| لماذا تغيّب حفتر (والسيسي) عن الصورة الجماعية لمؤتمر باليرمو؟ Posted: 15 Nov 2018 01:15 PM PST قال جوزيب كونتي، رئيس الحكومة الإيطالية، إن الزعماء والساسة والشخصيات الذين حضروا مؤتمر باليرمو في صقلية الإيطالية يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، لم يأتوا من أجل الصورة الجماعية بل للعمل على حل سلمي للأزمة الليبية وتحقيق الاستقرار في ليبيا. الملاحظة المبطنة في هذا التصريح تشير على الأغلب إلى غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والجنرال الليبي خليفة حفتر عن الصورة التي جمعت المدعوّين الكثر إلى المؤتمر المخصص لمناقشة الشؤون الليبية (رئيس الوفد التركي فؤاد أوكتاي غاب أيضا ولكن بسبب انسحابه احتجاجا على سوء معاملة المنظمين لتركيا). حفتر كان قد تمنّع قبل ذلك على الحضور ما دفع كونتي لزيارة سرية إلى بنغازي للقاء الجنرال الذي وافق بعد ذلك على الحضور، بل إن حظوته الكبيرة دفعت إلى انسحاب تركيا وإزعاج قطر بعد استجابة الدولة المنظمة لطلبه بعدم حضور ممثليهما اجتماعا مصغرا ضم السيسي وحفتر ورئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف ورئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، وجان ايف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك والمبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة. رغم الإذلال الذي تعرّض له رئيس الوزراء الإيطالي باضطراره للذهاب لليبيا خصيصا لإقناع حفتر بالحضور (ولمهانة الأمر اضطرت روما لتكذيب الخبر لاحقا)، والدلال العظيم الذي دلّلته روما لـ«قائد الجيش الوطني»، فإن الجنرال الانقلابي لم يشارك في الجلسات الرسمية في المؤتمر، ورفض إصدار المؤتمر بيانا ختاميا، ثم سحب أذياله منسحبا رفقة قدوته المصري الرئيس السيسي. ملخّص الرسالة من كل هذه التفاصيل هو أن لا حل في ليبيا سوى حل الجنرال حفتر ورعاته في مصر والسعودية والإمارات، وهو ما يعني أن كل المؤتمرات الدولية (سواء كانت القوة المحركة فيها إيطاليا أم فرنسا، أو بعض الدول العربية كالجزائر وتونس والمغرب) مرفوضة إذا لم تسر في اتجاه سير الجنرال وداعميه. أما والحال كذلك، فما الذي يعنيه الناطق باسم حفتر، العميد أحمد المسماري، حين يصرح أمس أن الجيش «لن يقبل إلا برئيس منتخب من الشعب وإقامة دولة مدنية ديمقراطية»؟ التفسير طبعاً هو في باقي التصريح، الذي يقول إنه «يدعم جهود مصر لتوحيد المؤسسة العسكرية»، ما ترجمته وضع كل القوى العسكرية في ليبيا تحت أمرة حفتر، وعندها، سيكون انتخاب الجنرال الانقلابي رئيسا لليبيا تحصيل حاصل، كما هو الأمر مع انتخاب السيسي في مصر. وليس هناك أوضح من أن هذه هي خطة الجنرال حفتر أكثر من إصراره على إبعاد تركيا وقطر عن «الاجتماع الأمنيّ»، فإذا كان الجنرال قادرا على تجاهل وجود دولتين مؤثرتين في الساحة الليبية (وغيرها)، فما هو المتوقّع منه فيما يتعلّق بخصومه داخل ليبيا نفسها؟ خطّ حفتر هو بالضبط خط حلفائه: إلغاء أي حلّ سياسي والإصرار على الحرب الأهلية، وهذه هي الصورة الوحيدة التي يريد الجنرال الظهور فيها.  |
| لعبة موسكو في أفغانستان: هل يثأر بوتين من بريجنسكي؟ Posted: 15 Nov 2018 01:14 PM PST مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفغانستان يدعى زامير كابولوف، ومبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البلد ذاته يدعى زلماي خليل زاد؛ وحروف الـZ والـK، في الأبجدية اللاتينية ليست وحدها القواسم المشتركة بين المبعوثَين، غنيّ عن القول، إذْ ثمة الأهمّ: كلاهما يصنّف حركة طالبان الأفغانية في عداد التنظيمات الإرهابية، وكلاهما مع ذلك يعقد مفاوضات معها؛ علنية بالنسبة إلى كابولوف، في موسكو؛ وسرّية عند خليل زاد، في العاصمة القطرية الدوحة. الأوّل، من جانب آخر، يذكّر زميله بأنّ «الغرب خسر حربه في أفغانستان»؛ والثاني لا يقول العكس، ربما من باب كبرياء القوّة العظمى التي يفاخر رئيسها الحالي بأنه يجعلها أعظم كلّ يوم! وكما هو معروف، رعت موسكو مؤخراً جولة ثانية من «مباحثات سلام»، لم يكن لها من اسمها نصيب، بالنظر إلى اشتراطات حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني؛ الذي لم يكن، مع ذلك، ضدّ هذه الرعاية الروسية في البدء. الطالبان، من جانبهم، لم يترددوا في الحضور، إذْ ثمة تقارير تحدثت عن ارتقاء علاقتهم مع موسكو إلى مستوى الحصول على أسلحة روسية متطورة، بالإضافة إلى حرصهم على توجيه رسالة إلى واشنطن مفادها أنّ البديل الروسي أكثر من ممكن. وأمّا لعبة الكرملين فإنها أشدّ وضوحاً من أن تحتاج إلى استقصاء، فهي تدخل في باب اختراق ما يمكن اختراقه من ملفات أمريكية هنا وهناك في العالم، بالإضافة إلى دفع الحلف الأطلسي إلى مزيد من الارتباك على الأراضي الأفغانية. من جانب آخر، لم يكن بغير مغزى جيو ـ سياسي عريض، إقليمي ودولي في الواقع، أنّ موسكو تقصدت دعوة ممثلي 11 دولة للمشاركة في هذه الجولة الثانية، فحضرت وفود أفغانستان والباكستان وطاجكستان وتركمانستان وأوزباكستان وكازخستان وقرغيزستان، بالإضافة إلى الصين وإيران والهند، والوفد الأمريكي الذي اتخذ صفة مراقب. الرسالة، هنا أيضاً، أشدّ وضوحاً من أن تغيب عن إدراك واشنطن: هذه مسألة أمن واسعة النطاق على امتداد شرق آسيا، وهي بالتالي عابرة للداخل الأفغاني، وأبعد عاقبة من حدود التناطح الروسي ـ الأمريكي في إطار استئناف صيغة جديدة من الحرب الباردة القديمة. ولكي تكتمل هذه الرسالة، المضمرة جزئياً، توجب على المبعوث الروسي كابولوف أن يعلن قرب وصول زميله المبعوث الأمريكي خليل زاد إلى موسكو، حين سيصبح اللعب بعدئذ على المكشوف! تعود مجموعات الطالبان إلى الواجهة مجدداً؛ ليس من بوّابة الأمن فحسب، بل من بوّابة المعادلات السياسية الداخلية أيضاً؟ فإذا نجح بوتين في إدارة، ناجحة على أي نحو، لمقامرته الثالثة الوشيكة، بعد الأولى في أوكرانيا والثانية في سوريا؛ فإنه، في أفغانستان، سوف يبدو أشبه بمَنْ يردّ الصاع (السوفييتي، والحقّ يُقال، لأنه سليل «الجيش الأحمر» واستخبارات الـKGB)، بصدد الهزيمة النكراء التي أخرجت السوفييت من أفغانستان، تحت ضغط تلك «الصناعة الجهادية» التي استنبط مفهومها وأشرف على هندستها زيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي خلال رئاسة جيمي كارتر. وفي حوار شهير نشرته أسبوعية «لونوفيل أوبزرفاتور» الفرنسية سنة 1998، كان بريجنسكي قد اعترف بأنّ البيت الأبيض هو الذي استدرج السوفييت ودفعهم إلى خيار التدخّل العسكري، وذلك بعد انكشاف مخططات المخابرات المركزية الأمريكية لتنظيم انقلاب عسكري في أفغانستان. وحول ما إذا كان يندم اليوم على تلك العملية، ردّ الرجل: «أندم على ماذا؟ تلك العملية السرّية كانت فكرة ممتازة. وكانت حصيلتها استدراج الروس إلى المصيدة الأفغانية، وتريدني أن أندم عليها؟ في يوم عبور السوفييت الحدود رسمياً، كتبت مذكرة إلى الرئيس كارتر أقول فيها ما معناه: الآن لدينا الفرصة لكي نعطي الاتحاد السوفييتي حرب فييتنام الخاصة به». وفي ورقة بعنوان «الدول الماركسية ـ اللينينية الجديدة والصراع الداخلي في العالم الثالث»، كُتبت سنة 1985 بتكليف من مؤسسة «راند» الأمريكية، كان فرنسيس فوكوياما (دون سواه!) قد اعتبر أنّ أفغانستان هي البؤرة الأهمّ بين جميع المراكز المناهضة للشيوعية (أو «حركات التحرّر الوطني» كما كان يحلو له وصفها). لكنّه اعترف بأنّ البلد يتّصف بشخصية إسلامية شديدة المحافظة، «في عالم يشهد صحوة إسلامية لا سابقة لها». وإذا كانت صفة المحافظة تلك تطبع العديد من الدول الإسلامية الحديثة، فإنّ «قلّة قليلة من هذه الدول ما تزال على هذه الدرجة من التداخل القَبَلي والنأي عن الثقافة الحديثة». فيما بعد، انتصرت «حركة التحرر الوطني» الفوكويامية، وسقطت كابول وسط هتافات «المجاهدين» وغبطة ضبّاط المخابرات المركزية الأمريكية وضبّاط المخابرات الباكستانية وضبّاط الجيش الأحمر على حدّ سواء. في الظلّ، غير بعيد عن هذا الخليط، وعن حشود تهتف لأمثال برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وقلب الدين حكمتيار، كانت ميليشيات الطالبان تتوالد كالفطر، وتكتسب دينامياتها الخاصة اعتماداً على منطق آخر؛ كان بدوره دينياً وقبائلياً وإثنياً، ولكنه اكتسب سريعاً صفة خاصة عجيبة: أنه، في آن معاً، الثورة (على أمراء الحرب والإقطاع السياسي والتبعية للمخابرات الأمريكية والباكستانية…)، والثورة المضادة ( ضدّ المجتمع والعصر والمرأة والحياة بأسرها). اليوم يحتل الطالبان الموقع المركزي في التفاوض بين واشنطن وموسكو، على نحو غير مباشر بالنسبة إلى الأمريكي خليل زاد (ولكن إلى حين، حيث سيتطلب الأمر الخروج من الغرف المعتمة إلى رابعة النهار)؛ وعلى نحو مباشر بالنسبة إلى الروسي كابولوف (الذي يمزج التباهي إزاء ما تمّ إنجازه في الجولة الثانية، بالشماتة إزاء ارتباك خيارات البيت الأبيض بين وعد ترامب بالانسحاب وضغط البنتاغون للبقاء والتوسع). واليوم لا يتردد ذبيح الله مجاهد، الناطق باسم طالبان، في اشتراط الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قبل أيّ تعامل مع حكومة الرئيس الأفغاني؛ وذلك بعيد دقائق معدودات من لقاء جمع خليل زاد مع قيادات طالبانية في الدوحة. ولعلّ أولى علائم اقتناع بوتين بجدوى الدخول في مقامرة ثالثة، أفغانية، هو مسلسل انحناء الولايات المتحدة أمام العواصف المتلاحقة في هذا البلد؛ والتي تكثفت على نحو باتت فيه أقرب إلى إعادة إنتاج ورطة الجيش الأحمر السوفييتي ذات يوم: مستنقع حروب العصابات، وحروب الطوائف، وحروب القبائل. ذلك لأنّ أفغانستان تلك الحقبة، مثل معظم خصائص أفغانستان ما بعد حكم الطالبان والكثير من خصائصها اليوم، لم تكن تبدو مختلفة كثيراً عن أفغانستان ما بعد انسحاب السوفييت في عام 1989. إنها، بصرف النظر عن مظاهر الشكل، رهينة منطق الإمارات المبعثرة القائمة على ولاءات إثنية وقبائلية أكثر من أيّ خطوط إيديولوجية وتيّارات حزبية؛ وعلى تجارة المخدّرات والسلاح، أكثر من أيّ اقتصاد وطني أو حتى عائلي. ذلك استوجب إعادة طرح الأسئلة التي خُيل لأمثال بريجنسكي أنّ «الصناعة الجهادية»، وانسحاب الاتحاد السوفييتي، وسقوط نظام نجيب الله، تكفلت بحسم الإجابات عليها، مرّة وإلى الأبد. ولكن… أيّ أفغانستان كان يريد «العالم الحرّ» بعد سقوط أنظمة نجيب الله ورباني والطالبان؟ وأي أفغانستان يريد اليوم (أو بالأحرى: تريد أمريكا، ويريد الحلف الأطلسي)، إذْ تعود مجموعات الطالبان إلى الواجهة مجدداً؛ ليس من بوّابة الأمن فحسب، بل من بوّابة المعادلات السياسية الداخلية أيضاً؟ وكيف لا يجيز المرء الرأي القائل بأنّ دخول واشنطن في حوار تفاوضي مع الطالبان، هو بمثابة إقرار صريح بأنّ الذي انتصر حتى اللحظة هم الطالبان، وليس كرزاي أو «تحالف الشمال» أو أيّ من أحزاب أو ميليشيات أو قبائل البشتون والطاجيك والأوزبك والهزارة؟ واستطراداً: هل يسجّل بوتين، بالفعل، أولى بشائر الفوز في المقامرة الثالثة؟ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس  |
| في تفسير الفورة الطلابية على التوقيت الصيفي في المغرب Posted: 15 Nov 2018 01:12 PM PST الاثنين الماضي، عرف المغرب موجة احتجاجات لتلاميذ المدارس، عمت تقريبا كل مدن المغرب، وذلك على خلفية التوقيت الصيفي الذي تم اعتماده وتعميمه في كل الفصول، وسط ذهول مجتمعي من الطريقة المرتبكة التي تم بها اتخاذ هذا القرار. شكل مظاهرات التلاميذ، لاسيما في العاصمة الرباط، فضلا عن مضمون الشعارات التي رفعت، وما رافق ذلك من استهداف الرموز الوطنية وإحراق العلم المغربي أو وطئه بالأرجل من قبل بعض التلاميذ، أثار جدلا آخر، حول منظومة التربية والتكوين ومخرجات البرامج التربوية والتثقيفية والإعلامية التي تضطلع بها وسائل الإعلام ومسؤوليتها في تفسير صور من إفلاس القيم الوطنية والتربوية لدى الناشئة. والحقيقة، أن التعبيرات الطلابية في بعدها التربوي تحتاج أن توضع في مختبر التحليل القيمي، ليس فقط لتحديد المسؤوليات، ولكن، لدق ناقوس الخطر، وإعادة النظر في السياسات التربوية والتثقيفية والإعلامية، والرفع من فاعلية مختلف المؤسسات، بما في ذلك المؤسسة الدينية، للإسهام في إيقاف موجة الإفلاس القيمي التي تهدد الأجيال الحالية والقادمة. لكن مع أهمية الالتفات إلى هذه الزاوية من النظر، فإن الانتباه يتركز أكثر على الحساسية الشديدة التي أصبحت لدى بعض مكونات المجتمع من بعض السياسات أو المواقف التي تتخذها السلطات المغربية، والتي تجعلها تخرج بعفوية غير متوقعة ولا مستشعرة في زمنها. المعطيات التي سبقت هذه التظاهرات، تفيد بأن قضية التوقيت بالنسبة لقطاع التعليم، قد تم معالجتها بما يوافق كل جهة وخصوصياتها، وأن أغلب الجهات اختارت البدء بالثامنة والنصف صباحا، والثانية والنصف مساء، دون حدوث أي تغيير في جدول الحصص للتلاميذ، وهو التوقيت الذي لم يجد أي اعتراض من قبلهم، بل جاء مناسبا لتطلعاتهم وما كان يقترحه أولياؤهم لما كان القطاع الوصي مصرا على استمرار التوقيت الصيفي في الفترة الشتوية. البعض أمام هذه المعطيات، لم يجد من تفسير لهذه التعبيرات الاحتجاجية سوى الدفع بأطروحة تحريض التلاميذ والتغرير بهم من قبل قوى تنتمي لليسار الراديكالي (حزب الطليعة أو النهج الديمقراطي) او بعض جماعات الإسلام السياسي (العدل والإحسان)، فيما ذهب بعض أنصار حزب العدالة والتنمية أو العاطفين على هذا الحزب إلى دخول بعض الجهات على الخط لمحاولة تكرار «مسيرة بن زروال» التي تم افتعالها لضرب حكومة عبد الإله بنكيران السابقة، واستنزاف شعبيتها وتبرير الحاجة لإسقاطها. الآفة خطيرة في المغرب تدق ناقوس الخطر من توسع ظاهرة إفلاس القيم، لكنها في الوقت ذاته، تكشف أعطابا في الأوعية والقنوات التربوية والتثقيفية والإعلامية والدينية التي تضطلع بوظيفة بث هذه القيم والحقيقة، أن الشكل الناعم لتعامل الأمن مع هذه التظاهرات لا يعني بالضرورة تشجيعهم لها، وبالتالي تشابه هذه التظاهرات بمسيرة بن زروال التي افتعلت ضد حكومة بنكيران لإسقاط حكومته، فثمة أكبر من مبرر لهذا التعامل الناعم، منها الخوف من أن يفضي التعامل المتشدد إلى إشعال فتيل الاحتجاجات وسط حساسية شديدة للمجتمع من قرار اعتماد وتعميم التوقيت الصيفي، ومنها رغبة رجال الأمن، في إتاحة فرصة للتلاميذ للتنفيس على بعض مواقفهم أو مواقف اسرهم من قضية التوقيت، والاشتغال بروية وهدوء على شروط إعادتهم إلى الفصل، كما أن احتمالات التأطير أو التحريض من «خارج» تبقى جد محدودة، ولا تفسر هذا التواتر الكبير في الاستجابة من عدد كبير من التلاميذ لهذه التظاهرات، خاصة في ظل شروط الوعي الطلابي الحالي الموسوم بقلة التسيس، يجعل فرضية التحريض مستبعدة أو على الأقل جد محدودة. التفسير الذي أميل إليه، أن حراك التلاميذ العفوي والكثيف، لم يكن في حقيقته تعبيرا عن رأي طلابي، بقدر ما كان استجابة لحساسية شديدة، امتدت لحوالي أسبوعين ـ منذ زمن اتخاذ قرار اعتماد التوقيت الصيفي ـ في تعبيرات مضمرة لدى الأسر داخل البيوت وفي اللقاءات اليومية، ولم تستطع أن تتحول إلى فعل مجتمعي غاضب، فانعكس في صورة تعبيرات احتجاجية طلابية تجاوزت سقف القيم التربوية والثوابت الوطنية. والقضية في الجوهر، ليست مرتبطة فقط بالتعبير الاحتجاجي المجتمعي المضمر عن قرار التوقيت، وإنما هي أكبر من ذلك، مما يتعلق بتزايد الغضب من الوضع الاجتماعي، ومن عدم وجود مؤشرات دالة على تحسن القدرة الشرائية للمواطنين، وأن الغضب من هذا الوضع تم تصريفه في شكل تعبير احتجاجي عارم ضد التوقيت الصيفي، من قبل تلاميذ يعبرون عن «غمغمات» أسرهم المضمرة في الشارع، ويقومون مقام هذه الأسر في نقل الاحتجاج، ولو بطريقة تتجاوز السقوف الدستورية والقانونية والأخلاقية، وتكشف عن واقع الإفلاس في القيم. شكل الاحتجاج الطلابي يوحي بوجود هذه الحساسية المجتمعية، ومضمون الاحتجاجات يكشف مخاطر أكبر، تتعلق بنوعية الاحتجاجات التي يمكن أن يقودها في المستقبل جيل غير مسيس، ولا متشرب للحد الأدنى من القيم، ولا يكترث بأي أطر دستورية أو قانونية تنظم تعبيره الاحتجاجي، ويزيد هذا التحدي أكثر إن لم يتم المسارعة إلى تأطير هذا الجليل الجديد بمواصفاته وخصائصه، أو وضع شروط في السياسة والاقتصاد لتجاوز مبررات الاحتجاج وشروطه. الآفة خطيرة، تدق ناقوس الخطر من توسع ظاهرة إفلاس القيم، لكنها في الوقت ذاته، تكشف أعطابا في الأوعية والقنوات التربوية والتثقيفية والإعلامية والدينية التي تضطلع بوظيفة بث هذه القيم، وتعيد التأكيد على مسؤولية أنظمة الوساطة السياسية والمدنية في التأطير، ومسؤولية السياسات الاجتماعية في خلق واقع أفضل يقلل من درجة الحساسية المجتمعية اتجاهه. كاتب وباحث مغربي  |
| تراكم العنف الإسرائيلي وانتهاك الأعراف الإنسانية Posted: 15 Nov 2018 01:11 PM PST تراكم العنف الإسرائيلي أدّى بالضرورة إلى استفزاز المقاومة الفلسطينية، والمشهد الأكثر افتضاحا مواصلة الدول العربية التعويل على أمريكا في إحياء عمليّة السّلام، وهي التي تُجاهر بإدارة الأزمة، بدون أدنى استعداد للتسوية أو الحلّ الفعليّ. فبعد أعمالها القذرة في الخليج، وكلّ ما سبّبته من قتل وتدمير وانتهاك لحقوق الإنسان، في ظلّ حصار الشعب العراقي، ثمّ أثناء الغزو، ليس في ميزان حسابات الولايات المتحدة تحقيق السلام في الشرق الأوسط على الإطلاق، وهي في تناغم مع بعض الدول العربية، خاصّة عملاء واشنطن من بعض دول الخليج العربي، وهي تحديدا السعودية والإمارات، وهؤلاء في غنى عن الهمّ العربي، الفلسطيني منه وغير الفلسطيني ما دام السّكوت عن استبدادهم وعدم مطالبتهم بالدّيمقراطية أمرا سائرا يخدم حماية عروشهم. وهي رغبة واشنطن في ترتيب مسرح الشرق الأوسط وفق رغباتها، بدون تدخّل أوروبا التي تركت المسرح الدولي في الشرق الأوسط في يد الولايات المتّحدة الأمريكية منذ عقود. وتأسيسا على ما تقدّم لم يتحقّق أيّ اتّفاق عربي إسرائيلي منذ 1967 بدون أمريكا، ومنذ ذلك الحين اسرائيل هي الرابحة والعرب خاسرون، وبالتالي فأمريكا لا يُرجى منها شيء يُذكر في أيّ حلّ سياسيّ أو مفاوضات تكون هي طرفا فيها، فمثل هذا التفرّد الأمريكي بالشرق الأوسط لا يُمكن أن يُنتظر منه وضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي، فإسرائيل قوّت من قبضتها على الفلسطينيين بدعم من واشنطن، والقادة الإسرائيليون منذ مفاوضات أوسلو يتّفقون حول وجهة نظر واحدة، صرّح بها منذ ذلك الحين رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية شلومو جازيت، الذي شارك في المفاوضات «السرية» وتنسيق الترتيبات الأمنية في اتّفاق أوسلو، واعتبر أنّ مهمّة إسرائيل الأولى لم تتغيّر، وموقع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط العربي الاسلامي يُعطيها، حسب اعتقاده، ميزة التحكّم في الاستقرار لدول الإقليم، والحفاظ على النظام الدولي القائم، والحيلولة دون ظهور توجّهات قومية ثورية في العالم العربي، وقطْع الطريق على ظهور حركات إسلامية أصولية. الارتباط الأمريكي الدائم بإسرائيل وتقديمها الدعم اللامتناهي لهذا الكيان من أهمّ أسباب التوتّر في منطقة الشرق الأوسط لا جدال في أنّ أمريكا «وليّ النعمة الكبير» الذي وفّر لإسرائيل منذ حرب 1967 مستوى من الدّعم، قزّم مستويات الدّعم المتوفّرة لأي دولة أخرى. ويجمع على ذلك الباحثون الأمريكيون والإسرائيليون، وهذا الدّعم وصل سنة 2003 إلى ما يزيد عن 140 مليار دولار، حسب تقارير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهو في تزايد إلى الآن. وتنفرد إسرائيل بأنّها الوحيدة التي لا تُطالبها أمريكا بتقديم كشف عن سُبل صرف المساعدة التي تتلقّاها. حينئذ يصبح تمويل الصناعات الحربية الدفاعية والهجومية من أولويات هذا الكيان، في توظيف هذه المخصّصات، إضافة إلى بناء المستوطنات التي تكتفي أمريكا بالتنديد بها لا غير. ومثل هذا الارتباط الأمريكي الدائم بإسرائيل وتقديمها الدعم اللامتناهي لهذا الكيان، يُعدّ من أهمّ أسباب التوتّر في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنّ هذا الفعل هو الدافع الرئيس لاستفزاز العرب والمسلمين الذين يؤمنون بالقضية الفلسطينية، ويرفضون زرع كيان غاصب يقتلُ ويُشرّد ويحاصر بأسلحة أمريكية، ويتلقّى الدعم السياسي والدبلوماسي من المؤسسات الأممية التّابعة، وهو يجتهد من خلال لوبي الايباك وغيره في جعل الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل مصلحة قومية أمريكية، مع أنّه ليس كذلك في حقيقة الأمر. واليوم يشاهد العالم إسرائيل المُثقلة بهمّ جرائم الماضي والحاضر تندفع بقوّة نحو عنف متواصل، ترى أنّه كفيل بالقضاء على الطموح الفلسطيني في الاستقلال وتحقيق السلام، وما يشغل بال العقل الإسرائيلي كان دوما عدائية الحالة العربية، وعدم تقبّلها، والدفع باتّجاه تفكيكها إلى طوائف، باعتبار أن الحالة الطائفية هي حليف طبيعي لإسرائيل، فعندما تتحوّل الأوطان العربية إلى طوائف تصبح إسرائيل الطائفة الكبرى والأكثر تنظيما، وتُتاح لها إمكانيات التحالفات التي اشتغلت عليها إلى أبعد مدى، خاصة في السنوات الأخيرة وملامح التطبيع التي تتّضح هذه الأيام تبدو من ثمرات هذا العمل الاسرائيلي الذي بحثت عنه ووجدت ضالّتها في بعض دول الثراء النفطي. وهو أمر يشي بخيانة القضية العربية الأولى، التي لم تجد إلى الآن وعلى نطاق عالمي من يتبنّاها حقيقة، مثلما وجدت باقي قضايا النضال المختلفة في العالم، والغرب الذي تسبّب في المشكلة الفلسطينية، هو من راهن على فنّ إدارة الأزمة بدون العمل على حلّها، ورغم المتغيّرات المتسارعة في النظام الدولي، مع تنافس القوى الكبرى، وبداية تغيّر المشهد السياسي العالمي نحو تعدّد الأقطاب، والضغط الذي يسعى لإخراج الأمم المتحدة من كونها مجرّد هيئة تابعة لواشنطن لمدّة عقود متتالية، ما من مبادرة عملية للسلام الدائم من شأنها تمكين الفلسطينيين من دولة مستقلة، فقط نرى الهمّ الأمريكي الأكبر، هو احتواء الحضور الرّوسي القويّ في سوريا، ومجابهة تنافس غير معهود مع القوى الدولية الصاعدة، أمّا العرب فلا وجود لهم خارج منطق الاستسلام والمغالطة والتبرير، وإفلاس منظومة الحكم السياسي في أغلب دول المنطقة انتهى بهم إلى إخفاق ذريع في بناء المشروع الوطني الديمقراطي ورديفه المشروع القومي العربي بما يعنيه من استراتيجيات مشتركة. كاتب تونسي  |
| الأمم المتحدة ودبلوماسية العلاقات العامة Posted: 15 Nov 2018 01:11 PM PST تحدثنا في مقال سابق عن السياق الإشكالي الذي حكم تشكيل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، وصولا إلى صدور القرار 1770 في العام 2007 الذي حدد مهمة الممثل الخاص للأمين العام ولبعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) بالقيام «حسب ما تسمح به الظروف وبناء على طلب حكومة العراق» بتقديم «المشورة والدعم والمساعدة» للحكومة العراقية ومؤسساتها المختلفة. وقلنا إنه على الرغم من ان هذا القرار قد اعطى للممثل الخاص للأمين العام، وبعثة يونامي، إمكانيات عمل واسعة، إلا ان ربط ذلك بشرط «طلب الحكومة العراقية» عطل إلى حد بعيد هذه الإمكانية، وهو ما حول دور الامم المتحدة إلى مجرد «جهة استشارية داعمة ومساعدة» خاضعة لإرادة الحكومة العراقية وليس لها أي قدرة ذاتية على الفعل او الحركة، خاصة في ظل الحرص غير المفهوم وغير المسوغ على عدم «إغضاب» الحكومات العراقية المتعاقبة! وبذلك انتهى دورها، وبضغط من الأمريكيين، إلى تبني ما أسميناه «دبلوماسية العلاقات العامة» بديلا عن الدبلوماسية الفعالة القادرة على توصيف للمشكلة العراقية ككل، وما يستتبع ذلك من العمل على انتاج حلول حقيقية تتعامل مع جذور هذه الازمة وليس مظاهرها ونتائجها وحسب. وكان واضحا أن الأمم المتحدة ليست مستعدة سوى للتعاطي مع الوقائع والاختلالات القائمة بوصفها امرا واقعا لا بد من القبول به، مع محاولة تحسين شروطه إن أمكن ذلك من خلال الممارسة السياسية والإبقاء على الهدوء الهش المؤقت، وليس الاستقرار المستدام، وعبر معالجات شكلية يتم التوصل اليها بفضل صفقات سياسية دون الالتزام بأية قواعد او مبادئ حاكمة! في إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي (13 تشرين الثاني/ أكتوبر 2018) تجلت هذه الدبلوماسية العامة المتبناة بأوضح صورها! حتى بدت هذه الإحاطة في أحيان كثيرة مجرد دعاية سياسية للحكومة العراقية، وسياساتها، منها إلى تقرير دولي يفترض أن يتسم بالمهنية والموضوعية! فقد كررت الإحاطة الدعاية الحكومية العراقية المتعلقة بتشكيل الحكومة، من بينها الحديث عن «تلقي السيد رئيس الوزراء تخويلاً من العديد من الكتل البرلمانية البارزة باختيار وزرائه بصورة حرة على أساس نتائج تلك الكتل في الانتخابات وليس على أساس المحاصصة الطائفية والسياسية»! أو الحديث عن أن المنافسة والاختلافات حول تشكيل الحكومة كانت «إلى حد بعيد ذات طبيعة سياسية وليست طائفية»! على الرغم من معرفة الجميع بان هذا الادعاء لا علاقة له بالصراع والفيتوات التي حكمت ماراثون تشكيل الحكومة والذي لم ينته الى هذه اللحظة! فضلا عن انه ادعاء لا يصمد اما حقيقة التوزيع الهوياتي (الطائفي والسياسي) الذي حكم تشكيل هذه الحكومة والحكومات العراقية المتتالية بعد 2006، وإلى أن الصراع السياسي في العراق لا يمكن فصله مطلقا عن الصراع الهوياتي! ولأن مصائب عدم المهنية لا تأتي فرادى عادة، يتحفنا الممثل الخاص بتوصيف خطوة التوزير عبر الانترنيت العبثية التي أطلقها السيد عادل عبد المهدي بأنها محاولة «لعصرنة طرق التعيين وتأسيس تجمع من المهنيين الأكفاء للتعيينات المستقبلية» وهي نكتة في واقع الامر بالنظر الى ما آلت اليه الترشيحات. من أولويات البرنامج «إعادة وتأهيل وإعمار المناطق المحررة وعودة النازحين»! و «حصر السلاح تحت اليد الصارمة للدولة»، و«منع تشكيل الميليشيات خارج إطار الدولة وعلى انسحاب القوات من المدن»! أما فيما يتعلق بالمنهاج/ البرنامج الحكومي الذي حصلت بموجبه حكومة السيد عادل عبد المهدي على ثقة مجلس النواب، فالممثل الخاص للأمين العام ينطلق بتأويلاته المفرطة بطريقة ينافس بها الإعلام الحكومي! هكذا تكون من أولويات البرنامج من وجهة نظره الدبلوماسية هو «إعادة وتأهيل وإعمار المناطق المحررة وعودة النازحين»! و «حصر السلاح تحت اليد الصارمة للدولة»، و«منع تشكيل الميليشيات خارج إطار الدولة وعلى انسحاب القوات من المدن»! و «حل التحديات العالقة مع إقليم كردستان… بما في ذلك مسائل تخصيصات الموازنة والموارد المالية والنفط والمناطق المتنازع عليها»! من دون ان يشير إلى بعض من هذه «الأولويات»، كما هو الحال فيما يخص العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، قد فشلت الحكومات المتعاقبة في حلها، وان ايرادها في البرنامج الحكومي بهذه الصيغة الانشائية لا قيمة حقيقية له! وإلى أن الإشكاليات أكثر تعقيدا من إمكانية حلها بنصف سطر، خاصة وأنها مشاكل دستورية وليست مجرد خلافات سياسية! ومن دون ان ينتبه إلى أن مشكلة النازحين وعودتهم إلى مدنهم وقراهم تواجه إرادة سياسية لأطراف فاعلة تمنع عودتهم، لأسباب عديدة، تبدأ من الصراع على الأرض والموارد، وتنتهي بالإرادة السياسية لجماعات فاعلة بإحداث تغيير ديمغرافي! أما مسألة «إعادة تأهيل وإعمار المناطق المحررة فلم ترد أصلا في المنهاج/ البرنامج الحكومي! والعبارة الوحيدة التي وردت فيها كانت عبارة عامة عن ايلاء الحكومة اهتماما خاصا «بالخدمات الأساسية في البصرة، والمناطق المحررة كنينوى»! بل أن مسألة إعادة الإعمار المناطق التي استعيدت من داعش لم تحظ بأية خطط خاصة بذلك، بل انها لم ترد مطلقا! كما بدا واضحا أن الممثل الخاص يحاول تجنب التعقيدات المتعلقة بالبنية الهوياتية للقوات العسكرية والامنية التي كانت مصدرا للكثير من الإشكاليات خلال المرحلة السابقة، من خلال تبني العبارات الانشائية المتعلقة بذلك! فعبارة حصر السلاح بيد الدولة كانت دائما عبارة عائمة لا معنى لها! في ظل الطبيعة الهوياتية التي يراد فرضها على الدولة في العراق! اما عبارة منع تشكيل ميليشيات خارج إطار الدولة فهي تستخدم هنا للتدليس على النص الدستوري الذي نص على حظر تشكيل ميليشيات خارج إطار «القوات المسلحة» وليس الدولة! وعبارة القوات المسلحة في المدونة القانونية العراقية تعني حصرا القوات التابعة لوزارة الدفاع! أخيرا يحاول الممثل الخاص فرض مفردات لم ترد في المنهاج/ البرنامج الحكومي للتهرب من مواجهة الأسئلة التي تثيرها المفردات الأصلية! فعبارة «سحب القوات من المدن» هي إعادة صياغة لعبارة «سحب الجيش من المدن» التي وردت في نص المنهاج/ البرنامج الحكومي الذي كان حريصا على عدم «الاصطدام» بهذه المشكلة! ذلك أن المشكلة الرئيسية التي تواجه المناطق التي استعيدت من داعش هي انتشار فصائل الحشد الشعبي المتنوعة فيها، وقد كان مطلب سحب هذه الفصائل من هذه المناطق مطلبا أساسيا للقوى السنية، وسبق لممثل الأمين العام أن سمع بهذا المطلب عشرات المرات! ربما تكون الإحاطة التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام يان كوبيتش آخر مهمة له في العراق، بعد تعيين الأمين العام ممثلا خاصا جديدا، ولكن منهجية دبلوماسية العلاقات لعامة، التي تذكرنا بمنهجية موظفي التسويق الحريصين على إرضاء الزبائن جميعا ستبقى على حالها بكل تأكيد. كاتب عراقي  |
| توازن الغليان في غزة Posted: 15 Nov 2018 01:10 PM PST اعترى الغموض الاشتباك العسكري الذي أدى إلى تصعيد خطير في قطاع غزة، وربما لا يمتلك أي طرف التفاصيل الكاملة للساعات التي سبقت توجيه ضربة مباغتة من الفصائل المقاومة في القطاع، مع استهداف حافلة للجنود بصاروخ من طراز كورنيت، لتبدأ سلسلة من التساؤلات حول مصدر الصواريخ، وكيفية دخولها للقطاع، والسر وراء توقيت استخدامها، وقبل أن تبدأ الإجابات في التبلور، أتت استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان لتلحق حالة من الترنح بحكومة نتنياهو، قد تؤدي إلى اختبار انتخابي قريب، وهو ما تحتاجه اسرائيل في هذه المرحلة في استراتيجية مطولة مارستها منذ عقود تتمثل في الهروب إلى المربع الأول. تظهر استقالة ليبرمان بوصفها احتجاجاً على وقف الأعمال العسكرية، ضمن تسوية سريعة لوقف اطلاق النار، ولوماً لنتنياهو على دخول أموال قطرية للقطاع المحاصر، إلا أن استقالته تتضمن تهرباً من الإجابة عن سؤال حول كيفية دخول هذه الصواريخ، التي ظهرت فعاليتها بوضوح، إلى القطاع، ومدى جدوى محاصرة القطاع من الأساس؟ وفراراً من السؤال حول الخيارات الاسرائيلية بخصوص القطاع؟ ينعدم توازن القوى، والحديث عن انتصار للقطاع بإنهاء الاشتباك بتسوية أحرجت اسرائيل، يعتبر نشوة لتحقيق خطوة غير متوقعة من شأنها أن تعيد القطاع إلى بؤرة الاهتمام نوعاً ما، بعد أن توارت وراء الكثير من الأخبار الساخنة لأشهر طويلة، ومع التفاوت الكبير في القوة فإن إعادة تسخين الوضع في غزة يتضمن مقامرة فادحة، فالانتباه الضروري لحالة الجمود المستوطنة في الملف الغزي يتوازى مع احتمالات حرب مدمرة في القطاع. يحاصر الغزيون اسرائيل بالخيارات الصعبة، فهل يمكن لاسرائيل، بعد أن أدت لسنوات دور الضحية، أن تغامر بتجربة العنف المفرط وآلاف الضحايا في القطاع؟ هذه حلول سهلة بالنسبة لليبرمان، الذي يفكر في فرصته السياسية التي ستجعله يكرر تجربة شارون في الوصول بجرأته على استخدام اليد الثقيلة وسط حالة الالتباس السياسي، ولكن ما لا يضمنه ليبرمان ونتنياهو أيضاً، بحكم الخبرة السياسية، أن هذه الوجبة تفتقد إلى الطبق الرئيسي، وهو انهاء وجود حركة حماس، التي تمكنت من خلال زخم مسيرات العودة، أن تؤكد أنها الطرف الفاعل إلى اليوم في غزة، أو على الأقل، هي الطرف الوحيد المتواجد فعلياً على الأرض. تعرضت حماس للعديد من الانتكاسات خلال السنوات الأخيرة، ولكن خبرة الشخصية الغزية جعلتها تستطيع أن تتدبر منفذاً من اللاشيء تقريباً، فحتى عندما بدأت تصل إلى نقطة الارتطام بأرضية الصراع الطاحن مع مصر، وجدت أرضية للتفاهم وأحياناً التعاون، وعلى الرغم من خلاف جوهري مع السوريين والإيرانيين، إلا أن القطيعة النهائية لم تحدث كما كان متوقعاً، فحماس تتوزع بين مدرستين في التفكير، خلافاً لغيرها من التنظيمات الإسلامية، الأول، الانفتاح على العالم والتواصل معه لكسب الحلفاء وإدارة العلاقات الصعبة والمعقدة، والثاني، الشخصية الغزية التي اعتادت أن تتدبر الحياة بالقليل من المتاح، وهو ما أنضجها عملياً، مقارنة، على سبيل المثال، بتجربة الإخوان المسلمين في مصر، فحركة حماس تمتلك خبرة في إدارة شؤون القطاع بصورة مباشرة وغير مباشرة لسنوات، وهو ما جعلها عرضة لمواجهة تحديات متتابعة ألزمتها ممارسة الواقعية السياسية مقارنة بالمشروعات الحالمة والعائمة لتنظيمات أخرى. توجد لعبة سياسية بين حماس وإسرائيل بأكثر مما يتواجد من خواء بين اسرائيل والسلطة، فالاشتباك الحقيقي هو الذي يخلق حالة الارتباك الذي يمكن أن يحرك القضية الفلسطينية، كعنصر فاعل يتحرك حتى لو كان في وضعية الذبح، بينما العلاقة مع السلطة بكل ما تحملها من رطانة حول السلام ومشاريعه، تجعل هذه القضية تبدو وكأنها نعش تحمله بكثير من الضيق وبعض من الخجل، أكتاف غير عابئة سوى بالتخلص منه بأي طريقة كانت.العقدة مع حركة حماس ليست في التنظيم بشكله المادي وتواجده المؤسسي، ولكن في قدرته على احتضان فكرة المقاومة التي ستبقى في القطاع، فغزة لا يمكن أن تستسلم لخيارات السلام التي تعطيها الدور الوظيفي في منظومة واسعة، بدون أن تحمل معها حلولاً لمشكلة السكان الغزيين، ومعظمهم من اللاجئين الذين لا يستطيعون في ظل ظروف المكان ذي الحواف المدببة والجارحة وشح الموارد، أن يتحصلوا على حصة مناسبة من الكرامة الإنسانية، فلا اسرائيل تستطيع أن تمنحهم ذلك، ولا أي تنظيم فلسطيني، ويشمل ذلك حماس بالطبع، فالمشكلة الغزية شيء يختلف قليلاً عن بقية ملفات القضية الفلسطينية، هي قضية الإنسان الذي يمتلك حصة أدنى من الثروة والفرص والأرض والفضاء الشخصي، وحتى الماء والهواء، وحماس هي وكيل بالغضب للمشكلة الغزية، ووجودها أتى من مشكلة السلام الذي لم يكن ليغير شيئاً في الحياة الغزية، ولذلك أتى منبوذاً من أهل القطاع، لأنه سلام لا يحمل الصفة الإنسانية، ولا يرتقي بالظروف الراهنة على الأرض في غزة، والتي لا يمكن أن تتحرك سوى بالانفتاح على عالم أوسع لا يمتلك صفة الامتداد الحقيقي إلا في فلسطين الأرض والفكرة. غزة في تعارض وجودي مع إسرائيل، ولو خاضت الحرب المقبلة وتحولت إلى ركام، فإن التعارض لن يتحرك لخطوة واحدة، والكورنيت هو كلمة السر الجديدة في معادلة الصراع الوجودي مع إسرائيل، صحيح أنه يبقى خياراً متواضعاً أمام ترسانة إسرائيلية مزدحمة بالموت والدمار، إلا أنه يضع اسرائيل أمام خياراتها الصعبة من وقت لآخر، التي تعاني ازدواجاً في الشخصية بين صورة رجل المبيعات الأليف وبلطجي الملهى المتنمر. سيراهن كثيرون على أن وجود حماس يشكل عبئاً على غزة، ويمكن التنظير في انتهازية الحركة وتقلباتها، وحتى استجلاب أدلة على اختطافها لحياة أهالي القطاع، إلا أن حماس تبقى جزءاً من نسيج غزة، وأحد مظاهر أزمتها التكوينية، ولا يمكن انتزاعها من السياق في غزة بالأسلوب التقليدي المتمثل في العمل الأمني الذي جربته السلطة الفلسطينية، أو العمل العسكري على الطريقة الإسرائيلية، لأن التداخل بين التنظيم والقطاع أعمق من الشق السياسي، ويتعلق بالجانب البنيوي، كما أن الكثير من الأطراف، ومنها مصر مثلاً، من مصلحتها وجود تنظيم قوي داخل غزة مهما كانت توجهاته، بدل أن تقع غزة في الفوضى لتصبح بقعة ساخنة تهدد سعيها لاستقرار سيناء. توجد مشكلة عميقة في غزة، ومخاوف كثيرة من أن تفلت لعبة التسخين لتصل إلى نقطة غليان تهدر المكاسب السياسية، والمشكلة الأعمق موجودة في اسرائيل التي تجد صعوبة في أن تدرك بأن الانتصارات الحاسمة على الجيوش، يجب أن لا تعمي نظرها عن الاختلاف الجذري لحركات المقاومة خاصة التي تنبت في إطارها السكاني والشعبي. العقدة مع حركة حماس ليست في التنظيم بشكله المادي وتواجده المؤسسي، ولكن في قدرته على احتضان فكرة المقاومة كاتب أردني  |
| ياسر عرفات… ذكرى Posted: 15 Nov 2018 01:09 PM PST غادرت مكتبي في الظهيرة وقدت سيارتي باتجاه دوار محمود درويش في حي المصيون في رام الله. كانت حركة السير أمامي وحولي غير عادية، بدت جميع الشوارع المحاذية كأنها مصابة «بجلطات» مرورية خانقة. حاولت أن أستوضح من جموع الناس المهرولة نحو مكاتب رئاسة الوزراء الفلسطينية ما سبب تلك الأزمة، لكنهم كانوا يندفعون كالسهام دون أن يعيروني اهتمامًا. تذكرت أننا في رحاب موعد الذكرى الرابعة عشرة لرحيل من كان «مالئ الدنيا وشاغل الناس»، فعركت أذن الراديو وكان مذيع المحطة يتلو بصوت، لا يخلو من الرجولة والجدية الثورية، بيان منظمة التحرير الذي أكّدت فيه الدكتورة حنان عشراوي أن التاريخ الذي ظلم فلسطين كان قد أنصفها بمنحها قياديًا ورمزًا كياسر عرفات، فهو «الثائر صاحب القامة الوطنية الجمعية، عنوان فلسطين ورمزها النضالي، القائد الذي جسّد قضيتنا وترك إرثًا وتاريخًا ثابتًا لا يزول، وحفر معالم الهوية الوطنية الفلسطينية». إذن حُلّ اللغز، قلت لنفسي، فهذه الجموع كانت في طريقها إلى المشاركة في إحدى فعّاليات الوطن لإحياء ذكرى قائدها الخالد. وتذكرت بدوري.. في أحد أيام يوليو/تموز 2004 تلقيت اتصالا من المقاطعة دعاني فيه محدثي للحضور من أجل مقابلة «الوالد»، وهو الوصف المحبب لديّ من الأسماء التي كانت تطلق على القائد/ الأخ/الرئيس/الختيار/الزعيم. لم أكن من رجال «البلاط» الدائمين، ولكنني كنت استدعى، من حين إلى آخر، للقاء أبي عمار الذي كان يرغب، أحيانًا، بسماع رأيي في أمور كانت، على الأغلب، تتعلق بشؤون مدينة القدس، وذلك بسبب عملي الوثيق، لسنين طويلة إلى جانب الكبير فيصل الحسيني، أو بقضايا تخصّنا نحن الجماهير العربية في إسرائيل. كانت دعوات المقاطعة لي أقلّ من أوامر وأكثر من رغبة، وكنت أقبلها بفرح ورضا، فكل لقاء مع ياسر عرفات كان كالإمساك بجناحي نسر، تبدأه في حضن التاريخ وتنهيه طامعًا، كالطفل الذي يرغب في المزيد. اصطحبني الحراس، بعد سلام مقتضب، إلى داخل المبنى المزنّر بأكياس الرمل الواقية. كانت علامات التعب والقلق البادية على وجوههم تشي بما عانوه طيلة سنوات الحصار الذي ضربه عتاة العالم على أبي عمار وعليهم. قطعنا منطقة مكتبه، التي كنت أعرفها، ولم ندخله. وقفنا أمام باب أفضى إلى ممر طويل يسمى الجسر. كان أبو عمار يجلس على كرسي متواضع وأمامه طاولة صغيرة، يطل عليها، من علٍ، شبّاكٌ رحب، تتسلّل منه أشعة شمس ودودة. كان يلبس قميصه الكاكي وكانت جاكيته الشهيرة معلقة على مشجب بجانبه. دخلت فظلّ جالسًا، لكنه كان ينظر نحوي وبسمة عريضة، تنسي معنى الوجع، تملأ وجهه. اقتربت نحوه فقام فاتحًا ذراعيه وضمّني فشعرت لماذا أحببت وصفه بالوالد. «هذه الشمس هي العبرة، ونحن مثلها كنا منبع الأمل، وكنا مصدر القلق وسنبقى هكذا، رغم المؤامرات والظلم والحصار» جلست قبالته فبدى لي شاحبًا وضعيفًا. حاول أن يحدثني بحيويته التي أعرفها، لكنني أحسست بالمعاناة تفرّ من عينيه. لم أسأله عن صحّته، فكيف يُسأل من يواجه خيانة «الاشقاء» وهجر «الأحباء» ومن يرفض الاستسلام والركوع أمام الأعداء، عن «صحته»؟ كانت يده اليسرى تضغط على قصاصة ورق بدت لي أنها قطعة من جريدة عبرية. فاتحني بحاجته للجلوس على هذا الجسر بشكل يومي، كي يمتص جسده حرارة الشمس الضرورية لسلامته وللمحافظة على نشاطه. «فهنا، كما ترى يا خويا، يبقى النهار ودودًا ومتمردًا على الحصار، والشمس تشرق فلسطينية كما كانت على طول مسيرتنا، فهذه الشمس هي العبرة، ونحن مثلها كنا منبع الأمل، وكنا مصدر القلق وسنبقى هكذا، رغم المؤامرات والظلم والحصار». أصغيت للقهر وللشكوى وهما تفلتان من بين حروف الحزم، وتمنيت لو نصير، في تلك الساعة، غيمتين أو نجمتين فنحلق في المدى. فاجأني وعرض أمامي صورة لتقرير كان الصحافي المعروف ألوف بن قد نشره في جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، وفيه يؤكد على أن المحكمة الدولية في هاغ ستدين إسرائيل بسبب اقترافها جرائم حرب تتعلق ببناء جدار الفصل العنصري وببنائها المستعمرات داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا كله بناء على معلوماته الوثيقة كما كتب. «معقولة.. معقولة.. الكلام دا صح يا جواد؟» سألني كمن ينتظر حبل النجاة، وصمت كالجمر. قرأت الخبر فوافقت على ما جاء فيه، فألوف بن صحافي يحترم ما يكتب ولديه مصادر مطّلعة في إسرائيل وفي دول أخرى، علاوة على احترام جريدة «هآرتس»، غالبًا، لما تنشره من أخبار خاصة في أمور خطيرة ومهمة. ثم أضفت بأنّ مسوّغات القرار، كما ساقها الصحافي، تبدو متماسكة ومنطقية وتتبنى الرواية الفلسطينية العادلة. شرحت موقفي بوضوح وأضفت ببعض الدعابة وقلت «في النهاية، يا أبا عمار، فنحن نؤمن بعدالة قضيتنا وصحة ادعاءاتنا وأننا على حق مبين، فلماذا هذا الاستهجان؟ «نظر إليّ، وهو سيّد هذه المناكفات الخفيفة، وتمتم: طبعًا.. طبعًا.. طبعًا. لم يتحرك طابور السيارات الذي كان واقفًا أمامي بالمرة. فتحت شباك سيارتي واستنجدت برجل شرطة كان يحاول أن «يقسطر» شرايين رام الله المسدودة. «متى سينتهي الحفل؟» سألته فنظر إليّ بغرابة وأجابني بنبرة سخط، معتقدًا أنني أتهكم. «أي حفل يا أستاذ؟ هذه مظاهرة ضد قانون الضمان الاجتماعي، ألا تسمع الهتافات؟» اعتذرت منه مختصرًا، بدون إبلاغه عن «حسن ظني» في الجماهير العريضة، وطلبت أن يوجهني إلى مخرج باتجاه القدس، ففعل. عدنا في المساء إلى رام الله لنلتقي أصحابًا حافظوا وحافظنا على صداقة نعتبرها كنزنا في هذا الزمن الصدئ. سافرنا بجانب الجدار القبيح الذي يندلق من حلق بيت-حنينا، حيّنا المقدسي، ويتعرج كثعابين خرافية بين بيوت الفلسطينيين: جدار من باطون عار، تنفر منه تضاريس المكان، فيرتفع كدخان الذبائح نحو سماء غافية. كان أبو عمار معي في السيارة وكنت استحضر حديثه عن الشمس. حاولت أن أقتفي آثار الأمل الذي زرعه في أرض اليباب، وحاولت أن أهتدي إلى «خيط نايه»، ففي غداة لقائي به فوق ذلك الجسر الحزين، وكما توقعت «هآرتس»، أصدرت، في التاسع من تموز عام 2004، المحكمة في هاغ قرارها/توصيتها الدامغة ضد ممارسات إسرائيل بحق الأرض الفلسطينية وبحق شعبها. أذكر كيف كان ذلك اليوم في المقاطعة يومًا عظيمًا وكيف رقص فيه «الوالد» كما لم يرقص أمام من جمعهم من قادة الفصائل. جلس على رأس الطاولة وأمامه امتدت فلسطين بكامل زيتونها، وبدأ يجري اتصالاته، على مسمع من حضروا، مع معظم «أشقائه» من القادة العرب ومع كثيرين من قادة العالم. لم يسعه المكان، فقد شعر كيف سحق بصموده رأس الأفعى وكيف داس بقدميه ظهر الحصار. تركناه يومها وهو مشتعل كقرص الشمس، وقّادًا مضيئًا، بدون أن نعرف أنه كان يستعدّ لرحلة شتائه القاسية، التي كانت رحلته الأخيرة نحو شمسه الودودة الدافئة. التقينا وأصدقاءنا في المطعم. رام الله في الليل تصير كأبهى العرائس وسيدة المرافئ البعيدة. ليلها يضج بالسحر وبعوّاده الذين يوهمونك بأنك في بلاد العجائب والخيال. تنطلق من حاناتها الأغاني ويتحلق الوطن طاولاتها فتختلط الفواصل بالفصائل ويمتلئ الفضاء برذاذ التفاح والخوخ والنعنع. رام الله مثل تلك الغريبة التي تتركك بين التباسات الورد والشوك، ليلها يزهر كأندلس ويزيح عطرها عتمة النهار ليبقيك على شوق. لم أسرد أمام أصدقائي ما حصل معي في بداية النهار، فلقد أصغينا مضطرين لحوار ساخن تطوّر بين نزلاء طاولة مجاورة لطاولتنا حيث فهمنا أنه بدأ عندما تساءل شاب في أوّل عشرينيّاته ماذا بقي من ياسر عرفات اليوم؟ لم نتابع جميع تفاصيل الحوار، فما سمعناه كان حزينًا وكافيًا. أول المحاورين كان شابٌ حاول اختصار الحكاية بحزم، فأعلن، وهو يشفط سيجارة المالبورو حتى أخمصها، أن «عرفات كان ديكتاتورًا»، بينما قاطعه آخر، يلبس قميصًا مكتوباً عليه «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، فحاول أن يشرح بنبرة تشبه فقه المثقفين اليساريين والثوريين، فقال: «لا بل هو أفظع من هيك.. لقد كان عرفات سبب كل هزائمنا ومصائبنا». لم ننتبه لنهاية نظريته، فلقد قاطعته صبية رفعت سبابتها الممنكرة بالباذنجاني وأخرجت من صدرها سحابة كلها «فخفخينا» وأكدت لأصحابها أنها لا تحب عرفات، فهو ليس على «مودها». كنا هناك لنحتفل بمناسبة يوم زواج الصديقين اللذين تعارفا قبل أربعة عقود، يوم كان للثورة رجال وللنضال قلب، ويوم كان الحب خاليًا من النيكوتين، يعيش في جفون الندى.فماذا يا فلسطين بقي من تلك الثورة؟ وماذا غير الذكرى بقي من أبي عمار؟ كاتب فلسطيني  |
| ماذا في جعبة غير بيدرسون لسوريا Posted: 15 Nov 2018 01:08 PM PST وأخيرا استقال ستافان دي مستورا، رغم أنه لا يريد ذلك. فهو أستاذ في علم إدارة الأزمات وليس في حلها. فقد خلّف خيبات عديدة في العراق وأفغانستان ولبنان. وعندما تقلد المنصب في يوليو/تموز 2014 كتبت في هذه الصحيفة «دي مستورا لإدارة الأزمة وليس لحلها». والمآخذ على دي مستورا كثيرة وأهمها أنه كان يغمض عينيه عن الجرائم التي ترتكبها قوات التحالف ضد المدنيين في منطقتي الرقة ودير الزور، وهي كثيرة ويردد أحيانا مقولات جوقة الدول الثلاث في مجلس الأمن، فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة حول الأسلحة الكيميائية وغيرها. ومن المآخذ عليه أنه تجاوز صلاحياته، خاصة في موضوع تشكيل اللجنة الدستورية، التي اتفقت عليها الأطراف السورية في سوتشي في نهاية يناير/كانون الثاني 2018. بعد دي مستورا اختار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في الواحد والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول المبعوث الدولي الرابع للملف السوري، النرويجي غير بيدرسون، بعد أن فشل ثلاثة من كبار الوسطاء الدوليين المخضرمين. إن اختيار المبعوث الرابع خلال ست سنوات، يشير إلى فشل مأساوي للمجتمع الدولي، وتراجع مخجل لدور الأمم المتحدة ومكانتها ودورها في حل النزاعات الدولية. لقد أحرزت المنظمة الدولية العديد من النجاحات بعد نهاية الحرب الباردة مثل ناميبيا وكمبوديا وتيمور الشرقية وهايتي وليبيريا وسيراليون، وتحرير الكويت من الاحتلال العراقي وتحرير إريتريا من الاحتلال الإثيوبي ونهاية الأبرتهايد في جنوب إفريقيا وإنهاء النزاع في نيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا وكوسوفو والبوسنة وساحل العاج، وتجميد عدد من النزاعات المسلحة، بانتظار الحل السياسي مثل الصحراء الغربية وناغورنو كاراباخ والنزاع الإثيوبي الإريتري ودارفور، وأخيرا جنوب السودان. إلا أن فشل الأمم المتحدة، في حل النزاعات في سوريا واليمن وليبيا، ناهيك عن الجرح النازف أبدا في فلسطين، يثير أكثر من علامة استفهام حول قدرات المنظمة الدولية في التصدي لتحديات الأمن والسلم الدوليين. كان المبعوث الأول المتوفى مؤخرا ـ أمين عام الأمم المتحدة الأسبق، كوفي عنان، قد قدّم مشروع النقاط الست في الثاني من مارس/آذار 2012 التي تبدأ بوقف العمليات المسلحة وإطلاق سراح المعتقلين وتنتهي بالاتفاق على دستور جديد وفترة انتقالية وانتخابات حرة وعادلة ونزيهة، استنادا إلى بيان جنيف الصادر بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2012، الذي وافقت عليه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. أصرت الحكومة السورية على أن يتضمن المشروع تقديم تعهدات من الولايات المتحدة، وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر بوقف دعم المعارضة بالسلاح والمال، وهو ما لم يحصل. كما أصرت المعارضة على أن يسبق أي حل سياسي رحيل الرئيس بشار الأسد. فلا شروط الحكومة كانت مقبولة ولا شروط المعارضة كانت واقعية، فأعلن عنان استقالته في 2 أغسطس/آب 2012 على أن تبدأ في الأول من سبتمبر/أيلول. فشل مأساوي للمجتمع الدولي، وتراجع مخجل لدور الأمم المتحدة ومكانتها ودورها في حل النزاعات الدولية تلاه الأخضر الإبراهيمي الذي عينه الأمين العام السابق، بان كي مون، في 17 أغسطس ليتابع ما بدأه كوفي عنان. لكن الإبراهيمي آثر أن يدول الحل فجمع الأطراف في جنيف ليجري حوارا للاتفاق على نقاط محورية حول رؤية سوريا المستقبل. كان الإبراهيمي يعتقد أن الصراع في سوريا لم يعد سوريا سوريا، بل صراعا بالوكالة بين قوى دولية وأخرى إقليمية، ولكي تنجح الأمم المتحدة في إيجاد حل شامل لا بد من إشراك القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. وبالفعل عقد جلسة دولية لكل تلك القوى، وكان يطمح أن يصل الأطراف إلى تفسير موحد لـ»الفترة الانتقالية» الواردة في بيان جنيف، ودور الرئيس بشار الأسد. وعقد وزيرا الخارجية الروسية والأمريكية لافروف وجون كيري الجلسة الأولى في 23 مايو/أيار 2013 واتفقا على عقد جلسة أخرى موسعة في جنيف. عقدت جولة محادثات جنيف 2 بحضورممثلين عن نحو 40 دولة استثنت منها إيران. عقدت جلستان الأولى من 22- 30 يناير/كانون الثاني والثانية من 10- 15 فبراير/شباط 2014 بدون تحقيق أي اختراق. فاستقال الإبراهيمي في 31 مايو 2014 محتفظا بكرامته رغم أن سهام النقد جاءته من كل حدب وصوب. تم تعيين ستافان دي مستورا في يوليو 2014 وها هو يستقيل بعد أربع سنوات وأربعة أشهر في المنصب. وأهم ما يميز مرحلة دي مستورا هو خروج قواعد اللعبة من أيدي الأمم المتحدة وتحولها تقريبا بالكامل إلى أيدي روسيا وتركيا وإيران. يترك دي مستورا المنصب، والخلاف ما زال قائما على موضوع اللجنة الدستورية المكونة من 150 سوريا. ويترك المنصب وما زال الأمل بعيدا لعقد اجتماع مشترك لجميع أطياف الشعب السوري لصياغة دستور متفق عليه، وتشكيل حكومة مؤقتة ذات صلاحيات تنفيذية، كما تطالب المعارضة، وإجراء انتخابات جديدة تعكس رؤية السوريين في سوريا الجديدة القائمة على التعددية والديمقراطية وسيادة القانون. إذن فشل دي مستورا وبدأ البحث عن بديل له منذ مدة ليست بالقصيرة. وقد شملت قائمة المرشحين أربعة أسماء: يان كوبيش، المبعوث الخاص للأمين العام في العراق، وهو من سلوفاكيا الذي ينهي مهمته نهاية هذا الشهر. ويبدو أن هناك اعتراضا عليه من أكثر من طرف، وقد يكون اسمه طرح فقط للتنويع وربما التمويه. نيكولاي ملادينوف، المبعوث الخاص لفلسطين المحتلة ومنسق عملية السلام في الشرق الأوسط ، لكن سوريا وضعت عليه فيتو وأكدت مصادر أن السوريين قالوا إنهم لن يتعاملوا معه، بسبب انحيازه الواضح للجانب الإسرائيلي في مهمته في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن ينحاز للرواية الإسرائيلية الظالمة في فلسطين لن يكون محايدا في المسألة السورية الشديدة التعقيد. المرشح المفضل لدى السوريين كان وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان العمامرة، الذي لعب دورا مهما كمفوض الاتحاد الإفريقي للسلام والأمن. كما أن لبلده الجزائر مكانة خاصة في العالم العربي، وكذلك ظل موقفها من الأزمة السورية متوازنا وأقرب إلى الموقف الرسمي، وتعتبر ما يجري في سوريا شبيها بما جرى في الجزائر في العشرية السوداء. لكن الحقيقة أن الجزائر هي التي قدمت اعتذارها للأمين العام، وآثرت أن تكون خارج التجاذبات الدقيقة في سوريا بعد تجربة الإبراهيمي وما تعرض له من انتقادات رغم خبرته ومهارته ومهنيته العالية. غير بيدرسون، حيث جرى التوافق عليه بعد اعتذار الجزائر. فالنرويج بلد معروف بحياديته ومواقفه المتزنة وغير الخاضعة لابتزاز الدول الكبرى. كما أن غير بيدرسون يحمل في جعبته ثلاثة عقود من الخبرة السياسية والدبلوماسية كسفير لبلاده في الصين حاليا وممثل دائم لبلاده لدى الأمم المتحدة بين عامي 2012 و2017. كما عمل منسقا للأمم المتحدة في لبنان عامي 2007 و2008 وقبلها مبعوثا خاصا للأمين العام في جنوب لبنان. وعمل موظفا دوليا في مقر الأمم المتحدة ومديرا لقسم آسيا والباسيفيك في إدارة الشؤون السياسية، وشغل منصب مسؤول عن العمليات الميدانية لإدارة شؤون حفظ السلام. أمام بيدرسون مجموعة معطيات يجب أن يتعامل معها كي يضمن مسيرة سلسة لا تودي به إلى التهلكة كسابقيه: أولا- أوراق اللعبة الآن في يد روسيا وإيران وتركيا. روسيا وإيران متمسكتان ببقاء بشار الأسد رئيسا، إلى أن تحسم الانتخابات الحرة والعادلة والشاملة مسألة قيادة المستقبل. وتركيا التي تسيطر على مناطق في أرض سورية طردت منها تجمعات كردية تعتبرها حركات إرهابية، تفضل أن لا يعطى بشار الأسد أي دور في سوريا المستقبل. لقد باعدت تركيا نفسها عن كثير من حركات المعارضة الراديكالية والإرهابية، إلا أن لها علاقات مع بعض الجماعات في منطقة إدلب، مثل هيئة تحرير الشام. أما باقي جماعات المعارضة المعتدلة، كما توصف، فقد تفرقت من حيث الأهداف والولاءات وهي في أضعف حالاتها. ثانيا ـ ما زالت الولايات المتحدة تسيطر على أجزاء في منطقة الرقة ودير الزور وتصر على البقاء هناك تحت حجة مراقبة الأنشطة الإيرانية في سوريا والعراق. وترتكب الولايات المتحدة وحفنة صغيرة مما يسمى التحالف الدولي جرائم شنيعة بحق المدنيين السوريين، تحت حجة محاربة «داعش» وهو عذر أقبح من ذنب لأن هذا التحالف سهل حركات الإرهابيين وتنقلاتهم من منطقة لأخرى. ثالثا- دور الأمم المتحدة أصبح ذيليا ويجب أن يقر بيديرسون بذلك، فالأمم المتحدة لا تملك أوراق الحل، وعليها أن تنتظر التوافق الدولي للحل النهائي، وهو ما نتوقعه خلال عام 2019 برعاية روسية إيرانية تركية بعد حل جيب إدلب الذي يشكل عقبة في طريق الحل النهائي. ولا نستبعد أن تقوم القوات السورية باستعادته بالقوة، كما فعلت في أكثر من منطقة، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية بإخراج نحو 120000 مسلح يحتمون داخل ثلاثة ملايين مدني. رابعا- على بيدرسون أن يركز جهده الأساسي على ثلاثة مواضيع أساسية أولها إعادة المهجرين واللاجئين إلى سوريا بعد ضمان عودة سالمة وآمنة ومستدامة، وثانيها موضوع إعادة الإعمار بقيادة روسية صينية ودول أوروبية لم تشترك في تدمير سوريا، وثالثا الانتقال السلمي تحت رعاية أممية لسوريا المستقبل القائمة على التعديدة والحرية والديمقراطية، التي تحنو على جميع أبنائها وتمكن شعبها كاملا من اختيار شكل حكومته وقيادتها، بعيدا عن الاستئثار أو الإقصاء. بذلك سيذكر التاريخ غير بيدرسون ويستحق عندها جائزة نوبل للسلام، حلم دي مستورا المفقود. محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي  |
| تحت المظلة الأمريكية Posted: 15 Nov 2018 01:00 PM PST |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق