرتكبيها، وهو ما يمكن أن يشكل حماية جديدة لأموال المودعين وللمصارف في مختلف أنحاء العالم، ويجعل اللصوص يبتعدون عن المغامرة بالسطو على البنوك. وتمكن النظام الذي استخدمه بنك «سبيربنك» الروسي من إلقاء القبض على 60 مجرما مطلوبا للعدالة خلال شهر واحد، حسب ما أوردت الصحافة الروسية. ونقلت صحيفة «كوميرسانت» الروسية عن نائب رئيس إدارة البنك ستانيسلاف كوزنيتسوف، قوله إن النظام يستخدم في التعرف على عملاء المصرف على مرحلتين، وأضاف أن وزارة الداخلية الروسية أبدت اهتماما بالنظام بعد أن جرى اختباره في مختلف المدن الروسية وأظهر نتائج مميزة. وأفاد أن عدد محاولات سرقة أموال عملاء المصرف ازداد العام الماضي بواقع 7 أضعاف، وهو ما جعل الحاجة ماسة وملحة لمثل هذا النظام. وتابع كوزنيتسوف: «تمكن مصرف سبيربنك من إيقاف 97 في المئة من عمليات السرقة الرقمية لأموال العملاء، كما تم تزويد تطبيق (سبيربنك أونلاين) ببرنامج حماية من الفيروسات الرقمية، وتمكنا منذ بداية عام 2018 من إحباط سرقات رقمية لحسابات مليون عميل». وقالت قناة «روسيا اليوم» إن العام الماضي وحده شهد ما بين ألف و1500 محاولة سرقة في روسيا، فيما ازدادت عدد محاولات السرقة هذا العام ليتراوح من 8 إلى 9 آلاف، حسب البيانات التي أدلى بها مصرف «سبيربنك» الروسي. وحسب المعلومات ففي إحدى الجرائم، نجح المجرم في تحويل الأموال المسروقة إلى حسابه، ثم حاول الحصول عليها من صراف آلي بعد مرور فترة وجيزة من الزمن، فتم وقف التعامل على الحساب وعادت الأموال لحساب العميل الأصلي دون أن يشعر الأخير بذلك، وهذا حصل بفضل النظام التقني الأمني الجديد. يشار إلى أن عمليات القرصنة والاختراق التي تستهدف البنوك تُكبد الاقتصاد العالمي مليارات الدولارات كخسائر سنوية، فيما يدفع الكثير من البنوك والشركات الكبرى مبالغ مالية ضخمة من أجل تأمين عملياتها الالكترونية، ومكافحة أعمال القرصنة والاختراق والتجسس والسرقة التي تتم عبر الانترنت. ويقول الخبراء إن الهجمات الإلكترونية حول العالم تسببت العام الماضي في خسائر اقتصادية تقدر بنحو 450 مليار دولار أمريكي. وحسب تصريحات أدلى بها سابقاً خبير تكنولوجيا المعلومات إياد مرتضى، فان عمليات القرصنة تركزت على البطاقات الإلكترونية التي يستخدمها أصحابها في الشراء عبر الإنترنت، حيث استحوذت على ما يقرب من 20 في المئة من عمليات الإحتيال. وتوقع أن يصل حجم الخسائر الاقتصادية على مستوى العالم إلى 3 تريليونات دولار بحلول العام 2020 في حال لم تتخذ الحكومات التدابير اللازمة لمواجهة هجمات القرصنة الالكترونية، مطالباً بضرورة تبني تكنولوجيات الكشف الاستباقي، ووضع السياسات الأمنية للمساعدة في منع حدوث التهديدات الجديدة.
نظام أمني روسي على الانترنت يكشف المجرمين بمهارة غير مسبوقة
لندن ـ «القدس العربي»: أطلق تطبيق «واتساب» الأوسع انتشاراً على الهواتف المحمولة في العالم ميزة جديدة تمنح المستخدمين مزيدا من المعلومات بشأن الرسائل التي يتلقونها. وأصبح التطبيق يضيف كلمة «Forwarded» أو «ممررة» على الرسائل التي قام المرسل بإعادة تمريرها فقط إلى مستخدم آخر، ليكون متلقي الرسالة على علم أن مرسلها لم يكتب تلك الرسالة وإنما قام بتمريرها فقط. وأثنى الكثير من مستخدمي التطبيق، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على الميزة الجديدة التي تقدم لهم معلومات تعطيهم فكرة إضافية عن أصل تلك الرسائل التي يستقبلونها. وجاء هذا التحديث بعد سيل من الانتقادات تعرض له التطبيق في المساهمة بنشر معلومات زائفة وأخبار كاذبة خاصة في الهند. وأدى انتشار الرسائل المضللة التي جرى تداولها عبر واتساب في الهند إلى وقوع سلسلة جرائم قتل، حيث لقي 29 شخصا مصرعهم منذ شهر أيار/مايو الماضي في جميع أنحاء البلاد.
عندما طردت القوات العراقية والقوات المتحالفة معها تنظيم «الدولة» من الموصل بعد ثلاث سنوات، كانت محطة ضخ عملاقة للري في عمق بحيرة سد الموصل لا تعمل وتدهور حال قنوات الري التي كانت تزودها بالماء. بدأت نينوى تتحول إلى أرض قفر بعد ان كانت تنتج نحو ربع المحصول العراقي من القمح. مع انكماش مساحات الأراضي الزراعية سترتفع كلفة واردات القمح العراقية. ويمثل ذلك عبئا إضافيا في الإنفاق في بلد لا يمكنه تحمل مصاريف إضافية. ويتوقع مجلس الحبوب العراقي هذا العام استيراد حوالي مليوني طن من القمح بكلفة نحو 1.5 مليار دولار. ويقدر اتحاد المزارعين العراقي أن المجلس قد يحتاج لاستيراد مليون طن إضافية بسبب ضعف المحصول. وتقول الأمم المتحدة إن 100 قناة من قنوات شبكة الري البالغ عددها 280 قناة لا تزال عاطلة عن العمل.
الخرطوم ـ «القدس العربي»: تعرضت مناطق في غرب وشرق السودان لسيول وفيضانات مدمرة، قضت على أكثر من عشرة أشخاص وجرفت 3000 منزل في منطقة النهود، غربي البلاد وأحدثت خسائر فادحة في كسلا شرقا وبربر في ولاية نهر النيل شمال الخرطوم. وتوقعت الهيئة العام للأرصاد الجوية في السودان أن تشهد معظم أجزاء البلاد أمطارا خلال الأيام المقبلة، متنبئة أن تكون الأمطار غزيرة في بعض المناطق خاصة شرق ووسط وجنوب وغرب البلاد. وتسببت الأمطار الغزيرة التي هطلت في كردفان غربا، في سيول وفيضانات دمّرت المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من مدينة النهود وقضت على أكثر من 15حيا في المدينة. وحسب شهود عيان فقد استمرت الأمطار أكثر من 15 ساعة وأدت لوفاة عشرة أشخاص وفقدان آخرين وأصبحت آلاف الأسر في العراء بعد أن تهدمت منازلهم كليا أو جزئيا. ودمرت الأمطار أجزاء من سجن المدينة الأمر الذي أدى لهروب النزلاء حسب مواطنين، لكن الإدارة العامة للسجون في السودان نفت ذلك عبر بيان وأكدت وجود جميع النزلاء البالغ عددهم 300 نزيل. وأفاد مواطنون بتواصل هطول الأمطار حيث بلغت 153 ملمترا مما أدى لتأزم الموقف بإنهيار المدارس والمساجد ونفوق أعداد كبيرة من الأغنام والمواشي وتوقف المخابز والأسواق وقطعت السيول طريقا بريا لم يتم افتتاحه رسميا يربط مدينة أمدرمان بمدينة بارا. وأطلقت جهات رسمية وشعبية حملة مساعدة المتضررين من جراء السيول والأمطار التي ضربت مدينة النهود في ولاية غرب كردفان، حيث وجهت وزارة الصحة الولائية نداء استغاثة عبر بيان لها وناشدت كل الجهات بتقديم العون العاجل للمتضررين. وقال مواطنون إن حجم الدمار أكبر من الإمكانات المحلية منوهين لضرورة تدخل الحكومة المركزية. وعلى صعيد الدعم الشعبي بدأت العديد من منظمات المجتمع المدني في استقطاب الدعم وتحويله مباشرة للمتضررين. وفي ولاية كسلا شرقي السودان دمرت السيول عشرات المنازل في حي مكرام، وذلك عقب فيضان وادي الأميري واجتياحه لثلاثة مربعات سكنية في المنطقة وبلغت الاستعدادات في مدينة كسلا أشدها بعد وصول نهر القاش الموسمي لأعلى فيضان له. وحسب الجهات الرسمية للأرصاد فقد سجلت مناسيب نهر القاش هذا الأسبوع ارتفاعاً ملحوظاً في محطة «الكبري» عقب أمطار غزيرة شهدتها مدينة كسلا واستمرت نحو أكثر من ثماني ساعات. وسجل القاش مناسيب اقتربت من فيضانه في عام 2003 القياسية عندما اجتاح مدينة كسلا، التي تقع على بعد480 كلم جنوب شرق العاصمة السودانية الخرطوم، ويتسبب فيضان القاش مع هطول الأمطار الغزيرة في إلحاق أضرار بالغة بمدينة كسلا في كل عام رغم وجود هيئة مستدامة تحمل اسم هيئة ترويض القاش. وقال المهندس حسب النبي موسي محمد وكيل الري في السودان إن التحضيرات الجيدة التي قامت بها وزارة الموارد المائية والري والكهرباء خلال الثلاث سنوات الماضية أدت لتجنب مخاطر فيضان القاش التي كانت تحدث في السنوات الماضية. وكشف في تصريح صحافي عن تأهيل وتقوية كافة الجسور على طول نهر القاش من دخوله للسودان وصولا إلى الدلتا بجانب تنفيذ كافة العراضات على طول مجرى النهر وإكساء الجسور التي تقدر بعشرات الكيلومترات، مع تأهيل القناطر وقنوات مشروع القاش الزراعي. وأضاف أن أعمال الصيانة والتأهيل بدأت منذ وقت مبكر مما أسهم في إنفاذ كافة محاور الخطة الموضوعة استعدادا لفيضان هذا العام. ووصف حسب النبي فيضان هذا العام بغير المسبوق والذي وصل إلى أقصى المناسيب مسجلا 507.10 متر فوق سطح البحر حيث سجل أعلى منسوب في الأعوام 2003 وعام 2007 بواقع 507.40 متر فوق سطح البحر. وقال لولا التحضيرات الجيدة التي قامت بها وحدة ترويض القاش التابعة لوزارة الموارد المائية والري والكهرباء، لحدث ما لا يحمد عقباه، وأن التحضيرات التي تمت جنبت مدينة كسلا مصير الفيضانات السابقة. وعلى غير المعتاد دمرت سيول وفيضانات مناطق غرب مدينة بربر التي تقع في ولاية نهر النيل شمال السودان، حيث اجتاحت سيول مصحوبة بأمطار قرى ومناطق عديدة وأدت إلى خسائر فادحة وغرق كل المحصولات الصيفية التي يعتمد عليها أهل المنطقة في غذائهم ومعاشهم. كما جرفت السيول العديد من المنازل وأدت لإغلاق مصادر مياه الشرب وإنقطاع التيار الكهربائي، وحسب مواطنين من المنطقة فإنها أصبحت معزولة بسبب عدم توفر وسائل المواصلات. وترأس إبراهيم محمود حامد وزير الداخلية السوداني ورئيس المجلس القومي للدفاع المدني اجتماع لجنة متابعة أحداث خريف هذا العام ووقف على حجم الأضرار جراء الأمطار التي شهدتها بعض المناطق في ولايات غرب كردفان وكسلا وأجزاء من ولاية الخرطوم، وأكد المجتمعون على ضرورة تنسيق الجهود بين كافة مكونات اللجنة داخل المركز وعلى مستوى الولايات وتوفير كل المعينات والاحتياجات العاجلة للمتضررين في تلك الولايات. وقال الفريق شرطة (حقوقي) د.هاشم حسين عبد المجيد مدير الإدارة العامة للدفاع المدني الأمين العام للمجلس، في تصريحات صحافية إن المجلس القومي للدفاع المدني والهلال الأحمر ومفوضية العون الإنساني ومنظمة سند الخيرية ومنظمة الزبير الخيرية إلى جانب ديوان الزكاة، قدموا مساعدات عاجلة للمتضررين تمثلت في بعض المواد الغذائية والملابس والمشمعات والإيواءات. على صعيد متصل سيرت مفوضية العون الإنساني قافلة مساعدات إنسانية للمتضررين من السيول والأمطار في ولايتي كسلا وغرب كردفان. وقال مفوض العون الإنساني في السودان أحمد محمد آدم إن القافلة تأتي في إطار اهتمام المفوضية بمتضرري السيول والأمطار، مشيرا إلى أن المفوضية شكلت غرفة للطوارئ في كل ولاية للتعامل مباشرة والاستجابة السريعة للمتضررين. وأوضح أن القافلة تشتمل على مواد غذائية ومواد إيواء مؤكدا أن الجهود ستتواصل لتقديم العون لبقية الولايات المتضررة وذلك عبر تنسيق جهود الشركاء لإغاثة المناطق المتضررة والاستعداد للقادم خاصة أن التوقعات تشير إلى هطول المزيد من الأمطار الغزيرة مبينا أن المفوضية تعمل ضمن منظومة حكومية وشركاء من القطاع الخاص والعام لتقديم الدعم والاستجابة الإنسانية للمتضررين. وأبان مفوض العون الإنساني أن المفوضية جسم تنسيقي يعمل على توفير المعلومات والبيانات وتنسيق الجهود لتكون الاستجابة متناغمة ومتناسبة مع حجم الضرر والاحتياجات الأخرى، لافتا إلى تشكيل غرف مشتركة تقوم بإصدار تقارير يومية عن الأوضاع. وأعلن الاتحاد الأوروبي، الأحد، تقديم مساهمة للسودان بمبلغ 106 ملايين يورو (126 مليون دولار) لتلبية احتياجات المتأثرين بالكوارث الطبيعية في البلاد.
ولايات
ويعاني السودان من ضعف البنية التحتية والعجز في مواجهة الخريف كل عام، وتدمر السيول آلاف المنازل وتجرف المزارع وتخلف وضعا بيئيا كارثيا وأعلنت الأمم المتحدة، في أيلول/سبتمبر 2016 مصرع 24 شخصا، وتدمير أكثر من 19 ألف منزل جراء السيول والأمطار في السودان، وتضرر قرابة 100 ألف منزل آخر. وأعلن الاتحاد الأوروبي، العام الماضي، تقديم مساهمة للسودان بمبلغ 106 ملايين يورو لتلبية احتياجات المتأثرين بالكوراث الطبيعية في البلاد.
المقادير : نصف كيلو كلاماري صغير الحجم كامل (منظف) ربع كيلو أرز بسمتي ربع كيلو لحم ضأن مفروم بصلة مقطعة بهارات نصف ليتر مرق الدجاج نصف كوب حبوب الصنوبر ورقتا غار
المرقة كوب صغير صويا قليلة الدسم ملعقة زنجبيل طازج فصان ثوم طازج نصف باقة كزبرة طازجة ملعقة شاي سكر بني
طريقة التحضير نسخن الفرن لتصل درجة حرارته إلى 200 مئوية. نضع البصل ولحم الضأن المفروم وخلطة البهارات في قدر على النار حتى ينضج اللحم. نضيف الأرز إلى القدر ونخلطه جيداً مع المكونات. نضيف المرق إلى الخليط ونغطي القدر حتى ينضج الخليط. نحشو الكلاماري بالأرز، ثم يوضع في إناء خبز. نضع الزنجبيل والثوم في مقلاة ونتركها على النار لفترة قصيرة حتى يكتسب الخليط اللون البني. ثم نضيف عليه مرقة الصويا والسكر. نسكب المرقة على الكلاماري، ونضع الإناء في الفرن حتى ينضج. نقدم الصحن مع سلطة خفيفة.
أفادت دراسة فرنسية حديثة، بأن اتباع نظام غذائي يعتمد على «حمية البحر المتوسط»، بالإضافة إلى النشاط البدني والإقلاع عن شرب الكحول، مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بالسرطان. الدراسة أجراها باحثون بالمعهد الوطني الفرنسي للصحة والأبحاث الطبية، وجامعة باريس، ونشروا نتائجها، في العدد الأخير من دورية (Cancer Research) العلمية. وأوضح الباحثون أن الصندوق العالمي والمعهد الأمريكي لأبحاث السرطان، يفيدان بأنه يمكن تجنب حوالي 35 في المئة من إصابات سرطان الثدي، و45 في المئة من إصابات سرطان القولون والمستقيم عن طريق التقيد بالتوصيات الغذائية والأكل الصحي. ويتميز النظام الغذائي لشعوب أوروبا المطلة على البحر المتوسط، بالاعتماد على زيت الزيتون كمصدر أساسي للدهون، بجانب الإكثار من تناول الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات، وتناول الأسماك والدواجن على الأقل مرتين في الأسبوع، والحد من تناول اللحوم الحمراء، ويعرف هذا النظام الغذائي بـ»حمية البحر المتوسط». وللوصول إلى نتائج الدراسة، راقب الباحثون 41 ألفًا و543 شخصًا تزيد أعمارهم عن 40 عامًا، ولم يتم تشخيص إصابتهم بالسرطان قبل مشاركتهم في الدراسة، وراقب الفريق العادات الغذائية للمشاركين في الفترة من أيار/مايو 2009 إلى كانون الثاني/يناير 2017. وخلال فترة المتابعة، تم تشخيص 1489 حالة إصابة بالسرطان بين المشاركين في الدراسة، بينها 488 إصابة بسرطان الثدي، و222 إصابة بسرطان البروستاتا، و118 إصابة بسرطان القولون والمستقيم. ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين اتبعوا نظام غذائي يعتمد على «حمية البحر المتوسط»، بالإضافة إلى النشاط البدني والإقلاع عن شرب الكحول، انخفض لديهم خطر الإصابة بسرطانات الثدي والبروستاتا والقولون والمستقيم. وقال الدكتور برنارد سرور، قائد فريق البحث: «من بين جميع عوامل الخطر الخاصة بالسرطان إلى جانب التبغ، فإن التغذية والنشاط البدني هما من عوامل نمط الحياة القابلة للتعديل، والتي يمكن أن تسهم في خفض مخاطر الإصابة بالسرطان». وأضاف أن «النظام الغذائي الصحي والنشاط البدني والإقلاع عن التدخين ارتبط بانخفاض خطر السرطان في المجمل بنسبة 12 في المئة، وسرطان الثدي بنسبة 14 في المئة، كما انخفض خطر الإصابة بسرطاني البروستاتا والقولون والمستقيم بنسبة 12 في المئة». وكانت دراسات سابقة كشفت أن حمية البحر المتوسط يمكن أن تكون مفيدة في علاج السمنة والوقاية من مرض السكري، كما أنها تخفض خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. (الأناضول)
حمية البحر المتوسط والنشاط البدني يخفضان خطر الإصابة بالسرطان
«شهوة الريح»، 1983، كانت المجموعة الأولى للشاعر الفلسطيني ـ الأردني المتميز ظاهر رياض؛ ثم تعاقبت مجموعاته: «طقوس الطين»، «العصا العرجاء»، «حلاج الوقت»، الاشجار على مهلها»، «كبش قرنفل» مختارات، «كأنه ليل»، «ينطق عن الهوى»، «الأعمال الشعرية»، «سراب الماورد». كذلك أصدر رياض مختارات من النثر الصوفي العربي تحت عنوان «حرف الحاء»، ونقل إلى العربية «تجوال» هيرمان هيسه، و«مائة سوناتة حب» بابلو نيرودا، ومختارات من سافو. على الغلاف الأخير للمجموعة الجديدة كتب علي الإمارة كلمة جاء فيها أن تجربة رياض الشعرية «تطرح أكثر من ثيمة للوقوف عندها تحليلاً وفحصاً بمجسات النقد أو بتفاعلات القراءة والتلقي والتأويل، فهناك أكثر من موضوعة أو مدخل لقصر الشاعر الشعري الفاره، منها موضوعة الموازنة بين البنية الإيقاعية والبنية الدلالية، أو موضوعة الصورة الشعرية المتنامية، أو موضوعة الفكرة الشعرية وتأثيرها خلال السياق الشعري، أو اللغة الشعرية العالية، وغيرها من الثيمات التي تستهوي النقد وتثير كوامنه ليصبح نصاً على نص وإبداعاً على إبداع». هنا قصيدة «في حقل البابونج»: فَرحٌ يقفز كالجندب في حقل البابونج أمطار الأمس تجف كمن يصحو من سكرٍ … ماذا تفعل ليلى الآن؟ تلملم أطراف صباها وتعيد وراء الأذنين خصلة شعر نافرة، وتتمّ حديثاً مكتوماً خلف الشفتين ماذا يشغل بالكِ يا ليلى؟ ــ هذا الضوء الفاتر كيف له أجنحة من عطر، وكأني أسمعه يعصر دمعاً تشربه، مثل الرؤيا، العين كيف تنامين؟ ــ على جنبي المفروك ببرقٍ، روحي واهية، أمسح عن صدري أوراق الأشجار وأمواج البحر، أعدّ ثماري لحبيب يتلاشى كالتنهيدة بين النهدين فرح في حقل البابونج أمطار الأمس تجفّ وليلى تعرف أن اللذة تُسكب في كأس واحدةٍ لا في كأسين. الأهلية للنشر والتوزيع، عمّان 2017
سبق للقاص الإيراني عباس معروفي أن أصدر مجموعة قصصية بعنوان «مقابل الشمس»، ولكن روايته «سيمفونية الموتى»، التي صدرت سنة 1989، هي التي سوف تتكفل بإشهاره على نطاق واسع، في إيران والعالم. بات العمل يُعتبر واحداً من أفضل عشر روايات في تاريخ الرواية الإيرانية، والبعض يصنفه كنسخة إيرانية من رواية وليم فوكنر «الصخب والعنف»، كما يرى فيه الكثيرون استعادة معاصرة لأمثولة قابيل وهابيل. وامتياز الرواية أنها تقترح توثيقاً عميقاً لمعاناة المثقف الإيراني في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد، تمتد من قبل الحرب العالمية الثانية الى الأعوام التي تلتها. السرد يلتقط آيدين، الشاعر الشاب الذي يصطدم بهيمنة الأب التقليدي وما يسعى إليه من فرض نمط حياة متقاطع تماماً مع تطلعات الشاعر، فيخطط لاستثمار المال، الذي ادخره على مدار العامين الأخيرين، في السفر إلى طهران لاستكمال تحصيله الدراسي. هناك يُصدم بما قرأه في الصحيفة: خبر موت شقيقته آيدا، متأثرة بالجروح البليغة التي أصابتها إثر انتحارها حرقا. بعد عام من الحادثة يموت الأب إثر نوبة قلبية، لكنه يوصي أن توزع جميع ثروته مناصفة بين آيدين وشقيقه أورهان، وهو ما سيجعل الصراع بين الشقيقين يبلغ ذروته. فمن أجل أن يستولي أورهان على الثروة يدس السم في طعام آيدين ويصيبه جراء ذلك بالجنون. في المقابل، وضمن نقلة نوعية في بنية الرواية، يتولى السرد طرح سلسلة من الأسئلة التي تكشف المزيد من بواطن حياة الشخوص في الرواية: هل حقاً أنجب آيدين بنتاً اسمها إلميرا تبلغ من العمر خمس عشرة سنة؟ وهل بذلك يكون نسل أورخاني قد امتدّ إلى هذه الفتاة البعيدة والغريبة والشقراء، في حين أن أورهان عقيم، لا يريد ولا يقبل نقل ميراث الأب إلى فتاة لا يُعرف من أين جاءت؟ من الرواية: «كانت الأمّ قلقة، وبعد أن فاحت رائحة طعام محترق في المنزل، ضربت على ركبَتَيْها: «يا لتعاستي!». هرولتْ إلى المطبخ، وتبعها الأب حاملاً بيده القنديل. وقف على عتبة الباب وقال: «هذه نتيجة أفعالنا. ماذا فعلنا نحن؟» لمحتُ يَدَيْه ترتعشان والدمع قد غطّى كامل وجهه. استلمتْ منه القنديل. واندفع قائلاً: «نحن الآن نعيش في مكان وتحت أقدامنا بالضبط مخزن من الكُتُب الضّالّة المُضِلَّة. لم يترك ولدنا كتابَ كُفر إلا وخزَّنه في هذا القبو. صار شاعراً أيضاً. لم يبقَ إلاّ أن يعزف على آلة، ويغدو عاشقاً مطرباً. لكني لن أسكت على هذا. شمّر عن ساعدَيْه، وقال وهو بتلك الحالة: يجب أن نُصلّي صلاة الكسوف. عدنا إلى الغرفة، وأدّينا صلاة الكسوف». المتوسط، ميلانو 2018
في هذا العمل الجديد يستكمل رونيه إينان سلسلة دراساته حول الشاعر المارتينيكي إميه سيزير (1913 ـ 2008)؛ وكان قبلئذ قد أصدر العديد من المؤلفات في مضمار دراسة الشاعر، مثل «أسلحة سيزير الإعجازية»، و«سيزير ولامارتين»، و«سيزير الأغنية الجريحة». ولكنه في هذا الكتاب يركز، بصفة خاصة، على الموسيقى، والأوزان، والتشكيلات الإيقاعية، أو على الشعرية إجمالاً. كان سيزير ثالث ثلاثة كبار لعبوا، منذ أن التقوا للمرّة الأولى في العاصمة الفرنسية باريس سنة 1931، دوراً حاسماً في تنظيم المقاومة الثقافية ضدّ الاستعمار؛ الثاني كان السنغالي ليوبولد سيدار سنغور (1906 ـ 2001)، والثالث الشاعر والكاتب الغوياني ليون غونتران داماس (1912 ـ 1978). وإلى هؤلاء تنتسب تلك الأحقاب الحافلة التي شهدت طرازاً رفيعاً من تحالف النصّ الأدبي والبيان السياسي، واقتران المخيّلة الفنّية الطليقة بالواقع الملموس الأسير، وما نجم عنهما من حصيلة اندماج التحرير الجمالي بالتحرّر من الاستعمار. وطيلة عقود طوّر هؤلاء مفهوم «الزنوجة»، الذي كان سيزير قد نحته كمصطلح يتوسل منهجاً تطبيقياً في دراسة ما أسموه «الكتابة السوداء»، ولكي يتيح مادّة فكرية ونقدية لمقاومة الهيمنة الثقافية الفرنسية التي ظلّت جزءاً لا يتجزأ من سيرورة المشروع الاستعماري. ولقد كان للمفهوم فضل كبير في تحديد الثقافة السوداء والهوية السوداء، رغم سلسلة الإشكاليات التي اكتنفته منذ البدء، والتي كان على رأسها معضلة تنميط علم الجمال الأسود بوصفه نقيض علم الجمال الأبيض، ليس أكثر. وحتى عهد قريب، ورغم تثمينه العالي للكتابات التي اندرجت في المفهوم، ظلّ النيجيري وولي سوينكا (نوبل الآداب، 1986) يساجل ضدّ الزنوجة؛ معتبراً أنّ المصطلح ينطوي على نزعة قَدَرية في إقامة مواجهة بين جمالية سوداء وأخرى بيضاء، وينطلق من جوهرانية عرقية لا تحتسب فوارق الجغرافيات والثقافات. وكانت «دفتر عودة إلى البلد الأمّ»، قصيدة سنغور العظيمة التي أنجزها سنة 1939، قد تحوّلت إلى ما يشبه البيان الأدبي للزنوجة، خاصة حين نالت مديحاً من سارتر فيلسوف الوجودية، ومن أندريه بروتون منظّر السوريالية. والقصيدة عكست ذلك الفخار الزنجيّ الدافق: «زنوجتي ليست برجاً ولا كاتدرائية/ ما من بقعة في هذا العالم إلا وتحمل بصمة أصابعي/ وآثار أقدامي مطبوعة على ظهور ناطحات السحاب/ مثلما تتبدّى نعومتي في لمعان الأحجار الكريمة». Orizons, Paris 2018.
الجزائر: دعت حركة مجتمع السلم المعارضة (أكبر حزب إسلامي في الجزائر)، السبت، الشعب وكافة الأطياف السياسية في البلاد ومؤسسات الدولة، لاحتضان مبادرتها للتوافق الوطني، وعدم هدر فرصة الانتخابات الرئاسية عام 2019.
جاء ذلك في بيان للحركة المعارضة، عقب اجتماع مجلس الشورى الوطني (أعلى هيئة في الحزب تحسم في القرارات المصيرية).
وذكر البيان أن مجلس الشورى يثمن مبادرة التوافق الوطني التي تقدمت بها الحركة باعتبارها “فرصة جدية لا ينبغي أن تهدر لحل الأزمة المتعددة الأبعاد”.
وقبل أيام، أعلن رئيس الحركة، عبد الرزاق مقري، إطلاق مبادرة للتوافق الوطني؛ لإخراج البلاد مما اعتبرها “أزمات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية”.
المبادرة التي عرضتها الحركة على عدة أحزاب من الموالاة والمعارضة، تضمنت كذلك دعوةً للجيش من أجل أن يكون “ضامنا” لتطبيقها.
إلا أن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر أعلن، الثلاثاء الماضي، عن تحفظات إزاء المبادرة بعد عرضها عليه.
وكانت تحفظات الحزب الحاكم حول دور الجيش في الانتقال الديمقراطي، فضلا عن مقترحات حول حكومة التوافق والرئيس التوافقي وآفاق الاقتصاد.
وفي بيانها، دعت الحركة “كل أطياف الطبقة السياسية، ومؤسسات الدولة، ومكونات المجتمع المدني، وكل فئات الشعب إلى احتضان المبادرة من أجل جزائر آمنة مستقرة نامية”.
واعتبرت أن “الانتخابات الرئاسية القادمة 2019 فرصة للتغيير وفتح الأفق السياسي على قاعدة التوافق والديمقراطية”.
والخميس الماضي، رفض الجيش الجزائري ما سميت دعوات اقحامه في السياسة، وأكد على لسان قائد أركانه الفريق أحمد قايد صالح أن المؤسسة العسكرية تعرف حدود مهامها الدستورية، ولا يمكن إقحامها في صراعات سياسية.
وفسرت التصريحات على أنها رد مباشر على مبادرة الحركة المذكورة.
وقبل أيام قال رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري إن “هناك عدة مؤشرات على ضعف احتمال ترشح الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، في انتخابات 2019، رغم توالي دعوات من مؤيدين له لدخول السباق
ودخلت الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة (81 عاما)، عامها الأخير، إذ وصل الحكم في 1999، ومن المرجح أن تنظم انتخابات الرئاسة المقبلة في أبريل/ نيسان أو مايو/ آيار 2019.
ولم يعلن الرئيس الجزائري، حتى اليوم، موقفه من دعوات لترشحه لولاية خامسة أطلقتها أحزاب الائتلاف الحاكم ومنظمات موالية.
باريس: أجمع السياسيون المؤيدون للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، السبت، على التنديد بـ”الاستغلال السياسي” من قبل المعارضة لقضية ألكسندر بينالا، المعاون السابق للرئيس، والمتهم بارتكاب أعمال عنف بحق متظاهرين.
وفي مقابلة مع صحيفة “لوموند”، اعلن فرنسوا بايرو، رئيس حزب “الحركة الديموقراطية” (موديم) واحد اكبر حلفاء ماكرون “هناك استغلال سياسي، من احتكروا السلطة على مدى عقود يحاولون اضعاف الرئيس الجديد”، رافضا توصيف الامر كأنه “قضية دولة” ومنتقدا ما وصفه بـ”عصر الشك العالمي”.
بدوره اعلن ريشار فيران زعيم الغالبية الموالية للرئيس في البرلمان على تويتر “من ظنوا انهم ركبوا امواج زوبعة في فنجان فشلوا”، وذلك في اشارة الى وصف ماكرون للجدل المحيط بقضية بينالا والذي يتفاعل منذ اكثر من عشرة ايام.
وأكد فيران “على الارض أدرك الجميع المحاولة البائسة للاستفادة سياسيا من سوء تصرف احدهم”.
وكشفت صحيفة “لوموند”، الأربعاء، في 18 تموز/يوليو أن ألكسندر بينالا تعرض بالضرب لمتظاهرين اثنين في الأول من أيار/مايو، من دون اي صفة امنية.
واستشهدت الغالبية البرلمانية باستطلاع لمركز “هاريس انتراكتيف” اجراه على مدى ثلاثة ايام من الثلاثاء الى الخميس ونشر السبت، اظهر ان الثقة بماكرون وبرئيس الوزراء ادوار فيليب تحسنت بشكل طفيف (+2) في تموز/يوليو، بعد شهرين من التراجع الكبير.
بدوره اعتبر غابرييل اتال المتحدث باسم حزب “الجمهورية الى الامام” الذي اسسه ماكرون ان المعارضة “تضررت”. واعلن لمجلة “لو بوان” الفرنسية ان “الاستغلال السياسي وشلّ العمل التشريعي سيضران كثيرا بصورتها”.
من جهتها، اعتبرت وزيرة الدولة لشؤون المساواة مارلين شيابا انه حان وقت “الانتقال الى امور اخرى لان الحكومة لديها عمل كثير”.
ومن المتوقع ان تستمر قضية بينالا بالهيمنة على اعمال البرلمان الاسبوع المقبل، مع نظر الجمعية الوطنية الثلاثاء في مذكرات لحجب الثقة، واستماع لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ لكريستوف كاستانيه المفوض العام في حزب “الجمهورية الى الامام”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق