| «مؤمنون بلا حدود»: فضيحة إماراتية في الأردن؟ Posted: 16 Nov 2018 01:15 PM PST طبيعيّ أن تختار مؤسسة بحثية، العاصمة الأردنية عمّان لإقامة مؤتمر فيها، أو أي عاصمة عربيّة أو أجنبية أخرى خصوصاً إذا كان اسم هذه المؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، لكن هذا الاختيار «الطبيعي» رافقته مجموعة من التفاصيل المهمّة التي أحاطته بملابسات غريبة تتوخى تحويله من مؤتمر «بحثي» إلى حدث سياسيّ، لكنّ مبالغات القائمين عليه ورغبتهم في رفع مستوى الاستثمار فيه على ما يظهر جعل الأمر ينقلب عليهم ويتحوّل إلى مؤامرة فاشلة وجريمة مع سبق الإصرار والترصد. القصة لا يمكن فهمها من دون معرفة أن «مؤمنون بلا حدود» مؤسسة أنشأتها الإمارات العربية المتحدة عام 2013 لتكون ضمن أجهزة «القوّة الناعمة» التي تعتمد عليها لتفكيك سرديّات ما يسمى بـ«الإسلام السياسي»، أو، بتأويل آخر، مساندة الأنظمة المستبدة في صراعها مع الجماهير التي ثارت عليها منذ عام 2011، عبر استهداف «الإخوان المسلمين»، الذين هم أكثر القوى السياسية العربية فاعلية وتنظيما بحيث يكون القضاء عليهم مقدمة للقضاء على كافة الاتجاهات السياسية الأخرى (كما حصل في الإمارات نفسها وفي مصر والسعودية). وكي لا يكون هناك مجال للشكّ في إثارة واستفزاز القوى الإسلامية المحافظة فقد اختار المؤتمر بعض العناوين الفاقعة، من قبيل البحث في «ميلاد الله». بعض النواب الأردنيين، مدفوعين ربما بالتفاعل مع عداء الإمارات للثورات، أو بعناوين الألعاب النارية المطروحة في المؤتمر، احتجوا على تنظيمه في عمّان فأمر وزير الداخلية الأردنيّ بمنعه. والواضح أن القائمين على أمر المؤسسة اعتبروا أنهم جروا السلطات والنواب الأردنيين إلى الكمين المطلوب، ولكنهم لم يكتفوا بالتعاطف الذي حصدته المؤسسة، ولا بأقلام المثقفين والناشطين والإعلاميين، الذين نددوا، على اختلاف اتجاهاتهم السياسية، بما جرى، فقرروا زيادة عيار الإثارة ورفع حالة التنديد الثقافي والإعلامي إلى حالة من الإدانة المعلنة للإسلاميين، أو حتى محاولة إثارة قلاقل سياسية أكبر تدفع لمواجهة بين السلطات والإسلاميين. ظهر يونس قنديل، مدير المؤسسة المذكورة، بعد ذلك في حالة يرثى لها كاشفاً عن تعرضه لجريمة شنيعة حقّا: لقد خطف وعذّب وتم التنكيل بجسده بشناعة مطلقة. انطلقت موجة جديدة من التعاطف لم توقفها غرابة الحادثة والتفاصيل الأخرى التي قدّمها المجنيّ عليه، من قبيل أن الخاطفين كانوا يتواصلون مع شخص غامض ليخبروه بما يفعلونه بجسم الضحيّة، ورسمهم بالسكين عبارة «مسلمون بلا حدود» على ظهره الخ… فالصورة دائما أكثر أثراً من المنطق والتحليل الهادئ للأمور. لكن ما أثار الاستغراب أكثر أن السيد قنديل قام من على فراش المشفى، ومن دون أن ترفّ له عين، باتهام طرف واحد «الإخوان المسلمون»، وإذا كان هذا الاتهام يكمل الدائرة المرسومة، ويؤمن الاستثمار السياسيّ الأكمل للحدث الجلل، فإنه، من جهة أخرى، يكشف عن تهافت منطق قنديل وتفككه، فكيف يقوم شخص يؤمن بالبحث «العلمي» باتهام طرف سياسيّ بعينه من دون أدلة «علميّة»، وكيف يريد شخص يريد للقانون أن يناصره في تنظيم مؤتمره أن يستهين بالقانون ويتسرّع هكذا بالاتهام… إلا إن كان وراء الأكمة ما وراءها؟ أدّى تدقيق الأجهزة الأمنية الأردنية، ببساطة، لانكشاف الرواية المهلهلة، واعتراف الباحث الجليل بأنه كان يبحث عن الإثارة والفتنة السياسية، وسواء تقصّد ذلك أم لم يتقصد فقد سعى قنديل إلى خلق ارتباك سياسيّ وأمنيّ في الأردن، ولا نعلم إن كان ذلك كلّه هو من بنات أفكاره وحده أم أنه استعان بـ«صديق» مبدع في أفكاره البوليسية (على شاكلة أفكار نائب قائد شرطة ضاحي خلفان!). السؤال الآن: هل لهذه الحبكة البوليسية علاقة بالتغطية على حادثة الصحافي السعودي خاشقجي وهل هناك مخططون أذكياء في الإمارات مثل زملائهم في السعودية كانوا يشرفون على «عملية يونس قنديل»؟ صلة «مؤمنون بلا حدود» بالإمارات تجعل أبو ظبي مسؤولة عن هذه الفضيحة الجديدة لها في الأردن أيّا كانت الأجوبة.  |
| رسائل هامة من شبيحة سوريين نادمين Posted: 16 Nov 2018 01:14 PM PST كما توقعنا وقلنا مراراً، فإن وقت الحرب في سوريا كان أسهل على النظام بألف مرة من وقت انتهاء الحرب. لقد حاول المستحيل إطالة أمد الصراع في البلاد كي يتهرب من استحاقات ما بعد الصراع، وخاصة أمام مؤيديه الذين كانوا ينتظرون النهاية كي يحصلوا على جوائزهم ومستحقاتهم بعد أن دفعوا مئات الألوف من القتلى فداء للأسد. لقد كان بشار يتذرع دائماً بمحاربة الإرهاب والإرهابيين، وخاصة الدواعش عندما كان يطالبه مؤيدوه بدفع فاتورة دفاعهم عنه وعن نظامه. وكلما كان أحد المؤيدين يطالب بأبسط مستحقاته، كان النظام يتحجج بالصراع مع الإرهابيين كي يتهرب من دفع المستحقات التي لا يملكها. أما اليوم، وقد أنهى الروس الحرب في سوريا رغماً عن النظام، فقد بات الأسد وعصابته مكشوفين أمام المؤيدين قبل المعارضين. وهو الآن في وضع أسوأ من وضع الحرب بألف مرة، لأنه لا يستطيع أن يقدم شيئاً لمؤيديه سوى ساعة حائط أو رأس ماعز أو سحارة برتقال درجة عاشرة. لقد بدأ المؤيدون يكتشفون الآن أنهم كانوا مجرد وقود في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وأنهم انخدعوا طويلاً، فلا هم استرجعوا أحباءهم، ولا هم سيحصلون حتى على جوائز ترضية بعد أن أخذوا يشاهدون أن عصابة الأسد والمقربين منها هم الذين استفادوا من الحرب، وجمعوا المليارات على حساب دماء المؤيدين قبل المعارضين. حتى في الساحل السوري حيث قاعدة النظام راح الناس يرفعون أصواتهم عالياً مطالبين بتوزيع الثروات التي تجمعت في أيدي العائلات المقربة من الأسد وعصابته. وسأنشر الآن رسائل وصلتني من شبيحة سوريين بدأوا يشعرون أن النظام خذلهم وتركهم يلعقون جروحهم لوحدهم. ومن المضحك أن مؤيدي بشار الأسد صاروا الآن يرفعون الكثير من شعارات الثورة، وخاصة شعارات المطالبة بالحقوق وتوزيع الثروات ومحاربة الفساد ولقمة العيش النظيفة…بعد أن خذلهم النظام الذي صفقوا له وتركهم جائعين معدمين يعيشون على الفتات ولا يجدون ثمن حبة الدواء ولا الغذاء. سؤال برسم كل شاب سوري مطلوب للجيش: من أجل من تموتون وتخسرون أرواحكم، يتساءل أحد المؤيدين سابقاً؟ «هل أنت ذاهب للخدمة العسكرية فعلاً وتأدية واجب مقدس وعظيم للوطن وسوريا فعلاً وتحريرها من عشرات الاحتلالات الروسية والإيرانية والتركية والإسرائيلية والأمريكية والإرهابية وللحفاظ على كرامة وسيادة سوريا وشعبها وحمايتها وتحقيق الازدهار والنهضة والتقدم الرفاهية للشعب والعدالة الاجتماعية وحماية دستور البلد، أم أنت ذاهب لحماية مصالح لصوص وحرامية وزعران ومافيات نهب الثروة الوطنية وأموال الأسد وشاليش ومخلوف (أودع محمد مخلوف خال النظام 77 مليار دولار في روسيا من لقمة وحق وثروة الشعب السوري الذي بات اليوم واحداً من أفقر شعوب الأرض)، وسرقتها وتهريبها وحرمان الشعب المنكوب من التمتع بخيرات بلده التي سطا عليها واحتكرها لجيوبهم هؤلاء الضباع والمافيات واللصوص؟» ويضيف المؤيد لبشار سابقاً: «أيها الشاب السوري، هل رأيت ما حل بأقرانك من الشباب من خيرة وزهرة شباب سوريا كيف قضوا بالمجان ممن دفعوا حياتهم وشبابهم وعمرهم في هذه الحرب كيف فعل بهم النظام ورماهم وعوّض أهاليهم بساعة حائط و«صحارة» حمضيات معفنة ودون أن يعوض لهم بشيء ودون أن يقدم أو يصدر أية قرارات لصالح الشعب، بل غدر بالشعب وبدأ بسلسلة إجراءات انتقامية ضد الجميع وأنت غداً على موعد حرمانك من الاتصال مع أبيك وأمك بعد أن يحجب الأسد وعصاباته المافيوزية وضباعه النهمة الشرسة التي لا تشبع ولا تكل ولا تمل من مص دماء السوريين وإفقارهم وتجويعهم وقهرهم وإذلالهم خدمات الاتصال المجانية من الواتس والفيس والفايبر والمسنجر انتقاماً منك، وكله من أجل أن ينهب محمد مخلوف والأسد والشاليش المليارات ويهربونها لروسيا وإيران، ويأتيك واحد «مفعوص» فاسد وحرامي وصبي مافيات مثل ابن الفوز ليلعب بالمليارات ويسيطر على ثروتك الوطنية وحقك بها ويحرمك منها وتموت أنت بالنهاية بالمجان من أجل هؤلاء؟» أودع محمد مخلوف خال النظام 77 مليار دولار في روسيا من لقمة وحق وثروة الشعب السوري الذي بات اليوم واحداً من أفقر شعوب الأرض ويقول أحد الشبيحة الذي خسر أربعة من أفراد عائلته فداء لبشار: «أنظروا لزملائكم وأقرانكم الذين فروا ونفدوا بريشهم من جحيم النظام الأسدي كيف ينعمون بالمزايا والتعويضات والضمان الاجتماعي ويتقاضون الرواتب الشهرية بالعملة الصعبة في دول الغرب الإمبريالية ويعيشون بسلام واطمئنان ويحققون أحلامهم فيما ترمي لك عصابات القرداحة 10 دولارات راتباً شهرياً ثمنا لحياتك الرخيصة التي لا تساوي أي شيء عند هذه العصابات والحثالات القذرة الحقيرة المنحطة التي سطت على ثروة البلد وحقوق ومصائر البشر». ويضيف شبيح آخر: «كذّبوني لشوف: هل هذه سوريا الأسد؟ من كم يوم هجمت عصابات المحافظة بريف دمشق وهم كلهم مع المحافظ قشة لفة من عصابات الأسد وصبيان مخابرات بشار ويأتمرون بأمرتهم هجموا بكامل عتادهم الحربي المدجج بالأسلحة على مخالفة صغيرة بمنطقة عش الورور ارتكبها عسكري مقعد وجريح من الجيش من مدينة طرطوس وهو علوي بالمناسبة على أساس يعملها ورشة خياطة يتعيش منها هو ومرته وهالكم طفل من عياله بعد ما أصبح عاجزاً تماماً وفقد القدرة على الحركة، ويومها طبلت مواقع التواصل بالحادثة حتى الشيخ المهرج وكبير شبيحة الفيس والموالاة جنرال المخابرات والسفير السابق أبو المجد استنفر ووقف مع الرجل العاجز وكتب هالشي على صفحته متضامناً معه وضجت صفحات الشبيحة بالقصة مستنكرة ما قامت به عصابات وكلاب النظام ضد عسكري فقير علوي جريح وعاجز وقامت الدنيا وما قعدت واجتمعت القيادة القطرية وحكومة خميس لاتخاذ اجراءات صارمة بحق هالفقير الدرويش العاجز المعتر وتأديبه هو وكل من تسول له نفسه أن يعيش بشرف بكرامته ويكسب من عرق جبينه بسوريا الأسد….يعني ورشة صغيرة لفقير علوي دفع دمه منشان هالعصابات الحقيرة، الدولة كلها قامت عليه وقالت ممنوع يشتغل ويعيش بكرامته ويشبع الأكل بسوريا ولاحقين المواطن المعتر الفقير على الدعسة ولقمة العيش، فهلق يعني بدكم تقنعونا أن دولة الأسد صارت كتير متسامحة وقلبها طيب و«بزنس» وتشجع وتدعم رجل الأعمال السني سامر فوز وتسمح له ببناء المدن والضواحي الحديثة وتصدر له القوانين الخاصة لذلك كالقانون رقم 10 وتعديلاته وتطلق يده بعشرات مليارات الدولارات التي لا يعرف أحد من أين حصل عليها، والكل بسوريا وخارجها من الكبير للصغير والمقمط بالسرير يعلم أنه مجرد واجهة لبشار ورامي وبني شاليش الكرام العظام..».. وفي رسالة أخرى يقول أحد الشبيحة السابقين: «اضحكوا مع عصابات الأسد مخلوف شاليش: «سامر فوز ملياردير الغفلة بسوريا الذي ظهر على السطح فجأة في زمن الحرب والفقر والدمار وتوقف الأعمال ينشئ ويبني إمبراطورية مالية واقتصادية وعقارية ذهبية في قلب سوريا الأسد في دمشق عاصمة المملكة الأسدية وتحت أنظار عصابات الثلاثي أسد ـ شاليش ـ مخلوف التي تطارد فقراء سوريا على «صندوق بويا» وتمنعهم من العمل كبويجيه وتطاردهم على كشك فلافل وبسطة جرجير وفجل لأنها توهن نفسية الأمة وتقاسم المواطن رزقه وتبتز الفقراء بعيشهم ورزقهم بضرائب باهظة وستمنع عنهم قريبا الواتس آب والمسنجر والياهو والفايبر وتنهب السوريين وتجوعهم وتمص دمهم قال اليوم تسمح لهذا بتكديس المليارات الخرافية وعلى أساس «ما حدا شايفه» وأن أبو سمرا الفوزاني رجل عصامي وبنى ثروته بعرق جبينه وعشرات مليارات الدولارات التي يرشها هنا وهناك هي من شغله وتعبه وكد عرقه وجبينه بوظيفته بالريجيي والعمل بوزارات الدولة الفقيرة الجائعة المفلسة وأن دولة المخابرات والجنرالات اللصوص الحرامية تسمح للمواطن السوري بتكوين الثروات واللعب بالمليارات دون تدخل منها». «فعلا أنه شو هالسر بسوريا»، يضيف آخر، «أن المقاومين وأدعياء الوطنجية والممانعين الكبار كلهم مليارديرية ومن أصحاب المليارات والثروات والقصور والسيارات الفارهة والعقارات التي لا تأكلها النيران والفقراء المعترين و المثقفين الشرفاء والكتاب والإعلاميين المعارضين يُتهمون من الممانعين بالجاسوسية والعمالة للصهيونية والاستعمار»؟ وفي رسالة من مؤيد في الساحل السوري يقول: «يا حرام يا سوريا: غياب القانون والمؤسسات وسيطرة العصابات والمافيات، لا توجد دولة… أفراد هم من يديرون البلد ويتحكمون بكل شاردة وواردة ورقاب ولقمة عيش المواطن فلان وعلان هم سوريا والبلد لهم وآكلين البيضة وقشرتها والباقي لهم الفضلات، والشعب كله لا قيمة ولا وزن له أمام واحد من السلالات القدرية التي تقبض على الثروة وحقنا كلنا نكله مصدية هذا اذا لقينا مين يشتري شوية جوعانين وفقرا ومنتوفين… خوش مقاومجية والله». ٭ كاتب واعلامي سوري falkasim@gmail.com  |
| العدوان على غزة تأكيد لفشل الحلول الأمنية Posted: 16 Nov 2018 01:13 PM PST ظاهرة الهرولة الخليجية نحو تل أبيب ظاهرة تستحق التوقف أمامها، بعد أن اتسعت بين أوساط رسمية وشبه رسمية متنوعة، وبين فئة من رجال المال والأعمال، الذين لا حرج عليهم، فجمع المال هو غايتهم وتكوين الثروة هدفهم الأسمى، ومنهم من لا يتورع عن بيع بلاده بما فيها وبمن عليها.. وهذه الهرولة تعكس في جانب منها انتشار أوبئة الطائفية والمذهبية والانعزالية، وانتشارها يزيد من أخطار «الصهينة» والتطبيع.. ويستجيب لدعوات «العدو البديل».. والغرق في مستنقع التعصب والاقتتال الأهلي والبيني، والتماهي مع الأعداء الذين يعيشون أزهى عصورهم وذروة نجاحاتهم. ونمر بشكل عابر على تعليق هيئة البث البريطانية (بي بي سي) على العدوان، وسؤالها عما إذا كانت هناك فرص متاحة لهدنة طويلة بين تل أبيب وغزة؟.. فطبيعة الصهيونية لا تشغلها هدنة أو تهدئة؛ طويلة أم قصيرة، أو يعنيها وجود هدنة من الأصل.. فالبنيان عنصري، وعدوانه لا يتوقف عن سفك الدماء والاحتلال والتوسع وقضم الأراضي وبناء المستوطنات، وإذا توقف عن ذلك فقد طبيعته.. ولذا يستقوي بالقوة الأمريكية الغاشمة والمتوحشة؛ ويفرض الفصل العنصري فرضا، ووصل لمرحلة ينظر فيها إلى ما تبقى من تأييد واعتراف بالحقوق الفلسطينية ويعمل على اندثاره وتصفيته.. ومن المهم أن نشير إلى الدور الشيطاني الذي يلعبه «جارد كوشنير» صهر الرئيس ترامب، وراعي المشروع الامبراطوري الصهيوني، وإنكاره لأي حق فلسطيني، وإقراره بالقدس عاصمة أبدية للدولة الصهيونية، ومُصَادرته على حق العودة، وتأييده لبناء المزيد من المستوطنات، ورفضه قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، وعمله على فصل الضفة عن غزة، وإبعاده لاحتمالات السلام نهائيا عن المنطقة، ووقوفه حائلا أمام أي حل مرحلي أو دائم، وتعطيله ما لم يكن ملبيا لمصالح الدولة الصهيونية مئة في المئة، أو حاميا للتمييز العنصري، وما لم يكن مفروضا بالإرغام والإذعان والأمر الواقع، وباستبداد وفساد وتبعية نظم الحكم في كثير من بلاد العالم الإسلامي وأغلب أقطار «القارة العربية». وطال أذى ترامب القاصي والداني؛ شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. واتخذ بالفعل قرارات وإجراءات ظالمة ولا إنسانية ضد السلطة في رام الله، وفرض الحصار والجوع والموت على قطاع غزة، واستمر في الابتزاز والتصعيد منذ ما قبل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وأوقف تمويل اللقاءات الصهيونية الفلسطينية، وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن في أيلول/سبتمبر الماضي. وترامب هو صاحب مشروع «صفقة القرن» السري، وإقامة «دولة أردنية فلسطينية» فيدرالية؛ من ثلاث «دويلات»؛ واحدة في الضفة الشرقية لنهر الأردن، والثانية في الضفة الغربية، والثالثة في قطاع غزة.. أو يستبدلها بمشروع «غزة الكبرى»، الذي يقتطع مساحة من سيناء تحاذي ساحل البحر المتوسط حتى غرب العريش وعمقها الجنوبي؛ وضم أراضي من النقب مقابل أراضي مطلوب التنازل عنها من مصر، وتبدو هذه الخطة مطلوبة لإنجاح «صفقة القرن».. وهناك تسريبات عن موافقة «المشير» السيسي المبدئية على «تبادل الأراضي»، عندما طلب منه الرئيس الأمريكي ذلك!!. طال أذى ترامب القاصي والداني؛ شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. واتخذ بالفعل قرارات وإجراءات ظالمة ولا إنسانية ضد السلطة في رام الله، وفرض الحصار والجوع والموت على قطاع غزة ووفقاً لنص خطة «غيورا آيلاند»؛ الباحث بمركز دراسات الأمن القومي الصهيوني؛ المقترحة بديلا لحل الدولتين، ووُضعت عام 2010؛ تتنازل مصر عن مساحة 720 كيلومتراً مربعاً؛ تضاف لمساحة غزة، وهي تساوي 12٪ من مساحة الضفة الغربية، ويتنازل الفلسطينيون عن 12٪ من الضفة الغربية لصالح الدولة الصهيونية، فتنكمش الضفة الغربية وتتمدد غزة، وبتعين على مصر بناء على هذه الخطة أن تتصدر مشهد تنفيذ مشروع غزة الكبرى، ويتصدر الأردن بدوره تنفيذ مشروع «الدولة الأردنية الفلسطينية» الفيدرالية، وتبدو الخيارات ما زالت مفتوحة ولم تحسم بعد، وقد يكون ذلك سبب الحفاظ على سرية «صفقة القرن» حتى الآن انتظارا للحظة الحسم، التي قد لا تأتي. وأشارت مصادر صهيونية إلى تطورات جرت في السنوات الأخيرة، ووردت في تقرير نشره موقع «المونيتور» العبري، عن اهتمام دول إسكندنافية بالقضية الفلسطينية، وتقديم عدد من الليبراليين الجدد هناك، ووجدوا دعماً من أكاديميات سويدية لحل تناوله أستاذ الصحافة والكاتب الصهيوني «عاراد نير»، ويعتمد ما أسماه «إجراء تغيير مفاهيميّ وإدراكي شامل بشأن القضية الفلسطينية للوصول لحل يكسر الجمود السياسي الطويل». فبدلاً من تقسيم الأرض تبقى الأرض مشاعا بين دولتين، وتقام عليها دولة يهودية وأخرى فلسطينية؛ تتوازيان وتتداخلان وتمتدّان من نهر الأردن إلى البحر المتوسط. وتم توثيق الخطة في كتاب بعنوان «أرض واحدة لدولتين ـ إسرائيل وفلسطين كدول متوازية». واستثناء النزاع على «الأرض» وإخراجها من المفاوضات، وإنهاء «الاحتلال»، وضمان حرية التنقل للجميع في كل البلاد. وولاية السلطة يخضع لها اليهودي والفلسطيني بغض النظر عن الحيز الجغرافي الذي يقيم عليه، ولن تقام حدود بين الدولتين، ولكل دولة سلطتها القضائية الموزعة على جميع البلاد، ويشارك السكان في اختيار المسؤولين عن إدارة المنطقة؛ إن كانت يهودية أو فلسطينية بالانتخاب، ويختارون السلطة القضائية المناسبة. وتحتفظ كل دولة برموزها الوطنية، وحق تشكيل حكومة مستقلة ورئيس وزراء مستقل، وعن حق العودة ينص المقترح على تطبيقه بالتدريج؛ على أن تكون القدس عاصمة الدولتين. وقد وصف التقرير هذا المقترح بأنه محاولة نظرية تتبناها جماعة من الليبراليين الجدد ـ بدعم أمريكي في الغالب ـ وتعبر عن اتجاهات مختلفة في الفلسفة وفي النظرة للدولة والوطن، وتروج لتعريف مغاير لعلاقة السكان بالأرض. ونظرا إلى أنه مقترح خالف المقترحين السابقين؛ لم يتحول لمشروع سياسي، ولم يتمتع بالرواج أو الدعم اللازم من الطرفين؛ اليهودي والفلسطيني، وبقي في إطاره النظري بعيداً عن التطبيق. ومن المعروف ما من قوة إقليمية ودولية إلا ولها رؤيتها ومشروعها الذي تنطلق منه في التعامل مع القضية الفلسطينية؛ في وقت تراجع فيه «المشروع الوطني الفلسطيني»، وبدا هذا التراجع مقترنا بغياب «المشروع القومي العربي». ويعتبر ذلك نجاحا للدولة الصهيونية والولايات المتحدة وروافدهما الغربية والإسلامية والعربية بشكل عام، وتأييد حكومات السعودية والإمارات ومصر بشكل خاص، بما قدموا من جهد عُد انقلابا في ما يسمى مجازا «السياسات الرسمية العربية»، واعتمادها على الحلول والإجراءات الأمنية، وإفراغ القضية الفلسطينية والقضايا المصيرية الأخرى من محتواها الوطني والسياسي والإنساني. وانتزاعها من «مجالها الحيوي»، وتحميل الناس وزر تحولها من كونها قضية وطنية لشعب طرد من أرضه، وأخرج من دياره، وأستشهد كثير من أبنائه، وبعد ذلك أُسْقِطت خيارات تقرير المصير والتحرير والاستقلال الوطني، واختزلت في نزاع على أرض أُقتُلع منها أصحابها الحقيقيون، وقد تنتهي باشتباك بين القاهرة وواشنطن وتل أبيب؛ في حال استقرار «المجتمع الدولي» على تنفيذ مشروع غزة الكبرى، أو بين عَمّان وواشنطن وتل أبيب إذا ما تم تنفيذ مشروع «الدولة الأردنية الفلسطينية» الفيدرالية، والهدف في الحالين هو صالح المشروع الصهيوني، وتخفيف الضغوط الإقليمية والدولية على الاحتلال والاستيطان.. واستمرار الاقتتال البيني والمتبادل بين العرب وبينهم وبين جيرانهم، وفي كل الأحوال فالمكاسب تبقى مضمونة للمحتلين والمستوطنين والغزاة. وبعد ذلك هل بقيت فرصة أمام «القارة العربية» للإنقاذ؟ والرد لم يبق إلا خيار النجاة واستعادة القوة أو الغرق والاستقالة من الحياة. كاتب من مصر  |
| موقف تركي غير مساوم على قضية خاشقجي Posted: 16 Nov 2018 01:11 PM PST كثيرون تحدثوا عن «صفقة ما» ستقوم بها الحكومة التركية للتنازل عن المطالبة بدم الصحافي السعودي المغدور خاشقجي، والتوقف عن كشف ما يورط السعوديين، لكن كل هذه الافتراضات كانت خاطئة تماما، فلقد قدمت الحكومة التركية، عبر الإعلام المرتبط بها، وعبر قنواتها الرسمية الممثلة بالمدعي العام، كل ما يثبت تورط الحكومة السعودية، وواصلت ذلك حتى أقر المدعي العام السعودي بمعظم تفاصيل عملية خاشقجي وبضمنها تقطيع الجثة، التي استعاض عنها السعوديين بتعبير «تجزئة» الجثة. صحيح أن الأتراك لم يعلنوا للآن، أو يسربوا عبر إعلامهم التسجيل الصوتي، لكن ذلك من المتوقع أنه سيحصل قريبا، وصحيح أن الأتراك، على ما يبدو، لا يملكون تسجيل فيديو كما تناقل عدد من المعلقين، إلا ان التسجيل الصوتي، كما يبدو، يحتوي المعلومات الكافية لاستنتاج تفاصيل العملية، إذا ربط بالبيانات الأخرى، والأهم أن السعوديين اعترفوا رسميا بقتل خاشقجي وتقطيع جثته، ويبقى السؤال حول النية الأساسية من العملية مطروحا، هل هي عملية خطف تحولت لقتل؟ أم عملية قتل مع سبق الإصرار، خصوصا أن عملية قتل كهذه كان يمكن للسعوديين تنفيذها في أي مكان آخر خارج القنصلية، لو كانوا ينوون قتله منذ البداية، كما أن السياسة المتبعة مع كل المعارضين في عهد بن سلمان كانت الاعتقال دون الاغتيال، لكن الغوص في هذه التفاصيل غير مجد، طالما أن ما حصل لخاشقجي هو جريمة بشعة، سواء كانت بغرض خطفه أو تصفيته، وهناك حديث على أن الأتراك يملكون تسجيلات صوتية أخرى تظهر الإعداد المسبق لعملية القتل، لا الخطف. بعيدا عن هذه التفاصيل، التي لم تعد هناك حاجة للتبحر فيها، طالما اعترف المسؤولون السعوديون بفعلتهم البشعة، فإن السياسة التركية في كشف كل الأدلة التي ورطت السلطة السعودية كانت ورقة الضغط الأهم، التي فشلت كل المراهنات على سحبها أو عرضها للبيع أو المساومات، ذلك أن الكثيرين من معارضي سياسات الحكومة التركية المتذبذبة والمهتزة في العراق وسوريا، ظنوا أن الموقف التركي من هذه القضية سيكون في المستوى نفسه من الأداء، لكن قياس الموقف التركي، بمقياس سياساتها في العراق وسوريا، أمر لم يكن ليصح من البداية، فلكل مسار اعتباراته، ولكل حالة نقاط ضعف وقوة، فأنقرة لا تملك أوراقا في العراق وسوريا يمكن استخدامها أمام نفوذ إيران وروسيا، كما أن أولوياتها القومية قد لا تدفعها للتدخل بحماسة ضد حكومتي بغداد ودمشق، كما يريد منها العرب السنة الذين يبحثون عن مخلص بدون أن يقروا أن أولوياتهم هم ليست بالضرورة أولويات «الآخرين»، وإن كانوا حلفاء أو مقربين. السياسة التركية في كشف كل الأدلة التي ورطت السلطة السعودية كانت ورقة الضغط الأهم وبعد هذا الموقف التركي الصلب، ستواصل أنقرة على ما يبدو سياستها لاستثمار ملف خاشقجي، لكن علينا أن لا نذهب بعيدا في توقع ما سيحصل للسلطة السعودية، فبداية الإقرار السعودي بجريمة خاشقجي، جاء بضغط من الإدارة الأمريكية، وليس بسبب الضغط التركي. صحيح أن ما كشفته تركيا وفّر للأمريكيين فرصة للضغط أكثر وإحراج السعوديين وورطهم وفضح فعلتهم، إلا أن السلطة السعودية المعتادة على انتهاكات حقوق الإنسان واعتقال وتعذيب المعارضين وزجهم في السجون، لم تكن لتتأثر بأي ضغوط تركية، ولكنها تتحسب بلا شك، للموقف الأمريكي، وعندما نتحدث عن الموقف الأمريكي، فإننا نعني الرسمي ممثلا بالبيت الأبيض، فبعيدا عن كل الانتقادات اللاذعة للسعودية من الديمقراطيين، التي هي في جزء كبير منها تتم بدوافع النكاية بخصومهم الجمهوريين، فإن الرئيس الجمهوري ترامب، لم يصدر أي تصريح جدي ضد بن سلمان، بل على العكس أعطاه منذ البداية خريطة طريق للخروج من الأزمة، وهي الإقرار بالجريمة وتحميلها للمسؤولين التنفيذيين، وإصدار عقوبات بحقهم، وهذا ما فعله بن سلمان، إذ أنه فعل كما نصحه الأمريكييون، وأعلن عن اعتقال واتهام الفريق الأمني، رغم أن هذه الاتهامات وما ستقود له من أحكام قضائية شكلية ليست سوى ذر للرماد في العيون، فلن يضحي بن سلمان برجاله المخلصين، وسيفقد كل مصداقيته في صفوف أنصاره إن نفذ بهم أي احكام قضائية فعليا، ولعله سيقوم بسجنهم في أحد القصور لبضعة شهور ثم اطلاقهم بعد نسيان القضية، فهذه دولة لا حسيب ولا رقيب فيها على أفعال الحاكم. أما الموقف الأمريكي الرسمي، فسيواصل من خلال ترامب، التملص من توجيه اللوم لابن سلمان، الذي يبدو أنه تمكن من عبور هذه الأزمة، وساعدته بذلك سياسات عدم الاكتراث من البيت الابيض، ولعل الاستثمار الامريكي لهذه الازمة سيكون بالضغط على بن سلمان لوقف حرب اليمن التي تزداد وحشية يوما بعد يوم، ولعل تصريح المبعوث الامريكي لسوريا، جيمس جيفري، الذي قال «بوضع قضية جمال خاشقجي جانبا، ليس لدينا شريك افضل من السعودية في أزمتين رئيسيتين في الشرق الأوسط، احتواء مغامرات إيران ومكافحة الإرهاب» يوضح موقف البيت الابيض المهتم فقط بمصالح الادارة في تنفيذ سياساتها وإن بدعم إحدى أعتى السلطات المستبدة في الشرق الاوسط، كما تفعل ذلك منذ عقود. أما الجانب التركي فكل ما يهدف منه على ما يبدو من مواصلة تصريحاته حول قضية خاشقجي هو الضغط على واشنطن وليس الرياض، محاولا الحصول على مكاسب بقضية غولن، لإبعاده على الاقل طالما أن الغربيين لا يسلمون عادة الشخصيات المعارضة لحكومات بلادهم. كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»  |
| درس الحروب: أن تكون السلطة مدنية! Posted: 16 Nov 2018 01:11 PM PST ينسب إلى تاليران، وزير خارجية نابليون، أنه قال إن الحرب من جليل الخطر بمكان بحيث لا يجوز إيكال أمرها إلى الجنرالات والعساكر. ولأن هذه حكمة معبرة عن حقيقة تاريخية متجددة على مر العصور، فإن العقلاء يذكّرون بها كلما بدر من قادة الجيوش ما ينذر بخروج الطموحات العسكرية عن نطاق السيطرة المدنية أو إفلات الخطط الحربية خارج حدود المعقول السياسي. ولهذا فقد لجأ رئيس وزراء فرنسا أريستيد بريان إلى تذكير نظيره البريطاني لويد جورج بهذه الحقيقة أثناء الحرب العالمية الأولى. كما كانت هذه الحقيقة إحدى أهم العبر التي استخلصها شارل ديغول في الكتاب الذي نشره عام 1924عن أسباب انهيار ألمانيا غير المتوقع عام 1918. كان من أسباب الهزيمة أن ألمانيا لم تلتزم بالقاعدة الذهبية المتمثلة في وجوب خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية. فقد جنح الجنرال فون شليفن والأميرال فون تيربيتز والمارشال هيندنبورغ إلى التفرد بالقرار دون الرجوع إلى أهل السياسة. والأخطر أن هذا الخطأ القاتل، أي انقسام الرأي وعسكرة القرار، قد استحكم منذ ما قبل البداية، حيث تجاهلت القيادة العسكرية إنذار الدبلوماسية الألمانية لها بأن اجتياح بلجيكا سوف يرغم بريطانيا على دخول الحرب. ولهذا كان العنوان الذي وسم به ديغول كتابه هو: «الشقاق لدى العدوّ». كان ذلك أول كتب ديغول، فقد نشر عدة كتب بعد ذلك. إذ كان كاتبا بمثلما كان قائدا عسكريا وزعيما سياسيا من الطراز الأول. نشأ على كلاسيكيات الأدب الفرنسي، وكان شديد الغرام بشاتوبريان. وقد كان كتّاب من معاصري ديغول، من أمثال فرانسوا مورياك وألبير كامو وبول كلوديل وأندري مالرو، يعدّونه كاتبا مجيدا. وسبق للصحافي الراحل جان لاكوتير أن قال إن فرنسا أنجبت زعيمين سياسيين يتميزان بـ«جمال القلم»، هما ديغول وميتران، على أن صاحب الموهبة الأدبية هو ديغول. إذ إن في كتاباته، وخاصة في «مذكرات الحرب»، صفحات أخاذة لا بد أن يتضمنها أي مصنف عن تاريخ الأدب الفرنسي في القرن العشرين. أما الناقد جان ـ لوك باري فيرى أن ديغول هو آخر كتّاب فرنسا الكبار! كان من أسباب الهزيمة أن ألمانيا لم تلتزم بالقاعدة الذهبية المتمثلة في وجوب خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية وبمثلما أن الحرب من الخطورة بحيث لا يصح إسلام أمرها إلا إلى السياسيين، فإنها ما أن تضع أوزارها حتى تصبح من شأن المؤرخين. هذا على المستوى المعرفي. أما على المستوى الشعبي، فإن ذكرى الحروب عادة ما ترسخ في الوجدان العام بفعل الفن. فقد أثبتت الفعاليات المرتبطة بذكرى الحرب العالمية الأولى، من مائوية البداية قبل أربعة أعوام إلى مائوية الهدنة الأحد الماضي، أن هذه الحرب تحتل مكانة بارزة في الوعي العام الغربي. إذ تنتشر في أوروبا المعالم والتماثيل المتصلة بالحرب العظمى وأبطالها وضحاياها. ولا تكاد تخلو محطة قطار كبرى أو جامعة كبرى في بريطانيا، مثلا، من نصب تذكاري للضحايا من العمال والطلاب الذين التحقوا بجبهات القتال. ومن أهم العوامل التي جعلت الحرب العظمى تنتقش في الوعي العام الغربي أنها اقترنت بالشعراء والفنانين الذين قاتلوا فيها وصوروا آلامها وخلدوا ذكرى ضحاياها. إذ إن جميع البريطانيين والكنديين يعرفون بعضا من الشعراء الذين يسمون شعراء الحرب، من أمثال سيغفريد ساسون وويلفريد أووين(الذي قتل قبل أسبوع من نهاية الحرب!) والشاعر الكندي جون ماكراي. وليس هناك طفل في المدرسة في بريطانيا أو كندا إلا وهو عارف بقصيدة جون ماكراي «في ساحات الوغى بفلاندرز». أما في فرنسا، فإن كثيرا من كتّاب تلك الحقبة قد خاضوا الحرب وكتبوا عنها شهادات متنوعة، حتى أن معظم جوائز الغونكور في تلك السنوات قد أسندت لروايات من هذا الصنف الذي كان يسمى «أدب الخنادق». كان هنالك جيل من الكتّاب الشهود على الحرب من أمثال غيوم أبولينير، وبول كلوديل، وشارل بيغي، وبيار لوتي، وأندري موروا، والفيلسوف آلان والشاعر لوي آراغون. ثم تجدد الاهتمام بالحرب أوائل الثلاثينيات على أيدي كتّاب كبار من أمثال رومان رولان، وجول رومان وجان جيونو. إلا أن ذلك قد كان من منظور معاد للحروب ومتشائم بمصير الغرب إن هو لم يستطع إلى «السلام الدائم» سبيلا. ٭ كاتب تونسي  |
| الاختلاف الفرنسي الأمريكي ومستقبل أوروبا Posted: 16 Nov 2018 01:10 PM PST لم يكن اقتراح الرئيس الفرنسي ماكرون بإنشاء جيش لأوروبا يحميها من الأطماع الروسية والصينية وحتى الأمريكية، هو الاقتراح الأول في تاريخ أوروبا المعاصرة، فقد حاولت ألمانيا وفرنسا تأسيس ذلك الجيش قبل عقود، على الرغم من وجود حلف شمال الأطلسي العسكري «ناتو»، الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية بين الدول الأوروبية بالمشاركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لمواجهة الحلف العسكري الآخر باسم حلف «وارسو» بزعامة الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية قبل عام 1990. لكن المعارضة البريطانية حالت دون تأسيس ذلك الجيش الأوروبي حتى انسحابها من الاتحاد قبل عامين، ما اضطر فرنسا وألمانيا إلى تأسيس تحالف عسكري ثنائي بينهما منذ عقود، وكان ذلك مؤشرا على أن هناك خلافات في الرؤى والتقديرات العسكرية لفرنسا وألمانيا، مع باقي أعضاء الحلف في اوروبا اولاً، ومع أمريكا وقادة البنتاغون ثانياً، ولكن فرنسا وألمانيا، حيث لم تستطيعا توسيع حلفهما العسكري الخاص بأوروبا سابقاً، تنفستا الصعداء بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أولاً، ثم وجدتا أو استفادتا من دعوة الرئيس الأمريكي ترامب الدول الأوروبية إلى زيادة نسبة مساهمتها المالية في ميزانية حلف شمال الأطلسي العسكرية، فقد كان ذلك سبباً آخر لإعادة النظر في المشروع الفرنسي الأوروبي لتأسيس جيش أوروبي حقيقي خاص بها، وغير محتاج إلى القوة العسكرية الأمريكية، ولا الخضوع لابتزازها ولا الامتنان عليها. الرئيس الفرنسي صدم ترامب والأمريكيين بأن أوروبا بحاجة إلى جيش يحميها من أمريكا لا شك في أن هذا الخلاف الفرنسي مع أمريكا أحد أسباب الخلاف الأوروبي الأمريكي تاريخيا، لأن فرنسا ترى نفسها أرقى ثقافة وحضارة من الولايات المتحدة، وأن شعبها اكثر رقياً من الشعب الأمريكي أيضاً، ما أوجد رفضاً اجتماعياً وسياسياً في فرنسا لأن تكون القيم الأمريكية قائدة للحضارة الغربية عموماً، وهذا الشعور والتقييم نحو أمريكا وقيمها وشعبها، موجود لدى الدول والشعوب الأوروبية أيضاً، بما فيها الدولة الألمانية وشعبها، ولكنه بصورة أشد لدى المملكة المتحدة التي تركزت فيها قيادة الغرب، وبعض أجزاء العالم لأكثر من قرن قبل نقل هذه الزعامة العالمية رسمياً من البرلمان البريطاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1949، فبريطانيا هي التي طلبت رسمياً من الولايات المتحدة الأمريكية تولي شؤون العالم بالنيابة عن بريطانيا، بسبب تراجع القدرة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية. لقد حاول الرئيس الفرنسي ماكرون استغلال الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، والتقاء رؤساء العالم في باريس بتقديم اقتراحه بإنشاء جيش أوروبي حقيقي قبلها بأيام قليلة، وهو يعلم أنه يثير المخاوف والرفض الأمريكي لهذا الاقتراح، وهو ما تحقق فعلاً، فقد كان رد الفعل الأمريكي على لسان الرئيس الأمريكي ترامب صارخا وغير دبلوماسي بحسب الوصف الفرنسي، فقد وصف ترامب اقتراح الرئيس ماكرون حول تأسيس جيش أوروبي حقيقي بأنه: «مهين جدا»، وقد جاء تصريح ترامب قبل لقاء الرئيسين في باريس يوم الاحتفال. لم يتوقف تصريح ترامب على ذلك، بل كانت نظراته إلى الرئيس ماكرون نظرات ازدراء أثناء اللقاء بينهما، وطالبه في ذلك الاجتماع بأن تقوم فرنسا بتسديد ما عليها من حصة لميزانية حلف الناتو، وعدم التفكير بحلول أخرى، ومستهجنا قوله بأنه يريد من خلال ذلك الاقتراح حماية فرنسا من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، أي أن ترامب ضد الاقتراح الفرنسي، ولكن لم يقدم أجوبة على مخاوف الرئيس الفرنسي التي قال فيها ماكرون :»إن على أوروبا أن تحد من اعتمادها على القوة الأمريكية، ولا سيما بعد قرار ترامب الانسحاب من اتفاق للحد من الأسلحة النووية وقّع في الثمانينيات»، معللاً ذلك بالقول إن:»علينا أن نحمي أنفسنا تجاه الصين وروسيا، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية». ويعتمد ماكرون على رؤيته هذه بسبب مواقف ترامب النووية، إذ قال: «حين أرى الرئيس ترامب يعلن انسحابه من اتفاقية كبرى لنزع السلاح، أبرمت بعد أزمة الصواريخ في أوروبا في الثمانينيات، من سيكون الضحية الرئيسية إذن؟ أوروبا وأمنها». هذه المخاوف الفرنسية الحقيقية من أن تكون أوروبا ضحية الصراع الأمريكي الروسي أو الصيني لم يتناولها ترامب، ولم يعلق عليها بجدية، بل ذهب إلى وصف تصريحات ماكرون بـ»المهينة جداً»، حدث هذا قبل لقائهما في القمة الاحتفالية، وقال ترامب مذكراً ماكرون أو متهكماً بأن:» ألمانيا هي من يقف وراء الحربين العالميتين». وكأن ترامب يريد أن يقول لماكرون بأن اتباعك لألمانيا بهذا المقترح سيؤدي بك وبأوروبا إلى حرب عالمية ثالثة، أي أنه يتهم ألمانيا ولو بطريقة غير مباشرة بأنها هي وراء الاقتراح الفرنسي بإنشاء جيش أوروبي خاص، فكتب ترامب، على «تويتر» بعد رجوعه إلى أمريكا: «ماكرون يقترح تشكيل جيش خاص له لحماية أوروبا من الولايات المتحدة والصين وروسيا.. إلا أن ألمانيا هي التي أشعلت الحربين العالميتين الأولى والثانية، فماذا نتج عن ذلك لفرنسا؟ لقد بدؤوا تعلم اللغة الألمانية قبل دخول الولايات المتحدة على الخط»، وختم ترامب تغريدته مخاطبا ماكرون: «عليك أن تختار بين دفع الأموال للناتو من عدمه»، وهذه لغة غليظة وغير دبلوماسية. هذه درجة من الخلافات الفرنسية الأمريكية، لم تكن معهودة في الخطاب السياسي والدبلوماسي بينهما، فالرئيس الفرنسي صدم ترامب والأمريكيين بأن أوروبا بحاجة إلى جيش يحميها من أمريكا، كما يحميها من روسيا والصين، ولكن الرئيس الفرنسي علل ذلك بسبب مواقف الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من معاهدات نووية مع روسيا، وهذا سيؤدي إلى سباق تسلح نووي مرة أخرى، فإما أن تكون أوروبا مضطرة للمشاركة في هذا السباق النووي، أو أن تكون ضحية هذا الصراع الروسي الأمريكي على الأراضي الأوروبية، وحجته الأخرى بضرورة تأسيس هذا الجيش الأوروبي، ليس بالضرورة أن يجد كل هذه المعارضة الأمريكية، كما قال الرئيس ماكرون إنه: «ليس من العدل أن نضمن الأمن الأوروبي بالاعتماد فقط على الولايات المتحدة»، فما هو الخطأ ان تطالب الدول الأوروبية بأن يكون لها جيش حقيقي لا تكون امريكا شريكا فيه، وفي الوقت نفسه لن يكون بالتأكيد ضد أمريكا، إلا إذا أقدمت أمريكا على مهاجمة أوروبا عسكرياً، أما الحرب الاقتصادية بينهما بعد مجيء ترامب فلها أجوبتها الأوروبية أيضاً، وهذا يعني ارتفاع درجة الخلاف الأمريكي مع حلفائها الأوروبيين، وهو ما سوف يغير في مستقبل أوروبا، فمواصلة أمريكا فرض رسوم جمركية عالية على المستوردات من الدول الأوروبية، سيؤدي في النهاية إلى تصدع التحالف الغربي، وإن من أكبر الأسباب سياسات الرئيس ترامب المالية والاقتصادية. كاتب تركي  |
| خواطر من وحي التطاحن الرأسمالي العالمي الأول Posted: 16 Nov 2018 01:09 PM PST لا شك في أن إخراج أي مشهدٍ يلعب دوراً كبيراً في ما ينشأ من انطباعٍ وتأثيرٍ نفسي وما يتخلق من قناعاتٍ وأفكار، وقد يذهب البعض إلى كونه يلعب الدور الرئيس بأل التعريف، أنه كل شيء. وكذلك الحال مع الخطاب السائد الذي تدعمه قوةٌ مادية كبيرة نسبياً، وبالتالي آلةٌ إعلامية ضخمة ومتسيدة. تملكني ذلك الخاطر، وأنا أراقب مراسم الاحتفالات بمرور مئة عامٍ على نهاية الحرب العالمية الأولى، خاصةً في بريطانيا. ذلك الكم الهائل من التحضير وتلك المهابة التي لفت الإخراج المسرحي الفخم والمهيب، أعضاء العائلة المالكة، الذكور بزيهم العسكري الأنيق، وضباطٌ كبار من شتى أفرع القوات المسلحة، رئيسة الوزارة وزعيم حزب العمال المعارض كوربن، مندوبون وممثلون عن المستعمرات السابقة التي أسهمت في المجهود الحربي البريطاني، أثناء تلك الحرب. الكل يتقدم في مهابةٍ وجلال فيضع إكليلاً من الورود على النصب التذكاري، ثم ينحني احتراماً لمن فقدوا حياتهم في تلك الحرب الأشمل حتى حينها، تحت نظر الملكة التي تتابع من شرفة. (بالطبع لم أملك سوى أن أقارن ذلك الإخراج بما يحدث لدينا، بالسيسي الذي يولينا قفاه متندراً متفلسفاً متفاكهاً، إذ أختلف مع المضمون في الحالتين، لا يسعني إلا أن أضحك في مرارة من رداءة الإخراج والأداء لدينا!). مواطنون بريطانيون كثر لا شك تسمروا أمام التلفاز يراقبون العرض ذا الإخراج المبهر، وربما يملؤهم زهو بالإمبراطورية البائدة التي لم تن تتضاءل وتنكمش حتى لتوشك على الانشطار في حال انفصال سكوتلندا. احتفالٌ شبيه حدث في فرنسا لكن السؤال الأهم، كما هي العادة، يظل لا يُسأل كثيراً، يضيع في غمرة العرض الضخم الفخم والمسلمات: لماذا مات كل هؤلاء الملايين؟ ربما أتت الإجابة الجاهزة سريعةً، “كليشيه”، من أجل الحرية أو من أجل الوطن واستقلاله، فالأكيد أن كلمةً لم تبتذل و”تُعهر” كما حدث مع كلمة “الحرية” التي اُتخذت ستاراً لكل القضايا المنحطة والقتلة المأجورين المرتزقة، كالكونترا في نيكاراغوا على سبيل المثال لا الحصر. في بريطانيا أسموها الحرب العظيمة من أجل الحضارة، فيا له من توصيفٍ فخيمٍ جليل. لكن السؤال الطبيعي الذي ينبغي أن يلي هو: حرية من؟ ومن الذي كان يتهدد هذه”الحرية”؟ هل حارب ملايين الهنود من أجل حرية بريطانيا العظمى التي تستعمرهم وتمتص دماءهم في حربين عالميتين؟ بالطبع لا. إن أبشع ما في الواقع، في نظري، هو حين تتبنى الضحية قضية ومصلحة سارقها وجلادها. لم تكن تلك الحرب التي حارب فيها قرابة السبعين مليوناً وراح ضحيتها زهاء تسعة ملايين جندي ناهيك عن الضحايا من المدنيين، حرباً من أجل الحرية، أو أي هدفٍ سامٍ من هذا القبيل وإنما مجرد تطاحنٍ وتصارعٍ على الكعكة، على العالم والأسواق، حيث ارتأت ألمانيا بمصالحها الاقتصادية المتعاظمة والمتنامية القوة، أن حقها مهضومٌ في تقسيمة ومحاصصة العالم تحت سيطرة فكرة القومية والدولة الوطنية. صراع رؤوس أموالٍ ومصالح على تقسيم الأسواق. لا أنكر بطبيعة الحال أن أهواءً ومشاعر “وطنية” قد تكون لعبت دوراً وأثرت في مجريات الأمور والاختيارات، إلا أن الأساس اقتصاديٌ في الأساس، فقد كان العالم في مجمله قد اكتُشف، ووصل صراع رؤوس الأموال على الأسواق نقطة الانفجار، فتطاحنت ومات الملايين هدراً، حربٌ بين القوى الأوروبية، العالم مسرحها ومن ثم وُصفت بـ”العالمية”. وقد أبرزت تلك الحرب القيمة الفارقة لأمر آخر: الاختيار، فمن اللافت في هذا السياق أن جُل الأحزاب اليسارية، وعلى رأسها الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني الذي كان من المفترض أن يكون أثبت وأعمق من حيث التأسيس النظري، تلك الأحزاب اصطفت إلى جوار الدولة الوطنية، أي رأس المال، في هذه الحرب الطاحنة، وحدهم البلاشفة بقيادة لينين والمناضلة كروزا لوكسمبورغ وقفوا ضد الحرب ورأوها على حقيقتها: صراع كلابٍ وتزاحمها على الغنيمة. كان ذلك اختياراً واعياً من الطرفين أثّر في تاريخ العالم. رغم كل الضحايا ومرّ السنين مازال العالم يحتفل بمئوية تلك الحرب البشعة ملقياً ربما باللائمة على الأطماع التوسعية الألمانية لكن للأسف، على الرغم من كل الضحايا ومرّ السنين الذي يسمح بالحكم بعيداً عن العواطف، مازال العالم يحتفل بمئوية تلك الحرب البشعة ملقياً ربما باللائمة على الأطماع التوسعية الألمانية، عوضاً عن أن تكون ذكرى لإدانة الجشع الرأسمالي وأزماته الطاحنة التي تؤدي إلى حروب كهذه وعلى نطاق كهذا. والحقيقة أن ذلك ليس مستغرباً تماماً، فقد غُدرت الثورة الروسية، إذ أنتجت دولةً رأسماليةً أخرى تنتهج رأسمالية الدولة، ومن ثم اشتعلت حربٌ أخرى أكلت قرابة الخمسة والأربعين مليوناً هذه المرة في ظل تطور آلات الفتك والتدمير التي أبدعها رأس المال؛ والشاهد أن رأس المال خرج منتصراً من هذه الحرب، فذلك الكم من التدمير والخراب ساهم في إتاحة حقبةٍ من النمو المتصل استمرات قرابة ثلاثة عقود لبناء ما دُمر. ثم عادت الأزمات مئة عامٍ على نهاية الحرب الكبرى ومازال رأس المال مسكوناً مفعماً بالأزمات، مئة عامٍ ولم يزل يخرب الكوكب ويغذي الصراعات والحروب، يبدع العلاجات وينشر الأوبئة، وتزداد مقدرته على التدمير بمقدار تطوره العلمي. الفارق هذه المرة أن ما أنتجه الوحوش الكبار من أسلحةٍ نووية وهيدروجينية، لم يعد يتيح المجال للتطاحن بينها بما سيؤدي له ذلك لا محالة من الفناء، فاستعاضوا عن ذلك بحروب الوكالة. فارقٌ آخر أيضاً يكمن في أن كثيراً من المستعمرات القديمة، شبت عن الطوق وانضمت إلى نادي الكبار، بل الكبار جداً كالصين والهند، وهي تطالب بما يليق ووزنها من الأسلاب، ويتعين هنا لفت الانتباه إلى كون ذلك النمو الذي شهدته تلك الدول يرجع في قدرٍ كبير إلى تصدير رأس المال لها بحثاً عن عمالةٍ رخيصة فراراً من صراعات الداخل. والآن، وفي ظل أزمة الرأسمالية، ها نحن نرى حولنا صعوداً لليمين، بل الفاشية، حول العالم وحماساً متجدداً للدولة الوطنية والنزعات الشوفينية بعد أن تصور البعض ضمورها، في ظل العولمة وأحادية القطب التي سادت قرابة عقدٍ ونيف منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. من الجدير بالذكر أن كارل ماركس لم ينكر أن الرأسمالية كانت “طبيعيةً” في زمنها، أي أنها خطوةٌ في التطور لم يكن عنها محيص، بل أدرك واعترف بمزاياها وما قدمته للبشرية، إلا أنه عارض فكرة أبديتها ودوام “طبيعيته” وأصر على طبيعتها المأزومة التي لن تني تنتج صراعاتٍ مدمرة، وهو ما نراه الآن. مئة عامٍ ومازلنا نعيش اختلاجات احتضار ذلك المسخ، العنيفة الدموية المدمرة، وفي مقابل ذلك تنمو حركات احتجاجٍ وتستعيد الأفكار اليسارية ألقها، مع ميلٍ ملحوظٍ للعفوية ذات الطابع الاحتجاجي بعيداً عن التنظيم، وهو ما يقلقني شخصياً. منذ مئة عامٍ أساءت القوى اليسارية الاختيار، وكررت ذلك كثيراً، فهل نحسن نحن الاختيار الآن؟ كاتب مصري  |
| في حضرة أبو عمار Posted: 16 Nov 2018 01:08 PM PST مرت يوم الأحد الماضي الذكرى الـ14 لاغتيال الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) في مقره المحاصر في رام الله، وفي هذه المناسبة ليس هناك ما يمكن أن يقال عن الرئيس الراحل، فكل شيء قيل فيه وعنه، من الأعداء قبل الأصدقاء. لكن مهما اختلف هؤلاء في تقييمه، فإنهم لن يختلفوا حول رمزيته التي حافظ عليها على مدى عقود من النضال والزعامة وحتى رحيله غدرا. ولم يبق للحديث عن أبو عمار سوى تلك التجارب الشخصية التي ينفرد فيها كل مجرب ولا احد غيره، رغم أن تلك التجارب قد تنتهي إلى النتيجة نفسها، ومفادها انه حقا زعيم مميز وفذ يأسر بأخلاقه وكرمه وتعامله واحترامه وابتسامته العريضة وأبويته، زائره. وكنت أحد المحظوظين بهذه التجربة التي تكررت ثلاث مرات، على مدى ثلاث سنوات من2002 مرورا بـ 2003 و30 سبتمبر/أيلول2004 أي قبل تسميمه بأسبوعين، وكنت آخر من أجرى معه حوارا صحافيا. التقيت الرئيس الراحل في شبابه في الأردن لأول مرة، ولكي أكون اكثر دقة لمحته لمحة سريعة في العاصمة الأردنية عمان عام 1969. ولم أراه ثانية إلا في عام1993 وبرفقة صديق عزيز هو حسين أبو العلا السفير المتقاعد الآن، وهذه المرة في تونس حيث كنت موجودا بدعوة من وزارة السياحة لإعداد ملحق سياحي عنها. وبرفقة الصديق ابو العلا توجهنا لتقديم التهاني للرئيس على ما أظن بعيد الأضحى. وجلسنا في حضرته مثل المهنئين الآخرين الذين كانت تعج بهم قاعة الاستقبال، ولكن أبو عمار لم يرفع عينيه الصقراويتين، عني من لحظة دخولي القاعة وجلوسي لا حبا بي طبعا، بل شكا، لأنني كنت الوجه الوحيد غير المألوف لديه في القاعة. ولم يهدأ له بال حتى عرف هويتي. والمعروف عن أبو عمار حذره الأمني الشديد وقدرته على تذكر كل الوجوه التي يلتقيها، ولكن في النهاية لم يسعفه حذره فوقع في شرك المتآمرين، وربما كان أحد أقرب المقربين إليه، وكما يقول المثل لا يقع إلا الشاطر. وشاهدت الرئيس الراحل بل صافحته للمرة الثالثة في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، خلال زيارة له للندن بعد اتفاق أوسلو المشؤوم. المعروف عن عرفات حذره الأمني الشديد وقدرته على تذكر كل الوجوه التي يلتقيها، ولكن لم يسعفه حذره فوقع في شرك المتآمرين مرت سبع سنوات قبل اللقاء الرابع مع أبو عمار، وكان هذه المرة لقاء مطولا وكنت جالسا إلى الطاولة إلى يساره لا يفصلني عنه سوى أقل من متر، في القاعة الشهيرة ذاتها التي كان يستقبل فيها زواره أثناء حصاره في مقر المقاطعة شبه المدمر والدبابات الاسرائيلية على بعد أمتار فقط. وكانت هذه اللقاءات عبارة عن حوارات صحافية بدأت في صيف عام 2002 ، بينما كان أبو عمار لا يزال تحت الحصار، واستمرت حتى قبل أسبوعين فقط من انهياره الصحي وخمسة وثلاثين يوما من رحيله. في ذاك اللقاء الصحافي، وهو الأول لي مع الرئيس الراحل، شاهدت وجوهه المختلفة على طبيعتها، شاهدت فيه الإنسان والاب الحنون وشاهدت فيه السياسي المحنك والقائد الشجاع كما شاهدت فيه الممثل المسرحي الكبير. وكما العادة لم ندخل في هذه المرة وفي المرات اللاحقة إلى حضرة الرئيس، إلا بعد منتصف الليل. وكان في المرات الثلاث جالسا على مقعده في تلك القاعة المستطيلة الشهيرة، التي كان يستقبل فيها كل ضيوفه كبارا وصغارا، بعد أن ضيق الاحتلال الخناق عليه، كان يجلس إلى رأس تلك الطاولة المستطيلة، وخلفه أكوام من الأوراق وحوله أكوام من الاوراق. وحول الطاولة كان يجلس عدد من القيادات الفلسطينية، الذي ظل ملازما له طيلة فترة الحصار، وأذكر على وجه الخصوص الصديق نبيل أبو ردينة الناطق باسم الرئاسة، وهو منصب يحتفظ به حتى الآن، الذي نسقت معه اللقاء الصحافي. وفي ذاك اللقاء الذي تم في ليل 24 يوليو/تموز2002 ، كان أبوعمار حاضرا حول الطاولة المستطيلة، التي كانت تزخر بأصناف الطعام المختلفة في مقدمتها أكلة المقلوبة الفلسطينية والسلطات واللبن الرائب وغيرها، هب واقفا عند دخولي برفقة صديقي وزميلي نظير مجلي، وطبعا نبيل ابو ردينة. وبعد السلام والقبل، أجلسنا إلى جانبه، ودعانا إلى تناول العشاء، فبينما كنا ننعم نحن وبقية الموجودين الذين لا يسمح لأي منهم بمغادرة القاعة إلا بعد تناوله العشاء، رغم تأخر الوقت ودسامة الطعام، كان هو يكتفي بقليل من الجبن والعسل والقزحة (حبة البركة) وما يوفره الموسم من فواكه، وعلى وجه الخصوص البطيخ والشمام، حيث كنا في فصل الصيف، وكأن أصناف الطعام لم تكن كافية فكان بين الحين والآخر، يمد اليّ يده الصغيرة الناعمة جدا مقارنة بكفي الكبير الخشن، تارة بقليل من القزحة وتارة بلقمة من العسل وتارة ثالثة بقطعة من الجبن، أو من الشمام أو البطيخ، أو ما توفر من فواكه أمامه. ولم يكن بوسعي أو بوسع أي كان رد كرمه، فأتناول ما تأتي به يده المرتعشة ممتنا وشاكرا وخجولا، بما فيها القزحة رغم أنني لا أحبها. وأذكر انه كان من بين الموجودين في تلك الليلة إضافة إلى مسؤولين آخرين، الصديق سلام فياض وزير المالية الجديد في حينه، الذي أشيع في حينه أنه فرض على أبو عمار، امريكيا. وعايشت في تلك الليلة عمليا الوجه الآخر لابي عمار متمثلا بموقف إنساني كبير، موقف لا يصدر إلا عن زعيم كبير واثق، موقف ترى فيه عرفات الإنسان، عرفات الأب، عرفات الحريص على الصغير قبل الكبير، ولن انسى أبدا في تلك الليلة ذاتها اللفتة الإنسانية تجاه سلام فياض، رغم عدم رضاه عنه، لن أنسى كيف طلب من حراسه أن يوصلوا فياض إلى الفندق الذي كان ينزل فيه سالما، ولم يكتف بالوصية، بل اتصل بعد عودة الحراس، به شخصيا ليتأكد من وصوله بسلامة إلى الفندق، كما لن أنسى أيضا في تلك الليلة حرصه على راحتنا وخوفه على سلامتنا، حيث اضطررنا لقضاء الليلة في المقاطعة لخطورة الأوضاع والتحرك في الليل، فأوصى بنا توفيق الطيراوي (ابو حسين) الذي كان مدير المخابرات العامة في الضفة الغربية، شخصيا وحمله مسؤولية سلامتنا وراحتنا. فقضينا أنا وزميلي نظير مجلي ليلا ليلاء في المقاطعة التي كانت شبه مدمرة، على سريرين حديدين في الجسر شبه المدمر الذي كان يربط بين مبنيين. ورغم اننا نجونا أثناء مغامرة الوصول من فندقنا إلى المقاطعة في ظل منع تجول مشدد، من رصاصات جنود الاحتلال، فإننا لم ننج من لسعات البعوض الذي وجد جلدا جديدا غير الذي تعود عليه. وأجريت حوارا ثانيا مع أبو عمار في2003 وحوارا ثالثا في 2004، وتحديدا في الساعات الأولى من فجر الأول من أكتوبر، أي قبل اسبوعين فقط من الإعلان عن مرضه، ولم أكن أعلم أن ذاك الحوار الذي استمر ساعة تقريبا، سيكون الحوار الأخير، فلم تبد عليه بوادر مرض أو تعب أو إرهاق، وعلى العكس تماما كان يقظا متحفزا حاد الذهن. لم تفارق البسمة وجهه إلا عندما تسأله سؤالا لا يروق له أو يستفزه، فيعقد حاجبيه ويلوح بأصبعه بحركة مسرحية تعبيرا عن غضب يجمع بين الجد والتصنع. واختتم بالقول إنه، رحمه الله، كان يعامل الجميع بحنية الأب وحميمية الصديق الأعز وكأنه يعرفك منذ زمن طويل، يتعامل معك بكل الاحترام وبأدب جم، فبينما كنا حين نتوجه اليه بالكلام نناديه بالاخ ابو عمار، كان يرد علينا بالاستاذ علي والاستاذ نظير، عاش زاهدا في الحياة مخلصا لأصدقائه محافظا على شعرة معاوية لم يقطعها ابدا، فإن هم أرخوا شد، وإن هم شدوا أرخى، لذلك فإنه رغم مرور 14 عاما على رحيله ولا يزال القاتل حرا طليقا، رغم الادعاء بمعرفته ولا أدري لماذا تجري التغطية عليه، فإن الناس تتحدث عنه وكأنه لا يزال على قيد الحياة، قليل هم الزعماء إن وجدوا أصلا، الذين يمكن أن يجمعوا بين كل هذه الخصال. فرحم الله الزعيم الخالد. كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»  |
| غزة… Posted: 16 Nov 2018 01:00 PM PST |
| التعليم في العالم العربي: أزمة هوية وجنوح نحو النموذج الغربي Posted: 16 Nov 2018 01:00 PM PST لا يختلف اثنان على أن التعليم في العالم العربي يعاني أزمة حقيقية، وإن اختلفت أسبابها من دولة إلى أخرى، فالنتيجة غير مشجعة البتّة، أقلّها على الصعيد التنموي. وكغيره من القطاعات، يعاني التعليم المدرسي غياب الاستراتيجية لدى الدول العربية لتطويره، بما يتناسب مع احتياجات المجتمع المحلّي وقيمه وهويته من ناحية، ومتطلبات المجتمع الدولي من ناحية أخرى. غير أن الخطر الحقيقي يكمن أكثر في القطيعة التي أحدثها هذا القطاع مع المجتمع المحلي وركائزه الأساسية من لغة وهوية وثقافة. التركيبة الاجتماعية والثقافية تعرّف منظمة اليونيسيف (1960) التعليم بأنه «وسيلة لتمكين الأطفال والكبار على السواء من المشاركة بفعالية في تحول المجتمعات التي يعيشون فيها. ومن الضروري أيضاً أن يشدد التعلم على القيم والمواقف والمسالك التي تعلم الأفراد طريقة العيش المشترك في عالم بات متنوعاً ومتعدداً». وعليه، لا يمكن أن يُساهم التعليمُ في تطوّر المجتمع ونهضته، وفي وضع أسُس العيش المشترك، من دون أن يستندَ إلى سياسات ورؤى تهدف إلى المحافظة على ركائز المجتمع، وإلى إيجاد حلولٍ للإشكاليّات التي تطرأ عليه أو تستهدف تركيبتَه الاجتماعيّة والثقافيّة. إن دور التعليم هو التأسيس لثقافة وطنية جامعة تحفظ منظومة قيم المجتمع وهويته ولا تزعزهما. وفي الإطار ذاته، نجد أن معظم النظريات التعليمية التي تستند إليها السياسات التربوية الحديثة تركّزعلى أهمية السياق الاجتماعي والثقافي للتطوّر والتعلّم. وهذا يعني بشكل بدهيّ أن النظام التعليمي يجب أن يرتبط بهذا السياق، أي أن يستخدم ويستهدف الأدوات الثقافية والاجتماعية الخاصة بالمجتمع المحلي، ليعمل على تركيزها وتطويرها ضمن حدود هوية المجتمع. وحريّ بالقول أن العديد من الدول تقوم بإصلاحات تعليمية، وبتطوير سياساتها التربوية على أساس رؤية استراتيجية ترتبط بمستقبلها الحضاري التنافسي في المنطقة، وبمدى محافظتها على هويتها وثقافتها ولغتها. أين العالم العربي من هذا ؟ وأين هذا النظام من بناء مفهوم الهوية الثقافية واللغوية والوطنية لدى الطلبة ؟ تدهور وجمود إذا وضعنا جانبًا الحال التي وصل إليها التعليم من تدهوروجمود في بعض الدول العربية التي تعاني حاليًا من الحروب، فيجب ألا تغرّنا الخطابات الرنّانة التي تناولت تطوّرالنظام التعليمي ونجاحه في دول عربية أخرى طالتها الإصلاحات التعليمية. فتقويم نجاح أي نظام تعليمي يعتمد على معاييرمختلفة، منها الأكاديمي والبيداغوجي، ولكن أيضًا هناك معايير ترتبط بالتنمية الاجتماعية، وبدورالمدرسة لأنها مؤسسة تُعنى بالإصلاح الاجتماعي، خاصة في المجتمعات التي تعيش صراعًا من أجل البقاء والمحافظة على هويتها. من الضروري أن يساهم النظام التعليمي في تطويرمعارف الطالب ومهاراته، لكن معايير النجاح تكمن أيضًا في المحافظة على عاملين مهمّين: الهوية واللغة، وهذه ليست الحال في الوطن العربي. فبعض الدول العربية التي أرادت النهوض بنظامها التعليمي، لا يمكن اعتبار محاولاتها ناجحة لأنها غرقت في الشكل على حساب المضمون، ولم تربط بين التغيير في النظام التعليمي وواقع مجتمعها ورؤيتها الحضارية وهويتها. فاعتبرالعديد منها أن النهضة إنما تكون باستحضار النموذج الغربي، وتقليده أو الإبقاء على إرثه، وهذا أمر لا يرتبط بأي استراتيجية نهوض لأي دولة. استيراد النظام التعليمي إن أبرزأزمة يعاني منها التعليم في العالم العربي هي أزمة «استيراد النظام التعليمي» من الخارج. فبدلًا من العمل على تنمية النظام القائم انطلاقًا من واقع المجتمع واحتياجاته وتطلعات الأفراد والدولة، مع الحثّ على الاستفادة من خبرات الآخرين المتقدمة والاطلاع عليها والأخذ منها، نرى دولًا عربية تستنسخ النماذج الغربية بدون دراسة حقيقية للسياق الاجتماعي والتاريخي والثقافي للمكان ولأدواته. وتجدر الإشارة إلى أن هذا لا يعتبرانفتاحًا البتة، لأن الانفتاح يقوم على أساس تبادلي يملك فيه الطرفان أدوات وتجارب وخبرات تمكنهما من النقاش والتفاوض لما هو أفضل للدولة، دون أن تكون المعادلة السائدة غير متوازنة كما هي الحال. فما يحدث قائم على علاقة أحادية في تصدير النموذج الغربي بكلّ أدواته ورموزه وثقافته ولغته، مما أدّى إلى إفلاس في النظام التعليمي العربي، كان له تأثيره على فكر الطالب وتغييب دوره من ناحية قضايا مجتمعه. حالة قطيعة بين المدرسة والمجتمع وقد أدى فرض هذا النموذج إلى تردّي وضع المدارس الوطنية لصالح المدارس الخاصة التي يُعتبر بعضها وجهًا من وجوه العولمة والاحتلال الثقافي للدولة. وهذه المدارس التي تأتي بمنظومة قيمها الخاصة، لا يفقه معظمها شيئًا، عن قصد أو عن غير قصد، عن خصوصية المجتمع العربي وتركيبته الاجتماعية، فتفرض نموذجًا ثقافيا مغايرًا، يلمع سطحه بريقًا، فينصهرالطلاب وقبلهم الأهل ضمن هذا النموذج، وذلك على حساب الهوية واللغة. ونلحظ إشكالية أخرى ترتبط بالتعليم الرسمي، حيث أن بعض الإصلاحات التعليمية في العالم العربي تمّت تحت شعار رفع مستوى المدرسة المحلية. لكن المشكلة تكمن في الاستعجال في تطبيق النظام الجديد، ومحاولة إحداث تغيير في ممارسات المدرسة المحلية دون دراسة موضوعية للبيئة الحاضنة. فالتغيير في فلسفة التعليم لم يترافق مع أي خطة تغييراجتماعي، فبدا النموذج مركبًا غير ملائم للمجتمع. بمعنى أدق، لايوجد نهج تعليمي سيىء أوجيد بمقدارما هو نهج ملائم أوغير ملائم لمتطلبات المجتمع ولتركيبته. فإن كانت المدرسة تلعب دورًا في التغيير الاجتماعي، يجب أن تكون مالكة على الأقل لبعض أدوات المجتمع حتى تطوّره تدريجيًا بالشكل المطلوب. لكننا نعيش حالة قطيعة بين المدرسة والمجتمع الذي ما زال، في بعض الدول، متأخرًا عن توقعات المدرسة وقيمها حسب النظام الحديث. إن النظام التعليمي القائم على الطالب ومسؤوليته واستقلاليته ومحوريته في التعليم، من الصعب ضمان نجاحه الحقيقي في مجتمع ما زال يعاني من مشاكل في حقوق الإنسان مثلًا. فهذا التناقض بين خطاب المدرسة وبين واقع المجتمع، وواقع المعلم الذي يحمل قيم المجتمع، عمّق أزمة التعليم. وليس الحلّ طبعًا أن تبقى المدرسة على ما هي عليه من تخلف ورجعية، ولكن التغيير يجب أن يأتي من الداخل وأن يترافق مع تغييرات اجتماعية أخرى تصل إلى فئات المجتمع جميعا لأن المدرسة لا تنفصل عن بقية قطاعاته. كاتبة عربية تقيم في كندا  |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق